خطبة : (العشر الأخيرة ميدان المشمرين)

عبدالله البصري
1439/09/24 - 2018/06/08 01:02AM

العشر الأخيرة ميدان المشمرين    23 / 9 / 1439

 

الخطبة الأولى :

 أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَومُنَا هَذَا هُوَ الثَّالِثُ مِن عَشرِ رَمَضَانَ الأَخِيرَةِ ، وَلَيلَتُنَا هَذِهِ هِيَ الرَّابِعَةُ في لَيَالٍ نَيِّرَاتٍ ، لَيَالٍ يَتَمَايَزُ فِيهَا المُجِدُّونَ مِنَ المُفَرِّطِينَ ، وَيَتَبَيَّنُ المُقبِلُونَ مِنَ المُدبِرِينَ ، وَيَظهَرُ الحَرِيصُونَ مِنَ المُتَكَاسِلِينَ ، وَهَل أَحَدٌ أَشَدُّ تَفرِيطًا وَكَسَلاً وَإِدبَارًا ، بَل وَأَسوَأُ حَظًّا وَأَضعَفُ عَقلاً وَأَقَلُّ تَدبِيرًا ، مِمَّن يُفَرِّطُ في قِيَامِ عَشرِ لَيَالٍ مَعَ إِمَامٍ في بَيتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ ، وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّهُ بِاستِيفَائِهِ القِيَامَ في كُلِّ هَذِهِ العَشرِ سَيُدرِكُ قَطعًا لَيلَةَ القَدرِ ، تِلكُمُ اللَّيلَةُ الَّتي عَظَّمَهَا اللهُ وَشَرَّفَهَا وَأَعلَى قَدرَهَا ، وَضَاعَفَ الأَجرَ فِيهَا وَأَجزَلَ الثَّوَابَ لِلعَامِلِينَ ، حَتَّى كَانَتِ العِبَادَةُ فِيهَا خَيرًا مِنَ العِبَادَةِ في ثَلاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً ؟! أَجَلْ – أَيُّهَا الإِخوَةُ – وَاللهِ مَا في النَّاسِ أَجهَلُ وَلا أَكسَلُ وَلا أَغفَلُ ، مِمَّن يَكسَلُ وَيَغفَلُ في هَذِهِ اللَّيالي الَّتي هِيَ أَعظَمُ لَيَالي العَامِ عَلَى الإِطلاقِ ، بِمَا فِيهَا مِن هَذِهِ اللَّيلَةِ الشَّرِيفَةِ المُنِيفَةِ ، الَّتِي شَهِدَت نُزُولَ كِتَابِ اللهِ الكَرِيمِ ، وَفِيهَا يُقَدَّرُ كُلُّ أَمرٍ حَكِيمٍ ، وَفِيهَا تَتَنَزَّلُ المَلائِكَةُ بِالرَّحَمَاتِ وَالخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ ، وَمَن قَامَهَا إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ، وَهِيَ سَلامٌ مِنَ العَذَابِ وَالعِقَابِ وَالآثَامِ وَالآفَاتِ وَالشُّرُورِ " إِنَّا أَنزَلنَاهُ في لَيلَةِ القَدرِ . وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ . لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ . تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطلَعِ الفَجرِ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في مِثلِ هَذِهِ العَشرِ كَانَ نَبِيُّنَا وَقُدوَتُنَا وَإِمَامُنَا – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَسَلَفُ الأُمَّةِ مِن بَعدِهِ ، كَانُوا يَجِدُّونَ في العِبَادَاتِ وَيَنشَطُونَ في الطَّاعَاتِ ، يَتلُونَ القُرآنَ وَيَتَبَتَّلُونَ ، وَيَلزَمُونَ المَسَاجِدَ وَيَعتَكِفُونَ ، وَيُحيُونَ اللَّيلَ كُلَّهُ أَو مُعظَمَهُ بِالصَّلاةِ وَغَيرِهَا مِنَ العِبَادَاتِ وَالقُرُبَاتِ ، وَيُوقِظُونَ أَهلِيهِم وَيَحُثُّونَهُم عَلَى التَّعَبُّدِ وَالتَّقَرُّبِ ، وَفي مِثلِ هَذِهِ العَشرِ كَانَ فَتحُ مَكَّةَ ، وَظُهُورُ الحَقِّ وَزُهُوقُ البَاطِلِ ، وَعُلُوُّ الإِسلامِ عَلَى جَمِيعِ الأَديَانِ ، وَتَطهِيرُ الكَعبَةِ المُشَرَّفَةِ مِنَ الأَصنَامِ ، فَهِيَ عَشرُ نَشَاطٍ وَجِدٍّ وجِهَادٍ ، لا عَشرَ خُمُولٍ وَفُتُورٍ وَكَسَلٍ ، ثم هِيَ مِن وَجهٍ آخَرَ عَشرُ الخِتَامِ ، وَإِنَّمَا الأَعمَالُ بِالخَوَاتِيمِ ، وَقَد كَانَ عُقَلاءُ الأُمَّةِ إِذَا دَخَلَتِ العَشرُ ، رَفَعُوا هِمَمَهُم إِلى مُنتَهَاهَا ، وَبَذَلُوا مِن جُهُودِهِم أَقصَاهَا ، لِعِلمِهِم أَنَّهَا آخِرُ السِّبَاقُ ، وَإِنَّمَا تُخرِجُ جِيَادُ الخَيلِ كُلَّ مَا عِندَهَا مِن قُوَّةِ الجَرْيِ إِذَا قَارَبَت رَأْسَ مَجرَاهَا . فَاللهَ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - في إِتمَامِ العَمَلِ وَإِكمَالِهِ وَإِتقَانِهِ ، وَتَحَرِّي لَيلَةِ القَدرِ وَالحِرصِ عَلَى التَّعَرُّضِ لِنَفَحَاتِ اللهِ فِيهَا ، فَإِنَّهَا غَنَائِمُ عَظِيمَةٌ غَالِيَةٌ ، إِذَا ذَهَبَت وَمَضَت فَلَن تَعُودَ إِلاَّ عَلَى الأَحيَاءِ ، وَهَل لَدَى أَحَدٍ مِنَّا ضَمَانٌ بِأَن يَعِيشَ حَتَّى يُدرِكَهَا مِن قَابِلٍ ؟! أَلا فَلْنَغتَنِمْهَا بِهِمَّةٍ وَنشَاطٍ ، وَلْنَختِمِ الشَّهرَ المُبَارَكَ بِخَيرِ أَعمَالِنَا ؛ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَوَاللهِ لَو ضَيَّعَ أَحَدُنَا العِشرِينَ الأُوَلَ ، ثُمَّ بَلَّغَهُ اللهُ خَيرَ اللَّيَالي وَأَفضَلَهَا ، فَعَادَ فِيهَا إِلى رَبِّهِ وَتَابَ مِن ذَنبِهِ ، وَقَامَ مُنَاجِيًا خَالِقَهُ طَالِبًا عَفوَهُ ، لَكَانَ حَرِيًّا بِالخَيرِ الكَثِيرِ وَالرِّبحِ الوَفِيرِ . وَإِنَّ للهِ في كُلِّ لَيلَةٍ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ ، فَهَل تُرَونَهُم يَكُونُونَ مِن أَهلِ الشَّوَارِعِ اللاَّهِينَ السَّامِدِينَ ، أَم مِن أَحلاسِ المَجَالِسِ الفَارِغِينَ ، أَم مِنَ العَاكِفِينَ الرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ ؟! إِنَّ التَّعَبَ مَخلُوفٌ ، وَالنَّومَ مُدرَكٌ ، وَقَد خَالَطنَا الدُّنيَا وَاشتَغَلنَا بِهَا كَثِيرًا حَتَّى أَمرَضَت قُلُوبَنَا وَأَشقَت أَروَاحَنَا ، وَالمَحرُومُ مِنَّا مَن تَمُرُّ عَلَيهِ لَيلَةُ القَدرِ وَهُوَ في لَهوٍ وَسَمَرٍ ، النَّاسُ مِن حَولِهِ يُصَلُّونَ ، وَيَركَعُونَ وَيَسجُدُونَ ، وَيَذكُرُونَ اللهَ وَيَدعُونَ وَيَبتَهِلُونَ ، وَهُوَ مَشغُولٌ بِمَلءِ بَطنِهِ ، أَو إِسعَادِ عَينَيهِ بِمُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ ، أَو إِمتَاعِ أُذُنَيهِ بِالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالاستِهزَاءِ ، أَو عَاكِفٌ عَلَى سَمَاعِ مَا حَرَّمَهُ اللهُ ، أَو نَائِمٌ في فِرَاشِهِ يَغُطُّ في غَفلَتِهِ وَيَتَقَلَّبُ في أَحلامِهِ ، أَو يَتَمَشَّى في الأَسوَاقِ يَجمَعُ أَغرَاضَ عِيدِهِ وَيُعِدُّ الجَدِيدَ . لَيسَ أَسعَدُ النَّاسِ بِالعِيدِ ، مَن ضَيَّعَ وَقتَهُ في العَشرِ بِشِرَاءِ الجَدِيدِ ، وَلَكِنَّ أَسعَدَهُم بِالعِيدِ وَأَحرَاهُم بِالفَرَحِ فِيهِ وَالسُّرُورِ ، مَن كَانَ مِن أَهلِ العَمَلِ الصَّالحِ وَالقُرُبَاتِ ، وَالصَّلَوَاتِ وَالدَّعَوَاتِ ، وَلَيسَ أَعقَلُ النَّاسِ في مِثلِ هَذِهِ المَوَاسِمِ الأُخرَوِيَّةِ ، مَنِ استَغَلَّهَا لِمَصَالِحِهِ الدُّنيَوِيَّةِ ، وَزَاحَمَ لِبَيعٍ وَشِرَاءٍ وَتَكَسُّبٍ ، وَلَكِنَّ أَعقَلَهُم مَنِ استَعَدَّ فِيهَا لِمَا بَعدَ المَوتِ ، فَعَن ابنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّهُ قَالَ : كُنتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ثم قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ المُؤمِنِينَ أَفضَلُ ؟ قَالَ : " أَحسَنُهُم خُلُقًا " قَالَ : فَأَيُّ المُؤمِنِينَ أَكيَسُ ؟ قَالَ : أَكثَرُهُم لِلمَوتِ ذِكرًا وَأَحسَنُهُم لِمَا بَعدَهُ استِعدَادًا ، أُولَئِكَ الأَكيَاسُ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَمَعنى قَولِهِ :" أَيُّ المُؤمِنِينَ أَكيَسُ " أَيْ أُيُّهُم أَعقَلُ . وَمَعنى قَولِهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " أُولَئِكَ الأَكيَاسُ " أَيْ أُولَئِكَ هُمُ العُقَلاءُ . نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّ أَعقَلَ النَّاسِ هُم أَكثُرُهُم ذِكرًا لِلمَوتِ ، وَأَكثَرُهُم لِمَا بَعدَهُ استِعدَادًا ، وَإِذَا لم يَكُنِ الاستِعدَادُ في هَذِهِ اللَّيَالي المُبَارَكَةِ الَّتي يُضَاعَفُ فِيهَا أَجرُ العَمَلِ الصَّالِحِ أَضعَافًا كَثِيرَةً لا مَثِيلَ لَهَا ، فَمَتَى يَكُونُ الاستِعدَادُ ؟! وَمَتَى يَعمَلُ العَامِلُ أَو يَتَزَوَّدُ المُتَزَوِّدُ العَاقِلُ ؟ وَمَتَى عَسَاهُ أَن يَكسِبَ المُرَابِحُ أَو يَنتَبِهَ الغَافِلُ ؟! إِنَّ مَن حُرِمَ الخَيرَ في لَيلَةِ القَدرِ فَهُوَ المَحرُومُ حَقًّا ، وَالَّذِي قَرَّرَ ذَلِكَ هُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ الَّذِي لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى ، حَيثُ قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم ، وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ مَحرُومٌ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ، وَلْنُودِعْ خَيرَ اللَّيالي أَفضَلَ مَا نَقدِرُ عَلَيهِ مِن طَاعَاتٍ وَقُرُبَاتٍ ، وَلْنَستَثمِرْ دَقَائِقَهَا وَالسَّاعَاتِ ، وَلْنُصَوِّمِ العُيُونَ وَالأَلسِنَةَ وَالآذَانَ وَالقُلُوبَ ، وَلْيَكُنْ لأَحَدِنَا مِنَ الاعتِكَافِ حَظٌّ وَلَو لَيلَةً وَاحِدَةً ، فَمَا زَالَت أَبوَابُ الجَنَّةِ مُفَتَّحَةً ، وَأَبوَابُ النَّارِ مُغَلَّقَةً ، وَمَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ مُصَفَّدَةً ، وَمَا زِلنَا نَعِيشُ أَجوَاءَ النِّدَاءِ الرَّبَّانيِّ العَظِيمِ : " يَا بِاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ " وَكَم بَينَ أَيدِينَا مِنَ الفُرَصِ وَالغَنَائِمِ ، صَدَقَةً وَبِرًّا وَإِحسَانًا ، وَصَلاةً وَتَنَفُّلاً وَقِيَامًا ، وَقِرَاءَةً لِلقُرآنِ وَذِكرًا ، وَلُزُومًا لِلمَسَاجِدِ وَاعتِكَافًا ، وَتَفَرُّغًا لِلعِبَادَةِ وَدُعَاءً ، وَتَحَرِّيًا لِلَيلَةِ القَدرِ وَاصطِبَارًا " يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبلِكُم وَيَتُوبَ عَلَيكُم وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا . يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا "

 

 

 الخطبة الثانية :

 أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى " فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالحُسنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى . وَكَذَّبَ بِالحُسنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى . وَمَا يُغنِي عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى "

عِبَادَ اللهِ ، كَم في هَذِهِ اللَّيَالي النَّيِّرَةِ مِن جِبَاهٍ سَاجِدَةٍ ، وَقُلُوبٍ خَاشِعَةٍ وَعُيُونٍ دَامِعَةٍ ، وَأَكُفٍّ مَرفُوعَةٍ وَأَفئِدَةٍ ضَارِعَةٍ ، وَأَقدَامٍ مُنتَصِبَةٍ في مَحَارِيبِهَا ، وَصُفُوفٍ مُنتَظِمَةٍ في مَسَاجِدِهَا . خُشُوعٌ وَدُمُوعٌ ، وَتَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ ، وَنَشِيجٌ وَبُكَاءٌ ، وَقُلُوبٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّمَاءِ ، وَجُنُوبٌ مُتَجَافِيَةٌ عَنِ الأَرضِ ، عَظُمَت في اللهِ المَطَامِعُ ، فَهُجِرَتِ المَجَالِسُ وَالمَضَاجِعُ ، يَتَلَذَّذُونَ بِمُنَاجَاةِ مَولاهُم وَخَالِقِهِم ، وَيَأنَسُونَ بِالخَلوَةِ بِهِ وَتَطِيبُ قُلُوبُهُم بِالقُربِ مِنهُ ، قَد أَنسَتْهُم لَذَّةُ الطَّاعَةِ كُلَّ لَذَائِذِ الدُّنيَا ، وَأَطَارَ ذِكرُ المَرجِعِ وَالمَعَادِ النَّومَ مِن عُيُونِهِم ، فَقَامُوا خَاشِعِينَ مُتَبَتِّلِينَ ، يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا ، وَيَخِرُّونَ لِلأَذقَانِ سُجَّدًا ، لِسَانُ الوَاحِدِ مِنهُم : اللَّهُمُّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعْفُ عَنِّي ، أُولَئِكَ هُمُ الأَخيَارُ الأَبرَارُ ، قَد عَرَفُوا هَولَ المَطلِعِ وَعَظَمَةَ الجَبَّارِ ، فَأَعَدُّوا لِلمَوقِفِ عُدَّتَهُ ، وَاتَّخَذُوا لِلرَّحِيلِ أُهبَتَهُ ، فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا الصَّائِمُونَ - وَلْنُشَارِكِ الصَّالِحِينَ وَلْنَتَشَبَّهْ بِالمُفلِحِينَ ، وَلْنَسْتَعِنْ بِاللهِ وَلْنَحْذَرِ الكَسَلَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "

قَبلَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ ، مَلأَ الفَرَحُ قُلُوبَنَا وَخَالَجَ السُّرُورُ أَفئِدَتَنَا ، وَتَبَادَلنَا التَّهَانِيَ بِحُلُولِ شَهرِ الخَيرِ وَالطَّاعَةِ وَالإحسَانِ ، وَهَا نَحنُ اليَومَ في العَشرِ الأَخِيرَةِ ، فَيَا مَن قَصَّرَ في العِشرِينَ وَكُلُّنَا مُقَصِّرُونَ ، هَا أَنتَ قَد وُفِّقتَ لإِدرَاكِ العَشرِ الأَخِيرَةِ ، فَانتَبِهْ وَاستَأنِفِ العَمَلَ الصَّالِحَ وَبَادِرْ بِالطَّاعَةِ ، وَضَاعِفِ الجُهدَ وَسَابِقْ وَنَافِسْ ، عَجِّلْ بِالمَعرُوفِ وَسَارِعْ بِالإحسَانِ ، فَـ " التُّؤَدَةُ في كُلِّ شَيءٍ خَيرٌ إِلاَّ في عَمَلِ الآخِرَةِ "

المرفقات

الأخيرة-ميدان-المشمرين

الأخيرة-ميدان-المشمرين

الأخيرة-ميدان-المشمرين-2

الأخيرة-ميدان-المشمرين-2

المشاهدات 1934 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا