خطبة: الزّلازلُ عِبَرٌ وعِظَات.
وليد بن محمد العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: الزّلازلُ عِبَرٌ وعِظَات.
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
في آخرِ الزّمانِ تَكثُرُ الفواجعُ والكوارثُ، رياحٌ وأعاصيرُ عاتية، وسيولٌ وفيضاناتٌ جارفة، وأمراضٌ وأوبئةٌ مُهلكة، ومِحَنٌ وفتنٌ مُفسدة، وحروبٌ ومعاركُ طاحنة، وبراكينُ وزلازلُ مُدمّرة، تُدمّرُ كلَّ شيءٍ بأمرِ ربِّها، ولا تَستطيعُ قُوى الأرضِ رَدَّها أو السّيطرةَ عليها، ولا مَفَرَّ من اللهِ إلا إليه، ولا عاصمِ من أمرِ اللهِ إلا مَنْ رَحِم، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ. والمؤمنُ يَعلمُ أنّ تلك المصائبَ إنّما تَجري بتقديرِ الحكيمِ الخبير، وفيها تَتَجَلّى قوّةُ اللهِ وعظمتُه وقدرتُه وبأسُه وجبروتُه، ثَوانٍ مَعدودة، فإذا القصورُ والدّورُ والأبراجُ تَغدو قاعًا صفصفًا، لا ترى فيها عِوَجًا ولا أَمْتًا، وذلك بما كسبتْ أيدي النّاسِ ويَعفو عن كثير، آياتٌ ونُذُر، يُرسلُها اللهُ تخويفًا للعباد، لعلهم يَتَذكّرونَ ويَتوبونَ ويَرجعونَ لدينِهم وطاعةِ ربِّهم، وفي تلك الكوارثِ حِكَمٌ وعِبَرٌ وعِظَات، فهي عقوبةٌ للظّالمينَ ومَوعظةٌ للمؤمنين، ورِفْعةٌ للصّالحينَ ورحمةٌ للصّابرين، وتَكفيرٌ للتّائبينَ وتَذكرةٌ للغافلين، وفيها من الألطافِ ما لا يَعلمُه إلا أرحمُ الرّاحمين، يقولُ الشّيخُ ابنُ بازٍ رحمَه اللهُ عن مثلِ هذه الزّلازلِ المُدمّرة: كلُّ هذه الأمورِ وغيرُها ممّا يُحدثُه اللهُ في الكون، كلُّها تَقعُ بقضائِه وقدرِه وتدبيرِه، لحكمٍ بالغةٍ وغاياتٍ حميدة، يَعلمُها سبحانَه وإنْ خَفِيَتْ على كثيرٍ من النّاس، ويُعذّبُ اللهُ بذلك أقوامًا ويَرحمُ آخرين، وله الحكمةُ البالغةُ في ذلك سبحانَه وتعالى. وأمامَ تلك المناظرِ وذلك الدّمار، يَتذكّرُ المؤمنُ الزّلزلةَ الكبرى عندما تَقومُ السّاعةُ وتُخرجُ الأرضُ أثقالَها وتَذهلُ كلُّ مرضعةٍ عمّا أرضعتْ وتَضعُ كلُّ ذاتِ حملٍ حملَها وتَرى النّاسَ سُكارى وما هم بسُكارى ولكنّ عذابَ اللهِ شديد، فيَلينُ قلبُه وتَدمعُ عينُه ويُوجبُ له ذلك الخوفُ من العزيزِ الجبّار، والفزعُ للتّوبةِ والاستغفار، ومحاسبةُ النّفسِ والمحافظةُ على الصّلاةِ والتّلاوةِ والأذكار، والإكثارُ من طاعةِ اللهِ والصّدقةِ والبِرِّ والإحسان، وكثرةُ التّضرّعِ والدّعاءِ له وللمسلمينَ بالعفوِ والعافية، فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وحاسبوا أنفسَكم وتوبوا إلى ربِّكم ولا تَأمنوا من مَكْرِ الله، قالَ جلَّ في علاه (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلّمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله
اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
عبادَ الله: من الخصالِ الحميدةِ التي حثَّ عليها دينُنا الحنيف، مساعدةُ المحتاجينَ وإغاثةُ الملهوفينَ ومَدُّ يَدِ العونِ للمنكوبين، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَثَلُ المؤمنينَ في تَوادِّهم وتَراحمِهم وتعاطفِهم، مَثَلُ الجسدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعى له سائرُ الجسدِ بالسّهرِ والحُمَّى. وقد قامتْ حكومتُنا الرّشيدةُ أيَّدها الله، بالمساهمةِ في نَجدةِ مَن نَزَلتْ بهم الزّلازل، وتَنظيمِ حملةٍ شَعبيّةٍ لمساعدتِهم عَبْرَ مِنَصّةِ ساهم، لتمكينِ المواطنينَ والمقيمينَ من التّبرّعِ لإخوانِهم، وتَخفيفِ مُعاناتِهم، فبادروا رحمَكم اللهُ بالصّدقةِ عليهم، وواسوهم وأحسنوا إليهم، فإنّ اللهَ يُحبُّ المحسنين. اللهمّ الْطُفْ بإخوانِنا الذينَ وَقَعَتْ عليهم الزّلازل، وأَلهمْهم الصّبرَ والاحتساب، وارْبطْ على قلوبِهم بالإيمان، اللهمّ ارحمْ ضعفَهم واشفِ مرضاهم وارفعْ عنهم البلاء، وتَقَبَّلْ موتاهم في الشّهداء، واحفظْنا في بلادِنا وبلدانِ المسلمين، اللهمّ احفظْنا من بينِ أيدينا ومن خلفِنا وعن أيمانِنا وشمائلِنا ومن فوقِنا ونَعوذُ بعظمتِك أنْ نُغتالَ من تحتِنا، يا حيُّ يا قيّومُ برحمتِك نَستغيثُ أَصلحْ لنا شأنَنا كلَّه ولا تَكِلْنا لأنفسِنا طرفةِ عين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين، سبحانَ ربِّك ربِّ العِزّةِ عمّا يَصفون، وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 19/ 7/ 1444هـ