خطبة العفو
د. ماجد بلال
خطبة العفو
ماجد بلال شربه – جامع النور بتبوك 20-12-2024
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
أيها المؤمنون:
نيابة عن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين استقبل أمير منطقة تبوك ونائبه المواطن/ المواطن عبد اللطيف بن أحمد الربيلي العطوي حينما ضرب أروع الأمثلة لما عفا عن قاتل ابنه قبل تنفيذ القصاص بدقائق معدودة، وقد ضرب بهذا العفو أروع الأمثلة في النبل والكرم والصبر والاحتساب وابتغاء ما عند الله، وهو بهذا الفعل النبيل الشريف مثّل للعفو الحقيقي وهو العفو عند المقدرة، ولم يقبل ريالاً واحداً، عفى لوجه الله وقد امتثل قوله تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) وهو بهذا العفو كما قال تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)، وهو بذلك قد أعتق رقبة لوجه الله، وقد تجاوز ان شاء الله أهوال الاخرة (ﵟفَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ 11 وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ 12 فَكُّ رَقَبَةٍ 13ﵞ [البلد: 11-13] ،
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً مسلمةً أعْتَقَ اللهُ بكُلِّ عُضْوٍ منهُ عُضواً منهُ من النَّار، حَتَّىٰ فَرْجَهُ بفَرْجِهِ». متفقٌ عليه.
عبد اللطيف الربيلي العطوي أحيا نفساً مسلمة ومكّنها من الصلاة والعبادة فكل حسنة يفعلها المعفو عنه، هي في ميزان من عفا عنها ومكنها من الحياة بعد حكم عليها بالقصاص، اسالكم بالله هل هذه النعمة والحسنات تباع بملايين الريالات، والله إن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة ولو وزنت جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء
أيها المؤمنون تواصوا بالبر والتقوى، ربوا اولادكم على مخافة الله وتقواه، وحفظ حقوق الاخرين وعدم الاعتداء عليها، علموهم حب الخير للغير واحترام الاخرين واحترام الذوق العام، ابتعدوا عن كل ما يثير النعرات القبلية، ذكروهم أن اخوة الإسلام هي أكبر نعمة في التاريخ ﵟ(هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ 62 وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ 63)ﵞ [الأنفال: 62-63]
ذكروهم بقوله r (مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)
ذكروهم بقوله r (المسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه مَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ بها عنه كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ ومَن ستَر مسلمًا ستَره اللهُ يومَ القيامةِ)
وبقوله r (ليس الشديد بالصرعة وانما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)
علموهم أن الرجولة في المحافظة على الصلاة ومخافة الله والأخلاق الكريمة الفاضلة لا بالقوة والضرب والبطش والظلم
علموا أولادكم أنهم في بلد اسمه المملكة العربية السعودية بلد الدين والعزة والكرامة، بلد العدل والانصاف والامن والأمان بلد الحق بلد النظام بلد القانون وإقامة شرع الله على القوى والضعيف بفضل الله ومنته.
علموا اولادكم ان الله يقول (ﵟمِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ 32 إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) 33 ﵞ [المائدة: 32-33]
علموهم أن (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)
علموهم أن النبي r قال وهو في الحج في عرفات (فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا)
اخبروهم الله يقول (ﵟوَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗاﵞ )
الله اهدنا الى مكارم الأخلاق والافعال والاقوال لا يهدي الى احسنها الا انت، واصرف عنا سيئ الأخلاق والافعال والاقوال لا يصرف عنا سيئها الا انت،
اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وبعد هذا كله لو قدّر وأخطأ عليهم أحد من الناس ولم يكن ذلك دفاعاً عن الدين أو الشرف أو المال، أن ذلك هين يسير يمكن التغاضي والعفو عنه.
علمهم أن يتجاهلوا الأخطاء العابرة، ليس ضعفاً بل حكمة وعقلاً وهو من صفات عباد الرحمن (ﵟوَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا ﵞ [الفرقان: 63]
علموهم أن العفو سيد الأخلاق قال الله تعالى:
(وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيم ﵟوَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ 35 وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ 36ﵞ [فصلت: 35-36] فصلت: 34].
وَقَالَ سُبحَانَهُ: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُهَا فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالمِينَ) [الشورى: 40].
العفو ليس من أخلاق الصغار ولا يستطيعونه
العفو من أخلاق الكبار الذين لهم قدم وسبق
قال الله (خُذِ العَفوَ وَأْمُرْ بِالعُرفِ وَأَعرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199]. وَقَالَ تَعَالى: (فَاصفَحِ الصَّفحَ الجَمِيلَ) [الحجر: 85].
قذف رجلٌ عائشة t فغضب أبوها أبو بكر t وحلف ألا ينفق عليه فأنزل الله ﵟ(وَلَا يَأۡتَلِ -أي لا يحلف- أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ) فقال أبو بكر t الله بلى أحب أن يغفر الله لي، بلى أحب أن يغفر الله لي، بلى أحب أن يغفر الله لي
وأعاد النفقة على قاذف ابنته لوجه الله فأنزل الله سبحانه ﵟفَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ 14 لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى 15 ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ 16 وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى 17 ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ 18 وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ 19 إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ 20 وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ 21 ﵞ [الليل: 14-21]
والله هو العفو العفور الذي يعفو ويغفر ولا أحد أكثر عفوا من الله سبحانه وتعالى ولا أدل على عفوه أنه يبدل سيئات التاب إلى حسنات ﵟإِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗاﵞ [الفرقان: 70]
والنبي r من صفاته العفو فلما مكنه الله من رقاب صناديد قريش في فتح مكه قال لهم: ما تظنون اني فاعل بكم قالوا اخ كريم وابن اخ كريم قال: اذهبوا فانتم الطلاق
(ﵟلَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞﵞ )
عَن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- قَالَت: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-شَيئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلا امرَأَةً وَلا خَادِمًا، إِلاَّ أَن يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنهُ شَيءٌ قَطُّ فَيَنتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ إِلاَّ أَن يُنتَهَكَ شَيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ تَعَالى فَيَنتَقِمُ للهِ تَعَالى". (رَوَاهُ مُسلِمٌ).
وقال r («وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا» (رَوَاهُ مُسلِمٌ).
وقد عفا يوسف عن اخوته ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
ابشر يا عبد اللطيف بالخير من الله
ابشر يا عبد اللطيف بالأجر من الله
والله يا عبد اللطيف لن تكون أكرم من الله وسيغمرك الله بكرم عظيم من عنده.
صلوا وسلموا ....
المرفقات
1734682364_خطبة العفو.pdf
1734682367_خطبة العفو.docx