خطبة .. ( الحرب على مالي ) للشيخ : نايف بن حمد الحربي
عزام عزام
1434/03/22 - 2013/02/03 21:23PM
خطبة.. الحرب على مالي...
جامع العزيّزية بالقيصومة 06/3/1434هـ
للشيخ : نايف بن حمد الحربي
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ بعثَ بِشِرْعَةٍ لطُلاّبِ الحقِ كافيّة, ومِن أهلِ الزيّغِ شافيّة, لَمَّا كانت لأهلِ الكُفرِ مُجَافيَّة, مَن استَمسَكَ بها فقد استرشد, ومَن نَبَذَهَا ولأهلِ الكُفْرِ والىّ, فمُوالاتُهُ لوصفِ الإيمانِ عنه نافيّة, وأشهدُ أنّ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ, صلى اللهُ وسلّمَ وباركَ عليه, وعلى آلهِ وصحبه, وتابعيّهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين..
أمّا بعد.. فعليكم بتقوى اللهِ عبادَ اللهِ, فمَن رُزِقَهَا, فقد وُفِقَ لسببِ قبولِ الأعمال {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} فاسألوا الله الكريّمَ مِن واسعِ فضلِه.
معاشر المسلمين.. التضحِيّةُ لأجلِ الديّن, مبدأٌ, لَمَّا أُشْرِبَتْهُ النفوس, أُورِثَ أصحَابُهَا سِيَّادةَ الدنيا, مُلكَ البلاد, وانقيّادَ العباد, إذْ أنّها في حقيقتِهَا, استِصغَارٌ للدنيا, إزاءَ ما عرفوا مِن حقيقةِ الآخرة, ومَن عَرَفَ فضيّلةَ أمرٍ جَدَّ في تحصيّلِه, وعندَ النُوَاح, لا تستوي ثكلى ومستأجرة, وبعبارةٍ أفصح {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ} فلَمَّا قُلِبَتْ الآية, وأضحت الدنيا تُبْتَاعُ بالآخرة, حَلَّ بالأمَّةِ مَا حُذِّرَتْ منْهُ, "سَلَّط اللهُ عليّكم ذُلاً لا يَنزِعَهُ عنكم حتى تُراجِعُوا ديّنَكُم" ولكم أنْ تستقرؤوا التاريخ, فالصليّبيون حيّنما دخلوا الشامَ في القرنِ الخامسِ الهجري, كانَ عدَدُهُم عشريّنَ ألفا, نزلوا بلادَ الإسلام, فأخذوها إمّارةً إمّارة, حتى بقيَّ منهم بضعةُ آلافٍ, أخذوا بيّتَ المقدس, فمصّروا الأمصار, وأقاموا للصليّبِ ممالك, في أرضٍ تَموّجُ بأهلِ الإسلامِ مَوّجا, كيفَ حدثَ هذا؟ سؤالٌ, يحتاجُ تأمّل, والتترُ حيّنما دخلوا بغداد, كان عدَدُهُم مئتي ألف, بيّنما قتلى المسلمينَ في بغدادَ وحدها على أقلِ تقديّر, ثمانُمائةِ ألف, أفيعجَزُ الأربعَةُ عن واحد؟ سؤالٌ, يَحتَاجُ في إجابتهِ إلى مزيّدِ تأمّل, أمَّا في واقعنا المعاصر, فالخوَرُ ليّسَ في العزائمِ وحسب, وإنّما هو خَوَرٌ, حتى في المفاهيّم, وتأمَّلُوا معي, كم هيَ جِرَاحَاتُ المسلمينَ التي تُنْكَأُ صباحَ مساء؟ ولم تُحرِكْ فِيّنَا ساكنا, بل وجدَتْ بيّننا مَن يُسوِغُهَا, ويُخَذِلُ عن لمّلَمَتِها, فأينَ هيَّ الإمارةُ الإسلاميّةُ في بلادِ الأفغان؟ وماذا حَلَّ في العراق؟ وهل عندكم نبأٌ مِن أهلِ شيّشان؟ ولن أُسَأِلَكُم عن فلسطيّن, لأنّي أخَالَكُم قد أُنسِيّتُمُّوهَا, لكن تأمَّلُوا, وستَجِدُونَ أنّ مَن نكأ جِراحَكُم في كُلِ هذه البلاد, هم فِئةٌ قليّلةٌ, إذا ما قُورِنَت بأعدَادِكُم, أمّا إذا سألتم, أينَ أهلُ الإسلامِ مِن الذودِ عن حِيَّاضِه؟ فهو سؤالٌ, وإن كان يَحتَاجُ إلى طويّلِ تأمّل, فهذه إشارةٌ, في سبيّلِ الإجابةِ عنه, إنّ خورَ العزائم, تنفُضُهُ الأمَّةُ عن ثيّابِهَا, إذا سَلِمَت مِن خَوُرِ المفاهيّم, ولذا, أُجلِيَِ أهلُ الصليّبِ عن الشامِ بحطيّن, ومُرِغَت أنفَةُ التترِ بالترابِ في عيّنِ جالوت, أمَّا في واقعٍ, استوّلَدَ فيه خورُ العزائمِ خَوَراً في المفاهيّم, فاليّقظةُ وإن لم تكنْ مُتَعَذِرة, لكنّها حتماً, ستكونُ مُتَأخرة, إذْ أنّ خورَ عزائِمِنَا, قد أنتجَ لَنَا خَوَراً في المفاهيّم, نُبَرِرُ به لأنّفُسِنَا الواقعَ الذي نعيّشُ فيه, فرَضِيّنَا لأنفُسِنَا أن نَفهَمَ مُرَادَ الشارع, لا كما أرادَهُ الله, وإنّما كما أرادَهُ مَن بقوّةِ المادةِ فَاقَنَا, فأضحى الجهادُ إرهاب, والمجاهدونَ مَنبُوذُون, والمُقَاوَمَةُ تُهمَةٌ, تستوّجبُ الإعدام, والقيّامُ بالأمرِ والنّهي, دعوةٌ للفتنة, بل الأمرُ أبعدُ مِن ذلك, فالكافرُ المُحتَلُ لبلادِ المسلميّن, أضحَى وليُّ أمرٍ شرعيّ, يَحرُمُ الخروجُ عليه, في واقعٍ, قد أضحتْ فيهِ كُلُ هذه الأدواءُ مُسلّمات, لم يَعُدْ مُستَغَربَا, أن يُجمَعَ بيّنَ سُهَيّلٍ والثُريّا..
وإن كانت شَامِيَّةٌ إذا ما استقلّت & وسُهَيَّلٌ إذا ما استَقَلَّ يَمَانِيّا
ومَن نَازَعَ في هذا, فلنَحْتَكِمْ وإيَّاهُ, إلى قضِيّةٍ ساخِنة, كيفَ هيَّ في كتابِ الله, وكيفَ بَدَتْ في أفهامِنَا, وسنعْلَمُ حِيِّنَها, أيّنَ نحنُ مِن أسبابِ استحقاقِ التمكيّن, إنّها قضِيّةُ إعَانةِ بعضِ دُولَ الإسلامِ لفرنسا, في حربِهَا ضِدَّ مُسلميِّ ماليّ, أيّاً كانَ منهَجُهُم, ففي أفهامِنَا, هذهِ قضِيَّةٌ تتعلَقُ بالسيّاسة, تُبنَى على المصالحِ بَيّنَ الدُول, لا دخلَ للشرعِ فيّها, أو, لِيُتَغَاضَى عن حُكمِهِ فيّها, أمَّا في كتابِ الله الذي جعَلَهُ تِبيَّاناً لكُلِ شئ, فهذا العمَلُ كفرٌ بالله, وحربٌ لديّنه, يقتضي الخروجَ عن مِلَتِه, وإن لم يقترنْ به محبةُ مِلّةِ المُعتَدِيّن, إذْ أنّ محبةَ ملتَهُم كفرٌ, وإن لم تحصُلْ مِن المُحِبِ لهم إعانة, يستويّ في هذا السِرُّ والعلانيّة, والصادقُ في وعدِهِ لنُصرَتِهِمْ والكاذب, والمُدَاهِنُ لهم خشيّةَ الدوائر, والمُداريّ رجاءَ عِصّمَةِ النفسِ والمال, إذْ الإكراهُ ليّسَ بمُسَوِّغٍ في هذا, ففي كتابِ الله, نفيُّ الإيّمانِ عن مَن تولّى الكفارَ {تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} وجَعَلَ تَوَلِيّهَمْ مِن خِصالِ المنافقيّن {بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وجَعَلَ حُكمَ مُتَولِيَهم كحُكمِهِم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وقَطَعَ بِرِدَتِهِم {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} وتَبَرَأَ منهم {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} وجَعَلَ السِرَّ والعلانيّةَ, والصِدقَ والكَذِبَ لإرادةِ نُصرَتِهِم في الحُكْمِ سواء {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وأبطَلَ جميّعَ الأعذارِ التي قد يُبَرَرُ بها لمُنَاصِرِهِم {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} وعلى هذا إجمَاعُ الأُمَّةِ قَدِيِّماً وحَدِيّثاً, فمَن لم يَشفِ غَلِيّلَهُ نَقلُ ابنُ حزمٍ للإجماع, فقد نقلَهُ كذَلِكَ ابنُ باز, لكن, أَخْلِقْ بقولِ أبي الوفاءِ ابنِ عقيّلٍ وَصْفَاً لِزَمَانِنَا: "إذا أردتَ أن تعلمَ مَحِلَ الإسلامِ مِن أهلِ الزمان, فلا تَنّْظُرْ إلى زِحَامِهِم في أبوابِ الجوامع, ولا ضَجَيِّجِهِم في الموقفِ بلبيِّك, وإنّما انظر إلى مُواطأتِهِم أعداءَ الشريّعة –إلى أنّ قال-: وهذا يَدُّلُ على برودةِ الديّنِ في القلب"
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل..
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ أجابَ مَن سأل, وكفى مَن عليه اتَكَل, ومَن استرحَمَهُ رَحِمَهُ ولهُ وَصَل, مَن نصَرَهُ فاللهُ لهُ ناصِر, وإن عنه الحَمِيّمُ جَفَل, فوعدُ اللهِ صادِق, وإن ظَنَّ مَوّتُوّرٌ أنّ سَنَاه أفل, فالمِنّةُ على مَن استقامَت حالُهُ, وبهديِّ الوحيّينِ اتصل, فاستضاءت محَجَتُهُ, والدِيّنَ ناصَرَهُ وما خذَل, وصلّى اللهُ وسّلمَ على عبدِهِ ورسولِهِ محمد, وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعين, ما تَبَدَّتْ في السماءِ غَمَامَةٌ, وما مِنها الغيّثُ انهَمَل..
أمَّا بعد.. أهلَ الإسلام, الدِمَاءُ في عروقِ أهلِ الحَمِيَّةِ ثائرة, لكنّما الجروحُ في جَسَدِ الأُمَّةِ غائرة, وهذا يَستَوجِبُ مِن كُلِ عاملٍ لنصرةِ الإسلام, أنّ يَرتَكِزَ في عَمَلِهِ على ركيّزتيّن..
