خُطْبَةُ الجُمعَةِ 6 ذِي الحِجَّةِ 1442هـ
محمد بن مبارك الشرافي
خُطْبَةُ الجُمعَةِ 6 ذِي الحِجَّةِ 1442هـ
الْحَمْدُ للهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، اللَّطِيفِ الْمَنَّانِ، شَرَعَ لَنَا سُبُلَ الهُدَى وَالرَّشَادِ، وَوَفَّقَنَا لِسُلَوكِ طَرِيقِ الحَقِّ السَّدَادِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَلِذَنْبِي وَلِذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلمْ يُولَدْ وَلمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَزَوْجَاتِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ واعْلَمُوا أَنَّنَا لَا زِلْنَا فِي الْأَيَّامِ الْعَشْرِ الفَاضِلَةِ، فَعَلَيْنَا الاسْتِمْرَارُ فِي الطَّاعَةِ وَمُوَاصَلَةُ الاجْتِهَادِ، ثم بَعْدَ هَذِهِ الْعَشْرِ تَأْتِينَا أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ أُخْرَى هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَمَّةَ الإِسْلَامِ: إِنَّ يَوْمَ الاثْنَيْنِ الْقَادِمَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ ، وهو يَوْمٌ فَاضِلٌ جِدًّا، وَقَدْ ثَبَتَتْ السُّنَّةُ بِالْحَثِّ عَلَى عَمَلَيْنِ فِيهِ (الْأَوَّلُ) الإِكْثَارُ مِنْ الدُّعَاءِ وَلَا سِيَّمَا, قَوْل [لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] طُوَالَ هَذَا الْيَوْمِ ، سَوَاءٌ كَانَ الإِنْسَانُ حَاجًّا أَمْ لا, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) رواهُ الترمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
(الثَّانِي) الصَّوْمُ لِغَيْرِ الْحُجَّاجِ، وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: وَأَمَّا يَومُ عِيدِ الأَضْحَى فِإنَّهُ يُشْرَعُ فِيهِ لِغَيْرِ الحَاجِّ عِبَادَتَانِ عَظِيمَتَانِ، (الأُولَى) صَلَاةُ العِيدِ، وَ(الثَّانِيَةُ) ذَبْحُ الأَضَاحِي
فَأَمَّا صَلَاةُ العِيدِ: فَهِيَ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مُرَدِّدِينَ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ.
وَصَلاةُ العِيدِ وَاجِبَةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلَي العُلَمَاءِ، وَهِيَ سُنَّةٌ في حَقِّ النِّسَاءِ، لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ اَلْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ فِي الْعِيدَيْنِ، يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ اَلْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ اَلْحُيَّضُ اَلْمُصَلَّى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَمَنْ تَرَكَ صَلاةَ العِيدِ مِنَ الرِّجَالِ البَالِغِينَ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ فَهُوَ آَثِمٌ.
وَمِنْ سُنَنِ العِيدِ: التَّكْبِيرُ، والاغْتِسَالُ، وَلُبْسُ أَحْسِنِ الثِّيَابِ، والتَّطَيِّبُ، وَالذَّهَابُ مِنْ طِرِيقٍ إِلَى الْمُصَلَّى وَالعَوْدَةُ مِنْ طَرِيقٍ آَخَرَ، واصْطِحَابُ الأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ حَتَّى الحُيَّضِ وَالْعَوَاتِقِ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، والاسْتَمَاعُ إِلَى خُطْبَةِ العِيدِ، وَالتَّهْنِئَةُ بِالعِيدِ بِقَوْلِ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ العِبَارَاتِ الْمُبَاحَةِ، فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَوا يَومَ العِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ [قَالَ الحَافِظُ فِي فَتْحِ البَارِي: إِسْنَادُهُ حُسُنٌ]
وَمِنَ السُّنَنِ الخَاصَّةِ بِعِيدِ الأَضْحَى أَنْ لا يَأْكُلَ حَتَّى يَرْجِعَ مِنَ مُصَلَّاهُ، فَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَخْرُجُ يَوْمَ اَلْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ اَلْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ فَهِيَ سُنَّةُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمِنْ هَدْيِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ وَبَعْضُ العُلَمَاءِ أَوْجَبَهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وقَالَ الأَلْبَانِيُّ: حَسَنٌ. وَمَعْنَى (سَعَةٌ) أَيْ اسْتِطَاعَةٌ، وَعَلَيْهِ فَمَنَ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ أَوْ كَانَ دَخْلُهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَحَاجِةِ مَنْ يَعُولُ، فَلا يُضَحِّي، لِأَنَّ الأُضْحِيَةَ سُنَّةٌ وَسَدَادُ الدَيْنِ وَاجِبٌ.
ثُمَّ إِنَّ الأُضْحِيَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ مُسْتَقِلٌ، كَالْبَيْتِ والشُّقَّةِ! أَمَّا مَنْ كَانَ يَعِيشُ مَعَ غَيْرِهِ لَكِنْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍ فَلَا يُطَالَبُ بِأُضْحِيةٍ! فَمَثَلاً لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَزَوِجًا لَكِنْ يَعِيشُ مَعَ أَبِيهِ وَمَأْكَلُهُمْ جَمِيعٌ وَمَكَانُ الطَّبْخِ مُتَّحِدٌ فَيَكْفِي أَنْ يُضَحِّيَ الأَبُ عَنِ الجَمِيعِ.
واعْلَمُوا أَنَّ السُنَّةَ فِي الأُضْحِيَةِ: أَنْ تَكُونَ عَن الحَيِّ، فَيُضَحِّي الرَّجُلُ عَن نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَحْيَاءِ والأَمْوَاتِ فَيَشْمَلُهُم الأَجْرُ، وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ عَن الْمَيِّتِ فَإنْ كَانَتْ وَصِيَّةً، بِمَعْنَى أَنَّ الْمَيَّتَ تَرَكَ مَالًا وَقَالَ: ضَحُّوا عَنِّي مِن هَذَا الْمَالِ، فَيَجِبُ تَنْفِّيذُ الَوصِيَّةِ.
وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ عَنِ الْمَيِّتِ اسْتِقْلَالًا، مِنْ دُونِ وَصِيَّةٍ، فَهَذِهِ خِلَافُ الأَفْضَلِ، لأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ بِهَا السُّنَّةُ، وَلِأَنَّ مِن أَهْلِ العِلْمِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا لا تَصِحُّ، فَالأَحْوَطُ للإِنْسَانِ أَنْ لا يَفْعَلَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لُوْ فَعَلَ فِإِنَّهَا تَصِحُّ إِنْ شَاءَ اللهُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ ، الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الأُضْحِيَةَ لا تَصِحُّ إِلا بِالشُّرُوطِ التَّالِيَةِ :
الأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَهِي: الِإبِلُ وَالبَقَرُ وَالغَنَمُ .
الثَّانِي: أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا وَهِيَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ للضَّأْنِ، وَسَنَةٌ للْمَعْزِ، وَسَنَتَانِ للْبَقَرِ، وَخَمْسُ سِنِينَ للإِبِلِ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِن العُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنَ الإِجْزَاءِ، وَهِيَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ اَلْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فَقَالَ ( أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي اَلضَّحَايَا: اَلْعَوْرَاءُ اَلْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ اَلْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ اَلْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَجْفَاءُ اَلَّتِي لَا تُنْقِي) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ. فَهَذِهَ أَرْبَعَةُ عُيُوبُ مَانِعَةٌ مِن إِجْزَاءِ الأُضْحِيَةِ وَهِيَ مَا بَانَ مِنْ عَوَرٍ وَمَرَضٍ وَعَرَجٍ وَهُزَالٍ شَدِيدٍ، وَيُلْحَقُ بِهَا مَا كَانَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَّدَّ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يُضَحِّىَ بِهَا فِي الوَقْتِ الْمَحْدَّدِ شَرْعًا، وَهُوَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوُ الْيَومُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، فَتَكُونُ أَيَّامُ الذَّبْحِ أَرْبَعَةً: يَوْمُ العِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ.
وَيَجُوزُ ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَالذَّبْحُ فِي النَّهَارِ أَوْلَى، وَكُلُ يَومٍ أَفْضَلُ مِمَّا يَلِيِهِ، لِمَا فِيهِ مِن الْمُبَادَرَةِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَيَوْمُ العِيدِ أَفْضَلُ لأَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ التِي هِيَ أَفْضُلُ أَيَّامِ السَّنَةِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: هُنَا تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ جِدًّا: وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اعْتَادُوا فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَنْ يَذْبَحُوا أَضَاحِيهِمْ ثُمَّ يَدْعُوا لَهَا أَقَارِبَهُمْ وَجِيرَانَهُمْ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلِ لا بَأْسَ بِهِ، وَفِيهِ تَأْلِيفٌ لِلْقُلُوبِ وَاجْتِمَاعٌ وَزِيَادَةُ صِلَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَلَكِنْ قَدْ يَصْحَبُ هَذَا أَمْرَانِ فِيهِمَا مُخَالَفَةٌ لِلشَّرْعِ.
(الأَوَّلُ) أَنَّ الْأُضْحِيَةَ تُؤْكَلُ كَامِلَةً مِنَ الْأَقَارِبِ، وَلا يُعْطَى مِنْهَا الْفُقَرَاءُ شَيْئًا، وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْأَضَاحِي (...فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا)، فَإِعْطَاءُ الْفَقِيرِ مِنَ الْأُضْحِيَةِ أَمْرٌ وَاجِبٌ.
(الْأَمْرُ الثَّانِي) هُوَ أَنَّهُ يَكْثُرُ دَعْوَةُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَتَكْثُرُ الذَّبَائِحُ وَيَقِلُّ أَكْلُ النَّاسِ لَهَا، ثُمَّ تُرْمَى فِي الْمَزَابِلِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ، حَتَّى وُجِدَ مَنْ يَرْمِي الذَّبِيحَةَ كَامِلَةً وَلَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ، وَرُبَّمَا أَعْطَوْهَا بَعْضَ الْفُقَرَاءِ كَامِلَةً، ثُمَّ يَأْكُلُونَ الْقَلِيلَ مِنْهَا وَيَرْمُونَ الْبَاقِي لِأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَفِيدُوا مِنْهُ لِأَنَّهُ مَطْبُوخٌ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ فِي حِفْظِ الْبَاقِي مِنَ الطَّعَامِ الْمَطْبُوخِ.
وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَنْتَبِهَ النَّاسُ لِهَذَا، وَنَحْذُرَ مِنْ هَذَا الْإِسْرَافِ الذِي قَدْ يُوجِبُ عُقُوبَةَ اللهِ لَنَا.
فَلا يُطْبَخُ مِنَ الْأُضْحِيَةِ إِلَّا مَا كَانَ سَوْفَ يُؤْكَلُ، ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ فَاضَ شَيْءٌ فَلْيُنْظَرْ إِلَى طَرِيقَةٍ لِحِفْظِهِ وَالاسْتِفَادَةِ مِنْهُ، وَلْنَتَعَاوَنْ عَلَى هَذَا جَمِيعًا، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.
أَسْأَلُ اللهَ عزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعِيدَ هَذِهِ الأَيَّامَ عَلَيْنَا أَعْوَامًا عَدِيدَةُ وَأَعْمَارًا مَدِيدَةً وَنَحْنُ وَالْمُسْلِمُونَ بِأَحْسَنِ حَالٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، اللّهُمَّ أعَزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والْمُشْرِكِينَ وَالكَافِرِينَ، اللّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الحَقِّ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللّهُمَّ وَفِّقْ مَنَ قَصَدَ بَيتَكَ لِحَجٍ مَبْرُورٍ وَسَعْيٍ مَشْكُورٍ، اللّهُمَّ جَنِّبْ الحُجَّاجَ الفِتَنَ وَالزَّلَلَ، اللّهُمَّ رُدَّ كَيْدَ أَعَدَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُحُورِهِمْ ، اللّهُمَّ وَفِّقْ رِجَالَ أَمْنِنَا لِلتَصَدِّي لِكُلِّ غَادِرٍ وَخَائِنٍ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالضَّلالِ ، وَمِنْ عُبَّادِ الْمَشَاهِدِ وَالقُبُورِ ، اللّهُمَّ احْفَظْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَوَفِّقْهُمْ لِرَضَاكَ وَاهْدِهُمْ بِهُدَاكَ ، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْحَقِّ يَاحَيُّ يَاقَيُّومُ . اللّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المرفقات
1626275775_خُطْبَةُ الجُمعَةِ 6 ذِي الحِجَّةِ 1442هـ.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق