خطبة : الشك القاتل

عدنان الدريويش
1445/01/18 - 2023/08/05 01:35AM

 

إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1] .

أما بعدُ: إن أهم أساس تقوم عليه العلاقة الزوجية هو الثقة والاحترام المتبادل، ومتى تزعزعت الثقة بين الزوجين وفُقد الاحترام، وحلَّ مكانهما الشك، فإن الحياة تتحول إلى جحيم لا يطاق، حياة يسودها التوتر والقلق ، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا) متفق عليه.

عباد الله : رجل يأتي عند الكعبة ويطلب من زوجته أن تحلف بالله أنها لا توجد لها علاقة مع غيره، وآخر يربط باب بيته الخارجي بخيط خفيف صغير حتى يتأكد عند عودته، هل خرجت زوجته من البيت أو لا.

وأخرى تفتِّش جوال زوجها يوميًّا، وتقرأ جميع رسائله الصادرة والواردة، لتعرف مع من يتحدث، وماذا يكتب لهم، وأخرى تشم ثيابه عند عودته للبيت لتتأكَّد من نوع العطر، هل تغيِّر أم لا؟ .....  سبحان الله يخربون بيوتهم بأيديهم.

إن الشك مجلبة للوسواس والدمار والهلاك والقلق والاضطراب... فالحذر الحذر يا عباد الله ، فالشك ما دخل بين الزوجين إلا وكانت النهاية مؤلمة وقاسية.

عباد الله : يبرر الكثير من الأزواج عن شكِّهم بدافع الغيرة، والفرق بينهما كبير، فالغيرة المحمودة هي إحساس يربط بين الزوجين ينتج عنه الخوف مِن فِقدان الطرف الآخر بسبب محبته له وعدم القدرة على العيش بدونه، مما يدفعه إلى اتخاذ الطرق والأسباب لجذبه، وإبعاده عن المؤثرات الخارجية.

أما الشك فهو عبارة عن إحساس سيئ يدفع الإنسان إلى عمل سلوكيات سلبية لنفسه وللآخرين، مما يفقده الثقة بالطرف الآخر، خاصة عندما لا يوجد سبب واضح ومقنع للشك ، قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).

 

عباد الله : الشك بين الزوجين لا يأتي مصادفة، بل له أسباب ومن أهمها:

أولها : التجارب القديمة لأحد الزوجين، سواء كانت بينهما تجارب قديمة قبل الزواج، أو اكتشف مؤخرا برسائل قديمة في جوال أو بريد الطرف الآخر، عندها سيفسر أي تصرف أو قول بما يعرفه من ماضيه القديم، حتى وإن كانت هذه العلاقة قد انتهت وتغير حاله للأفضل.

ثانيها : عقدة النقص عند أحدهما، عندما يشعر أحد الأزواج أن الطرف الآخر أجمل منه أو أفضل منه مكانة وثقافة وعلمًا، هنا ينتابه شعور بأن الشريك الآخر سيختطف منه أو سيتركه، ويبحث عن غيره.

ثالثها : متابعة الفضائيات والمشهورين والمشهورات في التطبيقات الإلكترونية، وكذلك الأفلام والمسلسلات، وما تعرضه من قصص معظمها علاقات محرمة وسهرات ومطاعم، تولد عند أحدهما بدون وعي الشك في الطرف الآخر.

عباد الله : إن الرجل الشكاك في عرض زوجته من غير بينة ولا شبهة قوية ظالم في نظرته إليها وإلى أبنائه ساع إلى ضياع أسرته والعياذ بالله متعرض لسخط الله وعذابه.

وإن المرأة الشكاكة في زوجها تعيش في عذاب مع ضميرها الظالم وهي تهدم بيتها بنفسها وبسلوكها وقد تحمل الرجل على ارتكاب الخيانة وهي أداة سهلة لشائعات النساء المغرضة التي هدفها التفريق بين الأزواج.

أقول هذا القول، وأستغفِر اللهَ الجليلَ لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفِروا وتوبوا إليه، إن ربي غفور رحيم.

 

 الخطبة الثانية :

 

الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.

أما بعدُ، إن إظهار الشك أمام الأولاد له أثر سيئ على نفسيتهم ويجعلهم يعيشون صراعا مرا في إساءة الظن بأحد والديهم ويبقى هذا الأثر طويلا في نفوسهم مما يصيبهم بعقد نفسية في الكبر وبالتالي ينعكس هذا على سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين وفي حياتهم الاجتماعية.

 

يا عباد الله : ولعلاج مرض الشك بين الزوجين على كل طرف منهما:

 

أولا : التثبت وقطع الشك باليقين، وعدم التجسس وسوء الظن، خاصة إذا كانت لا توجد دلائل واضحة وثابتة على الشريك الآخر من قول أو فعل ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) سورة الحجرات .

ثانيا : البعد عن المواقف التي تشعل الغيرة والغضب والشك، فلا يفتح جواله أو البريد الإلكتروني، ولا يشم ثوبه أو غيرها من السلوكيات التي فيها تتبُّع وتجسُّس للشريك الآخر، وأن الأصل بينهما الثقة، وإن وجد خطأً أخرج له ألف عذر فهو بشر يخطئ ويصيب.

ثالثا : الأصل في الحياة الزوجية التغافل والتسامح والتغافر فكل بني آدم خطاء ، جاء في تفسير الزمخشري عن سفيان الثوري رحمه الله: «ما زال التغافل من فعل الكرام».

رابعا : إذا زاد الشك عن حده وخرج عن السيطرة، ووصل إلى مرحلة الإيذاء النفسي والجسدي، فعليهما الابتعاد عن بعض حتى تهدأ العاصفة، وعلى من يشعر بالشكالذهاب للطبيب النفسي أو استشارة المختص حتى يساعده في الخروج من هذه المشكلة.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وآل إبراهيم.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الكفرَ والكافرينَ، ودمِّرْ أعداءَكَ أعداءَ الدين، اللهم واحفظ بلاد الحرمين، من شر الأشرار، وأذية الفجار، وكيد الكائدين، ومكر الماكرين، ومن كل متربص وحاسد وحاقد، وعدو للإسلام والمسلمين.

 

اللهم واجعلها آمنةً مطمئنةً، رخاءً وسعةً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.

 

اللهم ادفع عَنَّا الغلاء والوباء والأدواء، والربا والزنا والزلازل، والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصةً، وعن سائر بلاد المسلمين.

 

اللهم كُنْ لإخواننا المستضعَفين والمجاهِدينَ في سبيلك، والمرابطينَ على الثغور، وحماة الحدود، اللهم كُنْ لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلِحِ الأئمةَ وولاةَ الأمور، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا ربَّ العالمينَ.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا وولي عهده لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، غير مبدلين ولا مغيرين، وغير خزايا ولا مفتونين.

 (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

 

المشاهدات 639 | التعليقات 0