خطبة الجمعة جريمة السرقة

عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1438/04/22 - 2017/01/20 03:09AM
خطبة الجمعة
جريمة السرقة
جمع وإعداد
عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله العليّ الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهَدى. له ملكُ السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى. الملكُ الحقُّ المبين الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وقد وسعَ كلَّ شيءٍ رحمة وعلماً. أحمده -سبحانه وبحمده- يَلْهجُ أُولو الأحلام والنهى.

وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له عالم السر والنجوى.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى. وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:
عباد الله: إن للفتن والحروب والصراعات والخلافات بين الأفراد والمجتمعات والشعوب الكثير من النتائج والآثار المختلفة والتي منها ظهور العديد من الأزمات والتي تؤثر في حياة الناس وتسبب لهم الكثير من المشقة والعناء.. فهناك أزمة الغذاء والدواء والمشتقات النفطية والكهرباء، واختفاء الكثير من السلع الضرورية، وارتفاع الأسعار، وأزمة توفر المياه وغيرها وهذه الأزمات، وإن كانت تمس حاجات الناس الضرورية إلا أنها ليست الأزمة الأخطر والأهم

لكن الأزمة الأخطر هي أزمة القيم والأخلاق، والتي تظهر بين الناس في وقت الشدائد والفتن والصراعات والحروب، فتظهر الشحناء والبغضاء والكراهية، والحسد والتفرق وحب الذات والتي تظل آثارها طويلة في حياة الأفراد والمجتمعات، ونتائجها سيئة، وتحتاج لمعالجتها الجهود الكبيرة بعد توفيق الله ورعايته،
عباد الله أخطر نتائج الأزمات أزمة أختلال الامن وذهاب الاستقرار وانتشار الفساد والمفسدين
عباد الله: آفة طالما أخافت الآمنين، وأذية لعباد الله المؤمنين وظلم أفسد على الناس عيشهم، وجلب لهم القلق ليلهم ونهارهم.
مرض يعاني منه مجتمعنا، ويعظم خطره ويزداد يوما بعد يوم في بلدنا؛ كم تسمعون من قضايا السرقة، والغصب، والنهب والسطو على الآمنين، وقهرهم، وأخذ أموالهم؟! كم تسمعون من الاعتداءات على الأشخاص، والبيوت، والمحلات التجارية،
عبادالله السرقة والسراق فضحهم الله وأخزاهم
وما أكثرهم لا كثرهم الله هم صنوف شتى وعلى صورمختلفة وأقنعة متعددة وتخصصات كثيرة فمنهم سراق المنازل والبيوت ومنهم
سراق المتاجر والمحلات ومنهم سراق السيارات والمترات ومنهم سراق
المساجد وجيوب الناس ومنهم سراق النشل والجوالات ومنهم سراق الاراضي والعقارات
منهم يسرق شبرا ومنهم من يسرق مترا
ومنهم من يسرق أرضا بالامتار ومنهم ومنهم كثيرة هي الصور
ومنهم من يسرق ذلك كله
وفي الإسلام ياعباد الله دعوةٌ للمسلم لاحترامِ أموالِ الآخرين، وحِفظِها وصيانتِها، وأنّ هذا من الضروريّات التي دعا إليها، فأموالُ المسلمين يحرم التعدِّي عليها إتلافًا واغتصابًا، سَرِقة وغشًّا وخِيانة، ولأجلِ هذا حرِّمَت سرقةُ أموال المسلمين، وجُعِلت السرقة كبيرةً من كبائر الذنوب، جريمةً من الجرائم الأخلاقيّة التي لا يتَّصف بها ذو دينٍ صحيح، واستقامةٍ على الخير.

ذلكم -أيّها المسلم- أنَّ السرقة خلُقٌ ذميم، خلُق رذيل، خلُقٌ يملِي أنّ هذا السارقَ لا قَدرَ له ولا قيمة، ذَلكم أنّ هذا السارقَ عضوٌ أشلّ في مجتمعه، فاشل في بلاده لا يعوَّل عليه ولا يطمأَنّ إليه ولا يركَن إليه، لماذا؟

لأنّ هذا شخصٌ مجرِم عطَّل القُوَى التي منَحَه الله إياها، منحه الله السمعَ والبصر والعقلَ، ويسَّر له الأمورَ، لكنّه لم يرضَ بهذا، بل سخَّر حواسَّه وقواه في أمور رديئة رَذيلة.

إنَّ السارقَ قد ارتكب خُلقًا سيّئًا، ضعُفت نفسه عن القناعة والعمل، ضَعفت نفسه عن الإنتاج، ضعُفت نفسه عن التنافسِ في سبُل الخير،
وإنما لَجَأ إلى هذه الطّرُق الملتَوِية يعرِّض فيها دينَه، ويعرِّض فيها حياتَه وسمعتَه، ويغامِر وربّما وقع في الفخّ فقُضِي عليه فخَسِر دنياه وآخرَتَه، وإن نال منَ السرقة ما نال، فمال الحرامِ هو سحتٌ وظلم وعدوان، يجعَل قلبَه دائمًا يلهَث، لا يقنَع بالحلال ولا يطمئنّ إليه، بل لو خيِّر هذا بين كسب الحلالِ والحرام لكان الحرامُ عنده أحسنَ وألذَّ من الحلال؛ لأنَّ فطرتَه قد انتكسَت -والعياذ بالله-: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا)[فاطر: 8].

إن يد السارق يدٌ خبيثة تمتدّ إلى الأموال والبيوت، والسيارات والجولات، ووصلت إلى جيوب المصلين لسرقة اموالهم وجوالاتهم
يد السارق تُروّع الآمنين، وتأكل أموالَ الناس ظلمًا وعدوانًا، وربما زيَّنت له نفسُه الخبيثة أن يتوسَّل إلى جريمتِه بسفكِ الدماء، وقتلِ الأبرياء، فيرتكِب الآثام بعد الآثام.

وهذه الظاهرة الفاجرة يبعث عليها الظلم والجشع، ويغذيها الجهل وضعف الإيمان، ويسهلها غياب السلطان العادل وتعطيل حدود الإسلام. التي بتعطيلها يعطل الأمن على الأموال، والحقوق
والممتلكات والأنفس كما هو واقع اليوم زاد وكثر المجرمون بل زادهم الواقع المرير ان يتعلمواعلى فنون الإجرام، إلا ما شاء الله،
تفنّن السراق في السطو المسلح والتهديد بالخطف، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " حدّ يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا "
ياعباد الله انتشر في الناس أشكال مِن السرقة والاختلاس، طالت الأخضر واليابس، والمال الخاص والعام، حتى سرق الموظف ما خف وثقل من أدوات مكتبه وأقلامه وحبره، وسرق عمال البريد والمصارف، وسرق البائع في الميزان، وسرق صاحب الأجرة في عمله ، وسرق المقاول في أرقام عمله، وسرق المسؤول مما طالت يده من مال عام وعهدات ،
بل وعرفنا اليوم سراق الأزمات الذين يستغلون الحروب والكوارث العامة من زلازل وفيضانات، وجوع ومجاعات كم هم سراق المنظمات والعطيات والهبات والمؤسسات وكم هم الساطين على معونات الجوعى والبسطاء نعم طالت ايادي السراق طعام الضعفاء والهلكى بأساليب قذرة وحيل ماكرة و بعضهم يسرق اليوم بسم الضعفاء في المؤسسات والمنظمات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتحقق والله قول النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأحوال آخر الزمان حيث يقول صلى الله عليه وسلم: " يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ أمن الحلال أم من الحرام"

فاسمعوا عباد الله من نصوص الوحي ما يرهب من كان في قلبه إيمان بالله واليوم الآخر، وإن غاب عن عين السلطان والزاجر.

أما في الدنيا فالمال المسروق مال محرم مسحوق البركة لا ينفع صاحبه، بل يضرّه، حتى لو أراد فعل الخير به وبناء المساجد، ورعاية الأيتام، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " مَن كسب مالا من حرام فأعتق منه ووصل منه رحمه كان ذلك إصرا عليه"
وفي الخبر "من اكتسب مالا من مأثم فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كله جميعا فقذف به في جهنم".
وصدقة السارق ودعاؤه محجوبان عن ربه تعالى، لا يقبل الله إحسانه ولا يسمع دعاءه، وفي الحديث ثم ذكَرَ صلى الله عليه وسلم الرجلَ يطيل السّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدّ يدَيه إلى السّماء يقول: يا ربِّ يا ربّ، ومطعمُه حرام، وملبسه حرام، وغذيَ بالحرام، فأنى يستَجاب لذلك؟!"
والسارق ملعون بلعنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله السارق؛ يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل؛ فتقطع يده"، واللعن الطرد من رحمة الرحمن، معناه أنه يستوجب في الإسلام قطع عضو منه بسبب سرقة لا تسوى إصبعا من أصابعه، وأعضاؤه أمانة عنده.

ولهذا جعل الله عقوبةَ السارقِ قطعَ يدِه عقوبةً له على هذا الظلمِ، هذه اليدُ التي لو جُنِي عليها لوجب فيها نصفُ الدّية، فإذا سرقَت وخانت هانَت وحُكِم بقطعها، حتى يراه الآخرون فيعتبِروا ويتَّعظوا ويعلَموا أنّ هذا مآل السارقين وجزاؤهم في الدنيا، وما عندَ الله لهم من العقوبةِ إن لم يتوبوا أضعافُ ذلك، قال الله -تعالى-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[المائدة: 38].

حكمٌ من الله وعقوبةٌ رادعة لتكون مانعةً لهؤلاء وغيرهم: (فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) فتُقطَع يده اليمنى، وإن عاد فاليُسرى، وهكذا حتى يسلَم الناس من شرِّه وبلائه: (جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

هذا الحكمُ الشّرعيّ متى طبَّقه المسلِمون، وحافظوا عليه، فإنهم يضمَنون حِفظَ الأموال، واستقرارَ الأمن وقوّتَه؛
ومحمّد -صلى الله عليه وسلم- طبَّق هذا الحكمَ، ونفَّذ هذا الحكمَ طاعةً لله، وتحكيمًا لشرعه، وردعًا لمن تُسوّل له نفسُه الإقدامَ على هذه الجريمة.

ففِي عهد المصطفَى -صلى الله عليه وسلم- سُرِق من صفوان بنِ أميّة رداؤه من تحت رأسِه، فأتى بالسّارِق للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكانت قيمةُ الرداء لا تجاوِز عشرين درهمًا، فأمر النبيُّ بقطع يدِ ذلك السارِق، فقال صفوان: "يا رسول الله تقطَع يده في رداء! هو له؟" قال: "هلاّ قبل أن تأتِيَني به" فأمَر بقَطع يدِه.

وامرأةٌ من بني مخزوم كانت تستعير المتاعَ وتجحده، وفي بعض الروايات أنها تسرِق، فأمر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقطع يدِها، فهمَّ قريشًا أمرُها، وقالوا: من يكلِّم فيها رسولَ الله؟ فما رأَوا إلاّ أسامة حِبَّ النبيّ وابن حبّه، ومولاه وابن مولاه، فكلَّموه أن يشفعَ ليُسقِط هذا الحدَّ حتى لا تفتَضِح القبيلة بأن قطِعَت يدُ امرأةٍ من نسائهم، فلمّا كلَّمه غضِب صلى الله عليه وسلم على أسامة، وقال: "أتشفَع في حدٍّ من حدود الله؟!" ثمّ خطَب النّاس، فقال: "إنما أهلَكَ مَن كان قبلَكم أنهم إذا سرقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرقَ فيهم الضعيف أقاموا الحدَّ عليه، وايم الله لو أنَّ فاطمة بنتَ محمّد سرقَت لقطعتُ يدَها" ثم أمَر بها فقُطعت يدُها.
ولهذا كان من جملة ما يبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه أصحابه الابتعاد عن السرقة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ...) [الممتحنة:12].

وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَسْرِقُوا...".
بل بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن السرقة والإيمان لا يجتمعان في القلب، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن".

هذا الحكمُ الشّرعيّ عندما ينفِّذه المسلمون طاعةً لله يجِدون لذّةَ ذلك، وراحةَ الأمّة وسلامتَها.

حدودُ الله عدلٌ وخَير، حدود الله مصلَحَة للحاضِرِ والمستقبل، حدود الله لا ظلمَ فيها ولا جَورَ.

يَدٌ كانت ذا شرفٍ وقيمة، لكن لما زلَّت وهانت قُطِعَت بمقدارِ رُبعِ دينار، فكان في شرعِ الله أنَّ اليدَ تقطَع إذا سرَقَت رُبعَ دينار
لأنَّ النظر ليس لقلَّة المسروقِ أو كثرتِه، النظرُ أنها جريمة يجِب استِئصالها من أفراد المجتمع والقضاءُ عليها

وقَطَع أمير المؤمنين عثمان بنُ عفان -رضي الله عنه- يدَ سارِقٍ سرَق أترُجّة قوِّمَت بربعِ دينار فقطَع يدَه فيها.
قال ابن القيم :

وأما قطع اليد في ربع دينار وجعل ديتها خمسمائة دينار فمن أعظم المصالح والحكمة ؛ فإنه احتاط في الموضعين للأموال والأطراف ، فقطعها في ربع دينار حفظاً للأموال ، وجعل ديتها خمسمائة دينار حفظاً لها وصيانةً ، وقد أورد بعض الزنادقة هذا السؤال وضمَّنه بيتين ، فقال :

يد بخمسمئين من عسجد وُديت ما بالها قطعت في ربع دينار

تناقـض ما لنا إلا السكوت له ونستجير بـمولانا من العار

فأجابه بعض الفقهاء : بأنها كانت ثمينةً لما كانت أمينةً ، فلما خانت هانت ، وضمَّنه الناظم قوله :

يد بخمس مئين من عسجدٍ وُديت لكنـها قـطعت في ربع دينار

حمـاية الدم أغلاها وأرخـصها خيانة المال فانظر حكمة الباري

وروي أن الشافعي رحمه الله أجاب بقوله :

هناك مظلومة غالت بقيمتها وها هنا ظلمت هانت على الباري

هكَذا جاءت شريعةُ الإسلام لترسِيَ دعائمَ الأمن والاستقرار، وتقضي على الفساد، وتوجِّهَ المجتمع إلى الجدِّ في طلب الرّزق، والبُعد عن المسالك الخبيثةِ، والطّرُق السّيّئة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب:36].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
عباد الله السارق: ظالمٌ لنفسه بالمعصية، ظالمٌ لنفـسه بتعريضها للقطع للعقوبة، وهو ظالمٌ معتدٍ مؤذٍ للمؤمنين، واقع في الإثمِ المبين متعرض لدعوة المظلومين؛ ففي الحديث:يقول صلى الله عليه وسلم ( وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ ) رواه البخاري ومسلم.
السارق متعرض لغضبِ رب العالمين، قال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) قال المفسرون: بأيِّ نوعٍ من أنواع الأذى قول أو فعل، وقال قتادة رضي الله عنه: إياكم وأذى المؤمن فإن الله يَحُوطُهُ ويغضبُ له.
ولقد نهى الإسلام عن إخافة المسلم في ماله حتى على سبيل المزاح، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا) أبو داود
كان الصحابة رضي الله عنهم يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ) رواه أبو داود
السارق أيها الناس مفلسٌ، متوعدٌ بالعذاب؛ مهما كان عنده من الصالحات؛ ففي الحديث: ( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) رواه مسلم.
السرقة هلاكٌ وفسادٌ للمجتمع، فلا يَهْنأُ بعيشٍ مجتمعٌ تكثر فيه السرقة، ولهذا لما كثرت في المجتمعات أرهقتهم طُرُقُ حفظ أموالهم؛ حتى وضعوا كاميرات للمراقبة تحسبا للسرقة واستأجروا الحراس تحسبا للسرقة، وجلبوا الكلاب تحسبا للسرقة، ووضعوا الأقفال تحسبا للسرقة، وأوصدوا الأبواب تلو الأبواب تحسبا للسرقة، وصُنِّعَتْ أجهزةٌ لكشفِ السرقة تحسبا للسرقة؛ حتى أصبح كل شيء يُخشى عليه من السرقة؛ قَلَّ ثمنه أو كَثُر!،
ياعباد الله من يصدق أنه سيأتي زمان كزماننا هذا حتى تغلق فيه المساجد وتُقفل نظراً لارتفاع الأمانة وحدوث السرقة والخيانة من داخل المساجد فإذا وجدوا فرصة في مسجد مفتوح وليس فيه أحد أخذوا منه ما يستطيعون وسرقوا منه مايريدون حتى المصاحف نسأل الله السلامة والعافية لم تسلم من السرقة والكتب الموقوفة في المساجد لم تسلم من السرقة وصنابير الماء وبزابيز الحمامات أجلكم الله لم تسلم من السرقة بل لا يكاد الرجل يأمن على حذائه أكرمكم الله من السرقة في المسجد من يصدق أن هذا سيقع وأن المساجد ستغلق ومن يتوقع أن هذه الأمور ستحدث داخل المساجد.
عباد الله الموضوع متشعب وطويل ولذا فللموضوع بقية في الجمعة القادمة سنتحدث عن الاختلاس
وعن كيفية تربية المجتمع وابناء المجتمع عن البعد
عن السرقة والاختلاس
تربية البيت والمدرسة والمسجد
وماهي الحلول للحد من جريمة السرقة
والاختلاس وماهي الحلول الممكنة حيال
هذه الظاهرة المتفشية اليوم
ستسمعون لذلك باءذن الله في الجمعة المقبلة
ألا فاتقوا الله تعالى أيها الناس، وإياكم وما حرم عليكم واعلموا أنه قد جاء الحديث بأنه:قال صلى الله عليه وسلم قال ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أربع ومنها: عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ) فبماذا يجيب السارق إذا سئل يوم القيامة عما سرق.
عباد الله: تواصوا بالحق، وتآمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، ربوا أولادكم ومن تحت أيديكم على تعظيم حرمات الله وحقوقه وحقوق عباده: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )

نسأل الله -عز وجل- أن يحفظ ذريتنا وسائر إخواننا المسلمين من كل سوء ومنكر.

هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم -عز وجل- بذلك في كتابه، فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد...
أخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648
المشاهدات 18547 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا ونفع بعلمك
خطبة رائعة مسددة