خطبة الجمعة في يوم العيد
أبو همام مصعب بن عمر
1433/12/14 - 2012/10/30 15:10PM
جمعة العيد
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:
"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "سورة آل عمران"الآية (102)
"يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "سورة"النساء"الآية(1)
" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فوزا عظيما" سورة"الأحزاب"الآية (70-71) .
،،، أما بعد ،،،
فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد e، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
أيها المسلمون:
عندما يقبِل العيدُ تُشرِق الأرضُ في أبْهى صورة، ويبدو الكونُ في أزهى حُللِه،وترى الناس في تآلف ومحبة ومودة , كلُّ هذه المظاهر الرائعةِ تعبيرٌ عن فَرحةِ المسلمين بالعيد، وهل أَفرحُ للقلب مِن فرحةٍ نال بها رِضا ربِّ العالمين؛ لِما قدَّمه من طاعةٍ وعمل وإحسان. سُرورُ المُسلم بِسعيِه وكَدحِه، وفرحتُه بثمرة عَمَله ونِتاجِ جُهدِه - من الأمورِ المسلَّم بها، بل إنَّ أهلَ الآخرة وطُلاَّبَ الفضيلة لأشدُّ فَرحًا بثمرة أعمالهم مع فضل الله الواسع ورحمتِه الغامِرة، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]. وحُقَّ للمُؤمن أن يَفرَح ويَتهلَّل عَقِب عَشْرٍ مُباركة عظيمةٍ من شهر ذي الحجَّة صام فيها وقامَ وأذاب الجسمَ في مَواطِن الخير ومَسالك الجِدِّ ووجوه العَملِ الصَّالح.
يَقعُ هذا العيدُ شكرًا لله تعالى على العِبادات الواقِعة في شهر ذي الحِجَّة، وأعظمُها إقامة وظيفةِ الحجِّ؛ فكانت مشروعيةُ العيد تكملةً لما اتَّصل وشكرًا لله تعالى على نعمِه التي أنعمَ بها على عباده، وتكريمًا من الله لجميع المسلمين بأن جعلَ لهم عقِبَ الأعمال الصالحة وعقِبَ يومِ عرفَة عيدَ الأضحى. وإظهارُ الفرح والسرور في العيدين مندوبٌ ومن شعائر هذا الدين الحنيف.
يومُ العيد يمثِّل وسطيَّةَ الدِّين؛ بهجَةُ النَّفس مع صفاء العقيدة، إيمان القلب مع متعة الجوارح. العيدُ في حساب العُمر وجريِ الأيام والليالي أيامٌ معدودة معلومَة، ومُناسبةٌ لها خُصوصيَّتها، لا تقتصر الفرحةُ فيه على المظاهر الخارجيَّة، لكنَّها تَنفُذُ إلى الأعماق وتَنطَلِق إلى القلوب، فودِّع الهمومَ والأحزان، ولا تَحقِد على أحد من بني الإنسان، شاركِ الناسَ فرحتَهم، أقبِل على الناس، واحذَر ظُلمَهم والمعصيةَ؛ فليس العيدُ لمن لَبِس الجديدَ، إنما العيد لمن خاف يومَ الوعيد. إنَّها فرحةٌ تشمَل الغنِيَّ والفقير، ومساواةٌ بين أفرادِ المجتمع: كبيرِهم وصغيرِهم؛ فالموسِرون يَبسُطون أيديَهم بالجود والسَّخاء، وتتحرَّك نفوسهم بالشَّفقة والرَّحمة، وتَسري في قلوبِهم رُوحُ المحبَّة والتآخي؛ فتَذهب عنهم الضغائن وتَسودُهم المحبَّة والمودَّة.
في العيد - عباد الله - تَتصافَى القلوبُ وتتصافَح الأيدي ويَتبادَل الجميعُ التَّهانِيَ. وإذا كان في القلوب رواسبُ خِصامٍ أو أحقاد فإنَّها في العيد تُسَلُّ فتَزول، وإن كان في الوجوه العبوسُ فإنَّ العيدَ يُدخِل البهجةَ إلى الأرواح والبسمةَ إلى الوجوه والشِّفاه، كأنَّما العيد فرصةٌ لكلِّ مسلمٍ ليَتطهَّر من دَرَن الأخطاء، فلا يَبقى في قلبِه إلاَّ بياضُ الأُلفة ونور الإيمان؛ لتُشرق الدنيا من حوله في اقترابٍ من إخوانه ومُحبِّيه ومعارفِه وأقاربِه وجيرانه. إذَا التقى المُسْلِمان في يوم العيد وقد باعَدَت بينهما الخلافاتُ أو قعدت بهما الحزازات فأعظمُهما أجرًا البادئ أخاه بالسَّلام.
في هذه الايام عباد الله يجب علينا أن نتجاوز خلافاتنا و أن نرجع إلى كلام ربنا وكلام نبينا صلى الله عليه وسلم وان نقذف بأحقادنا إلى غيابات الجب لنعيش متآخين مترابطين ونحكم فينا شرع الله فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )
وترى بعض الناس الآن لا يتكلمون مع بعضهم لخلا فات دنيوية ولأسباب لا تسمن ولا تغني من جوع يهجر أخاه ويبغضه لأنه لأسباب سياسية يبغضه لأنه مؤيد أو معارض وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) فهل قال بهذا البغض والهجر رب العباد أم قال بهذا سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه
واعلموا يا عباد الله أن هذه الخلافات من أسباب الخذلان، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، والقرآن يوضِّح لنا بجلاءٍ ما الذي أصابَ ويصيبُ المسلمين؛ قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، ضعفٌ في الإيمان، و هجرٌ للقرآن، و تضييعٌ لآكد أركانِ الإسلام: الصلاة، و منعُ للزكاة، تراشقٌ بالتُّهَم بين المسلمين، و حبُّ الدنيا، و فُشوُّ المعاصي،إلى غير ذلك من الأجواء التي ما أنزل الله بها من سلطان , وكيف نناشد النصر والتوفيق والتمكين وقد ، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَاةَ وآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ} [الحج: 41]. , ولتعلموا يا عباد الله أنكم ستعرضون أمام الله عز وجل يوم القيامة ولن تعرضوا أمام الأمم المتحدة ، واعلموا أن نبيُّكم يروي عن ربِّه عزّ وجلّ قوله: ((يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)).
العيد - عباد الله - مناسبةٌ للمراجعة الصَّادقة مع النفس؛ نتأمَّل فيها حكمةَ الله في قضائه، نتأمَّل قدرتَه وحكمَ آجاله، نتذكَّر إخوةً لنا أو أصدقاءَ أو أقرباءَ كانوا معنا في أعيادٍ مضت كانوا ملءَ السَّمع والبصر وهم اليوم قد أفضوا إلى ما قدموا ، فندعو لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.
لم يكن فرحُ المسلمين في أعيادهم فرحَ لهوٍ وَلعِب: تُقتحَم فيه المحرَّمات وتنتَهَك الأعراض وتُشرَّد فيه العقول أو تُسلَب، إنما هو فرحٌ تبقى معه المعاني الفاضلةُ التي اكتسبَها المسلمُ مِن العبادة، وليسَ كما يَظنُّ بعضُهم أنَّ غيرةَ اللهِ على حدودِه ومحارمِه في مواسمَ مُحدَّدةٍ ثُم تُستبَاح المحرَّمات.
إنَّ يومَ العيد ليسَ تمرّدًا من معنى العبوديَّة وانهماكًا في الشهوات، كلاَّ، إنَّ من يَفعل هذا لا يَتمثَّل معنى العيدِ بصفائه ونَقَائِه، بل هو في غمٍّ وحزن وخسارة؛ ذلك أنَّ يومَ العيد هو يومُ طاعة ونعمةٍ وشكر، قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
عباد الله، في العيد نَسترجِع إلى ذاكرتنا معانيَ كثيرةً، وتُرسم أمام أعيُنِنا صورةُ ذلك النبي الكريم إبراهيم - عليه السلام - وهو يقود ابنه وفلِذة كبده إسماعيل لينحرَه قُربانًا لله تعالى، أيُّ امتثال عظيم؟! وأيُّ طاعة عميقة؟! وأيُّ يقينٍ ثابت ذلك الذي تَغلَّب على مشاعرِ الأبوَّة الفطريَّة وانطلق وهو ثابت الجنان غيرَ متردِّد ولا كارِه ليُنفِّذَ أمرَ الله: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]، ثمّ أيُّ استسلامٍ للقدر، وأيُّ رضًا به، ذلك الذي جعل إسماعيلَ يقول لوالده: {افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102].
إنَّها الطَّاعة - عباد الله - وإنَّه الإيمان في أبهى نماذجِه وأوفرِ عطائه.
إنَّ يومَ النحرِ يُعيد إلى خواطرنا هذه المواقفَ العظيمة؛ فهو يومُ الاختبار والابتلاء الذي نَجَح فيه إبراهيمُ وإسماعيل أيَّما نجاح. يؤكِّد يومُ النحر معنى التضحيةِ إثباتًا للإيمان ودليلاً على العبودية؛ فالطاعةُ دليلُها التَّضحية، والإيمان لا يُعرَفُ مداه حتَّى يُوضَع على المحكِّ؛ سنَّةَ الله في خَلْقه، ولن تَجِد لسُنَّة الله تبديلاً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله مُدبِّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تَفرَّد بالعظمة والجلال، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله، أكرمه الله بأفضل الخِصال، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَبَعدَ أَن خُتِمَتِ الأَيَّامُ العَشَرَةُ المَعلُومَاتُ بِيَومِ النحر وَهُوَ يَومُكُم هَذَا ، تَبدَأُ يَومَ غَدٍ أَيَّامُ التَّشرِيقِ ، الأَيَّامُ الثَّلاثَةُ المَعدُودَاتُ ، الَّتي قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِيهَا : " وَاذكُرُوا اللهَ في أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ " وَقَالَ فِيهَا النَّبيُّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرِ اللهِ " وَفي هَذَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ تَوجِيهٌ نَبَوِيٌّ كَرِيمٌ ، وَهُوَ أَنَّ نِعَمَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَى عِبَادِهِ ، يَنبَغِي أَن تُقَابَلَ بما تَستَحِقُّهُ ، مِنَ التَّقَوِّي بها عَلَى طَاعَتِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ والاستِعَانَةِ عَلَى ذِكرِهِ ، وَهَذَا هُوَ مُنتَهَى الشُّكرِ وَغَايَتُهُ وَأَكمَلُهُ ، وَالَّذِي لا يُوَفَّقُ إِلَيهِ إِلاَّ القَلِيلُ مِن عِبَادِ اللهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ "
" وَفي وَصفِ هَذِهِ الأَيَّامِ بِأَنَّهَا أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِشَارَةٌ إِلى أَنَّهُ لا بَرَكَةَ في أَكلٍ وَشُربٍ يُنسِي ذِكرَ اللهِ ، وَلا فَرَحَ حَقِيقِيًّا إِلاَّ بِطَاعَةِ اللهِ ، فَمَعَ أَنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ أَيَّامُ عِيدٍ وَأَكلٍ وَشُربٍ ، وَمَعَ أَنَّهُ قَد أُذِنَ فِيهَا بِشَيءٍ مِنَ اللَّهوِ المُبَاحِ وَاللَّعِبِ البَرِيءِ ، إِلاَّ أَنَّ الفَرَحَ الحَقِيقِيَّ وَالسُّرُورَ الكَامِلَ وَالأُنسَ التَّامَّ ، لا يَكُونُ إِلاَّ بِطَاعَةِ اللهِ وَكَثرَةِ ذِكرِهِ وَدَوَامِ شُكرِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " وَنِعَمُ اللهِ إِذَا شُكِرَت قَرَّت وَزَادَت ، وَإِن كُفِرَت فَرَّت وَزَالَت ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنْ تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنكُم وَلَا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِنْ تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم "
يقول صاحب فتح البارى فى فضل العمل في أيام التشريق : العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره ، ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد واكل وشرب كما صح من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أنها أيام أكل وشرب" ؛ لأن ذلك لا يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ، ولم يمنع فيها منها إلا الصيام ، وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها ، وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب ، فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها ، كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام .
وقال ابن رجب الحنبلي : أيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب، ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر، وبذلك تتم النعمة، وكلما أحدثوا شكرًا على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى، فيحتاج إلى شكر آخر، ولا ينتهي الشكر أبدًا.
أللهم ارزقنا الفقه في الدين و اتباع سنة سيد المرسلين وصلى الله وسلم على نبينا الأمين..... و أقم الصلاة
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:
"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "سورة آل عمران"الآية (102)
"يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "سورة"النساء"الآية(1)
" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فوزا عظيما" سورة"الأحزاب"الآية (70-71) .
،،، أما بعد ،،،
فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد e، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
أيها المسلمون:
عندما يقبِل العيدُ تُشرِق الأرضُ في أبْهى صورة، ويبدو الكونُ في أزهى حُللِه،وترى الناس في تآلف ومحبة ومودة , كلُّ هذه المظاهر الرائعةِ تعبيرٌ عن فَرحةِ المسلمين بالعيد، وهل أَفرحُ للقلب مِن فرحةٍ نال بها رِضا ربِّ العالمين؛ لِما قدَّمه من طاعةٍ وعمل وإحسان. سُرورُ المُسلم بِسعيِه وكَدحِه، وفرحتُه بثمرة عَمَله ونِتاجِ جُهدِه - من الأمورِ المسلَّم بها، بل إنَّ أهلَ الآخرة وطُلاَّبَ الفضيلة لأشدُّ فَرحًا بثمرة أعمالهم مع فضل الله الواسع ورحمتِه الغامِرة، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]. وحُقَّ للمُؤمن أن يَفرَح ويَتهلَّل عَقِب عَشْرٍ مُباركة عظيمةٍ من شهر ذي الحجَّة صام فيها وقامَ وأذاب الجسمَ في مَواطِن الخير ومَسالك الجِدِّ ووجوه العَملِ الصَّالح.
يَقعُ هذا العيدُ شكرًا لله تعالى على العِبادات الواقِعة في شهر ذي الحِجَّة، وأعظمُها إقامة وظيفةِ الحجِّ؛ فكانت مشروعيةُ العيد تكملةً لما اتَّصل وشكرًا لله تعالى على نعمِه التي أنعمَ بها على عباده، وتكريمًا من الله لجميع المسلمين بأن جعلَ لهم عقِبَ الأعمال الصالحة وعقِبَ يومِ عرفَة عيدَ الأضحى. وإظهارُ الفرح والسرور في العيدين مندوبٌ ومن شعائر هذا الدين الحنيف.
يومُ العيد يمثِّل وسطيَّةَ الدِّين؛ بهجَةُ النَّفس مع صفاء العقيدة، إيمان القلب مع متعة الجوارح. العيدُ في حساب العُمر وجريِ الأيام والليالي أيامٌ معدودة معلومَة، ومُناسبةٌ لها خُصوصيَّتها، لا تقتصر الفرحةُ فيه على المظاهر الخارجيَّة، لكنَّها تَنفُذُ إلى الأعماق وتَنطَلِق إلى القلوب، فودِّع الهمومَ والأحزان، ولا تَحقِد على أحد من بني الإنسان، شاركِ الناسَ فرحتَهم، أقبِل على الناس، واحذَر ظُلمَهم والمعصيةَ؛ فليس العيدُ لمن لَبِس الجديدَ، إنما العيد لمن خاف يومَ الوعيد. إنَّها فرحةٌ تشمَل الغنِيَّ والفقير، ومساواةٌ بين أفرادِ المجتمع: كبيرِهم وصغيرِهم؛ فالموسِرون يَبسُطون أيديَهم بالجود والسَّخاء، وتتحرَّك نفوسهم بالشَّفقة والرَّحمة، وتَسري في قلوبِهم رُوحُ المحبَّة والتآخي؛ فتَذهب عنهم الضغائن وتَسودُهم المحبَّة والمودَّة.
في العيد - عباد الله - تَتصافَى القلوبُ وتتصافَح الأيدي ويَتبادَل الجميعُ التَّهانِيَ. وإذا كان في القلوب رواسبُ خِصامٍ أو أحقاد فإنَّها في العيد تُسَلُّ فتَزول، وإن كان في الوجوه العبوسُ فإنَّ العيدَ يُدخِل البهجةَ إلى الأرواح والبسمةَ إلى الوجوه والشِّفاه، كأنَّما العيد فرصةٌ لكلِّ مسلمٍ ليَتطهَّر من دَرَن الأخطاء، فلا يَبقى في قلبِه إلاَّ بياضُ الأُلفة ونور الإيمان؛ لتُشرق الدنيا من حوله في اقترابٍ من إخوانه ومُحبِّيه ومعارفِه وأقاربِه وجيرانه. إذَا التقى المُسْلِمان في يوم العيد وقد باعَدَت بينهما الخلافاتُ أو قعدت بهما الحزازات فأعظمُهما أجرًا البادئ أخاه بالسَّلام.
في هذه الايام عباد الله يجب علينا أن نتجاوز خلافاتنا و أن نرجع إلى كلام ربنا وكلام نبينا صلى الله عليه وسلم وان نقذف بأحقادنا إلى غيابات الجب لنعيش متآخين مترابطين ونحكم فينا شرع الله فقد قال صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )
وترى بعض الناس الآن لا يتكلمون مع بعضهم لخلا فات دنيوية ولأسباب لا تسمن ولا تغني من جوع يهجر أخاه ويبغضه لأنه لأسباب سياسية يبغضه لأنه مؤيد أو معارض وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) فهل قال بهذا البغض والهجر رب العباد أم قال بهذا سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه
واعلموا يا عباد الله أن هذه الخلافات من أسباب الخذلان، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، والقرآن يوضِّح لنا بجلاءٍ ما الذي أصابَ ويصيبُ المسلمين؛ قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، ضعفٌ في الإيمان، و هجرٌ للقرآن، و تضييعٌ لآكد أركانِ الإسلام: الصلاة، و منعُ للزكاة، تراشقٌ بالتُّهَم بين المسلمين، و حبُّ الدنيا، و فُشوُّ المعاصي،إلى غير ذلك من الأجواء التي ما أنزل الله بها من سلطان , وكيف نناشد النصر والتوفيق والتمكين وقد ، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَاةَ وآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ} [الحج: 41]. , ولتعلموا يا عباد الله أنكم ستعرضون أمام الله عز وجل يوم القيامة ولن تعرضوا أمام الأمم المتحدة ، واعلموا أن نبيُّكم يروي عن ربِّه عزّ وجلّ قوله: ((يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)).
العيد - عباد الله - مناسبةٌ للمراجعة الصَّادقة مع النفس؛ نتأمَّل فيها حكمةَ الله في قضائه، نتأمَّل قدرتَه وحكمَ آجاله، نتذكَّر إخوةً لنا أو أصدقاءَ أو أقرباءَ كانوا معنا في أعيادٍ مضت كانوا ملءَ السَّمع والبصر وهم اليوم قد أفضوا إلى ما قدموا ، فندعو لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.
لم يكن فرحُ المسلمين في أعيادهم فرحَ لهوٍ وَلعِب: تُقتحَم فيه المحرَّمات وتنتَهَك الأعراض وتُشرَّد فيه العقول أو تُسلَب، إنما هو فرحٌ تبقى معه المعاني الفاضلةُ التي اكتسبَها المسلمُ مِن العبادة، وليسَ كما يَظنُّ بعضُهم أنَّ غيرةَ اللهِ على حدودِه ومحارمِه في مواسمَ مُحدَّدةٍ ثُم تُستبَاح المحرَّمات.
إنَّ يومَ العيد ليسَ تمرّدًا من معنى العبوديَّة وانهماكًا في الشهوات، كلاَّ، إنَّ من يَفعل هذا لا يَتمثَّل معنى العيدِ بصفائه ونَقَائِه، بل هو في غمٍّ وحزن وخسارة؛ ذلك أنَّ يومَ العيد هو يومُ طاعة ونعمةٍ وشكر، قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
عباد الله، في العيد نَسترجِع إلى ذاكرتنا معانيَ كثيرةً، وتُرسم أمام أعيُنِنا صورةُ ذلك النبي الكريم إبراهيم - عليه السلام - وهو يقود ابنه وفلِذة كبده إسماعيل لينحرَه قُربانًا لله تعالى، أيُّ امتثال عظيم؟! وأيُّ طاعة عميقة؟! وأيُّ يقينٍ ثابت ذلك الذي تَغلَّب على مشاعرِ الأبوَّة الفطريَّة وانطلق وهو ثابت الجنان غيرَ متردِّد ولا كارِه ليُنفِّذَ أمرَ الله: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]، ثمّ أيُّ استسلامٍ للقدر، وأيُّ رضًا به، ذلك الذي جعل إسماعيلَ يقول لوالده: {افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102].
