خطبة الزكاة ركن من أركان الدين
حسين بن حمزة حسين
الزَّكَاةِ فريضةٌ كتبها الله على العباد؛ جعلها تعالى أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وَلمكانتها وعظيم شأنها قَرَنَهَا سبحانه بِالصَّلَاةِ فِي كثير من آي القرآن الكريم، قَالَ تعالى -: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فتجب الزكاة في الأموال الزكوية، فتجب في الذهبٍ أو الفضةٍ وما يلحق بهما من النقود وهي الأوراق المالية وعروض التجارة ، 2.5%، في كل أربعين ريال، ريالٍ واحد، وتجب في سائمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، وتجب في الزروع والثمار وفي الركاز؛ كل ذلك حسب الشروط التي ذكرها أهل العلم، وَتَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرٍّ مَالِكٍ لِنِصَابٍ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وقيمة النصاب الآن ( ) ، فتجب في مال البالغ العاقل يخرجها راضيةً بها نفسه، وتجب في مال الصغير والمعتوه ويخرجها عنه وليّه، وَتُصْرَفُ الزَّكَاةُ لِلْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ وخصّهم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وللزكاة ثمارٌ كثيرة ومنها: أنها تَزِيدُ الْمَالَ وَلَا تُنْقِصُهُ؛ فَاللَّهُ تعالى يَخْلُفُهُ بِخَيْرٍ مِنْه، قَالَ تَعَالَى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، يَخْلُفُهُ فِي الدُّنْيَا بِخَيْرٍ مِنْهُ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْجَنَّةِ، وهي سَبَبُ لكسْب رحمت الرحمن؛ قَالَ تَعَالَى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)، والزكاة تُذْهِبُ غِلَّ الصُّدُورِ وَالْكَرَاهِيَةَ، وَتُوجِبُ الْأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، وهي مُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَحْرُومِينَ، وَسَدَّ لحَاجَاتِهِمْ، (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)؛ والزَّكَاةَ تُرْبي الصَّدَقَاتِ وَتُضَاعِفُهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى-: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)، وَمِنْ فَضَائِلِها: أَنَّهَا تُدْخِلُ صَاحِبَهَا الْجَنَّةَ؛ فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، ومن فضائلها أن المؤمن يستظل بصدقته يوم القيامة فتُجسَّدَ الصَّدَقةُ كمظلَّةً عَظيمةً لِصاحِبِها، فيَقِفَ فِي ظِلِّها مُدَّةَ الحِسابِ، فالمُتَصَدِّقُ يُكْفى المَخاوِفَ، وَيصيرُ في كَنَفِ اللهِ وسِتْرِهِ يَومَ القيامةِ، وعند أحمد وصححه الألباني قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (كُلُّ امْرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَومَ القِيامةِ) وقال صلى الله عليه وسلم-: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" أخرجه الترمذي.
أَقُولُ ما تسمعون، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ والْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
عِبَادِ اللَّهِ: وَبَعْدُ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ، أدّوا زكاة أموالكم، وتصدّقوا لِلَّهِ مُخْلِصِينَ، وَتَحَرَّوْا الْفُقَرَاءَ حَقًّا وَالْمُحْتَاجِينَ، وَقَدِّمُوا مِنْهُمْ ذَوِي الرَّحِمِ الْقَرِيبينَ،( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) ، قال صلى الله عليه وسلم ( الصدقة على الفقير صدقةٌ، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقةٌ وصِلةٌ) أما الأم والأب وإن علوا لا يعطون زكاتهم لأبنائهم وإن نزلوا ، وكذلك الأبناء لا يعطوا زكاة أموالهم لآبائهم وأمهاتهم وإن علوا، بل يعطوهم وينفقوا عليهم من حر مالهم في كل وقت وكل حين، وتجب عليهم نفقتهم ما داموا محتاجين، ويُعطى الأقارب من الزكاة ممن لا تجب نفقتهم، فالأخ يعطي أخيه وأخته وأبنائهم وكذلك العم والعمة والخال والخالة وأبنائهم، ونحو ذلك الأقارب وذوي الرحم البعيدين فهم الأولى ويُقدم الأقرب والأكثر حاجة وفقر ، وتُعطي المرأةُ زوجَها من زكاتها بشرط أن يكون من أهل الزكاة وأن تنوي بها الزكاة، ثم أذكركم بما يَسَّرَتْه دولتنا حفظها الله وحماها وسخرته من منصّات رسميّة لجمْع الزكوات والصدقات، لمن لا يعرفون المستحقين لها، وذلك عبر جَمْعِيَّاتٍ خَيْرِيَّةٍ رَسْمِيَّةٍ، كَمَنَصَّةِ إِحْسَانٍ، وَخِدْمَةٍ (تَيَسَّرَتْ)، أَبْوَابٌ خَيْرٍ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى الْمُعْسِرِينَ، وَسَدِّ حَاجَةِ الْمُحْتَاجِينَ؛ بِأَمَانٍ وَحِفْظٍ لِلْكَرَامَةِ، ولا تسرفوا في موائد إفطار الصائمين في المساجد والطرقات والتي يستغلها من ليس بحاجة لها، وليس أهلا من أهلها، وتتركوا الأسر الفقيرة المتعففة في البيوت، وَاحْمَدُوا اللَّهَ أَنَّ جَعَلَ الْيَدِ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةَ يَدَكُمْ، وَأَدُّوا شُكْرَ نِعَمِهِ لِئَلَّا تَزُولَ عَنْكُمْ.