خطبة الجمعة 1 - 10 -1436 فرحة عند فطره
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1436/09/20 - 2015/07/07 14:50PM
فرحة عند فطره
1/10/1436
الْحَمْدُ لِلَّـهِ المَحْمُودِ فِي كُلِّ حَالٍ، المَعْبُودِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، أَوَّلٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، وَآخِرٌ بِلَا انْتِهَاءِ، تَفْنَى المَوْجُودَاتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَدَائِمٌ لَا يَفُوتُ ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 26- 27]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنْ أَحْكَامٍ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى بُلُوغِ رَمَضَانَ، وَتَمَامِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَبُّ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَجَمِيعِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، لَا يَنْقَطِعُ المُؤْمِنُ عَنْ عِبَادَتِهِ إِلَّا بِالمَمَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَيْرُ مَنْ صَامَ وَقَامَ وَدَانَ بِالْإِسْلَامِ، وَعَبَدَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَالْأَحْيَانِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ أَنْهَيْتُمْ شَهْرَ الْعِبَادَةِ وَالتَّقْوَى بِصِيَامِ نَهَارِهِ وَقِيَامِ لَيْلِهِ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ مَا بَقِيَتْ أَنْفَاسُكُمْ، وَلَا يَقْطَعُ الْعَمَلَ إِلَّا المَوْتُ ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99].
أَيُّهَا النَّاسُ: لَا يَعْدِلُ الْفَرَحَ بِإِتْمَامِ الطَّاعَةِ فَرَحٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ فَرَحٌ بِمَا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى، وَفَرَحٌ بِنَجَاةِ النَّفْسِ مِنَ الْعَذَابِ، وَفَرَحٌ بِأَدَاءِ مَا يُقَرِّبُ إِلَى الْجِنَانِ. فَحَقٌّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَتَمَّ طَاعَةً مِنَ الطَّاعَاتِ أَنْ يَفْرَحَ بِهَا.
إِنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَفْرَحُونَ بِاللَّـهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ رَبُّهُمْ، وَيَفْرَحُونَ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ، وَيَفْرَحُونَ بِالشَّرْيِعَةِ لِأَنَّهَا أَحْكَامُهُ، وَيَفْرَحُونَ بِالصِّيَامِ لِأَنَّهُ فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَيَفْرَحُونَ بِأَدَائِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَيْلِ رِضْوَانِهِ عَزَّ وَجَلَّ.
تَأَمَّلُوا فَرَحَ الصَّحَابَةِ بِالْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة:124]، إِنَّهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بِالْقُرْآنِ.
وَالمُؤْمِنُونَ فِي رَمَضَانَ يَسْتَبْشِرُونَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِسَمَاعِهِ فِي التَّرَاوِيحِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِكُلِّ خَتْمَةٍ يَخْتِمُونَهَا، وَمِنْ أَسْبَابِ اسْتِبْشَارِهِمْ بِرَمَضَانَ أَنَّهُ شَهْرُ الْقُرْآنِ، فِيهِ أُنْزِلَ وَفِيهِ يُتْلَى وَفِيهِ تَعِجُّ بِهِ مَآذِنُ المَسَاجِدِ فِي اللَّيْلِ. هَذَا مِنَ الْفَرَحِ بِالْقُرْآنِ فِي شَهْرِ الصِّيَامِ.
وَرَمَضَانُ فَضْلٌ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَيَعْرِفُ فَضْلَهُ أَهْلُ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ؛ وَلِذَا يَفْرَحُونَ بِرَمَضَانَ أَشَدَّ الْفَرَحِ، وَيُهَنِّئُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِبُلُوغِهِ، ثُمَّ إِذَا انْقَضَى وَحَضَرُوا عِيدَهُمْ فَرِحُوا بِإِتْمَامِهِمُ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ، وَهَنَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْعِيدِ الَّذِي هُوَ عِيدٌ حَقِيقِيٌّ لِمَنْ غَنِمُوا رَمَضَانَ وَلَمْ يُضَيِّعُوهُ، وَصَانُوهُ وَلَمْ يَخْدِشُوهُ، وَحَفِظُوا لَهُ حَقَّهُ وَلَمْ يَبْخَسُوهُ، فَرَمَضَانُ فَضْلٌ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى وَرَحْمَةٌ لَهُمْ يَفْرَحُونَ بِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكُمُ الْفَرَحِ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
إِنَّ الصَّائِمَ يَفْرَحُ عِنْدَ فِطْرِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ».
