خطبة الشيخ د. منصور الصقعوب اليهود في القرآن, وقدر الأقصى في القلوب

اليهود في القرآن, وقدر الأقصى في القلوب

الخطبة الأولى                                         27/10/1438هـ

الحمد لله العظيم في قدره العزيز في قهره العالم بحال العبد في سرّه وجهره, الجائد على المجاهد بنصره, وعلى المتواضع من أجله برفعه, يسمع صريف الأقلام ويرى دبيب النمل في فيافي قفره, ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره

أحمده على كل القضاء حلوه ومره, وأستغفره من كل الذنوب وأتوب إليه

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقامة لذكره

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالدين الحق الى الخلق في بره وبحره صلى الله عليه وعلى آله واتباعه وصحبه, وسلم تسليماً الى يوم الدين

أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون

عباد الله: قضى الله أن يكون تاريخ الأمة مثقلاً بالصراع بين المسلمين وبين أعدائهم, ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة, ولو شاء لآمن منْ في الأرض كلهم جميعاً, لكنه ولحكمةٍ يعلمها قضى أن يبقى الصراع والاختلاف (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ليزيد المؤمنَ رفعةً ويأجُرَه, وليزداد الكافرُ عتواً وضلالاً, ليمليْ له.

وأُسُّ الصراعات مع أعداء الملة هو الصراع مع يهود, أولئكم القوم الذين حاربوا ديننا في مهده, وعارضوا نبينا في أول أمره, وقبل ذلك قاتلوا أنبياء الله ففريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون

وليس يخفى على كل مسلم صَغُر أو كَبُر, تاريخ الصراع بيننا وبينهم, ذلكم الصراع الذي تميزوا فيه بالخسة وبالمكر, وأمكن الله فيه للمؤمنين بالنصرة والظفر.

ومنذ عقلنا وعقل كهولنا ونحن نعيش هذا الصراع في أرض مسرى الأنبياء, يخبو تارة ويعلو تارات, لكن الذي ظل طوال هذه المدة هو تسلط اليهود وتمكنهم من أرض المسلمين, واستيلائهم على أرض المسجد الأقصى

سأتجاوز كل هذا لأقف مع أعظم كتاب وأشرف كلام وعن حديث الله في القرآن عن اليهود, وكلُ تالٍ للقرآن يرى الكمّ الكبير من الآيات في أخبار يهود وصفاتهم وما ذاك إلا ليحذر المسلمون من الانخداع بهم, ويهود اليوم ما هم الا امتداد ليهود الأمس, وصفات اليهود في القرآن تنطبق عليهم أينما وجدوا في كل عصر وقطر .

يا كرام: لقد حدثنا القرآن عن جبن اليهود وخوفهم وأنهم ( لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يعقلون) والواقع يؤكد هذا المعنى, فلا تزال مشاهد أطفال الحجارة قبل سنوات ماثلة للعيان, لكنهم اليوم استأسدوا حين غابت الأسود.

ويحدثنا القرآن يا مؤمنون عن خيانتهم للعهود، ويقول ربنا عز وجل واصفاً معاهداتهم واتفاقياتهم ( أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)

وقال مبيناً نهاية كل معاهدة معهم (ولاتزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم) اعتبر, فهذا حال يهود الأمس, وأما يهود اليوم فهم أصحاب عبارة: " لا توجد وعودٌ مقدَّسة" لذا لا عجب أن تنقض العهود مرة بعد أخرى, وهل وفى اليهود لأحدٍ بعهد, والمصيبة بعد كل هذا أن يأتي من يثق بوعودهم, وقد حدثنا القرآن عنهم بحقيقةٍ ثابتةٍ لا تتغير مهما توالت قرونهم .      

