خطبة : ( العزة الكاذبة )

عبدالله البصري
1438/08/01 - 2017/04/27 20:43PM
العزة الكاذبة 1 / 8 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُ يَا عَبدَ اللهِ ، تُحَدِّثُكَ النَّفسُ أَنَّكَ أَشجَعُ النَّاسِ وَأَقوَاهُم ، أَو أَزكَاهُم عَقلاً وَأَذكَاهُم ، أَو أَعرَقُهُم نَسَبًا أَو أَعلاهُم حَسَبًا ، أَو أَكثَرُهُم مَالاً أَو أَحسَنُهُم حَالاً ، وَرُبَّمَا تَاهَت بِكَ نَفسُكَ وَخَدَعَتكَ ، وَأَخرَجَتكَ مِن وَاقِعِكَ وَأَلبَسَتكَ لِبَاسًا لَيسَ لَكَ ، فَأَنسَتكَ بِدَايَةَ خَلقِكَ وَمَا تَؤُولُ إِلَيهِ في آخِرِ حَيَاتِكَ ، وَغَيَّبَتكَ عَمَّا يَنتَهِي بِهِ أَمرُكَ بَعدَ مَمَاتِكَ ، وَرُبَّمَا بَلَغَ بِكَ التِّيهُ وَالكِبرُ وَرُؤيَةُ النَّفسِ وَالعُجبُ إِلى أَن تَظلِمَ مَن هُوَ أَضعَفُ مِنكَ ، أَو تَحتَقِرَ مَن تَرَاهُ أَقَلَّ مِنكَ شَأنًا ، وَرُبَّمَا هَجَرتَ قَرِيبًا أَو نَسِيتَ حَبِيبًا ، أَو أَهَنتَ جَارًا أَوِ استَصغَرتَ زَمِيلاً ، أَو تَهَاوَنتَ بِحَقِّ بِنتٍ لِحَيَائِهَا ، أَو ظَلَمتَ زَوجَةً لِضَعفِهَا ، أَو بَخَستَ عَامِلاً مَا لَهُ عَلَيكَ لِقِلَّةِ حِيلَتِهِ ، أَو نَقَصَت أَجِيرًا أَجرَهُ لِغُربَتِهِ ، أَو غَشَشتَ مُشتَرِيًا مِنكَ لِقِلَّةِ نَبَاهَتِهِ ، أَو أَسكَتَّ مُتَكَلِّمًا لِقَوَّةِ لِسَانِكَ وَضَعفِ حُجَّتِهِ .
فَإِذَا حَدَّثَتكَ النَّفسُ يَومًا بِأَنَّكَ إِنَّمَا تَفعَلُ ذَلِكَ شَجَاعَةً وَعِزَّةً وَأَنَفَةً ، أَوِ انتِصَارًا لِنَفسِكَ وَارتِفَاعًا بها ، أَو إِثبَاتًا لِوُجُودِكَ وَاستِعرَاضًا لِقُدرَتِكَ ، أَو إِظهَارًا لِكَونِكَ عَزِيزَ الجَانِبِ فَلا تُوطَأُ مَهَابَتُكَ ، فَتَذَكَّرْ أَنَّكَ وَإِن وَصَلتَ إِلى مَا وَصَلتَ إِلَيهِ لِقُوَّةِ جَسَدٍ أَو وَفرَةِ مَالٍ أَو كَثرَةِ وَلَدٍ ، أَو بَلَغتَ مَا بَلَغتَ لِعُلُوِّ جَاهٍ أَو عِزِّ عَشِيرَةٍ ، تَذَكَّرْ أَنَّكَ لا تَخرُجُ عَن أَن تَكُونَ وَاحِدًا مِن بَني آدَمَ ، لم تَكُنْ فِيمَا مَضَى شَيئًا مَذكُورًا ، وَكُنتَ في حَيِّزِ العَدَمِ دُهُورًا ، ثم خُلِقتَ كَمَا خُلِقَ غَيرُكَ ، وَنَشَأتَ مِن ضَعفٍ كَمَا نَشَأَ سِوَاكَ ، وَسَتَعُودُ إِلى الضَّعفِ كَمَا عَادَ إِلَيهِ مَن قَبلَكَ ، أَوَّلُكَ نُطفَةٌ مَذِرَةٌ ، وَآخِرُكَ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ ، وَأَنتَ فِيمَا بَينَ ذَلِكَ تَحمِلُ العَذِرَةَ ، إِن طَالَ عُمُرُكَ فَأَنتَ إِلى ذَهَابِ العَقلِ وَالخَرَفِ ، وَإِلاَّ فَنِهَايَتُكَ المَوتُ وَالفَنَاءُ وَالتَّلَفُ ، قَالَ رَبُّكَ وَخَالِقُكَ – سُبحَانَهُ - : " اللهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن ضَعفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ ضَعفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ قُوَّةٍ ضَعفًا وَشَيبَةً يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنتُم في رَيبٍ مِنَ البَعثِ فَإِنَّا خَلَقنَاكُم مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُضغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُم وَنُقِرُّ في الأَرحَامِ مَا نَشَاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخرِجُكُم طِفلاً ثُمَّ لِتَبلُغُوا أَشُدَّكُم وَمِنكُم مَن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَن يُرَدُّ إِلى أَرذَلِ العُمُرِ لِكَيلا يَعلَمَ مِن بَعدِ عِلمٍ شَيئًا "
وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلنَاهُ نُطفَةً في قَرَارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ خَلَقنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقنَا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقنَا المُضغَةَ عِظَامًا فَكَسَونَا العِظَامَ لَحمًا ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحسَنُ الخَالِقِينَ . ثُمَّ إِنَّكُم بَعدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ . ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القِيَامَةِ تُبعَثُونَ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " أَلم نَخلُقْكُم مِن مَاءٍ مَهِينٍ " وَقَالَ - تَعَالى - : " فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِن مَاءٍ دَافِقٍ . يَخرُجُ مِن بَينِ الصُّلبِ وَالتَّرَائِبِ . إِنَّهُ عَلَى رَجعِهِ لَقَادِرٌ . يَومَ تُبلَى السَّرَائِرُ . فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ "
أَفَيَلِيقُ بِمَن هَذِهِ بِدَايَتَهُ وَتِلكَ هِيَ نِهَايَتُهُ ، أَن يَكُونَ مِن أَهلِ الطُّغيَانِ وَالاستِكبَارِ في الأَرضِ ، أَوِ الاعتِدَاءِ عَلَى النَّاسِ وَاحتِقَارِ الخَلقِ ؟!
وَلا تَمشِ فَوقَ الأَرضِ إِلاَّ تَوَاضُعًا ... فَكَم تَحتَهَا قَومٌ هُمُ مِنكَ أَرفَعُ
وَإِن كُنتَ ذَا عِزٍ وَجَاهٍ وَمَنعَةٍ ... فَكَم مَاتَ مِن قَومٍ هُمُ مِنكَ أَمنَعُ
عَبدَ اللهِ ، مَا بِكَ مِن نِعمَةٍ فَهِيَ مِنَ اللهِ ، فَاللهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَكَ ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي رَزَقَكَ ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي أَطعَمَكَ وَسَقَاكَ ، وَأَعطَاكَ الصِّحَّةَ وَالقُوَّةَ وَعَافَاكَ ، وَوَهَبَكَ المَالَ وَالوَلَدَ وَحَبَاكَ " وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللهِ " لَكِنَّ كُلَّ مَا وُهِبتَهُ في هَذِهِ الدُّنيَا وَأُوتِيتَهُ ، إِنَّمَا هُوَ عَارِيَّةٌ مَردُودَةٌ ، بَل هُوَ ابتِلاءٌ لَكَ وَاختِبَارٌ ، فَلا تُغَرَّنَّكَ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَزِينَتُهَا ، وَلا تُنسِيَنَّكَ ابتِسَامَةُ الأَيَّامِ وَبَهجَتُهَا ، وَتَذَكَّرْ يَومًا تَقَعقَعُ فِيهِ رُوحُكَ ، وَتُحشرِجُ الرُّوحُ في صَدرِكَ ، وَتُنتَزَعُ مِن سَائِرِ جَسَدِكَ ، تَبرُدُ قَدَمَاكَ ، وَتَرتَجِفُ يَدَاكَ ، وَيَزِيدُ نَبضُ قَلبِكَ ، وَيَضعُفُ صَوتُكَ ، وَتَتَلَعثَمُ بِكَلِمَاتِكَ ، وَيَثقُلُ لِسَانُكَ ، وَلا يَستَطِيعُ مَن حَولَكَ أَن يُغنُوا عَنكَ شَيئًا ، يَرَاكَ الابنُ الكَبِيرُ فَلا يَملِكُ إِلاَّ أَن يَشرَقَ بِعَبَرَاتِهِ ، وَالبِنتُ فَلا تُحِيرُ إِلاَّ أَن تَصِيحَ وَتَبكِي ، وَالصَّغِيرُ فَلا يَذكُرُ إِلاَّ يُتمَهُ ، وَالزَّوجَةُ فَلا تَذكُرُ إِلاَّ تَرَمُّلَهَا وَتَأَيُّمَهَا ، وَأَنتَ في حَالٍ مِنَ الكَربِ وَالشِّدَّةِ ، وَالضَّعفِ وَالمَسكَنَةِ ، وَالعَجزِ وَقِلَّةِ الحِيلَةِ ، تَمُرُّ بِكَ الذِّكرَيَاتُ سَرِيعًا ، فَتَتَمَنَّى مِن كُلِّ قَلبِكَ أَنَّكَ لم تَبغِ وَلم تَظلِمْ ، وَلم تَتَعَدَّ عَلَى حَقٍّ وَلم