يَفْرَحُ أَنَّهُ هُدِيَ لِلصِّيَامِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يَرْضَاهُ اللهُ تَعَالَى دِينًا وَقَدْ ضَلَّ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَيَفْرَحُ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مَدَّ فِي عُمُرِهِ حَتَّى أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَأَتَمَّ صِيَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ عَارِضٌ يُلْجِئُهُ لِلْفِطْرِ، وَيَفْرَحُ بِمَا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ. فَهُوَ يُمْسِكُ حِينَ يُمْسِكُ بِأَمْرِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَيُفْطِرُ حِينَ يُفْطِرُ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ، وَفِطْرُهُ كَانَ عَلَى رِزْقِ اللَّـهِ تَعَالَى؛ فَفَرَحُهُ بِاللَّـهِ تَعَالَى وَبِطَاعَتِهِ لَا يَعْدِلُهُ فَرَحٌ. هَذِهِ الْفَرْحَةُ تَتَكَرَّرُ مَعَ المُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَصُومُونَهُ.
وَيُتَوِّجُ هَذِهِ الْفَرْحَةَ الْفَرْحُ الْكَبِيرُ يَوْمَ الْعِيدِ بِبُلُوغِ الشَّهْرِ مُنْتَهَاهُ، فَيَفْرَحُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَبْقَاهُ سَلِيمًا مُعَافًى حَتَّى أَتَمَّ صِيَامَ الشَّهْرِ، وَيَفْرَحُ بِمَا يَرْجُو مِنْ قَبُولِ صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَإِحْسَانِهِ الشَّهْرَ كُلَّهُ؛ وَلِذَا سُمِّيَ الْعِيدُ المُقْتَرِنُ بِالصِّيَامِ عِيدَ الْفِطْرِ، وَهُوَ الْفَرَحُ بِتَمَامِ الصِّيَامِ، وَالْفِطْرِ بَعْدَهُ.
وَهُوَ يَنْتَظِرُ فَرْحَةً أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ وَهِيَ فَرَحُهُ بِلِقَاءِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ لِيُثِيبَهُ عَلَى صِيَامِهِ، فَفَرَحُهُ فِي الدُّنْيَا كَانَ بِفِطْرِهِ، وَأَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ فَرِحًا بِصَوْمِهِ، يَنْتَظِرُ جَائِزَةَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».
فَيَا لَلَّـهِ الْعَظِيمِ! مَا مِقْدَارُ تِلْكَ الْفَرْحَةِ بِصَوْمِهِ وَهُوَ يَرَى مِلْيَارَاتٍ مِنَ الْبَشَرِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ قَدْ حُرِمُوا مِنَ الصِّيَامِ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهِ، بَلْ يُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهِ؟! يَرَى ذَلِكَ وَقَدْ نُجِّيَ هُوَ مِنَ الْعِقَابِ، وَحَازَ الثَّوَابَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْرَحَ .
وَمَا مِقْدَارُ ذَلِكَ الْفَرَحِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ الْجَزَاءَ عَلَى صَوْمِهِ، وَالَّذِي يَجْزِيهِ هُوَ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ بِجَزَاءٍ لَمْ يُحَدَّدْ مِقْدَارُهُ مِنْ عِظَمِهِ، بَلْ قَالَ سُبْحَانَهُ: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي».
فَمَا أَعْظَمَ بَهْجَةَ المُؤْمِنِ فِي المَوْقِفِ الْعَظِيمِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ الْجَزَاءَ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى صِيَامِهِ! فَمَنِ اسْتَحْضَرَ ذَلِكَ وَعَرَفَهُ وَآمَنَ بِهِ وَأَيْقَنَ أَفَلَا يَفْرَحُ أَشَدَّ الْفَرَحِ بِكُلِّ رَمَضَانٍ يُدْرِكُهُ، وَيَفْرَحُ بِكُلِّ يَوْمٍ يَصُومُهُ، وَيَفْرَحُ بِتَمَامِ صَوْمِهِ؟! بَلَى وَكَرَمِ رَبِّنَا وَجُودِهِ.