معشر الكرام: ويبين القرآن أمراً درج عليه سابقوهم, وهو قتلهم خِيرة الناس من علماء ودعاة, وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ( ويَقْتُلُونَ الَذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) وتاريخهم في قتل الانبياء أسود, ولولا أن الله حفظ منهم نبيه عليه السلام, وقبل ذلك عيسى عليه السلام, لسعوا في قتلهم.

ويهود اليوم وتاريخهم في ذلك لم يعد خافياً, وفي ذلك يقول أحد زعمائهم: إن المبدأ الذي قام عليه وجود اسرائيل منذ البداية هو أن العرب لابد أن يبادروا ذات يومٍ الى التعاون معنا, ولكن هذا التعاون لن يتحقق إلا بعد القضاء على جميع العناصر التي تغذّي شعور العداء ضد اسرائيل في العالم العربي, وفي مقدمة هذه العناصر رجال الدين المتعصبين.

عباد الله: والقرآن يبين أن اليهود قد أساؤوا الأدب مع الله واجترأوا عليه, ولذا استحقوا أن يخصّهم باللعنة والغضب, فهم المغضوب عليهم, وهم الملعونون على لسان الأنبياء (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم)

لقد وصفوا الله بالنقائص, وصفوه بأنه بخيل وهم كرماء, وأنه فقير وهم الأغنياء, وأنهم شعبه المختار, وأنهم أبناؤه وأحبابه, وأن عزيراً ابنُه, ومازال يهودُ اليوم يقولون ما يقوله أسلافهم.

والقرآن يا كرام يخبرنا أنهم تنطوي قلوبهم على البغض لكل مسلم, بل وأن عداوتهم أشد من عداوة كل أعداء الدين الآخرين (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا) لذا, فمن ينتظر منهم رحمة للأبرياء, ومن يتوقع منهم رأفة بمن يدينون بالإسلام, فذاك جاهلٌ قد سفه نفسه, بل قلوب هؤلاء منطوية على حبّ التشفي من المسلمين.

عباد الله: ويخبرنا القرآن بحقيقة ما أعظم أن تستقر في سويداء كل قلب (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) إننا اليوم يوم نقاتل اليهود فليس ذلك إلا لأجل الدين, ولن يقف الصراع حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا, وهم يصرحون بذلك في أحاديثهم, وقد وقف أول رئيس وزراء لدولة الكيان في هيئة الأمم المتحدة بعد اعتراف العالم بما يسمى بدولة إسرائيل ، فقال أمام العالم كله: قد لا يكون لنا في فلسطين حقّ من منطلق سياسي أو قانوني، ولكن لنا في فلسطين الحق من منطلق وأساس ديني، فهي أرض الميعاد التي وعدنا الله وأعطانا إياها من النيل إلى الفرات، وأنه يجب الآن على كل يهودي أن يهاجر إلى أرض فلسطين، وأن على كل يهودي لا يهاجر اليوم إلى إسرائيل بعد إقامتها أن يعلم أنه مخالف للتوراة وأنه يكفر كل يوم بالدين اليهودي .

ثم قال لا معنى لفلسطين بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل، ولا معنى لقيام دولة إسرائيل بدون فلسطين.

معشر الكرام: والقرآن قرر حقيقة عن اليهود بأنهم لا يألون جهداً في السعي في الأرض فساداً, وفي افتعال الفتن بين المسلمين لاستنزافهم وتفريقهم بها (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين)

وكم من فُرقَةٍ وشَتاتٍ بين المسلمين كان من وراءها اليهود, وكم من حربٍ أوقدوها, وهيئوا أسبابها, يبغون بها القضاء على المسلمين, فيطفِئُها الله برحمته.

واليهود مختلفون أيما اختلاف فيما بينهم (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) ولو اجتمعت كلمة المسلمين لرأوا أن في عدوهم من الضعف والفُرقة والتباغض فيما بينهم ما يمكِّنُهم من النصر عليهم.

وبعد هذا كله: فيوم أن تُذكَر احوال يهود وصفاتهم في القرآن فليس ذلك لمجرد الحديث عن أمّةٍ خلت, وشِرعَةٍ بُدِّلَت, بل هو حديث لابد أن تأخذ منه أمةُ الاسلام العبرة لكي تحدد علاقتها مع يهود, وتعرف حقيقة هذا العدو.

اللهم صل على محمد

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

أما بعد: كل مسجد في الأرض له في قلوبنا القدرُ الكبير, ولكنْ يبقى قدرُ المسجد الأقصى في قلب كل مسلم كبيراً وعظيماً, كيف لا وهو مسرى النبي, والموضع الذي اجتمع فيه الأنبياء للصلاة فيه جماعة, كيف لا وهو أول القبلتين, وهو أحد ثلاثة مساجد تشد لها الرحال, كيف لا, وهو ثاني مسجدٍ وضع في الأرض بعد المسجد الحرام, كيف لا وهو في الأرض المباركة, باركه الله وبارك ما حوله (سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ) (وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالَمِينَ)

هذا المسجدُ يئن تحت وطأة اليهود منذ عقود, وزاد البلاء في الأيام الماضية بإغلاقه ومنع الصلاة والأذان فيه, في سابقة لم تقع منذ عقود من السنين, واليقين أنه لن يزيل شرهم ويدحر عاديتهم إلا ما دحر أسلافَهم, فالقوم الغُدْرُ سيبقون كذلك, حتى تجتمع كلمة المسلمين على قتالهم.

للأسف أنك راءٍ من الناس اليوم من يسطح القضية بيننا وبين اليهود, ومن ينادي بالتقارب معهم بحجة أننا بالقطيعة نخسر الكثير, ونجيّش العالم الغربي علينا, لأجل خصومة في بلدٍ ليست بلدنا وأرضٍ ليست أرضنا, وأما تهوين العداوة, وتقريب المواقف فبابٌ تبناه بعض المغردين هذه الأيام, والله المستعان, ولا عجب, فلن يلج الكفار إلينا إلا على إيدي المنافقين من جلدتنا

عباد الله: لقد كان هذا المسجد المبارك مسرحاً للصراع مع النصارى, تحدِثُنا كتب التاريخ أنه في عهد صلاح الدين الأيوبي كان النصارى يستولون على هذا المسجد المبارك, ويعيثون فيه فساداً, ظلوا على هذا تسعين عاماً, لا تُقام فيه الصلاة, بل حولوه اسطبلاً لخيولهم, فبعث شاب مأسور من هناك برسالةٍ له يقول فيها على لسان الأقصى

يا أيها الملك الذي ............ لمعالم الصلبان نكس

جاءت إليك ظلامة تسعى ...... من البيت المقدس

كل المساجد طهرت وأنا ....... على شرفي أنجس

فنفر إليه, وما زال حتى فتح الله على يديه الأقصى وما حوله, نعم هذا تاريخ أسلافنا, واليوم في الأمة خير كبير.

وبعد معاشر المسلمين:

فنحن على يقين بموعود الله وعلى اعتقاد بأنه ما يحدث من شيء فهو بإرادة الله, وعلى ثقة بنصر الله, وأن البشر كلهم تحت تدبير الله, فلنكن ممن يضع لبنة في بناء الإسلام بإصلاح أنفسنا ومَن حولنا, فالأمة لا تريد من يتابع أحوالها وهو مازال في تقصيره وعصيانه, إنما تريد منا العمل وإصلاحَ الجيل وتصحيح الاعتقاد, وحينها فمن يدري فلربما كنت أنت, أو ولدَك ممن يحرر الأقصى ويرفع راية الإسلام.

المرفقات

في-القرآن-وقدر-الأقصى-في-القلوب

في-القرآن-وقدر-الأقصى-في-القلوب

في-القرآن-وقدر-الأقصى-في-القلوب-1

المشاهدات 2144 | التعليقات 1

بارك الله فيك