إنَّها الطَّاعة - عباد الله - وإنَّه الإيمان في أبهى نماذجِه وأوفرِ عطائه.
إنَّ يومَ النحرِ يُعيد إلى خواطرنا هذه المواقفَ العظيمة؛ فهو يومُ الاختبار والابتلاء الذي نَجَح فيه إبراهيمُ وإسماعيل أيَّما نجاح. يؤكِّد يومُ النحر معنى التضحيةِ إثباتًا للإيمان ودليلاً على العبودية؛ فالطاعةُ دليلُها التَّضحية، والإيمان لا يُعرَفُ مداه حتَّى يُوضَع على المحكِّ؛ سنَّةَ الله في خَلْقه، ولن تَجِد لسُنَّة الله تبديلاً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله مُدبِّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تَفرَّد بالعظمة والجلال، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله، أكرمه الله بأفضل الخِصال، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَبَعدَ أَن خُتِمَتِ الأَيَّامُ العَشَرَةُ المَعلُومَاتُ بِيَومِ النحر وَهُوَ يَومُكُم هَذَا ، تَبدَأُ يَومَ غَدٍ أَيَّامُ التَّشرِيقِ ، الأَيَّامُ الثَّلاثَةُ المَعدُودَاتُ ، الَّتي قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِيهَا : " وَاذكُرُوا اللهَ في أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ " وَقَالَ فِيهَا النَّبيُّ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرِ اللهِ " وَفي هَذَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ تَوجِيهٌ نَبَوِيٌّ كَرِيمٌ ، وَهُوَ أَنَّ نِعَمَ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَى عِبَادِهِ ، يَنبَغِي أَن تُقَابَلَ بما تَستَحِقُّهُ ، مِنَ التَّقَوِّي بها عَلَى طَاعَتِهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ والاستِعَانَةِ عَلَى ذِكرِهِ ، وَهَذَا هُوَ مُنتَهَى الشُّكرِ وَغَايَتُهُ وَأَكمَلُهُ ، وَالَّذِي لا يُوَفَّقُ إِلَيهِ إِلاَّ القَلِيلُ مِن عِبَادِ اللهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ "
" وَفي وَصفِ هَذِهِ الأَيَّامِ بِأَنَّهَا أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِشَارَةٌ إِلى أَنَّهُ لا بَرَكَةَ في أَكلٍ وَشُربٍ يُنسِي ذِكرَ اللهِ ، وَلا فَرَحَ حَقِيقِيًّا إِلاَّ بِطَاعَةِ اللهِ ، فَمَعَ أَنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ أَيَّامُ عِيدٍ وَأَكلٍ وَشُربٍ ، وَمَعَ أَنَّهُ قَد أُذِنَ فِيهَا بِشَيءٍ مِنَ اللَّهوِ المُبَاحِ وَاللَّعِبِ البَرِيءِ ، إِلاَّ أَنَّ الفَرَحَ الحَقِيقِيَّ وَالسُّرُورَ الكَامِلَ وَالأُنسَ التَّامَّ ، لا يَكُونُ إِلاَّ بِطَاعَةِ اللهِ وَكَثرَةِ ذِكرِهِ وَدَوَامِ شُكرِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " وَنِعَمُ اللهِ إِذَا شُكِرَت قَرَّت وَزَادَت ، وَإِن كُفِرَت فَرَّت وَزَالَت ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " إِنْ تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنكُم وَلَا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِنْ تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم "
يقول صاحب فتح البارى فى فضل العمل في أيام التشريق : العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيره ، ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد واكل وشرب كما صح من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أنها أيام أكل وشرب" ؛ لأن ذلك لا يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ، ولم يمنع فيها منها إلا الصيام ، وسر كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها ، وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب ، فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها ، كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام .
وقال ابن رجب الحنبلي : أيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب، ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر، وبذلك تتم النعمة، وكلما أحدثوا شكرًا على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى، فيحتاج إلى شكر آخر، ولا ينتهي الشكر أبدًا.
أللهم ارزقنا الفقه في الدين و اتباع سنة سيد المرسلين وصلى الله وسلم على نبينا الأمين..... و أقم الصلاة