فَلْنَفْرَحْ - عِبَادَ اللَّـهِ - بِرَبِّنَا سُبْحَانَهُ، وَلْنَفْرَحْ بِمَا شَرَعَ لَنَا مِنَ الدِّينِ، وَلْنَفْرَحْ بِهَدايَتِنَا لَهُ، وَلْنَفْرَحْ بِكُلِّ طَاعَةٍ نَأْتِيهَا، وَلْنَنْتَظِرِ الْفَرَحَ الْأَكْبَرَ بِالْجَزَاءِ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ مِنْ رَبٍّ جَوَادٍ كَرِيمٍ يُعْطِي الْعَطَاءَ الْجَزِيلَ، وَيَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَدِيثِ: «إِذَا لَقِيَ اللهَ فَجَزَاهُ فَرِحَ».
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى كَمَا أَفْرَحَنَا فِي كَلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَ إِفْطَارِنَا أَنْ يُفْرِحَنَا بِجَزَاءِ صِيَامِنَا عِنْدَ لِقَائِهِ. وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى كَمَا أَفْرَحَنَا بِإِكْمَالِ الصِّيَامِ أَنْ يُفْرِحَنَا بِكَمَالِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَهُوَ الْكَرِيمُ الْجَوَادُ، وَأَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ تَقْصِيرِنَا، وَأَنْ يُوجِبَ لَنَا الْعَفْوَ وَالرَّحْمَةَ وَالْعِتْقَ مِنَ النَّارِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللَّـهِ- وَأَطِيعُوهُ، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِذَا تَذَكَّرَ الصَّائِمُ فَرَحَهُ عِنْدَ فِطْرِهِ بِأَدَاءِ فَرْضِهِ، وَفَرَحَهُ بِلِقَاءِ رَبِّهِ؛ هَانَ عَلَيْهِ الظَّمَأُ وَالْجُوعُ، وَصَبَرَ عَلَيْهِمَا لِمَا يَرْجُو مِنْ حُصُولِ الْفَرْحَتَيْنِ، وَبِهَذَا الشُّعُورِ الْإِيمَانِيِّ أَمْضَى الصَّائِمُونَ رَمَضَانَ، وَنَالُوا الْفَرْحَةَ الْأُولَى وَهُمْ يَرْجُونَ الثَّانِيَةَ، بَلَّغَنَا اللهُ وَالمُسْلِمِينَ إِيَّاهَا بِجُودِهِ وَكَرَمِهِ.
وَيَأْبَى اللهُ تَعَالَى إِلَّا أَنْ يُوَاصِلَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَرَحَهُمْ بِعِبَادَتِهِ، فَيَشْرَعُ لَهُمْ مِنْ جِنْسِ الْفَرِيضَةِ نَوَافِلَ عَقِبَهَا، وَنَوَافِلَ مُطْلَقَةً، فَالنَّافِلَةُ الْبَعْدِيَّةُ لِرَمَضَانَ صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، مَنْ صَامَهَا مَعَ رَمَضَانَ كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.
وَنَوَافِلُ أُخْرَى طَوَالَ الْعَامِ فِي الصِّيَامِ: أَفْضَلُهَا صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ، ثُمَّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصِيَامُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَصِيَامُ تِسْعِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا سِيَّمَا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ الصِّيَامِ فِي مُحَرَّمٍ وَشَعْبَانَ وَلَا سِيَّمَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ. وَنَفْلٌ مُطْلَقٌ سِوَى ذَلِكَ، وَفِي كُلِّ صَوْمٍ مِنْ أَنْوَاعِ هَذِهِ النَّوَافِلِ فَرْحَتَانِ لِلصَّائِمِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ؛ فَضْلًا مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى وَنِعْمَةً.