تَتَجَاوَزْ بِبَاطِلٍ ، وَلَكِنْ هَيهَاتَ هَيهَاتَ ، لَقَد ذَهَبَت عِزَّتُكَ ، وَانتَهَت قُوَّتُكَ ، وَحَانَ يَومُ رَحِيلِكَ وَوَدَاعِكَ ، وَغَدًا تَلقَى رَبَّكَ الَّذِي لا يُظلَمُ عِندَهُ أَحَدٌ أَبَدًا ، فَيَقتَصُّ مِنكَ كُلُّ مَن ظَلَمتَهُم أَو بَخَستَهُم حُقُوقَهُم ، أَو هَضَمتَهُم أَوِ احتَقَرتَهُم ، يَقتَصُّونَ مِنكَ وَيَأخُذُونَ أَغلَى مَا تَملِكُ ، وَيَذهَبُونَ بِمَا جَمَعتَ مِن حَسَنَاتٍ ، فَأَينَ أَنتَ وَالعِزَّةُ حِينَئِذٍ ؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ثَمَّةَ عِزَّةٌ كَاذِبَةٌ يَتَّصِفُ بها فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ ، وَلَو فَقِهُوا وَعَلِمُوا ، لَكَانَ لَهُم في كَلامِ اللهِ مَا يُوقِظُهُم مِن هَذِهِ الغَفلَةِ ، قَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَلا يَحزُنْكَ قَولُهُم إِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ "
وَقَالَ - جَلَّ مِن قَائِلٍ - : " وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعلَمُونَ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ "
أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَإِنَّهَا جَمِيعَهَا للهِ وَحدَهُ ، فَلْيَطلُبْهَا مِنهُ وَحدَهُ ، وَلْيَتَسَبَّبْ لِنَيلِهَا بِطَاعَتِهِ وَالقُربِ مِنهُ ، فَإِنَّ مَن أَطَاعَهُ أَعَزَّهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَهَذِهِ هِيَ الحَقِيقَةُ الَّتي حِينَ تَستَقِرُّ في القُلُوبِ وَتَمتَلِئُ بها الصُّدُورُ ، بَدَلاً مِن رُؤيَةِ النَّفسِ وَالتَّعالي وَالاستِكبَارِ وَالغُرُورِ ، فَإِنَّهَا كَفِيلَةٌ بِأَن تُبَدِّلَ المَعَايِيرَ وَتُغِيَّرَ الخِطَطَ وَالوَسَائِلَ ، وَأَن تُهَذِّبَ السُّلُوكَ وَتُصلِحَ الأَخلاقَ وَالتَّعَامُلَ ، نَعَم ، إِنَّ العِزَّة كُلَّهَا للهِ ، وَلَيسَ شَيءٌ مِنهَا عِندَ أَحَدٍ سِوَاهُ ، فَمَن طَلَبَهَا مِن مَصدَرِهَا الَّذِي لَيسَ لَهَا مَصدَرٌ غَيرُهُ ، وَجَدَهَا وَانتَفَعَ بها ، وَمَن طَرَقَ لَهَا بَابًا أَوِ اتَّخَذَ إِلَيهَا سَبِيلاً عِندَ مَن لا يَملِكُهَا خَابَ قَصدُهُ وَضَلَّ سَعيُهُ ! وَقَد بَيَّنَ لَنَا العَزِيزُ – سُبحَانَهُ – طَرِيقَ العِزَّةَ لِئَلاَّ نَضِلَّ عَنهُ أَو نَنحَرِفَ لِغَيرِهِ ، فَقَالَ بَعدَ أَن ذَكَرَ أَنَّ العِزَّةَ لَهُ - سُبحَانَهُ - : " إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ " وَهَذَا التَّعقِيبُ المُبَاشِرُ بِذِكرِ القَولِ الطَّيِّبِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ بَعدَ ذِكرِ العِزَّةِ ، لَهُ مَغزَاهُ وَإِيحَاؤُهُ ، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلى أنَّ العِزَّةَ لا تَكُونُ إِلاَّ بِقَولٍ طَيِّبٍ يَصعَدُ إِلى اللهِ في عُلاهُ ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ ، ثم يَرفَعُهُ وَيَتَلَقَّاهُ ، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا يُخَادِعُ النَّاسُ بِهِ أَنفُسَهُم مِن مَظَاهِرَ كَاذِبَةٍ ، أَوِ اتِّبَاعٍ لِشَهَوَاتِ النُّفُوسِ المُتَعَالِيَةِ ، أَو سَيرٍ وَرَاءَ المَادِحِينَ المُخَادِعِينَ مِمَّن حَولَهُم ، فَإِنَّمَا هِيَ سَرَابٌ لامِعٌ خَادِعٌ ، نَعَم – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ العِزَّةَ لَيسَت عِنَادًا جَامِحًا ، وَلا استِكبَارًا عَلَى الحَقِّ أَو شُمُوخًا بِالبَاطِلِ ، وَلا هِيَ طُغيَانًا فَاجِرًا ، وَلا استِعلاءً أَو تَفَاخُرًا ، وَلا عُتُوًّا وَلا تَجَبُّرًا وَلا إِصرَارًا ، لَيسَتِ اندِفَاعًا يَخضَعُ لِلنَّزَوَةِ وَيَذِلُّ لِلشَّهَوَةِ ، وَلا قُوَّةً عَميَاءَ تَبطِشُ بِلا حَقٍّ وَتُعَامِلُ بِقَسوَةٍ ، وَلا مُضِيًّا في غَيرِ عَدلٍ وَلا صَلاحٍ ، كَلاَّ واللهِ ، إِنَّمَا العِزَّةُ استعِلاءٌ عَلَى شَهوَةِ النَّفسِ ، وَاستِعصَاءٌ عَلَى نَزَغَاتِ الشَّيَاطِينِ ، وَانفِكَاكٌ مِن قُيُودِ العَادَاتِ الجَاهِلِيَّةِ وَالرُّسُومِ العُنصُرِيَّةِ ، ثم هِيَ بَعدَ ذَلِكَ خُضُوعٌ للهِ تَامٌّ ، وَتَسلِيمٌ وَاستِسلامٌ ، وَخُشُوعٌ كَامِلٌ بَينَ يَدَيهِ ، وَخَشيَةٌ لَهُ وَإِنَابَةٌ إِلَيهِ ، إِنَّهَا كَلِمٌ طَيِّبٌ وَعَمَلٌ صَالِحٌ يُعِزُّ بِهِ اللهُ عِبَادَهُ المُتَوَاضِعِينَ الخَاشِعِينَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ يَعتَمِدُونَ عَلَى مَكرِهِم وَحِيَلِهِم وَتَدبِيرِهِم ، فَقَد قَالَ مَالِكُ العِزَّةِ – سُبحَانَهُ - في حَقِّهِم : " وَالَّذِينَ يَمكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُم عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ " نَعَم ، الَّذِينَ يَمكُرُونَ السَّيِّئَاتِ قَولاً وَعَمَلاً ، وَيَبغُونَ وَيَظلِمُونَ وَيَتَجَاوَزُونَ طَلَبًا لِلعِزَّةِ الكَاذِبَةِ وَالغَلَبَةِ المَوهُومَةِ ، فَلا نِهَايَةَ لَهُم إِلا البَوَارُ وَالعَذَابُ الشَّدِيدُ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَحذَرِ الكِبرَ وَالفَخرَ ، وَلْنَتَجَنَّبِ الخُيَلاءَ وَالعُجبَ ، قَد قَالَ رَبُّنَا – جَلَّ وَعَلا - : " تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا العِزَّةَ الكَاذِبَةَ الَّتي تُؤَدِّي إِلى احتِقَارِ الخَلقِ أَو رَدِّ الحَقِّ ، وَلا تَغُرَّنَّكُم عِزَّةُ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهَا إِلى زَوَالٍ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيُشهِدُ اللهَ عَلَى مَا في قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى في الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهَادُ "
وَقَالَ - تَعَالى - : " وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُم عِزًّا . كَلاَّ سَيَكفُرُونَ بِعِبَادَتِهِم وَيَكُونُونَ عَلَيهِم ضِدًّا "
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَعتَزَّ بِدِينِنَا وَإِيمَانِنَا ، وَلْنَطلُبِ العِزَّةَ مِن رَبِّنَا ، وَلْنَتَوَاضَعْ لِلمُؤمِنِينَ ، وَلْنَكُنْ مِنَ العَافِينَ المُتَوَاضِعِينَ " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "
قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ – " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
المرفقات

العزة الكاذبة.doc

العزة الكاذبة.doc

العزة الكاذبة.pdf

العزة الكاذبة.pdf

المشاهدات 1780 | التعليقات 4

ما شاء الله خطبة رائعة
سلمت يمينك


جزاك الله خيرا


[align=justify]وسلمت أيمانكما أخوي الكريمين ، وجعلنا الله جميعًا مباركين أينما كنا ... [/align]


بوركت ياشيخ عبدالله وجعل الله هذه الخطبة وسابقاتها في ميزان حسناتك