(خطبة) الحياة الزوجية

خالد الشايع
1446/03/23 - 2024/09/26 17:31PM

 الخطبة الأولى ( الحياة الزوجية وحقوقها )     24/3/1446

أما بعد فيا أيها الناس : لقد خلق الله الكون وجعل من كل زوجين اثنين ، لتستمر الحياة ويتكاثر الخلق ، ومن ذلك بني آدم ، الذكر والأنثى،  قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
من آياته تبارك وتعالى أن خلق للناس من أنفسهم أزواجًا، ليجدوا فيها سكنًا للنفس والأعصاب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح والضمائر، واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء.
والأصل في كل رجل سويٍّ أن يكون زوجًا وكذلك المرأة؛ لأن أيًّا منهما لا غنىً له عن هذه الصفات المثلى التي يسعى إليها كل مخلوق من السكن والرحمة والمودة ، وذكر تبارك وتعالى أنَّ في ذلك آيات لمن يتفكر ويتدبر.

عباد الله : إذا أردنا أن تقوم الأسرة على المودة والرحمة والطمأنينة ، فلنقم بما أمرنا الله جل في علاه ، فقد جعل الله على الزوج حقوقا لزوجته ، وله حقوق عليها ، فمتى أدى كل واحد منهما الحقوق الواجبة عليه صلح حال البيت وحلت المودة والرحمة والسكينة في البيت ، إن تحكيم دين الله في الحقوق والواجبات لكل من الزوجين:
وهذا يقطع دابر الخلاف، ويتيح للسعادة أن ترفرف بأجنحتها على بيت الزوجية، ذلك لأن الاحتكام إلى مقاييس ربانية وضعها رب العالمين يجعل في النفس راحة في الأخذ بها والوقوف عند حدودها، ولن يكون هناك نكد ولا خصام ولا خلاف إذا روعيت من الطرفين كليهما.

ومن وسائل السعادة في الأسرة ،  تعاون بين الزوجين في الحياة المشتركة تحت شعار الإيثار والتضحية: فالزوجان يعملان في بناء أسرة إنسانية، ولا يمكن أن يتم البناء إلا بأن يكون عملهما مُتَّصفًا بالتضحية والإيثار والتسامح والتحمل، وإن غاب الإيثار والتسامح والتضحية من جو الأسرة فلن تجده في جوٍّ آخر.

ومن الأمور المهمة التي يجب أن على الزوجين مراعاتهما ، العدالة والإنصاف في كل شأن من شؤون الحياة والتكافل التام في أحداثها ، نعم ينبغي أن يكون لك منهما عادلاً مع الآخر، فالظلم محرم بين المسلمين عامة. والحرص على العدل والتكافل من الطرفين ينفي وجود الإحساس المرير بالظلم. والعدالة التي نريدها دعامة من دعائم الحياة الزوجية عامة، تشتمل الموقف والكلمة والطلب والنفقة والثقة.

- فمن العدالة اجتناب اللجاجة في الخصومة والإساءة في الكلمة.
- ومن العدالة ألاَّ يحمل أحد الزوجين صاحبه ما لا يطيق.
- ومن العدالة الاقتصاد في النفقة واجتناب الشح.
- ومن العدالة ألاَّ يصغي أحدهما لوشاية الوشاة ولا لسعي النمامين ولا لهدم الهدامين.
والتكافل هو السبيل الوحيد الذي يجعل سفينة الحياة الزوجية تسير على طريق البناء والخير والسعادة والفلاح.
ولن تكون هناك سعادة في أسرة تقوم على الاستغلال والتقصير والتواكل والظلم.

إن بيتًا تقوم دعائم الحياة فيه على هذه الأسس المذكورة لجدير أن يقدم للأمة من تحتاجه من الأفراد الصالحين الأصحاء المستقيمين، ومازالت الأسرة في بلادنا ولله الحمد هي اللبنة الأولى التي تزخر بقيم أصيلة، يصلح بصلاحها المجتمع، فلنعمل على تسهيل الزواج، ولنهيئ الظروف والأسباب، لتقوم دعائم الحياة الزوجية كما أرادها الإسلام ، لنسعد في مجتمعنا، ولنقدم للإنسانية كلها نموذج الحياة الصالحة النظيفة السعيدة.
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)[الفرقان:74].
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ....

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله وراعوا حقوق الزوجية لتسعدوا وتسعدوا .

 ولا شك أن تفكك الأسرة معول هدم للمجتمع ، وبلاء على الأمة ، لما يجر الطلاق من ويلات على أفراد الأسرة ومن حولهم ، إن الطلاق حل شرعي لمن تعسرت حياتهم ، وتعذر استمرار الوفاق بينهم ، ونفدت كل وسائل الإصلاح ، وأصبح بيت الزوجية جحيما لا يطاق ، جاء الشرع بالطلاق ، ليبدأ المسلم حياة جديدة وتجربة أخرى ، ولكن المشكلة هي الاستعجال بالطلاق ، وعدم اتباع وسائل الإصلاح ، وعدم الصبر ، فما فرح الشيطان بشيء فرحه بطلاق المسلم لزوجته .

عباد الله : الحذر الحذر من التسرع في أمر الطلاق ، أو التساهل بإطلاق ألفاظه بلا احترام لألفاظ الشرع وحدود الله ، فالبعض هداهم الله يطلقون في اليوم مرات ومرات ، وقد جعل امرأته سلعة يغامر بها في مناسبات ومفاخرات وترهات ، والبعض ربما وقع في الطلاق وهو لا يشعر ، ولا يكترث لذلك ، فقد أخرج أبو داود والترمذي في سننه من حديث ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏قَالَ ‏: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: " ‏ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالرَّجْعَةُ " . 
وقال الترمذي عقب الحديث : ‏هَذَا ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .‏ ‏وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ ‏‏أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَغَيْرِهِمْ ‏.ا.هـ.

فالحذر الحذر من التساهل في أمر الطلاق ، واعرف قيمة زوجتك في البيت ، فكثير من الأزواج لا يعرف قيمة الزوجة إلا إذا فقدها ، وإن الناظر إلى معدلات الطلاق في المجتمع يرى أنها مخيفة جدا ، تنبئ عن فشل ذريع في معرفة الزوجين بالأمور الزوجية ، والتي ينبغي أن يأخذا فيها دورات تعليمية ، لتسير العلاقة الزوجية وكأنها بستان وارف الظلال ، يسعد فيه الزوجان ، فعلى ولي الأمر عندما يتقدم له الشاب الكفء ، أن يطلب منه أن يلتحق بالدورات التعليمية في الحياة الزوجية وهي متوفرة ولله الحمد بالمجان ، وكذلك يلحق بنته المخطوبة في تلك الدورات .

أيها الناس : هناك أسباب دعت لانتشار الطلاق في مجتمعنا ، نمر على بعضها سريعا ، فمن ذلك عدم الصبر والتحمل من الزوجين بعضهما لبعض ، فالحياة الزوجية لا تنفك عن مشاكل ونكبات تمر بإذن الله بسلام إذا تحلى الزوجان بالصبر و التحمل ، ومن الأسباب كذلك ، عدم احترام الزوجين بعضِهما لبعض ، وتكبر البعض على بعض ، فالمرأة تضع رأسها برأس الزوج ، وتتدخل في شؤونه ، والعكس صحيح ، مع أن الواجب على الزوجين ، أن يحترم بعضهما البعض ، وأن يعلما أنهما بمثابة القبطانين للسفينة ، يساعد أحدهما الآخر ، وينوب عنه ، ويتحمل أذاه ، فما سخط منه من خلق يرضيه خلقه الآخر الحسن ، وليتواضعا لبعض ، ولا يهن بعضهم بعضا خصوصا أمام الأولاد ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: لا يَفرَكْ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر .

لا يفرك يعني لا يبغض ، البغض الكامل

وإن من أسباب الطلاق والخلاف الزوجي ، اطلاق البصر في الحرام ، بحيث يزهد كل منهما في الآخر ، فهو يرى غيرها وأجمل منها ، فيزهد فيها ، وهي كذلك ، فما هدمت البيوت بمثل المعاصي ، فهي تدع الديار بلاقع .

ومن الأسباب ، التخبيب ، فترى المرأة تخببها صاحبتها المطلقة ، مزيفة لها الواقع ، بأنها منذ أن طلقت ، وهي حرة سعيدة ، وتخفي عنها التعاسة التي تعيشها بعد الطلاق ، حتى تطلب المرأة الطلاق من زوجها بغير عذر إلا رغبة في الحرية المزعومة ، أو يخببها زميلها في العمل ، حتى تطلب الطلاق ثم يتزوجها هو ،أخرج أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال  « لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ » ، يعني أفسد زوجة على زوجها بأن يذكر عندها مساوئ زوجها، أو محاسن أجنبي عندها، فهو يعمل على تحسين الطلاق إليها حتى يطلقها فيتزوجها أو يزوجها لغيره أو من باب الغيرة والحسد واتباع الهوى والشيطان،وأخرج الترمذي في جامعه قال صلى الله عليه وسلم: « لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ »

اللهم اهد شباب المسلمين ، وردهم إليك ردا جميلا ....

المرفقات

1727361105_الحياة الزوجية حقوق وجهاد واحتساب.docx

المشاهدات 1027 | التعليقات 0