فَلْنَشْكُرِ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْزَلَ عَلَيْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرِيعَةِ، وَمَا هَدَانَا لَهُ مِنْ أَدَاءِ الْفَرِيضَةِ ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
1/10/1436
الْحَمْدُ لِلَّـهِ المَحْمُودِ فِي كُلِّ حَالٍ، المَعْبُودِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، أَوَّلٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، وَآخِرٌ بِلَا انْتِهَاءِ، تَفْنَى المَوْجُودَاتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَدَائِمٌ لَا يَفُوتُ ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 26- 27]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنْ أَحْكَامٍ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى بُلُوغِ رَمَضَانَ، وَتَمَامِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَبُّ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَجَمِيعِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، لَا يَنْقَطِعُ المُؤْمِنُ عَنْ عِبَادَتِهِ إِلَّا بِالمَمَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَيْرُ مَنْ صَامَ وَقَامَ وَدَانَ بِالْإِسْلَامِ، وَعَبَدَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَالْأَحْيَانِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ أَنْهَيْتُمْ شَهْرَ الْعِبَادَةِ وَالتَّقْوَى بِصِيَامِ نَهَارِهِ وَقِيَامِ لَيْلِهِ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ مَا بَقِيَتْ أَنْفَاسُكُمْ، وَلَا يَقْطَعُ الْعَمَلَ إِلَّا المَوْتُ ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99].
أَيُّهَا النَّاسُ: لَا يَعْدِلُ الْفَرَحَ بِإِتْمَامِ الطَّاعَةِ فَرَحٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ فَرَحٌ بِمَا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى، وَفَرَحٌ بِنَجَاةِ النَّفْسِ مِنَ الْعَذَابِ، وَفَرَحٌ بِأَدَاءِ مَا يُقَرِّبُ إِلَى الْجِنَانِ. فَحَقٌّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَتَمَّ طَاعَةً مِنَ الطَّاعَاتِ أَنْ يَفْرَحَ بِهَا.
إِنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَفْرَحُونَ بِاللَّـهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ رَبُّهُمْ، وَيَفْرَحُونَ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ، وَيَفْرَحُونَ بِالشَّرْيِعَةِ لِأَنَّهَا أَحْكَامُهُ، وَيَفْرَحُونَ بِالصِّيَامِ لِأَنَّهُ فَرِيضَةٌ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَيَفْرَحُونَ بِأَدَائِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَيْلِ رِضْوَانِهِ عَزَّ وَجَلَّ.
تَأَمَّلُوا فَرَحَ الصَّحَابَةِ بِالْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة:124]، إِنَّهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بِالْقُرْآنِ.
وَالمُؤْمِنُونَ فِي رَمَضَانَ يَسْتَبْشِرُونَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِسَمَاعِهِ فِي التَّرَاوِيحِ، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِكُلِّ خَتْمَةٍ يَخْتِمُونَهَا، وَمِنْ أَسْبَابِ اسْتِبْشَارِهِمْ بِرَمَضَانَ أَنَّهُ شَهْرُ الْقُرْآنِ، فِيهِ أُنْزِلَ وَفِيهِ يُتْلَى وَفِيهِ تَعِجُّ بِهِ مَآذِنُ المَسَاجِدِ فِي اللَّيْلِ. هَذَا مِنَ الْفَرَحِ بِالْقُرْآنِ فِي شَهْرِ الصِّيَامِ.
وَرَمَضَانُ فَضْلٌ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَيَعْرِفُ فَضْلَهُ أَهْلُ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ؛ وَلِذَا يَفْرَحُونَ بِرَمَضَانَ أَشَدَّ الْفَرَحِ، وَيُهَنِّئُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِبُلُوغِهِ، ثُمَّ إِذَا انْقَضَى وَحَضَرُوا عِيدَهُمْ فَرِحُوا بِإِتْمَامِهِمُ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ، وَهَنَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْعِيدِ الَّذِي هُوَ عِيدٌ حَقِيقِيٌّ لِمَنْ غَنِمُوا رَمَضَانَ وَلَمْ يُضَيِّعُوهُ، وَصَانُوهُ وَلَمْ يَخْدِشُوهُ، وَحَفِظُوا لَهُ حَقَّهُ وَلَمْ يَبْخَسُوهُ، فَرَمَضَانُ فَضْلٌ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى وَرَحْمَةٌ لَهُمْ يَفْرَحُونَ بِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْمُرُهُمْ بِذَلِكُمُ الْفَرَحِ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
إِنَّ الصَّائِمَ يَفْرَحُ عِنْدَ فِطْرِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ».
يَفْرَحُ أَنَّهُ هُدِيَ لِلصِّيَامِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يَرْضَاهُ اللهُ تَعَالَى دِينًا وَقَدْ ضَلَّ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَيَفْرَحُ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مَدَّ فِي عُمُرِهِ حَتَّى أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَأَتَمَّ صِيَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ عَارِضٌ يُلْجِئُهُ لِلْفِطْرِ، وَيَفْرَحُ بِمَا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ. فَهُوَ يُمْسِكُ حِينَ يُمْسِكُ بِأَمْرِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَيُفْطِرُ حِينَ يُفْطِرُ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ، وَفِطْرُهُ كَانَ عَلَى رِزْقِ اللَّـهِ تَعَالَى؛ فَفَرَحُهُ بِاللَّـهِ تَعَالَى وَبِطَاعَتِهِ لَا يَعْدِلُهُ فَرَحٌ. هَذِهِ الْفَرْحَةُ تَتَكَرَّرُ مَعَ المُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَصُومُونَهُ.
وَيُتَوِّجُ هَذِهِ الْفَرْحَةَ الْفَرْحُ الْكَبِيرُ يَوْمَ الْعِيدِ بِبُلُوغِ الشَّهْرِ مُنْتَهَاهُ، فَيَفْرَحُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَبْقَاهُ سَلِيمًا مُعَافًى حَتَّى أَتَمَّ صِيَامَ الشَّهْرِ، وَيَفْرَحُ بِمَا يَرْجُو مِنْ قَبُولِ صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَإِحْسَانِهِ الشَّهْرَ كُلَّهُ؛ وَلِذَا سُمِّيَ الْعِيدُ المُقْتَرِنُ بِالصِّيَامِ عِيدَ الْفِطْرِ، وَهُوَ الْفَرَحُ بِتَمَامِ الصِّيَامِ، وَالْفِطْرِ بَعْدَهُ.
وَهُوَ يَنْتَظِرُ فَرْحَةً أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ وَهِيَ فَرَحُهُ بِلِقَاءِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ لِيُثِيبَهُ عَلَى صِيَامِهِ، فَفَرَحُهُ فِي الدُّنْيَا كَانَ بِفِطْرِهِ، وَأَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ فَرِحًا بِصَوْمِهِ، يَنْتَظِرُ جَائِزَةَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».
فَيَا لَلَّـهِ الْعَظِيمِ! مَا مِقْدَارُ تِلْكَ الْفَرْحَةِ بِصَوْمِهِ وَهُوَ يَرَى مِلْيَارَاتٍ مِنَ الْبَشَرِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ قَدْ حُرِمُوا مِنَ الصِّيَامِ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهِ، بَلْ يُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهِ؟! يَرَى ذَلِكَ وَقَدْ نُجِّيَ هُوَ مِنَ الْعِقَابِ، وَحَازَ الثَّوَابَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْرَحَ .
وَمَا مِقْدَارُ ذَلِكَ الْفَرَحِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ الْجَزَاءَ عَلَى صَوْمِهِ، وَالَّذِي يَجْزِيهِ هُوَ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ بِجَزَاءٍ لَمْ يُحَدَّدْ مِقْدَارُهُ مِنْ عِظَمِهِ، بَلْ قَالَ سُبْحَانَهُ: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي».
فَمَا أَعْظَمَ بَهْجَةَ المُؤْمِنِ فِي المَوْقِفِ الْعَظِيمِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ الْجَزَاءَ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى صِيَامِهِ! فَمَنِ اسْتَحْضَرَ ذَلِكَ وَعَرَفَهُ وَآمَنَ بِهِ وَأَيْقَنَ أَفَلَا يَفْرَحُ أَشَدَّ الْفَرَحِ بِكُلِّ رَمَضَانٍ يُدْرِكُهُ، وَيَفْرَحُ بِكُلِّ يَوْمٍ يَصُومُهُ، وَيَفْرَحُ بِتَمَامِ صَوْمِهِ؟! بَلَى وَكَرَمِ رَبِّنَا وَجُودِهِ.
