خطبة الجمعة 16/10/1434 عذرا !! سوريا

الحمد لله الذي حرم الظلم والعدوان، وأوجب العدل والتناصر بين الإخوان، فوسعت رحمته الأكوان، والصلاة والسلام على خير من عاف الضيم والهوان، وعلى آله وأصحابه خيرة الأعوان، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الْمَلَوَان.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
يا الله ... يا الله ... ما لنا إلا أنت يا الله
إخوة الإيمان والعقيدة ... يعجز اللسان عن الكلام ، و يعجز القلم عن الكتابة ، و يعجز العقل عن التفكير من شدة ما يرى في سوريا ، فقد عقد إبليس صفقته المشبوهة مع أعوانه وحلفاءه من بلاد الغرب والرافضة قاتلهم الله ، صفقة قذرة لتصفية أهل السنة و الجماعة في سوريا .
سوريا الشام التى حدثنا عنها النبي صلى الله عليه و سلم في حديثه ( يا طوبى للشام يا طوبى للشام يا طوبى للشام ، قالوا يا رسول وبم ذلك قال : تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام ) صحيح .
أصبحت اليوم ظلمات بعضها فوق بعض ، فرائحة الدماء الزكية أصبحت عطرها الوحيد ، وأشلاء الضحايا تزين الطرقات ، وما من بيت إلا وفيه شهيد وينتظر سقوط آخر ، أما عن النساء فأعراضهم تنتهك ليل نهار ، وعن الأطفال فما أكثر قتلاهم ، كل ذلك و لم يحرك العالم ساكنا.
عذراً سوريا فلا نستطيع نصرتك
عذراً سوريا فنحن مشغولون بخلافاتنا
عذراً سوريا فالعرب اتفقوا على ألا يتفقوا
عذراً سوريا فلا نملك لكم إلا الدعاء
عجباً للعرب فلو عرفوا قدرك ما تركوكِ تنزفين ، لو عرفوا ماذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أرض الشام ما ترددوا لحظة أن يدافعوا عن أرضك ، لو عرفوا أن يد الله مع الجماعة ، لو عرفوا قول الله ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير } لما تخلوا عنك لحظة ، لو عرفوا حقارة و ضعف من يعيث فيكِ فساداً لعلموا أنه قد آن الأوان لنكون يداً واحدة على عدو الله وعدونا .
ولكن ... طالما أن الغرب قد تعاونوا مع الرافضة ، و العرب يشجبون و ينددون ، فلم يبقى لكِ يا سوريا إلا الله ، المنتقم الجبار ، الذي قصم ظهور الجبابرة ، الذي أرانا آياته في بن علي و مبارك و القذافي ، هو وحده جل في علاه قادر على كسر هذا الطاغوت العلوي الكافر ، فأبشري يا سوريا قد اقترب النصر ، أبشري يا سوريا فكلما اشتد ظلام الليل فقد اقترب بزوغ الفجر ، أبشري يا سوريا فقد آن الأوان أن تعود سوريا لأهل السنة.
اصمدي يا سوريا ... فإن ربك كان شهيدا وحسيبا ( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار )
عذرًا، أيها الرِّفاق، أيها الأحباب، أيها الشهداء، رجالاً ونساءً وأطفالاً.....
أقول: عذرًا، ولا أجد عذرًا، فلا عذرَ لي ولأمثالي، وما هو عذري، وأنا أنام قرير العين مع صغاري وزوجتي، نأكل ونشرب ونضحك. ولكنَّ الأمر لدينا تجاه إخوتنا الذين يُذبَّحون ويقتَّلون منذ أكثر من أعوام فى سوريَّا، هو أننا نقف مشاهدين ونحن نرى المجازر الطائفية من جانب هذا المجرم الذي فاقَ إجرامُه كل إجرام سمعنا عنه.
قتل هذا السفَّاح ما يقرُب من عشرات الآلاف طفل وامرأة وشيخ وشابٍّ؛ قطَّعَ أوصالهم، ومزَّق أجسادهم، ودفَنهم أحياءً بجانب الآلاف من العجَزة والمفقودين، لم يرتدعْ يومًا، ولم يتَّعظْ، بل استهان بكل شيء، وكشف النقاب عن هذا المجتمع الدولي المزيَّف.
وأعود لأعتذر، ولكن هيهاتَ هيهات أن يمنع اعتذاري صرخاتِ الأطفال، وأنينَ المرضى، وآهات الثَّكالى، أو أن يبعث اعتذاري هذا رغيفَ خبزٍ أو زجاجةِ دواء، أو أن يمنع هدمَ جدرانِ بيتٍ صغير، وإلقاءَ أهله في العراءِ! هيهاتَ هيهات أن يمنع اعتذاري هتْكَ أعراض البناتِ والنِّساء أمام أهلِهنَّ، أشعُر بالخسَّةِ وأنا اعتذاري بتلك الكلمات، أشعر بالذلِّ والعارِ والخزي.
