خطبة الجمعة تحذير عباد الله المؤمنيين من السخرية والشماتة بالمسلمين

عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1438/07/02 - 2017/03/30 15:38PM
خطبة الجمعة
تحذير المؤمنيين
من السخرية والشماتة بالمسلمين
جمع واعداد عبدالوهاب المعبأ
حديثنا اليوم عن مرض عضال، وشرّ ووبال، عن داء يفرِّقُ القلوب، ويوغر الصدور، ويُذكي نار الفتن، ويُجرِّئ السفلة من الناس على ظلم العباد والتطاول على مسلَّمات الشرع وقواطعه. إنه داء السخرية والاستهزاء. مرض خطير، وشر مستطير، لا يخلو منه زمان ولا مكان، ولم يسلم من شره أفراد ولا أسر ولا مجتمعات ولا مقدسات.

عباد الله إن مفهوم السخرية هي: الاحتقار والاستهانة بالناس، وذكر العيوب والنقائص على وجه يُضْحَك منه بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الحركة.
والاستهزاء هو: حمل الأقوال والأفعال على الهَزل واللعب، لا على الجد والحقيقة.
السخرية والاستهزاء: تهكم وازدراء وانتقاص للغير.
السخرية والاستهزاء: كذب وزور، وقلب للحقائق وتشويه لها.

عباد الله ما أقبح هذا الخلق الدنيء، وما أبشع هذه الخصلة الذميمة، التي لا يصاب بها إلا ذوُو العقول المريضة، والقلوب الميتة، والفطر المنكوسة.

لقد نهى الله عن الاستهزاء والسخرية لأنها رذيلة من أخس رذائل البشر وصفةٌ من أقبح صفاتهم هذا الخلق الذميم يدل على خسة صاحبه ولؤم طبعه وفساد نشأته وانحطاط مستواه.

والاستهزاء قد يكون بنظرة أو كلمة أو إشارة أو محاكاة أو غمز أو همز أو لمز ومرد ذلك كلهِّ إلى القلب فإذا انعقد على شيء من ذلك وقع المحذور .
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ](الحجرات الآية10).
قال القرطبي رحمه الله عن قوله تعالى: [لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ](الحجرات الآية11) وبالجملة فينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رثَّ الحال أو ذا عاهةٍ في بدنه أو غيرَ لبقٍ في محادثته فلعله أخلصُ ضميراً وأنقى قلباً ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقَّره الله والاستهزاء بمن عظمه الله) انتهى كلامه.
نعم أيها المؤمنون قد يكون المستهزَءُ به أفضل من المستهزِئ وخيراً منه فلماذا إذاً الساخر يقدم على الوقوع في المحرم والاستسلام للشيطان والنفسِ الأمارة بِالسوء.
عباد الله من أرباب العمل من يسخر من موظفيه وعماله، ومن المُدرّسين من يسخر من طلابه وتلامذته، ومن المدراء من يسخر من موظفيه، والقوي يسخر من الضعيف، والغني يسخر من الفقير، وصاحب الجاه يسخر ممن لا جاه له. والمرأة الحسناء أو الغنية أو الموظفة تسخر ممن هي دونها في ذلك... ومن الناس من يسخر من غيره للونه أو لسانه أو حرفته أو عادته... ولا يصدر ذلك إلا عمن ضعف إيمانه وانتكِسَتْ فِطرته وغاب عقله وقل حياؤه.. أما المؤمن الحيي الفطن فلا يسخر من أحد ولا يحتقر أحدا؛ لأنه يعلم أن الناس كلهم من آدم وآدم من تراب، ويعلم أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وكلما كان العبد تقيا كلما ازداد تواضعا ورفقا وحياء ورحمة وسماحة..

فإياك أن تسخر من أحد، وإياك أن تحتقر أحدا، واعلم أن العبرة ليست بالأشكال والمظاهر والألقاب؛ فقد يكون الذي تسخر منه وتحتقره أحب إلى الله منك، وأعظم قدرا عند الله منك، وأقرب من الله منزلة منك

عباد الله لقد شدد الإسلام في هذا الباب أعظم التشديد ومنع من التعرض للآخرين بالسخرية والاستهزاء بأي لون وشكل مهما كان يسيراً ويكفينا ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قُلْتُ لِلنَّبِيِّ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا ــ تَعْنِي قَصِيرَةً ــ فَقَالَ لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ) (رواه أبو داود والترمذي).

وما ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ)(رواه البخاري).
ولقد حذر الله من الاستهزاء والسخرية بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني وذلك كله مبعد عن الله مقرب من الشيطان وحزبه وصدق الله العظيم: [فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي](المؤمنون الآية110).
وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)(رواه البخاري ومسلم).
السخرية والاستهزاء مرض يَنِمّ عن كِبْر وغُرُور في قلب صاحبه، فلا يرى لإخوانه عليه حق التوقير والاحترام، بل يأنف من أُخُوتهم ويأبى مجالستهم تكبرا وغرورا.

روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". قال رجل: إنّ الرجل يُحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟. قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم؛ وذلك حين ينظر المرء إلى نفسه بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص.

السخرية والاستهزاء باب من الشر عظيم، يفتح أبواب الهمز واللمز والغيبة والنميمة، ويملأ القلوب ضغائن وأحقادا وعداوات، ويسبب في الخصومات والنزاعات.

فحري بكل مسلم أن يحفظ لسانه، ويتوقى في أقواله وأفعاله، ويحذر سبيل الهمازين اللمازين الذين يسخرون من عباد الله المؤمنين، ويستهزئون بدين رب العالمين؛ لينجو مع الناجين، ولا يهلك مع الهالكين.
فاحرصوا أيها المؤمنون على الابتعاد عن هذا الخُلق الذميم واحفظوا ألسنتكم عن التعرض للناس ففيكم عيوب وللناس ألسن.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الثانية:
أيها الإخوة المؤمنون: الشماتة صفة مذمومة، وعادة سيئة، حرمها الإسلام، وهي الفرح ببلية الغير، والسرور بما يصيب المسلم، من مصائب الدين والدنيا.
أيها المسلمون: إن هذه الصفة الذميمة، ما وقعت في مجتمع إلا ومزقته، وما وجدت في أناس إلا نشرت بينهم العداوة والبغضاء
والشماتة ليست من صفات أهل الإيمان، إنما هي صفة من أبرز صفات المنافقين، الذين يكنون العداوة والبغضاء لعباد الله المؤمنين، كما أخبر عنهم الخبير بأحوالهم، العليم بما تكنه صدورهم: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) [آل عمران: 120]،

إذا جاء في قلبك - أخي المسلم - سرور أو فرح بما أصيب به أخيك، وصرت تتحدث بمصابه في مجالسك، ليعلم من كان لا يعلم، ولتخرج شيئا مما في نفسك، فهذه هي الشماتة، هذه هي تلك الصفة المذمومة، والعادة السيئة.

اسأل نفسك - يا عبد الله - وأن تتحدث عن عيوب ومصائب المسلمين، هل هناك مصلحة من حديثك، أم أنك فقط تتحدث لتشفي غيظ نفسك، وحقد قلبك !

إذا ما الدهر جر على أناس *** كلاكله أناخ بآخرين
فقل للشامتين بنا أفيقوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا
فكلامك في مجالسك العامة والخاصة، عن سيئة أصابت أخيك المسلم، من غير فائدة شرعية، فيه دليل على فرحك فاحذر ذلك
عبد الله! لا تشمت بأخيك، فيُعافِيه الله ويَبتَليك، ولكن خُذ العِبرة:
فعن واثِلة بن الأسقَع - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُظهِر الشماتةَ لأخيك، فيرحمُه الله ويَبتليك».

لا تشمت بأخيك مهما صغُر شأنُه، وظهر عيبُه، وبانَ نقصُه في أمر الدين أو الدنيا؛ فإن الشماتةَ تجلِبُ البلاءَ والابتلاءَ، ولكن تضرَّع إلى الله مُستعينًا به، خائفًا مُستخفيًا، مُشفقًا على نفسِك وعلى أخيك، وقُل: "الحمدُ لله الذي عافاني مما ابتُلِيَ به، وفضَّلَني على كثيرٍ ممن خلقَ تفضيلاً".

أيها المسلمون - كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى أصحابه عن الشماتة، ويحذرهم مغبتها، ويوضح لهم خطورتها، ففي الحديث الذي رواه الدارمي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- سأل عن أحد أصحابه فقال: "أين فلان؟" فغمزه رجل منهم فقال: إنه وإنه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أليس قد شهد بدرا؟" قالوا: بلى. قال -صلى الله عليه وسلم-: "فلعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".

يعني أحذر، لا تعدد عيوب أخيك، لا تغمزه بعيوبه، لا تذكر مثالبه، فإن له حسنات، وله أعمال تقربه إلى الله -عز وجل-، وما عبت على أخيك، قد وقعت بما هو أكبر وأعظم منه، يكفي إنك اغتبته، ذكرته بما يكره، وارتكبت كبيرة حرمها الله -عز وجل- ونهى عنها في كتابه: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات: 12].

وفي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما الغيبة؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
ايها المسلم - أن الذي يشمت بإخوانه المسلمين، ويفرح بمصائبهم، لا يحبه الله -عز وجل-، بل يسخط عليه، ويبغضه -عز وجل-، ويكفي أن فيها الدليل الواضح على انتزاع الرحمة من قلبه، والعلامة الفارقة التي تدل على سوء خلقه، بل يخشى عليه - وهذا أمر وارد - أن يقع بما وقع فيه أخوه الذي يشمت به، ويعيره بذنوبه ومعاصيه.

ففي الحديث الذي حسنه الترمذي، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عير أخاه بذنب، لم يمت حتى يعمله"
يقول ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: "واللهِ لو أن أحدًا عيَّر رجلاً رضعَ من كلبة، لرضعَ هو من هذه الكلبة".
وقال ابن مسعود ايضا: لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا.

وورد بعضهم- أنه قال: "واللهِ لو عيَّرتُ امرأةً حُبلَى لخشيتُ أن أحمل".
ويقول الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -: "أدركتُ أقوامًا لم تكُن لهم عيوب، فتكلَّموا في عيوب الناس فأحدثَ الله لهم عيوبًا، وأدركتُ أقوامًا كانت لهم عيوب، فسكَتوا عن عيوب الناس فسترَ الله عيوبَهم".

كيف وقد جاء في حديث ثوبان - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تُؤذُوا عبادَ الله ولا تُعيِّرُوهم ولا تطلبُوا عوراتهم؛ فإن من طلبَ عورةَ أخيه المُسلم طلبَ الله عورتَه، حتى يفضَحه في بيتِه» (رواه أحمد).

ويقول إبراهيم النخعيُّ - رحمه الله -: "إني لأرى الشيءَ أكرهُه فما يمنعني أن أتكلَّم به إلا مخافةَ أن أُبتلَى به".

ويقول ابن القيم - رحمه الله -: "ما من عبدٍ يَعيبُ على أخيه ذنبًا إلا وابتُلِيَ به، فإذا بلغَك عن فُلانٍ سيئة فقُل من كل قلبِك: غفرَ الله لنا وله".
فالشماتة من مساوئ الأخلاق؛ ولأن الإنسان قد يشمِت بأخيه فلا يلبث أن يُبتَلى بمثل ما ابتلي به غيره، فقد تشمت بمريض فتُبتَلى بالمرض، وقد تشمت بفقير فَتُبْتَلَى بالفقر، بل قد تشمت بمن ابْتُلي بمعصية؛ كالزنا، أو المسكرات، فَتُبْتلى بها -والعياذ بالله-.

يا عبد الله! لا تُراقِب الناس، ولا تتبِّع عوراتهم، ولا تكشِف سِترَهم، ولا تتجسَّس عليهم، اشتغِل بنفسِك، وأصلِح عيوبك؛ فلن تُسأل بين يدَي ربِّك إلا عن نفسِك، والله أرحمُ بك وبهم منك ومن أنفُسهم.

فاتقوا الله عباد الله، وأحبوا لإخوانكم ما تحبون لأنفسكم، واسألوا الله السلامة والعافية.

إذا رُمتَ أن تحيا سليماً من الردى *** ودينُك موفورٌ وعرضُكَ صَيِّنُ
فلا ينطقنْ منك اللسانُ بسوأةٍ *** فكلك سوءاتٌ وللناس ألسُن
وعينك إن أبدتْ إليك معائباً *** فدعْها وقل يا عينُ للناس أعين
وعاشِرْ بمعروفٍ وسامح مَن اعتدى *** ودافِعْ ولكنْ بالَّتِي هي أحسن

فاللهم طهر قلوبنا وطهر مجتمعاتنا من مرض السخرية والاستهزاء والشماتة ، واملأ قلوبنا بمحبتك وتعظيمك وإجلالك، وارزقنا المحبة والمودة لعبادك، يا رب العالمين.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.

اللهم تابع علينا الخير، اللهم جود علينا بخير من خيرك وفضل من فضلك يا ارحم الراحمين.
اللهم يا من خزائنه ملئ لا تعجزه النفقة يده سحاء تنفق الليل والنهار جود علينا بخير من خيرك وفضل من فضلك، اللهم يا من أمره كن فيكون مر السحاب فليتكون ثم مره فليمطر واطرح البركة فيما أنزلت.
اللهم أفرح البادية في باديتهم والحاضرة في حاضرتهم بنزول الغيث وطرح البركة فيه يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648
المشاهدات 1823 | التعليقات 0