الأولى.. لا بُدَّ مِن تَكَاتُفِ الجهُود, والعَمَلِ المؤسسيّ الدؤوب, الذي لا يَنقَطِعُ بانقطاعِ الأشخاص, وإنّمَا هيَّ رايَّةٌ يَتَلَقَفُهَا كُلُ مَن بالساح, حتى يُبلِغَهَا الأخِيّرُ المَأمَن, ولا يفّزَعنَّ أحدٌ منكم, مِن مُسمَّى التنظيّمِ أو اللجنّة, فإنّما هو اصطلاحٌ, يُرَادُ به استِقَامَةُ حالِ العمل, ولا مُشَاحةَ في الاصطلاح, وعَمَلٌ بلا تنظيّم, رَكَائِزُ أعوادٍ, في مسيّلِ وادٍ جارف, ومَن أكثرَ اللَغَط, فلينظُر في سِيّرَةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّم, هل قامَ بعملٍ بلا تنظيّم؟ فإن فَقِه, وإلا, فليَسِعَهُ مَا وَسِعَ العَجمَاوَات, فهذه سُنّةُ اللهِالتي لا تُحابيّ أحدا, فلا يُمَكَّنُ لأحدٍ ولو كانَ صاحبَ حَقٍ, مالم يأخذْ بأسبابِ التمكيّن, فالحقُّ وحدَهُ ليّسَ بواهبٍ لكَ الاستخلاف, مالم تَسْعَ في تحصيّلِ أسبابه {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا}
أمَّا الركيّزَةُ الثانيّة.. فإنِّهُ ينبغيّ لِكُلِ عاملٍ لدينِ الله, أنّ يستَحضِرَ دائماً وأبدا, أنّ اللهَ قد أمَرَهُ بالعَمَلِ ولم يُكلِّفْهُ النتائِج {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} فاستِبطَأُ النتائج, أو خشيّةُ حُدُوثِ غَيّرِ المَأْمُوّل, ليسَ بمُسَوغٍ لَنَا, في النُكُوصِ عن القِيَّامِ بالواجب, وإنّمَا نَعْمَلُ ونَبْذُلُ في إخلاصٍ ومُتابعة, بِلَاْ استِبطَأٍ للثمَرَة, إذْ أنّ أمرَهِا مَوكُولٌ إلى رَبِّ الأرضِ والسماء, وفي البخاري مِن حديّثِ خَبَّاب "ولَكِنَّكُم تَستَعجِلُون".
أصلحَ اللهُ الحال, ونفعَ بالمقال, وأجَارَنَاْ مِن غَلَبَاتِ الهوى, ومَيّلِهِ إذا مَال.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين,..
جامع العزيّزية بالقيصومة 06/3/1434هـ
للشيخ : نايف بن حمد الحربي
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ بعثَ بِشِرْعَةٍ لطُلاّبِ الحقِ كافيّة, ومِن أهلِ الزيّغِ شافيّة, لَمَّا كانت لأهلِ الكُفرِ مُجَافيَّة, مَن استَمسَكَ بها فقد استرشد, ومَن نَبَذَهَا ولأهلِ الكُفْرِ والىّ, فمُوالاتُهُ لوصفِ الإيمانِ عنه نافيّة, وأشهدُ أنّ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ, صلى اللهُ وسلّمَ وباركَ عليه, وعلى آلهِ وصحبه, وتابعيّهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين..
أمّا بعد.. فعليكم بتقوى اللهِ عبادَ اللهِ, فمَن رُزِقَهَا, فقد وُفِقَ لسببِ قبولِ الأعمال {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} فاسألوا الله الكريّمَ مِن واسعِ فضلِه.
معاشر المسلمين.. التضحِيّةُ لأجلِ الديّن, مبدأٌ, لَمَّا أُشْرِبَتْهُ النفوس, أُورِثَ أصحَابُهَا سِيَّادةَ الدنيا, مُلكَ البلاد, وانقيّادَ العباد, إذْ أنّها في حقيقتِهَا, استِصغَارٌ للدنيا, إزاءَ ما عرفوا مِن حقيقةِ الآخرة, ومَن عَرَفَ فضيّلةَ أمرٍ جَدَّ في تحصيّلِه, وعندَ النُوَاح, لا تستوي ثكلى ومستأجرة, وبعبارةٍ أفصح {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ} فلَمَّا قُلِبَتْ الآية, وأضحت الدنيا تُبْتَاعُ بالآخرة, حَلَّ بالأمَّةِ مَا حُذِّرَتْ منْهُ, "سَلَّط اللهُ عليّكم ذُلاً لا يَنزِعَهُ عنكم حتى تُراجِعُوا ديّنَكُم" ولكم أنْ تستقرؤوا التاريخ, فالصليّبيون حيّنما دخلوا الشامَ في القرنِ الخامسِ الهجري, كانَ عدَدُهُم عشريّنَ ألفا, نزلوا بلادَ الإسلام, فأخذوها إمّارةً إمّارة, حتى بقيَّ منهم بضعةُ آلافٍ, أخذوا بيّتَ المقدس, فمصّروا الأمصار, وأقاموا للصليّبِ ممالك, في أرضٍ تَموّجُ بأهلِ الإسلامِ مَوّجا, كيفَ حدثَ هذا؟ سؤالٌ, يحتاجُ تأمّل, والتترُ حيّنما دخلوا بغداد, كان عدَدُهُم مئتي ألف, بيّنما قتلى المسلمينَ في بغدادَ وحدها على أقلِ تقديّر, ثمانُمائةِ ألف, أفيعجَزُ الأربعَةُ عن واحد؟ سؤالٌ, يَحتَاجُ في إجابتهِ إلى مزيّدِ تأمّل, أمَّا في واقعنا المعاصر, فالخوَرُ ليّسَ في العزائمِ وحسب, وإنّما هو خَوَرٌ, حتى في المفاهيّم, وتأمَّلُوا معي, كم هيَ جِرَاحَاتُ المسلمينَ التي تُنْكَأُ صباحَ مساء؟ ولم تُحرِكْ فِيّنَا ساكنا, بل وجدَتْ بيّننا مَن يُسوِغُهَا, ويُخَذِلُ عن لمّلَمَتِها, فأينَ هيَّ الإمارةُ الإسلاميّةُ في بلادِ الأفغان؟ وماذا حَلَّ في العراق؟ وهل عندكم نبأٌ مِن أهلِ شيّشان؟ ولن أُسَأِلَكُم عن فلسطيّن, لأنّي أخَالَكُم قد أُنسِيّتُمُّوهَا, لكن تأمَّلُوا, وستَجِدُونَ أنّ مَن نكأ جِراحَكُم في كُلِ هذه البلاد, هم فِئةٌ قليّلةٌ, إذا ما قُورِنَت بأعدَادِكُم, أمّا إذا سألتم, أينَ أهلُ الإسلامِ مِن الذودِ عن حِيَّاضِه؟ فهو سؤالٌ, وإن كان يَحتَاجُ إلى طويّلِ تأمّل, فهذه إشارةٌ, في سبيّلِ الإجابةِ عنه, إنّ خورَ العزائم, تنفُضُهُ الأمَّةُ عن ثيّابِهَا, إذا سَلِمَت مِن خَوُرِ المفاهيّم, ولذا, أُجلِيَِ أهلُ الصليّبِ عن الشامِ بحطيّن, ومُرِغَت أنفَةُ التترِ بالترابِ في عيّنِ جالوت, أمَّا في واقعٍ, استوّلَدَ فيه خورُ العزائمِ خَوَراً في المفاهيّم, فاليّقظةُ وإن لم تكنْ مُتَعَذِرة, لكنّها حتماً, ستكونُ مُتَأخرة, إذْ أنّ خورَ عزائِمِنَا, قد أنتجَ لَنَا خَوَراً في المفاهيّم, نُبَرِرُ به لأنّفُسِنَا الواقعَ الذي نعيّشُ فيه, فرَضِيّنَا لأنفُسِنَا أن نَفهَمَ مُرَادَ الشارع, لا كما أرادَهُ الله, وإنّما كما أرادَهُ مَن بقوّةِ المادةِ فَاقَنَا, فأضحى الجهادُ إرهاب, والمجاهدونَ مَنبُوذُون, والمُقَاوَمَةُ تُهمَةٌ, تستوّجبُ الإعدام, والقيّامُ بالأمرِ والنّهي, دعوةٌ للفتنة, بل الأمرُ أبعدُ مِن ذلك, فالكافرُ المُحتَلُ لبلادِ المسلميّن, أضحَى وليُّ أمرٍ شرعيّ, يَحرُمُ الخروجُ عليه, في واقعٍ, قد أضحتْ فيهِ كُلُ هذه الأدواءُ مُسلّمات, لم يَعُدْ مُستَغَربَا, أن يُجمَعَ بيّنَ سُهَيّلٍ والثُريّا..
وإن كانت شَامِيَّةٌ إذا ما استقلّت & وسُهَيَّلٌ إذا ما استَقَلَّ يَمَانِيّا
ومَن نَازَعَ في هذا, فلنَحْتَكِمْ وإيَّاهُ, إلى قضِيّةٍ ساخِنة, كيفَ هيَّ في كتابِ الله, وكيفَ بَدَتْ في أفهامِنَا, وسنعْلَمُ حِيِّنَها, أيّنَ نحنُ مِن أسبابِ استحقاقِ التمكيّن, إنّها قضِيّةُ إعَانةِ بعضِ دُولَ الإسلامِ لفرنسا, في حربِهَا ضِدَّ مُسلميِّ ماليّ, أيّاً كانَ منهَجُهُم, ففي أفهامِنَا, هذهِ قضِيَّةٌ تتعلَقُ بالسيّاسة, تُبنَى على المصالحِ بَيّنَ الدُول, لا دخلَ للشرعِ فيّها, أو, لِيُتَغَاضَى عن حُكمِهِ فيّها, أمَّا في كتابِ الله الذي جعَلَهُ تِبيَّاناً لكُلِ شئ, فهذا العمَلُ كفرٌ بالله, وحربٌ لديّنه, يقتضي الخروجَ عن مِلَتِه, وإن لم يقترنْ به محبةُ مِلّةِ المُعتَدِيّن, إذْ أنّ محبةَ ملتَهُم كفرٌ, وإن لم تحصُلْ مِن المُحِبِ لهم إعانة, يستويّ في هذا السِرُّ والعلانيّة, والصادقُ في وعدِهِ لنُصرَتِهِمْ والكاذب, والمُدَاهِنُ لهم خشيّةَ الدوائر, والمُداريّ رجاءَ عِصّمَةِ النفسِ والمال, إذْ الإكراهُ ليّسَ بمُسَوِّغٍ في هذا, ففي كتابِ الله, نفيُّ الإيّمانِ عن مَن تولّى الكفارَ {تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} وجَعَلَ تَوَلِيّهَمْ مِن خِصالِ المنافقيّن {بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وجَعَلَ حُكمَ مُتَولِيَهم كحُكمِهِم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وقَطَعَ بِرِدَتِهِم {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} وتَبَرَأَ منهم {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} وجَعَلَ السِرَّ والعلانيّةَ, والصِدقَ والكَذِبَ لإرادةِ نُصرَتِهِم في الحُكْمِ سواء {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وأبطَلَ جميّعَ الأعذارِ التي قد يُبَرَرُ بها لمُنَاصِرِهِم {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} وعلى هذا إجمَاعُ الأُمَّةِ قَدِيِّماً وحَدِيّثاً, فمَن لم يَشفِ غَلِيّلَهُ نَقلُ ابنُ حزمٍ للإجماع, فقد نقلَهُ كذَلِكَ ابنُ باز, لكن, أَخْلِقْ بقولِ أبي الوفاءِ ابنِ عقيّلٍ وَصْفَاً لِزَمَانِنَا: "إذا أردتَ أن تعلمَ مَحِلَ الإسلامِ مِن أهلِ الزمان, فلا تَنّْظُرْ إلى زِحَامِهِم في أبوابِ الجوامع, ولا ضَجَيِّجِهِم في الموقفِ بلبيِّك, وإنّما انظر إلى مُواطأتِهِم أعداءَ الشريّعة –إلى أنّ قال-: وهذا يَدُّلُ على برودةِ الديّنِ في القلب"
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل..
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ أجابَ مَن سأل, وكفى مَن عليه اتَكَل, ومَن استرحَمَهُ رَحِمَهُ ولهُ وَصَل, مَن نصَرَهُ فاللهُ لهُ ناصِر, وإن عنه الحَمِيّمُ جَفَل, فوعدُ اللهِ صادِق, وإن ظَنَّ مَوّتُوّرٌ أنّ سَنَاه أفل, فالمِنّةُ على مَن استقامَت حالُهُ, وبهديِّ الوحيّينِ اتصل, فاستضاءت محَجَتُهُ, والدِيّنَ ناصَرَهُ وما خذَل, وصلّى اللهُ وسّلمَ على عبدِهِ ورسولِهِ محمد, وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعين, ما تَبَدَّتْ في السماءِ غَمَامَةٌ, وما مِنها الغيّثُ انهَمَل..
أمَّا بعد.. أهلَ الإسلام, الدِمَاءُ في عروقِ أهلِ الحَمِيَّةِ ثائرة, لكنّما الجروحُ في جَسَدِ الأُمَّةِ غائرة, وهذا يَستَوجِبُ مِن كُلِ عاملٍ لنصرةِ الإسلام, أنّ يَرتَكِزَ في عَمَلِهِ على ركيّزتيّن..
الأولى.. لا بُدَّ مِن تَكَاتُفِ الجهُود, والعَمَلِ المؤسسيّ الدؤوب, الذي لا يَنقَطِعُ بانقطاعِ الأشخاص, وإنّمَا هيَّ رايَّةٌ يَتَلَقَفُهَا كُلُ مَن بالساح, حتى يُبلِغَهَا الأخِيّرُ المَأمَن, ولا يفّزَعنَّ أحدٌ منكم, مِن مُسمَّى التنظيّمِ أو اللجنّة, فإنّما هو اصطلاحٌ, يُرَادُ به استِقَامَةُ حالِ العمل, ولا مُشَاحةَ في الاصطلاح, وعَمَلٌ بلا تنظيّم, رَكَائِزُ أعوادٍ, في مسيّلِ وادٍ جارف, ومَن أكثرَ اللَغَط, فلينظُر في سِيّرَةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّم, هل قامَ بعملٍ بلا تنظيّم؟ فإن فَقِه, وإلا, فليَسِعَهُ مَا وَسِعَ العَجمَاوَات, فهذه سُنّةُ اللهِالتي لا تُحابيّ أحدا, فلا يُمَكَّنُ لأحدٍ ولو كانَ صاحبَ حَقٍ, مالم يأخذْ بأسبابِ التمكيّن, فالحقُّ وحدَهُ ليّسَ بواهبٍ لكَ الاستخلاف, مالم تَسْعَ في تحصيّلِ أسبابه {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا}
أمَّا الركيّزَةُ الثانيّة.. فإنِّهُ ينبغيّ لِكُلِ عاملٍ لدينِ الله, أنّ يستَحضِرَ دائماً وأبدا, أنّ اللهَ قد أمَرَهُ بالعَمَلِ ولم يُكلِّفْهُ النتائِج {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} فاستِبطَأُ النتائج, أو خشيّةُ حُدُوثِ غَيّرِ المَأْمُوّل, ليسَ بمُسَوغٍ لَنَا, في النُكُوصِ عن القِيَّامِ بالواجب, وإنّمَا نَعْمَلُ ونَبْذُلُ في إخلاصٍ ومُتابعة, بِلَاْ استِبطَأٍ للثمَرَة, إذْ أنّ أمرَهِا مَوكُولٌ إلى رَبِّ الأرضِ والسماء, وفي البخاري مِن حديّثِ خَبَّاب "ولَكِنَّكُم تَستَعجِلُون".
أصلحَ اللهُ الحال, ونفعَ بالمقال, وأجَارَنَاْ مِن غَلَبَاتِ الهوى, ومَيّلِهِ إذا مَال.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين,..
المشاهدات 2662 | التعليقات 2
ياليت المشرف يغير الخط اذا كان غير واضح ، لأنه يطلع عندي بالجهاز واضح.
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
نفع الله بكم ونصر الإسلام وأهله وجعلنا وإياكم مفاتيح للخير
يا حبذا لو أن الخط غير إلى أوضح من هذا لأنه يصعب على القارئ قراءته سريعا خاص للمستعجل
تعديل التعليق