يا خادم الحرمين .. يا ملك الإنسانية .. يا حكام يا شعوب يا عرب يا مسلمون ... كفاكم شجْبًا وندْبًا؛ فكل ساعة نتأخر فيها عن نَجدة إخوتنا ترتكب فيها مجزرةٌ جديدة، لم تعد الكلمات تجدي، فالسوريُّون يحتاجون إلى أفعال، وليجلسْ كلٌّ منا لحظاتٍ مع نفسه، وليَعِشْ حالة أسرة في الغوطة أو حلب أو دمشق ! إنها مأساة ما بعدها مأساة، وعارٌ وخزيٌ في جبين كلٍّ منا.
لم يعد هناك وقت للحديث عن مبادرات ومطالب؛ فالأرض والمُلك بيد الله يُورثه من يشاء، وما دورُنا إلا في أن نأتي ما أمرنا الله ورسوله به، ونجتنب ما نهانا عنه، وننصر إخواننا، ونعينهم على هذا الظالم الفاجر، ونسعى لنصرة إخواننا في كل بقاع الأرض،لم يعد لنا أعذار بعد اليوم،والله يقول ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر )
يا مسلمون ... لا تزال المحرقةُ النصيريةُ تعيث في الأرض الفساد، لا تزال مَناظرُ الأَشْلاء وشلاَّلاتُ الدماء تنْزِفُ في أرض الشام، مَشاهد فاقت المعقول، وأدْهشت العقول، فآهٍ ثم آه، مِن مَراراتٍ في القُلُوب، ولَوعاتٍ في الضمير لا نملك معها إلا الحوقلةَ، واستقطارَ الدموع، والاستعاذةَ بالله تعالى من ولاية مَن لا يرقُب في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذِمَّة!
نعوذ بالله مِنْ قُلُوبٍ كالحجارة، نُزِعَتْ منها الرحمةُ والرأفة والإنسانيَّة، نعوذ بالله مِن ألسنةٍ حداد، لا تفتر في شتم الدِّين، والكفر بالله رب العالمين.
فسبحان الله الذي ألهم السوريين الثائرين على الظلم الجاثم على صدورهم منذ نصف قرن، أن يصدعوا منذ الأيام الأولى لمظاهراتهم السلمية بهتاف:ما لنا غيرك يا الله.ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ووالله ليسألن رب العالمين كل من خذل السوريين من المسلمين مجتمعين وفرادى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ يخذل امرأ مسلماً في موضع تُنتهك فيه حرمته ويُنتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ) وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على نصره أذله الله على رءوس الخلائق يوم القيامة ) ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ولا يسلمه ).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... لسنا بحاجة - عبادَ الله - أن نستذكرَ الفواجع، ونستدرَّ المواجع، لسنا بحاجةٍ أن نصوِّر توجُّعاتِ المُصابين، ولا آهاتِ المقْهُورين، ولا أنَّاتِ المكْلومِين، بل حتى المساجد التي يُذكر فيها اسم الله كثيرًا؛ لَم تسلمْ من هذه الهجْمَة النصيرية الهُولاكية!
لنتجاوز هذا كلَّه؛ فعدساتُ الإعلامِ قد كفتْنا تصويرها، والصورةُ أبلغ من ألفِ قولٍ ومقال، ولكن هناك منحٌ بيضاء، في أزمتنا السوداء. مكاسبُ، نخفِّف بها جراحاتنِا، ونستعلي بها على تشاؤُماتنِا، ونحيي بها جذوةَ الأمل، فما أضيق العيشَ لولا فسحةُ الأملِ!
إن مِن أعظم مَكاسِب الثورة في سوريا: اجتِماع الناس وتوحُّدهم تحت راية الدِّين، وارتباط القُلُوب بالله رب العالمين.
شكواهم ( حسبنا الله ونِعْم الوكيل ) شعارهم ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ) رؤيتهم ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) عزاؤهم ( لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ) يقينهم ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) سلواهم ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) أصْبحت المساجِدُ هي الملاذ وهي مَقَر الانْطِلاق، آيات القُرآن لم ينقطعْ دويُّها، وعبارات التكبير والتهليل دام هتافُها.
هذه هي الشام التي عرَفها تاريخُ الإسلام، هذه هي الشام التي كانتْ رمز العِزِّ، وموْطِن التمكين، فعلى ثَراها دُفِن سيف الله المسلول، خالد بن الوليد، وفي أرضها عسْكَر موْكِب الفاروق ثلاثة أيام في أرض الجولان حين ذهب لفتح القدس، هي موطن الخلافة الأمويَّة، ومنها انطلقتْ جُيُوش الإسلام إلى أرجاء الدُّنيا، وهي البلاد التي خرَّجَتْ للأمة آلاف العلماء والفُقهاء والأُدَباء.
هذه البلاد ستبقى إسلاميَّة بهُويتها، سُنيَّة بعقيدتها، أبيَّة بعُرُوبتها، وما حياة الإعراض التي مرَّت بها البلادُ وبغيرها من البلدان بعد عهود الاستعمار إلا مرحلة استثنائيَّة - بإذن الله.
لقد ثبت هذا الشَّعب السُّوري الأبيُّ ثباتًا يَعِزُّ نظيره في عالم اليوم، رغم تخاذُل القريب والبعيد، ولسانُ حالهم: مرحبًا بالمنايا في سبيل عزتنا وديننا، ورفع الظلم القاهر عنا، فإمَّا حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدا.
لقد علَّمنا أحفادُ الأمويين أنَّ الدبابة لا تكسر إرادة الشُّعوب، وأنَّ أهل الطغيان هم أحرص الناس على حياة.
فلا نامت أعين الجبناء"، عبارة أطلقها قديمًا خالد بن الوليد، وتمثّلها أهل الشام اليوم في صبرهم ومُصابرتهم ومرابطتهم
عبادَ الله ... لنعلم أن المآسي كلما زاد ألمُها، وعظم جرحها، فدافعتها الأمةُ بالصبر والتقوى، فإنَّ التَّغْيير بعدها كبيرٌ بكبر حجم هذه المأساة، لقد تسلَّط فرعون على أهل مصر، فسامهم سوء العذاب، وأنَّ الناسُ مِن جبروته وعلوِّه وزهوه، وهم لا يدرون أنَّ في غيب الله المستور ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) ثم بعدين أربعين سنة من سياسة البطش والتنكيل، كانت المكافأة عظيمة، والتغيير كبيرًا، رأى الناس القوم الذين يستضعفون يرِثون الأرض ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ).
يا سوريا الحبيبة .. يا أرض الأنبياء ... يا إخوتي الأحرار، منكم أيها الشهداء .. نقولها بخجل ونعترف بتقصيرنا في نصرتكم وليس لنا عذر سوى ترددنا وهواننا وشتات أمرنا، فعذراً من أعماق قلوبنا لأننا أمةً أضاعت طريقها وتفرقت بنا السُـبل.
نعلم أنك تتألمين وتقتلين، نعلم أنك مطحونة بأنياب قذرة لا تخاف الله ولا تتقيه، نعلم أنك وقعت ضحية لمذاهب هدامة ما أن حانت لها الفرصة حتى تكالبت عليك، نعلم أنك لا ترجين منا النصرة،لأن تاريخنا أسود كالليل. ألم تضيع القدس!! ألم تتوه العراق !! ألم نصدق كذبة الحادي عشر حتى أصبحنا أعداء لأنفسنا وأصدقاء للعدو.
عذرًا سوريــــــــــــــــــــــا ...كل دقيقه نشاهد حمامات الدم هناك، وكل ما نملكه آآآآه خجولة، وتقطيبة جبين سريعة، وهزة رأس مهزومة.
قدرك أن تتألمين، وقدرنا أن نبقى مهزومين. ولكن ثقتنا بالله دون سواه، نسأله تعالى أن يعجل بنصرك، وأن يشفي غليلنا ممن أغتال براءة أطفالك، وممن دمر مساجدك، وممن تطاول على وقار شيوخك. ونحن لا أمل لك فينا. فعذرا سوريا.
سامحونا أرجوكم.. فإحساسنا بالعجز يقتلنا كل يوم ألف مرة, ونحن ما أردناها ولا تمنيناها إلا مرة واحدة.. شهادة في سبيل الله مثلكم, فهنيئاً لكم.
اللهم إن سورية الحرة الأبية اليوم مثخَنة بالجراح، تشكو إليك ضَعف قوّتها وقِلّة حيلتها وهوانها على الناس, تَضْرع إليك بدموع أيتامها, وشكوى أراملها, وأنين جرحاها, وتستمد من دعائها ولجوئها القوة على الصمود.
اللهم إنها تطلب المدد من عندك وتأبى أن تركع لغيرك وتُعلنها مدوّية عالية ملء الأفواه: هي لله.. هي لله..عجِّل نصرك يا الله.
فيا رب.. أنقذهم مما حلّ بهم, وارفع البأس عنهم, واجعل أفئدة الناس تهوي إليهم, وكن لهم عوناً ونصيراً.. وحسبنا أنت ونِعْم الوكيل.
اللهم كن لهم الناصر يوم قل الناصر، اللهم اهلك طاغيتهم بشار وأرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يومًا أسودًا كيوم عاد وثمود
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وباسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، أن يفرج عن إخواننا في سوريا. فنسألك اللهم أن تنصر عبادك وأن تفرج عن أوليائك، اللَّهم إنك تعلم أن هؤلاء القوم المسلمين في سوريا أرادوا نُصرةَ شريعتِكَ ، فاللَّهم نصرك الذي وعدت، اللهم يا قوي يا عزيز، نسألك أن تخذل طاغية الشام ومن معه من الدول الكافرة, إنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل
المرفقات

345.zip

المشاهدات 2095 | التعليقات 1

أيقظت يا شيخ إبراهيم فينا المواجع وأظهرت بيننا المفازع وأتيت بالحجج والقواطع فلا عذر لنا عند الله ولا مانع والله أسأل أن يفك عن إخواننا المستضعفين والمقهورين إنه خير مسئول وأعظم خافض ورافع وأن يبدل حياتهم إلى سعادة وأمن وعافية فتراهم في شكر وأمن بين ساجد وراكع.
بورك فيك شيخ إبراهيم