خطبة الصدقة
د. ماجد بلال
خطبة الصَّدَقَةُ مستفادة من إبراهيم الحقيل ومحمد البدر
ماجد بلال -جامع الرحمن -تبوك -21/4/1443ه
الحَمْدُ للهِ الغَنِيِّ الجَوَادِ، الكَرِيمِ الوَهَّابِ؛ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَى وَكَفَى، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَى وَأَوْلَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ يَرْزُقُ العِبَادَ مِنْ فَضْلِهِ، وَيَفِيضُ عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقِهِ، وَيَفْتَحُ لَهُمْ خَزَائِنَهُ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالإِنْفَاقِ مِمَّا أَعْطَاهُمْ؛ لِيُكَفِّرَ عَنْهُمْ، وَيُضَاعِفَ أَجْرَهُمْ، وَيَرْفَعَ دَرَجَاتِهِمْ، وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ أَكْرَمَ النَّاسِ عَطَاءً، وَأَسْخَاهُمْ نَفْسًا، وَأَنْدَاهُمْ يَدًا، وَأَعْظَمَهُمْ بِرًّا، لاَ يَدِّخِرُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَرُدُّ مَنْ سَأَلَهُ، فَمَا سُئِلَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لاَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّم وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمَلُوا فِي دُنْيَاكُمْ لآخِرَتِكُمْ، وَخُذُوا مِنْ حَيَاتِكُمْ لِمَوْتِكُمْ، وَمِنْ صِحَّتِكُمْ لِسَقَمِكُمْ، وَأَطْفِئُوا بِالصَّدَقَةِ غَضَبَ رَبِّكُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَسْتَقْرِضُكُمْ مَا أَعْطَاكُمْ؛ لِيُضَاعِفَهُ لَكُمْ، فَتَجِدُوهُ أَمَامَكُمْ، فِي يَوْمٍ لاَ يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ، فقد عظَّم الله شأن الصدقة والإحسان وجعلها أحد أركان الإسلام، وهي تحقق معنى الأخوة والترابط والتكاتف، خاصة في هذه الأيام، أيام الشتاء القارس، فمن أسماء الشتاء الفاضح، لأنه يفضح الفقراء الذين لا يجدون ما يدفئُهم، ويقيهم البرد والزمهرير يقول الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245].
أَيُّهَا النَّاسُ: لاَ شَيْءَ أَلَذَّ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ الإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ مِنْ إِسْدَاءِ الخَيْرِ لِلنَّاسِ، وَعَوْنِ المُحْتَاجِينَ، وَإِطْعَامِ الجَائِعِينَ، وَالتَّنْفِيسِ عَنْ المَكْرُوبِينَ، يَجِدُ لَذَّةَ ذَلِكَ المُؤْمِنُ وَالكَافِرُ، وَالبَرُّ وَالفَاجِرُ، وَكَأَنَّ هَذِهِ اللَّذَّةَ الَّتِي يَجِدُهَا فَاعِلُ الخَيْرِ جَزَاءٌ مُعَجَّلٌ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى إِحْسَانِهِ مَعَ مَا ادُّخِرَ لَهُ مِنْ عَظِيمِ الجَزَاءِ فِي الآخِرَةِ، وَهِيَ مِنْ حَسَنَاتِ الدُّنْيَا المُعَجَّلَةِ لِلْكَافِرِ حَتَّى لاَ يَكُونَ لَهُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى حَسَنَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ.
وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى[1]. البخاري ومسلم.
وعن أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمَ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ([1])
وَجَاءَ بِلَفْظٍ آخَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: "إِنَّ مَلَكًا بِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضِ الْيَوْمَ، يُجْزَى غَدًا، وَمَلَكًا بِبَابٍ آخَرَ يَقُولُ: اللهُمَّ أَعْطِ لمُنْفِقٍ خَلَفًا، وَعَجِّلْ لِمُمْسِكٍ تَلَفًا"([2])
وَالدُّعَاءُ بِالخَلَفِ عَلَى المُنْفِقِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: [وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ] {سبأ:39}. فَهُوَ وَعْدٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى واللهُ لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ.
وَاللهُ تَعَالَى يُخْلِفُ عَلَى العَبْدِ مَا أَنْفَقَ فِي الخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، بِوَعْدِهِ سُبْحَانَهُ، وَبِدُعَاءِ المَلَكِ لِلْمُنْفِقِ:
أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِي الحَدِيث القُدْسِيِّ: "يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ"؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. ([3])
وَأَمَّا فِي الآخِرَة فَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [التغابن: 17]، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ.: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20].
وَالنَّفَقَةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهَا الخَلَف فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَيَتَنَاوَلُهَا وَعْدُ اللهِ تَعَالَى، كَمَا يَتَنَاوَلُهَا دُعَاءُ المَلَكِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هِيَ النَّفَقَةُ الوَاجِبَةُ وَالمُسْتَحَبَّةُ، فَالنَّفَقَةُ الوَاجِبَةُ هِيَ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالأَوْلاَدِ، وَبِرِّ الوَالِدَيْنِ بِالعَطَاءِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ بِالمَالِ وَالهَدَايَا؛ صِلَةً إِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَصَدَقَةً وَصِلَةً إِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ.
والنَّفَقَةُ المُسْتَحَبَّةُ كَالصَّدَقَةِ عَلَى الفُقَرَاءِ، وَكَفَالَةِ الأَيْتَامِ، وَالسَّعْيِ عَلَى الأَرَامِلِ، وَالإِهْدَاءِ لِلْجِيرَانِ، وَسَائِرِ الإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الخَيْرِ، سَوَاءٌ أَنْفَقَ مَالاً، أَوْ أَطْعَمَ طَعَامًا، أَوْ سَقَى مَاءً، أَوْ كَسَا كِسَاءً، أَوْ أَعْطَى مَتَاعًا، أَوْ بَذَلَ أَيَّ شَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ لِمُحْتَاجٍ إِلَيْهِ،
وَهَذَا الحَدِيثُ العَظِيمُ يُنَبِّهُنَا إِلَى لُزُومِ اسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ فِي النَّفَقَاتِ الوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يُنْفِقُونَ عَلَى أَهْلِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ، حَتَّى الكُفَّارُ وَالفُسَّاقُ، لَكِنَّ صَاحِبَ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ يُحَوِّلُ هَذَا الإِنْفَاقَ إِلَى طَاعَةٍ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا، وَتُدْخِلُهُ فِي دُعَاءِ المَلَكِ لَهُ بِالخَلَفِ.
وَإِذَا اسْتَحْضَرَ المُنْفِقُ النِّيَّةَ الطَّيِّبَةَ فِي نَفَقَاتِهِ الوَاجِبَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا بِبَشَاشَةٍ وَرَحَابَةِ صَدْرٍ، وَفَرَحٍ بالإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوفٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَهَذَا يَقْضِي عَلَى كَثِيرٍ مِنَ المَشَاكِلِ الأُسَرِيَّةِ الَّتِي تَنْتُجُ عَنِ التَّأَفُّفِ وَالضَّجَرِ مِنْ كَثْرَةِ الإِنْفَاقِ عَلَى الأُسْرَةِ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الرِّجَالِ لاَ يُحْضِرُونَ حَاجَاتِ أُسَرِهِمْ إِلاَّ وَهُمْ يُتَمْتِمُونَ بِالسَّخَطِ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ وَأَوْلادِهِمْ؛ لِكَثْرَةِ طَلَبَاتِهِمْ.
وَأَيْضًا يُحَاسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى السَّرَفِ، والإِنْفَاقِ عَلَى مُحَرَّمٍ؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَخْلُوفٍ، وَلاَ يَتَنَاوَلُهُ دُعَاءُ المَلَكِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
وَأَمَّا المُمْسِكُ عَنِ الإِنْفَاقِ فَمَدْعُوٌّ عَلَيْهِ بِالتَّلَفِ: "اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"، وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: "وَعَجِّلْ لِمُمْسِكٍ تَلَفًا"، وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: "وَمَنْ أَمْسَكَ فَأَعْقِبْهُ تَلَفًا"، وَالمُرَادُ بِهِ المُمْسِكُ عَنِ النَّفَقَةِ الوَاجِبَةِ كَمَانِعِ الزَّكَاةِ، وَالمُقَصِّرِ فِي الإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَمَنْ تَقَاعَسَ عَنِ النَّفَقَةِ المُسْتَحَبَّةِ خُشِيَ عَلَيْهِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي النَّفَقَةِ الوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تُرَوَّضُ عَلَى السَّخَاءِ وَالبَذْلِ كَمَا تُرَوَّضُ عَلَى الإِمْسَاكِ وَالشُّحِّ.
وَهِيَ دَعْوَةٌ تُعَامِلُ المُمْسِكَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَنِ الإِنْفَاقِ الوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ شُحًّا بِالمَالِ، وَخَوْفًا عَلَيْهِ، فَعُوقِبَ بِدَعْوَةٍ تُتْلِفُ مَالَهُ الَّذِي أَمْسَكَهُ، والتَّلَفُ المَدْعُوُّ عَلَيْهِ بِهِ إِمَّا أَنْ يَتَنَاوَلَ أَصْلَ مَالِهِ بِخَسَارَةٍ أَوْ جَائِحَةٍ تُتْلِفُهُ، وَإِمَّا أَنْ تُنْزَعَ بَرَكَةُ مَالِهِ فَلاَ يَكَادُ يَنْتَفِعُ بِهِ.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
قَالَﷺ:«المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم ، لا يَظْلِمهُ ، وَلاَ يُسْلمُهُ . مَنْ كَانَ في حَاجَة أخيه ،كَانَ اللهُ في حَاجَته ،وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً ، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيَا ، نَفَّسَ الله عَنْهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّر عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عَلَيهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ الله في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، والله في عَونِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَونِ أخِيهِ إلخ الحديث»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِﷺ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أنْ يُنَجِّيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَﷺ:«مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ »رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِﷺيُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ أَوِ الْمِسْكِينِ، فَيَقْضِيَ حَاجَتَهُ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَقَالَﷺ:«كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللهِ:إن خدمة الناس ومساعدة المستضعفين من دأب الصالحين،وإنّ الله يرحم من عباده الرحماء،قَالَﷺ:«إنّ لله تَعَالَى أقْواماً يَخْتَصُّهُمْ بالنِّعَمِ لِمَنافِعِ العِبادِ ويُقِرُّها فيهِمْ مَا بَذَلُوها فَإِذا مَنَعُوها نَزَعَها مِنْهُمْ فَحَوَّلها إِلَى غَيْرِهِمْ»حَسنهُ الأَلبَانيُّ.
عباد الله: ومن صور التبرع الجميل أن تذهب إلى حي فقير وتذهب إلى بقالة ومحل التموينات الغذاية وتسأل عن دفتر الديون وتبحث عن الأكثر والأحوج وتقوم بسداد مبلغ وأن تكلف صاحب المحل بالاتصال على الفقير وإخباره بإسقاط الدين من فاعل خير.
من وجوه البر أن تسدد فاتورة كهرباء قد انقطعت عن أسرة فقيرة محتاجة.
من صور البر والصدقة، أن تذبح شاة وتوزعها على البيوت الشعبية والفقراء والمعوزين، فإن كنت قد اُتخِمت من اللحم، فهناك من يتمون مرقته ولا يأكلونه إلا من فترات بعيدة جداً.
من صور البر والصدقة، أن تأخذ بطاقات شرائية من محلات الملابس الشتوية، وتهديها للمحتاجين حتى يذهبوا ويأخذوا ما يناسب مقاساتهم.
لا ترم الصدقة على شيخ أو جمعية وكأنها عبئ ثقيل تريد أن تتخلص منها.
روى ابن عساكر أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يخرج كل صباح إلي خيمة في ضواحي المدينة ، فيدخل على عجوز عمياء كسيرة من الرعية ، فيكنس بيتها، ويصنع طعامها، ويحلب شياهها .
فإذا انتهى رجع إلى المدينة ، فأخذ عمر يتفقد أبا بكر كل صباح أين يذهب ؟
وذات مرة دخل عليها عمر بعد أن خرج أبو بكر .
فقال للمرأة : من أنت؟
قالت : أنا امرأة عمياء كسيرة ، مات زوجي منذ زمن ، ومالنا من عائل بعد الله ، إلا هذا الرجل الذي يدخل علينا . قال : أتعرفينه ؟ قالت : لا والله ما أعرفه .
قال : ماذا يفعل ؟ قالت : يكنس البيت ، ويحلب شياهنا ، ويصنع طعامنا. فبكى عمر وقال أتعبت من بعدك يا أبا بكر.
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية عن زين العابدين علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب
قال: "وذكروا أنه كان كثير الصدقة بالليل، وكان يقول: صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنور القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمة يوم القيامة، وقاسم الله تعالى ماله مرتين، وقال محمد بن إسحاق: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن يعطيهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به، ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل، وقيل: إنه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات.
ودخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد يعوده فبكى ابن أسامة فقال له: ما يبكيك؟ قال: عليَّ دين، قال: وكم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار - وفي رواية سبعة عشر ألف دينار - فقال: هي عليَّ.
أيها المؤمنون: فإن عجزتم عن ذلك، فعليكم بمنصة إحسان وهي جهة رسمية حكومية خصصتها الدولة –سددها الله- في الصدقة على المحتاجين والمعسرين ممن صدرت بحقهم أحكام قضائية فتوصل إليهم التبرعات وإلى المحتاجين بأمان وشفافية وكذلك وفرت خدمة (تيسرت) في المنصة للتيسير عن المعسرين، وقضاء الدين عن المدينين بكل يسر وسهوله وأمان.
صلوا وسلموا ......
([1]) رواه البخاري في الزكاة، باب قول الله تعالى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 8] (1442)، ومسلم في الزكاة، باب المنفق والممسك (1010).
([2]) رواه أحمد (8040) والطبراني في الأوسط (8935) والبيهقي في الشعب (10730) وصححه ابن حبان (3333).
([3]) رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري في التفسير باب [وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ] {هود:7} (4684) ومسلم في الزكاة باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف (993).
المرفقات
1637829674_خطبة الصدقة.doc
1637829677_خطبة الصدقة.pdf