فَلْنَفْرَحْ - عِبَادَ اللَّـهِ - بِرَبِّنَا سُبْحَانَهُ، وَلْنَفْرَحْ بِمَا شَرَعَ لَنَا مِنَ الدِّينِ، وَلْنَفْرَحْ بِهَدايَتِنَا لَهُ، وَلْنَفْرَحْ بِكُلِّ طَاعَةٍ نَأْتِيهَا، وَلْنَنْتَظِرِ الْفَرَحَ الْأَكْبَرَ بِالْجَزَاءِ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ مِنْ رَبٍّ جَوَادٍ كَرِيمٍ يُعْطِي الْعَطَاءَ الْجَزِيلَ، وَيَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَدِيثِ: «إِذَا لَقِيَ اللهَ فَجَزَاهُ فَرِحَ».
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى كَمَا أَفْرَحَنَا فِي كَلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَ إِفْطَارِنَا أَنْ يُفْرِحَنَا بِجَزَاءِ صِيَامِنَا عِنْدَ لِقَائِهِ. وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى كَمَا أَفْرَحَنَا بِإِكْمَالِ الصِّيَامِ أَنْ يُفْرِحَنَا بِكَمَالِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَهُوَ الْكَرِيمُ الْجَوَادُ، وَأَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ تَقْصِيرِنَا، وَأَنْ يُوجِبَ لَنَا الْعَفْوَ وَالرَّحْمَةَ وَالْعِتْقَ مِنَ النَّارِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللَّـهِ- وَأَطِيعُوهُ، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِذَا تَذَكَّرَ الصَّائِمُ فَرَحَهُ عِنْدَ فِطْرِهِ بِأَدَاءِ فَرْضِهِ، وَفَرَحَهُ بِلِقَاءِ رَبِّهِ؛ هَانَ عَلَيْهِ الظَّمَأُ وَالْجُوعُ، وَصَبَرَ عَلَيْهِمَا لِمَا يَرْجُو مِنْ حُصُولِ الْفَرْحَتَيْنِ، وَبِهَذَا الشُّعُورِ الْإِيمَانِيِّ أَمْضَى الصَّائِمُونَ رَمَضَانَ، وَنَالُوا الْفَرْحَةَ الْأُولَى وَهُمْ يَرْجُونَ الثَّانِيَةَ، بَلَّغَنَا اللهُ وَالمُسْلِمِينَ إِيَّاهَا بِجُودِهِ وَكَرَمِهِ.
وَيَأْبَى اللهُ تَعَالَى إِلَّا أَنْ يُوَاصِلَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَرَحَهُمْ بِعِبَادَتِهِ، فَيَشْرَعُ لَهُمْ مِنْ جِنْسِ الْفَرِيضَةِ نَوَافِلَ عَقِبَهَا، وَنَوَافِلَ مُطْلَقَةً، فَالنَّافِلَةُ الْبَعْدِيَّةُ لِرَمَضَانَ صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، مَنْ صَامَهَا مَعَ رَمَضَانَ كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.
وَنَوَافِلُ أُخْرَى طَوَالَ الْعَامِ فِي الصِّيَامِ: أَفْضَلُهَا صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ، ثُمَّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصِيَامُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَصِيَامُ تِسْعِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا سِيَّمَا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ الصِّيَامِ فِي مُحَرَّمٍ وَشَعْبَانَ وَلَا سِيَّمَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ. وَنَفْلٌ مُطْلَقٌ سِوَى ذَلِكَ، وَفِي كُلِّ صَوْمٍ مِنْ أَنْوَاعِ هَذِهِ النَّوَافِلِ فَرْحَتَانِ لِلصَّائِمِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ؛ فَضْلًا مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى وَنِعْمَةً.
فَلْنَشْكُرِ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْزَلَ عَلَيْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرِيعَةِ، وَمَا هَدَانَا لَهُ مِنْ أَدَاءِ الْفَرِيضَةِ ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
فرحة عند فطره.doc
فرحة عند فطره.doc
فرحة عند فطره مشكولة.doc
فرحة عند فطره مشكولة.doc
المشاهدات 4679 | التعليقات 5
تقبل الله منا ومنكم و أكرمنا وأحبابنا وأرحامنا بالفرح عند لقاء ربنا .
جزاك ربك خير الجزاء وتقبل الله طاعتكم وكل عام وأنتم بخير
تقبل الله طاعتكم وكل عام وأنتم بخير
الله يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، ويجزيكم خيرا على مروركم ودعواتكم المباركة.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق