خطبة : ( الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله )
عبدالله البصري
الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله 16/ 1 / 1439
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن حَقِّ اللهِ – تَعَالى – وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ ، حَقُّ التَّحلِيلِ وَالتَّحرِيمِ ، فَلَهُ – سُبحَانهُ – الخلقُ وَالأَمرُ ، وَهُوَ الَّذِي لِكَمَالِ عِلمِهِ وَحِكمَتِهِ يَشْرَعُ لِعِبَادِهِ مَا يَشَاءُ ، فَيُحِلُّ لَهُم مَا فِيهِ مَصلَحَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ عَاجِلاً أَو آجِلاً ، وَيُحَرِّمُ عَلَيهِم مَا لا شَكَّ في ضَرَرِهِ عَلَيهِم في الحَالِ أَوِ المَآلِ ، وَأَمَّا مَن سِوَى اللهِ مِنَ المَخلُوقِينَ صَغُرُوا أَو كَبُرُوا ، زَادَ عِلمُهُم أَو قَلَّ مِنهُ نَصِيبُهُم ، بَلَغُوا مِن عِلمِ الدُّنيَا القِمَّةَ أَو تَخَلَّفُوا فِيهِ ، فَغَيرُ مَسمُوحٍ لأَيٍّ مِنهُم كَائِنًا مَن كَانَ أَن يَقُولَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ بِمَحضِ رَأيِهِ ، أَوِ اِتِّبَاعًا لِهَوًى في نَفسِهِ ، أَو ضَعفًا أَمَامَ ضَغطِ عَدُوِّهِ ، أَو لأَيِّ سَبَبٍ كَانَ ، نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ - لَيسَ في الدُّنيَا مَن يُؤخَذُ بِكَلامِهِ في التَّحلِيلِ وَالتَّحرِيمِ دُونَ أَن يَكُونَ مَعَهُ دَلِيلٌ مِن كِتَابِ اللهِ أَو صَحِيحِ السُّنَّةِ ، وَلِعِظَمِ هَذَا الأَمرِ وَعُلُوِّ شَأنِهِ ، فَإِنَّ اللهَ – تَعَالى - لم يُفَوِّضْ إِلى أَحَدٍ مِن عِبَادِهِ أَن يُشَرِّعَ لِلنَّاسِ مِنَ الأَحكَامِ مَا يُرِيدُ ، أَو أَن يَحكُمَ لَهُم أَو فِيهِم بِمَا يَرَاهُ مِن عِندِ نَفَسِهِ ، وَمَن زَعَمَ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الخَلقِ ، مَلَكًا مُقَرَّبًا كَانَ أَو نَبِيًّا مُرسَلاً ، أَو وَلِيًّا صَالِحًا أَو عَابِدًا زَاهِدًا ، أَو إمَامًا عَادِلاً أَو عَالِمًا عَامِلاً ، يَحِقُّ لَهُ تَحلِيلُ مَا حَرَّمَ اللهُ أَو تَحرِيمُ مَا أَحَلَّهُ ، فَقَد أَشرَكَ بِاللهِ – تَعَالى – وَعَبَدَ مَعَهُ غَيرَهُ ، وَاعتَدَى عَلَى حَقِّهِ وَتَعَدَّى حُدُودَهُ ، وَافتَرَى عَلَيهِ الكَذِبَ وَعَرَّضَ نَفسَهُ لِعَذَابِهِ ، قَالَ – تَعَالى - : " أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنِ الحُكمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " إِنِ الحُكمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيرُ الفَاصِلِينَ " وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " أَم لَهُم شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لم يَأذَنْ بِهِ اللهُ " وَقَالَ - تَعَالى - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُم وَلا تَعتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعتَدِينَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لا يُفلِحُونَ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " قُلْ أَرَأَيتُم مَا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِن رِزقٍ فَجَعَلتُم مِنهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُم أَم عَلَى اللهِ تَفتَرُونَ " وعَن عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : أَتَيتُ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَفي عُنُقِي صَلِيبٌ مِن ذَهَبٍ ، فَقَالَ : " يَا عَدِيُّ ، اِطرَحْ عَنكَ هَذَا الوَثَنَ " فَطَرَحتُهُ ، وَسَمِعتُهُ يَقرَأُ في سُورَةِ بَرَاءَةَ : " اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَابًا مِن دُونِ اللهِ " حَتَّى فَرَغَ مِنهَا , فَقُلتُ : إِنَّا لَسنَا نَعبُدُهُم , فَقَالَ : " أَلَيسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ , وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَستَحِلُّونَهُ ؟! " قُلتُ : بَلَى . قَالَ : " فَتِلكَ عِبَادَتُهُم " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَالطَّبَرَانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " الحَلالُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ ... " الحَدِيثَ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَا أَحَلَّ اللهُ في كِتَابِهِ فَهُوَ حُلالٌ ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ ، وَمَا سَكَتَ عَنهُ فَهُوَ عَفوٌ فَاقبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ ؛ فَإِنَّ اللهَ لم يَكُنْ لِيَنسَى شَيئًا " ... الحَدِيثَ أَخرَجَهُ البَزَّارُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . أَجَلْ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ التَّشرِيعَ وَالتَّحلِيلَ وَالتَّحرِيمَ ، حَقٌّ خَالِصٌ للهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَاللهُ لا يَرضَى أَن يُشرَكَ مَعَهُ أَحَدٌ في عِبَادَتِهِ وَلا في حُكمِهِ ، قَالَ – تَعَالى - : " إِنِ الحُكمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ " وَقَد أَجمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى كُفرِ مَن شَرَعَ لِلنَّاسِ شَرعًا لم يَأذَنْ بِهِ اللهُ ، وَأَعرَضَ عَن شَرعِ اللهِ وَلم يَحكُمْ بِهِ كَمَا أَمَرَ اللهُ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " أَم لَهُم شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لم يَأذَن بِهِ اللهُ وَلَولا كَلِمَةُ الفَصلِ لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَمَن لم يَحكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ " وَتَحلِيلُ الحَرَامِ وَتَحرِيمُ الحَلالِ اتِّبَاعًا لِغَيرِ اللهِ ، لا يَحصُلُ إلاَّ مِن خِفَافِ العُقُولِ الطَّائِشِينَ وَالسُّفًهَاءِ الفَاسِقِينَ ، الَّذِينَ تَقُودُهُم شَيَاطِينُ الجِنِّ وَالإِنسِ وَتُضِلُّهُم عَنِ السَّبِيلِ ، وَتُغوِيهِم بِكَيدِهَا عَنِ الطَّرِيقِ المُستَقِيمِ ، قَالَ- تَعَالى - : " قَد خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَولادَهُم سَفَهًا بِغَيرِ عِلمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افتِرَاءً عَلَى اللهِ قَد ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهتَدِينَ " وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي يَروِيهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – عَن رَبِّهِ – تَبَارَكَ وَتَعَالى – أَنَّهُ قَالَ : " وَإِنِّي خَلَقتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُم ، وَإِنَّهُم أَتَتهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجتَالَتهُم عَن دِينِهِم ، وَحَرَّمَت عَلَيهِم مَا أَحلَلتُ لَهُم ، وَأَمَرَتهُم أَن يُشرِكُوا بي مَا لم أُنزِلْ بِهِ سُلطَانًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَولُهُ : اجتَالَتهُم ، أَي : استَخَفَّت بِهِم ، فَجَالُوا مَعَهَا في الحَلالِ وَالحَرَامِ ، وَقَالُوا : هَذَا حَلالٌ بِزَعمِهِم ، وَهَذَا حَرَامٌ بِزَعمِهِم . وَقَالَ – تَعَالى – في شَأنِ فِرعَونَ : " فَاستَخَفَّ قَومَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُم كَانُوا قَومًا فَاسِقِينَ " أَجَلْ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ الشُّعُوبَ الفَاسِقَةَ ، هِيَ الَّتي تُصَدِّقُ الفَرَاعِنَةَ وَتُطِيعُهُم في مُخَالَفَةِ شَرعِ اللهِ ، وَتَنقَادُ لَهُم وَتَندَفِعُ مَعَ بَاطِلِهِم ، وَتَتَكَلَّفُ لَهُم وَلأَنفُسِهَا في ذَلِكَ المُسَوِّغَاتِ ، وَأَمَّا المُؤمِنُونَ الصَّادِقُونَ المُوقِنُونَ ، فَإِنَّهُم مَهمَا تَنَازَعَ النَّاسُ أَمَامَهُم في أَمرٍ أَوِ اختَلَفُوا في شَيءٍ ، لا يَخرُجُونَ عَن حُكمِ رَبِّهِم وَخَالِقِهِم ، الَّذِي قَالَ لَهُم : " وَمَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ فَحُكمُهُ إِلى اللهِ " وَالقَائِلِ : " فَإِن تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً " وَالقَائِلِ : " فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ " وَالقَائِلِ : " وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم " وَهُم حِينَ يَرجِعُونَ إِلى العُلَمَاءِ وَيَسأَلُونَ أهل الذِّكرِ ؛ فَإِنَّهُم لا يَفعَلُونَ ذَلِكَ لأَنَّ العُلَمَاءَ يُحِلُّونَ أَو يُحَرِّمُونَ مِن تِلقَاءِ أَنفُسِهِم كَمَا يَزعُمُ بَعضُ الشَّانِئِينَ لِلعَلمِ وَمُبغضِي العُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَفِيِّينَ وَالمَفتُونِينَ ، وَلَكِنْ لأَنَّ العُلَمَاءَ وَأَهلَ الذِّكرِ هُم أَعَلَمُ النَّاسِ بِكَلامِ اللهِ وَكَلامِ رَسُولِهِ ، وَأَقدَرُهُم عَلَى استِنبَاطِ الأَحكَامِ مِن نُصُوصِ الوَحيِ ، وَلِهَذَا المَعنَى اللَّطِيفِ نَجِدُ الأَمرَ بِطَاعَةِ وُلاةِ الأَمرِ في كِتَابِ اللهِ ، قَد أُدخِلَ ضِمنَ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَجَاءَ تبعًا لَهَا ولم يَأتِ مُستَقِلاًّ بِذَاتِهِ ، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لَوَاجِبٌ عَلَى المُسلِمِينَ أَن يَقِفُوا عِندَ حُدودِ اللهِ - تَعَالى – وَلا يَتَعَدَّوهَا ، وَإِذَا بُيِّنَ لَهُمُ الحُكمُ الشَّرعِيُّ في أَمرٍ مَا أَو مَسأَلَةٍ أَن يَقُولُوا : سَمِعنَا وَأَطَعنَا ، فَهَذِهِ صِفَاتُ المُؤمِنِينَ ، مَتَى ظَهَرَ لَهُمُ الدَّليلُ أَخَذُوا بِهِ وَلم يَعدِلُوا عَنهُ ، وَأَمَّا مَن ظَهَرَ لَهُ الحَقُّ وَبَانَت لَهُ المَحَجَّةُ ، فَأَبى إِلاَّ أَن يُطِيعَ غَيرَ اللهِ في تَحلِيلِ مَا حَرَّمَهُ أَو تَحرِيمِ مَا أَحَلَّهُ ، فَقَدِ اتَّخَذَ ذَلِكَ المُطَاعَ رَبًّا وَمَعبُودًا ، وَجَعَلَهُ للهِ شَرِيكًا ، إِذِ الإِشرَاكُ بِاللهِ في حُكمِهِ كَالإِشرَاكِ بِهِ في عِبَادَتِهِ ، قَالَ – تَعَالى - في حُكمِهِ : " وَلا يُشرِكُ في حُكمِهِ أَحَدًا " وَقَالَ في الإِشرَاكِ بِهِ في عِبَادَتِهِ : " وَلا يُشرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " وَقَالَ – تَعَالى - : " وَإِنْ أَطَعتُمُوهُم إِنَّكُم لَمُشرِكُونَ " أَلَا فَلنَتَّقِ اللهَ – جَلَّ وَعَلا – وَلنُحِلَّ مَا أَحَلَّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَلنُحَرِّم مَا حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَلْنَقِفْ عِندَ هَذَا الحَدِّ ، وَلْنَصبِرْ عَلى ذَلِكَ حَتَّى نَلقَى اللهَ ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الانجِرَافِ مَعَ قَولِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَائِنًا مَن كَانَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوا عَنهُ وَأَنتُم تَسمَعُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعنَا وَهُم لا يَسمَعُونَ . إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لا يَعقِلُونَ . وَلَو عَلِمَ اللهُ فِيهِم خَيرًا لأَسمَعَهُم وَلَو أَسمَعَهُم لَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرُونَ . وَاتَّقُوا فِتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ المُسلِمَ إِمَّا أَن يُمكِنَهُ أَن يَعرِفَ الحَقَّ بِدَلِيلِهِ بِنَفسِهِ ، وَيُمَيِّزَ الحَلالَ مِنَ الحَرَامِ عَن عِلمٍ وَاستِنبَاطٍ مِن كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، فَوَاجِبٌ عَلَيهِ أَن يَتَّبِعَ الحَقَّ وَلا يَحِيدَ عَنهُ ، وَإِمَّا أَلاَّ يَكُونَ عَالِمًا وَلا يُمكِنَهُ التَّعَلُّمُ ، فَهَذَا وَاجِبُهُ أَن يَسأَلَ العُلَمَاءَ وَيَستَفتِيَ مِنهُم مَن يَثِقُ في عِلمِهِ وَتَقوَاهُ ، ثم يُتَابِعَهُ وَيُقَلِّدَهُ ، مَا دَامَ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الحَقُّ ، وَبِذَلِكَ تَبرَأُ ذِمَّتُهُ وَلا شَيءَ عَلَيهِ وَإِن هُوَ أَخطَأَ ؛ لأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ ، وَقَد وَرَدَ عَنهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : " مَن أُفتِيَ بِغَيرِ عِلمٍ كَانَ إِثمُهُ عَلَى مَن أَفتَاهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَأَمَّا اتِّبَاعُ العُلَمَاءِ أَو غَيرِهِم في تَحلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ أَو تَحرِيمِ مَا حَلَّلَهُ ، فَلا يَخلُو صَاحِبُهُ مِن أَن يُتَابِعَهُم في ذَلِكَ رَاضِيًا بِقَولِهِم مُقَدِّمًا لَهُ ، سَاخِطًا لِحُكمِ اللهِ نَابِذًا لِشَرعِهِ وَرَاءَ ظَهرِهِ ، أَو أَن يُتَابِعَهُم في ذَلِكَ وَهُوَ رَاضٍ بِحُكمِ اللهِ وَعَالِمٌ بِأَنَّهُ أَمثَلُ وَأَصلَحُ لِلعِبَادِ وَالبِلادِ ، وَلَكِنَّهُ اختَارَ رَأيَهُم لِهَوًى في نَفسِهِ ، أَو طَلَبًا لِمَصلَحَةٍ دُنيَوِيَّةٍ عَاجِلَةٍ ، فَأَمَّا الأَوَّلُ فَهُوَ كَافِرٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ ؛ لأَنَّهُ كَرِهَ مَا أَنزَلَ اللهُ وَفَضَّلَ حُكمَ غَيرِهِ عَلَى حُكمِهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم . ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم " وَقَالَ – تَعَالى - : " أَفَحُكمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمًا لِقَومٍ يُوقِنُونَ " وَأَمَّا الثَّاني فَلا يَكفُرُ ، وَلَكِنَّهُ فَاسِقٌ ، وَلَهُ حُكمُ غَيرِهِ مِنَ العُصَاةِ ، وَهُوَ تَحتَ مَشِيئَةِ اللهِ ، إِن شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِن شَاءَ عَذَّبَهُ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَتَمَسَّكْ بِالحَقِّ المُبِينِ ، وَلْنَحذَرِ التَّلَفُّتَ عَنهُ يَمنَةً أَو يَسَرًة ، فَإِنَّنَا في زَمَنٍ كَثُرَت فِيهِ الأَقوَالُ البَاطِلَةُ ، وَتَشَعَّبَتِ الآرَاءُ المُضِلَّةُ ، وَتَنَاوَلَ المُبطِلُونَ أُمُورًا شَرعِيَّةً كَانَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى حُكمٍ لا يَشُكُّونَ فِيهِ ، فَشَكَّكُوهُم فِيهَا ، وَعَمِلُوا عَلَى إِبعَادِهِم عَن حُكمِ اللهِ فِيهَا إِلى حُكمِ البَشَرِ ، فَاللهَ اللهَ بِالتَّمَسُّكِ وَالصَّبرِ ؛ فَإِنَّ اللهَ سَائِلُنَا عَمَّا جَاءَنَا في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ، قَالَ - تَعَالى - : " فَلَنَسألَنَّ الَّذِينَ أُرسِلَ إِلَيهِم وَلَنَسأَلَنَّ المُرسَلِينَ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " فَوَرَبِّكَ لَنَسألَنَّهُم أَجمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعمَلُونَ " وَلا يَعتَذِرَنَّ أَحَدٌ بِأَنَّ الأُمُورَ تَغَيَّرَت أَو أَنَّ الفَتَاوَى تَبَدَّلَت ؛ فَإِنَّ كِتَابَ اللهِ بَينَ أَيدِينَا مَحفُوظٌ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا مَنشُورَةٌ ، وَفَتَاوَى العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَاضِحَةٌ وَمَقرُوءَةٌ " وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَومًا بَعدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ "
المرفقات
ما-أحله-الله-والحرام-ما-حرمه-الله
ما-أحله-الله-والحرام-ما-حرمه-الله
ما-أحله-الله-والحرام-ما-حرمه-الله-2
ما-أحله-الله-والحرام-ما-حرمه-الله-2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق