خطبة الجمعة 26 رجب 1444هـ اغتنم خمسا قبل خمس
الشيخ فهد بن حمد الحوشان
إِنَّ الحَمدُ للهِ نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيرًا أَمَّا بَعْدُ فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ فَهِيَ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ))
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ خير ما نتذاكر به ما أوصى به النبي ﷺ غنائم تغتنم ومكاسبَ تكتسب فقد روى الحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال له ( اغتنم خمساً قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك ( فهذه خمس مغانم إن فرطت فيها فيوشك أن تفقدها إلى ضدها فأولها الحياة العمر فاغتنم يا عبد الله هذه الحياة في عمل صالح ينفعك بعد الممات فإن لحظة تمر عليك لم تزدد فيها علماً نافعاً أو عملاً صالحاً هي خسارة عليك وما من ميت يموت إلا ندم فإن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب واقلع عمَّا هو عليه ثم الغنيمة الثانية ( صحتك قبل سقمك ( إنها نعمة الصحة فبالصحة ينشط الموفق لعبادة ربه فهو يذكر الله ذكراً كثيراً لا يقطعه عن ذلك سقم يدافعه فهذه حال مغتم الصحة قبل السقم إذ بالسقم تثقل العبادات وتفتر الهمات وإن كان سقمه مع احتسابه يكفر به السيئات ويرفع به الدرجات ولكن تبقى الصحة مغنماً قبل السقم وأما الغنيمة الثالثة فهي الفراغ قبل الشغل وأعظم الفراغ وأهمه فراغ القلب من هم لمستقبل أو حزن على ماضٍ فحينئذٍ يعيش العبد مطمئناً في قلبه منشرحا في صدره لا يرى في الدنيا من هو أسعد منه فيقبل على مصالح دينه ودنياه على أحسن حال وأتم استعداد فالفراغ غنيمة يغتنمها المؤمن قبل أن يفاجئه ما يشغله فيصبح مشغولاً بمدافعة ما نزل به وأما الغنيمة الرابعة فهي الشباب قبل الهرم فالشباب زمن الفتوة والقوة والنشاط والحيوية في الذهن والبدن فهو فرصة ومغنم لمن اغتنمه ولذا كان أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاباً نشأ في طاعة الله فيا أيها الشاب أنت تعيش فرصة فاغتنمها وإياك أن تضيعها أو تفرط فيها وأما آخر المغانم المذكورة في الحديث فهي غنيمة الغنى قبل الفقر وهي الجِدة والسعة في الرزق لمن بسط الله له رزقه فهي غنيمة لمن عرف قدرها ينفق ماله بسخاء نفس و يزكيه ويتصدق وقد سبق أهل الدُّثور بالأجور فاعرف يا عبد الله هذه المغانم وانظر في نفسك واستعن بالله ولا تعجز بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه واستغفره وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيرًا
أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ خير الحديث كتاب الله وخير الهديِ هديُ محمد ﷺ وشر الأمور محدَثاتها وكل بدعة ضلالة وإِنَّ مما أحدثَه بعضُ الناسِ الاحتفالُ بليلةِ السابعِ والعشرين من رجبٍ وقيامُها والإكثارُ من العبادةِ فيها زعموا أنها ليلةُ الإسراءِ ولا شكَّ أن ما يفعلَه هؤلاء في هذه الليلةِ لا أصلَ له في الدِّينِ وهو من البدعِ المردودةِ على أصحابِها وهي لا تزيدُهم من اللهِ إلا بُعدًا لأنه لم يثبت بالنقلِ الصحيحِ تحديدُ الشهر الذي أسرِيَ فيه بالنبيِّ ﷺ فضلاً عن تحديدِ ليلةِ الإسراءِ كذلك أنه لو ثبت أنه أُسرَيَ به في شهرِ رجبٍ في ليلةِ السابعِ والعشرين فإن هذا لا يسوِّغ الاحتفالَ بهذه الليلةِ ولا تخصيصَها بشيءٍ من العباداتِ أو الطاعاتِ بل هي ليلةٌ كسائرِ الليالي وذلك أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم والصحابةَ والتابعين مِن بعدِه لم ينقلْ عنهم تخصيصُها بشيءٍ وهم أحرصُ منَّا على الخيرِ والطاعةِ فالواجبُ التمسكُ بما جاء به السلفُ الصالحُ
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فقالَ سُبِحَانَهُ (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ : ( مَنْ صَلَى عَلَيّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا )
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِ بَيْتِهِ الطَّيبِين الطَّاهِرِين وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَانْصُرِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ وَاجْعَلْ بِلَادَنَا آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ
اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِكُلِّ خَيرٍ ولِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَأَرَادَ بِلَادَنَا بِسُوءٍ فَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار )
عِبَادَ اللهِ (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ))
فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
(( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون ))