خطبة الجمعة القادمة (جبر الخواطر في حياة النبي الكريم )

                                                  جبر الخواطر في حياة النبي الكريم

الْحَمْدُ للَّهِ الْوَاحِدِ الْمَاجِدِ الْعَظِيمِ ، الْقَدِيرِ الْبَصِيرِ النَّصِيرِ الْحَلِيمِ ، الْقَوِيِّ الْعَلِيِّ الْغَنِيِّ الْحَكِيمِ ، قَضَى فَأَسْقَمَ الصَّحِيحَ وَعَافَى السَّقِيمَ قَسَمَ عِبَادَهُ قِسْمَيْنِ : طَائِعٌ وَأَثِيمٌ ، وَجَعَلَ مَآلَهُمْ إِلَى دَارَيْنِ : دَارِ النَّعِيمِ وَدَارِ الْجَحِيمِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ مِنَ الْخَطَايَا كَأَنَّهُ فِي حَريِمٍ ، ومِنْهُمْ مَنْ قَضَى لَهُ أَنْ يَبْقَى عَلَى الذُّنُوبِ وَيُقِيمَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ وَالْعَمَلُ بِالْخَوَاتِيمِ ، خَرَجَ مُوسَى رَاعِيًا فعاد وَهُوَ الْكَلِيمُ ، وَذَهَبَ ذُو النُّونِ مُغَاضِبًا فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مليِم ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَتِيمًا فَكَانَ الْكَوْنُ لِذَلِكَ الْيَتِيمِ ، وَعَصَى آدَمُ وَإِبْلِيسُ فَهَذَا مَرْحُومٌ وَهَذَا رَجِيمٌ ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِنَيْلِ الْمَمَالِكِ أَوْ رَأَيْتَ وُقُوعَ الْمَهَالِكِ ، فَقُلْ : ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت آية 12] وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شيء مثلُه، ولا شيء يعجزُه، ولا إلهَ غيرُه ، أولٌ بلاَ إبتداء دائمٌ بلا َانتهاء لايفنى ولا يبيدُ،ولا يكونُ إلا مايريد ، لا تبلغُه الأوهامُ ولا تدركُه الأفهامُ، ولا يشبهُ الأنامَ، حيٌّ لا يموت، قيومٌ لا ينامُ ، وأشهدُ أنَ محمداً عبدهُ ورسولهُ وصفيهُ منْ خلقهِ وحبيبهُ وخليِلُه صلىَ عليهِ صلَّى عليه بارئُ العباد، ما جرت الأقلام بالمداد، وأمطرت سحبٌ وسال وادِ وآله وصحبه ومن سلك سبيلهم ما دار نجم في فلك ثُمَ أمَا بعد :

لقد جاءت شريعة الله تعالي لتوحد صفوف المسلمين وتقيم بينهم المودة والرحمة وتربي في قلوب المؤمنين الشفة والألفة وتنزع الغل والكراهية والبغضاء من قلوبهم فقامت رسالة النبي علي اللين وأرسله الله تعالي رحمة للعالمين فقامت حياته علي جبر الخواطر والمواساة فكان يجبر خواطر الضعفاء واليتامي ويجبر خاطر من مات له عزيز أو قريب أو حبيب ويجبر خواطر أصحابه رضوان الله تعالي عليهم فجبر الخواطر علي الله ، وجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه نفوساً كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها، يقول الإمام سفيان الثوري: “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم) ومما يعطي هذا المصطلح جمالاً أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسني وهو “الجبار” وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ “الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ”. تفسير أسماء الله للزجاج (ص: 34)

وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الترمذي بسند صححه الألباني في صحيح بن ماجه الجزء الأول حديث رقم( 732) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي وَارْفَعْنِي ) .

                                                        جبر رب العالمين خاطر نبيه الأمين

 قال تعالى {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } ( القصص:85 ) رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحب مكة التي ولد فيها ونشأ أُخرج منها ظلما، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفراق الأليم إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآن مؤكد بقسم؛ أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولا وأمرك بتبليغ شرعه سيردك إلى موطنك مكة عزيزا منتصرا وهذا ما حصل، ومثله أيضاً قوله تعالى : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} الضحى: وانظر لروعة العطاء المستمر في هذه الآية حتى يصل بالمسلم لحالة الرضا، فهذه الآية رسالة إلى كل مهموم ومغموم، وتسلية لصاحب الحاجة، وفرج لكل من وقع ببلاء وفتنة؛ أن الله يجبر كل قلب  لجأ إليه بصدق، وقد ورد في صحيح مسلم أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تلا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبراهيمَ : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ( إبراهيم :36 ) وقال عيسى عليه السلام : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} المائدة: 118 (فرفعَ يديهِ وقال اللهمَّ ! أُمَّتي أُمَّتي وبكى . فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : يا جبريلُ ! اذهب إلى محمدٍ، – وربُّكَ أعلمُ -، فسَلهُ ما يُبكيكَ ؟ فأتاهُ جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فسَألهُ. فأخبرهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بما قالَ . وهو أعلمُ . فقال اللهُ : يا جبريلُ ! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ : إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ ).

                                                                       جبر خواطر أصحابه

 في الصحيحين عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قَلُوبُهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا؛ فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا، إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَقَالوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَدَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ الله بِي كلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ؛ قَالَ: مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ: لَوْ شِئتُمْ قُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا، أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرءًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ) .

وعندما جاء فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر وقالوا : يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: “أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» رواه مسلم.

وإليكم هذه القصة المؤثرة التي تأخذ العقول والقلوب للصحابي زاهر بن حرام رضوان الله تعالى عليه  أخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صححه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية في الجزء الأول حديث رقم  (204) عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا، وَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ " . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلَا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي  مَنْ هَذَا، فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ ؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا وَاللهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ أَوْ قَالَ: " لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ " ) حديث يكتب بمداد الذهب يحتضن النبي صلى الله عليه وسلم زاهر بن حرام ويمازحه  يحتضنه من خلفه وهو لم يراه فيقول من هذا؟ أرسلني؛ أرسلني ، بنبرات أعرابية غليظة؛ صاح ذلك البدوي بتلك الكلمات؛ بينما يحاول التملص من ذراعين قويتين أحاطتا بجسده فجأة؛ من هذا الذي يمسك به هكذا؟ من الذي يقترب منه بهذه المودة؛ وهو الذي لم يتعود من الخلق إلا النفور؛ ولم ير منهم إلا المجافاة والحكم على مظهره الرث وهيئته الدميمة ، وإذا به يسمع صوت النبي صلوات الله تعالى عليه وهو يقول له مازحاً «من يشتري العبد؟! من يشتري العبد؟!» لامست تلك النبرة المازحة والصوت المحبب شغاف قلبه؛ الآن عرف من هذا الذي اعتنقه على حين غرة بشكل لم يتعوده وهو الذي ينفر الناس من شكله؛ إنه حبيبه وقرة عينه صلوات الله تعالى عليه ، لقد قالها مازحا وهو يحتضنه بأُلفة ومودة وتبسط؛ ما كان يوما من المتكلفين ولا من المستعلين المستكبرين، حتى مع هذا الرجل الدميم من أهل البادية الذي يزهد فيه الناس ولا يحبون النظر إلى ملامحه الغليظة، ولكن رغم النبرة المازحة والصوت المحبب إلا أن العبارة قد حركت في القلب شجونا وهيَّجت في الصدر أحزانا فقال زاهر رضوان الله تعالى عليه ومن يشتريني؟ وهل يوجد في الناس من يحرك صرة دنانيره لمثلي؟ أنا الذي ربما لا يعرف الكثيرون اسمي ولا لقبي؛ لا يعرفون عني إلا هيئتي وخلقتي التي لا حيلة لي فيها أنا الذي نفر مني الخلق وجفوني؛ أفتراهم اليوم يشترونني؟!دارت تلك الأفكار الحزينة في نفسه ثم لم يلبث إلا أن لخصها بجملة قصيرة؛ رد بها على المزحة اللطيفة وأجاب عن تساؤل صاحبه وأسوته عمن يشتريه ، -( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا ) لن تجد من يشتري؛ لن تجد إلا كسادا وبضاعة مزجاة؛ لن تجد إلا بيعا معطلا وعبدا ليس مرغوبا به، هكذا لخصت تلك الكلمات نظرته المتدنية لنفسه وبينت الجملة القصيرة آلاما تكمن في فؤاده وأحزانا طواها قلبه؛ آلاما وجدت طبيبا بارعا يعرف كيف يداوي مثل تلك النفوس وأحزانا صادفت لمسة حانية في انتظارها؛ تلك اللمسة التي تجلت في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لزاهر بن حرام حين سمع منه وصفه لحاله ،لقد أجاب قائلا: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ» أَوْ قَالَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ» .

لا تصاحب إلا مؤمنا حتى يجبر خاطرك يوم القيامة يقول الحسن البصري رحمه الله " استكثروا من الأصحاب الصالحين في الدنيا فإنهم ينفعون يوم القيامة ، قالوا كيف ذلك ، قال إن أهل النار بينما هم فيها وقد شفع الأنبياء والشهداء وشفعت الملائكة ،وإذ بأهل الجنة يتحدثون فيما بينهم ،فيقول قائل من أهل الجنة ،ما فعل صديقي فلان ، فلا يجده في الجنة ويسأل عنه فيقال هو في النار فيقول المؤمن :يارب لا تكتمل لذتي في الجنة إلا بوجود صديقي معي عندها يأمر الله تعالي بصاحبه أن ينتقل من النار إلي الجنة فيتساءل أهل النار فيما بينهم ما الذي أخرجه من النار هل شفع له نبي من الأنبياء ،أله والد شهيد أله عمل صالح فيقال لا فيتساءلون فمن شفع له فيقال شفع له صاحبه فلان عندها يقول أهل النار " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم "

                                                                  جبر خاطر الأم رحمة بها

قول النبي صلى الله عليه وسلم : إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَخْفِقُ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ " ، فيخفف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة؛ بسبب بكاء الصبي شفقةً عليه وعلى أمه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل لما صلى بالناس صلاة العشاء وأطال في الصلاة إذ استفتح بالبقرة، فانفض رجل من خلف معاذ وفارقه وأتم صلاته وحده، فبلغه أن معاذاً نال منه، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوه إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفتانٌ أنت يا معاذ !؟ أفتانٌ أنت يا معاذ !؟ أفتانٌ أنت يا معاذ !؟ مِنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ ، وَالضَّعِيفَ ، وَذَا الْحَاجَةِ ، وإذا صلى لنفسه فليطول ما يشاء ) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                     جبر النبي خواطر خدامه

وأما معاملته لخدمه فكانت أحسن معاملة كما يحكي ذلك خادمه أنس بن مالك قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشر سنين والله ما قال لي: أفاً قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا. متفق عليه واللفظ لمسلم.

وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حيث شاءت.

 

                                                                     جبر خاطر الأرامل واليتامي 

إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قتل جعفر أمهل ثلاثاً، ثم ذهب إلى أهل بيته يعزيهم، فذهب إلى أسماء بنت عميس وكان عليه الصلاة والسلام يمسح على رءوس أطفاله اليتامى، ويطمئنهم ويطمئن أمهم. قال بن إسحاق كان النبي صلي الله عليه وسلم يمسح علي رأس اليتيم ثلاثا ويدعوا له بالخير و كان داود عليه السلام يقول : " كن لليتيم كالأب الرحيم روي البيهقي في السنن الكبري بسند حسنه الألباني عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ :« إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمَسَاكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ » فأمهم تبكي وتخاف عليهم العيلة، أي: الفقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مطمئناً لهذه الأرملة آنذاك ( أتخشين العيلة عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ) ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ل عبد الله بن جعفر دعوة بقيت له طيلة حياته، قال عليه الصلاة والسلام: ( اللهم بارك لـ عبد الله بن جعفر في صفقة يمينه ) فكان لا يبيع ولا يشتري شيئاً إلا ربح فيه، حتى التراب، فجعل الله له الربح ببركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فليوصل كل من ابتلي، وليعز كل مصاب، وليعد كل مريض، شرعت عيادات المرضى، وشرعت التعازي في الجنائز، وشرع الرفق بالأيتام والحنو عليهم، وشرعت الشفقة على الأرامل؛ شرع كل ذلك تخفيفاً للجراح التي يبتلى بها العباد، وقد أثني على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا كله في جاهليته قبل أن يبعث عليه الصلاة والسلام، يقول أبو طالب في شأن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم:

                                                وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وفي قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} سورة الضحى9-10 ، أجمل تطييب للخاطر وأرقى صورة للتعامل قال ابن قدامه -رحمه الله-: “وكان من توجيهات ربنا -سبحانه وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم، فكما كنت يتيماً يا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بل: طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك، فنهى الله عن نهر السائل وتقريعه، بل: أمر بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل النهر مع ذل السؤال”. تفسير ابن كثير (9/427) ،

فالواجب علينا أن لا ننسى صاحب الحاجة والمسكين الذي انكسر قلبه وذلت نفسه وضاق صدره ما أجمل أن نجعل له من مالنا نصيب ومن طعامنا ولو الشيء القليل ومن دعائنا ما نستطيع، بذلك نجبر كسرهم ونطيب قلوبهم ولا نشعرهم بالنقص، قال أحمد بن عبد الحميد الحارثي: “ما رأيت أحسن خلقاً من الحسين اللؤلؤي، كان يكسو ممالكيه كما يكسو نفسه”. سير أعلام النبلاء (10/544).

                                                  جبر النبي صلى الله عليه وسلم خواطر الأطفال

وحتى الأطفال كان لهم من جبر الخاطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب عَنْ ‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ‏‏قَالَ: كَانَ لِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكْنَى ‏‏أَبَا عُمَيْرٍ فَطِيمًا -أيْ تجاوزَ السَّنتينِ من عُمرِهِ- وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُمَازِحُهُ، ‏وَكَانَ لَهُ ‏نُغَرٌ ‏-طائرٌ صَغيرٌ يُشبِهُ العُصفورِ- يَلْعَبُ بِهِ فَمَاتَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ‏ذَاتَ يَوْمٍ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ: “مَا شَأْنُهُ؟”، قَالُوا: مَاتَ ‏نُغَرُهُ، ‏فَقَالَ مواسياً له وجابراً لقلبِه: “يَا ‏‏أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ ‏ ‏النُّغَيْرُ؟ قال فكان يلعب به) رواه مسلم .

                                                         جبر خاطر صديقات الزوجة وأقاربها

ومن حسن العهد أيضاً ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع أصدقاء خديجة ومع أقارب خديجة . كانت خديجة أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكانت من أحب الناس إليه صلوات الله وسلامه عليه، وكانت تواسيه بكلماتها الطيبة في أول بعثته، كقولها: (والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتنصر المظلوم، وتعين على نوائب الحق)، وقدمت له أموالها مواساة ومؤازرة منها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها. وبعد أن ماتت كان يكثر من الدعاء لها، وكان كلما ذبح ذبيحة من الذبائح أرسل إلى أصدقاء خديجة من هذه الذبيحة، وكان يتعاهد أصدقاء خديجة بالهدايا والعطايا، وكانت هالة بنت خويلد أخت خديجة رضي الله عنها كلما جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذن، ارتاح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقابلها بحفاوة بالغة وقال: ( اللهم هالة ). غارت أم المؤمنين عائشة من ذلك، فقالت: ( وما تذكر يا رسول الله! من عجوز حمراء الشدقين -أي: قد تساقطت أسنانها فأصبح مكان الأسنان حمرة- هلكت في غابر الدهر، أبدلك الله خيراً منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله رزقني حبها ) وفي روايات أخرى (واستني بمالها، وواستني وواستني وفعلت وفعلت) فهذا من حسن عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفعله المعروف بأصدقاء خديجة رضي الله عنها.

                                                           جبر خاطر من مات له عزيز أو قريب

كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم قائمة على جبر الخواطر فكان يسلي من مات له عزيز ويصبره ومن ذلك مجيء عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات أبوه عبد الله بن أُبي ، وكان رأس المنافقين كما هو معلوم، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا رسول الله! استغفر لأبي، وألبسه قميصك! ) يعني: لعله أن يُرحم بسبب ذلك، وكان هذا قبل أن ينزل قول الله تبارك وتعالى: { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ما طلبه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول منه، فاستخرجه وألبسه قميصه، ونفث فيه من ريقه واستغفر له، ولما جاء عمر وقال: يا رسول الله! تستغفر له وقد قال كذا يوم كذا وكذا؟ فقال: ( أخر عني يا ابن الخطاب ! إني خُيرت فاخترت ) يعني: أن الله قال: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }.فما دام أنه لم يكن هناك نهي وثمّ جبر لخاطر عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وهو رجل مؤمن؛ فلا مانع من جبر الخاطر وتهدئة المشاعر، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أخر عني يا ابن الخطاب ! ) إلى أن نزل قوله تعالى: { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد.

أخرج بن حبان في صحيحة عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ ، رَضِيَ الله عَنْهُ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَهُ ابْنٌ لَهُ "كان له إبن صغير وكان يجلس مع أبيه في المسجد وكان من شدة حبه لولده يتابعه ببصره "  ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ذَاتَ يَوْمٍ : أَتُحِبُّهُ يَا فُلاَنُ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ الله أَحَبَّكَ الله كَمَا أُحَبَّهُ" يقول له يارسول الله ربنا يحبك كما أحب إبني كأنه يقول له أن أحبه حبا لم يخطر علي قلب بشر "  فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ،" فقده النبي في المسجد فقال النبي أين فلان " فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ الله مَاتَ ابْنُهُ " فحزن الرجل علي فراقه ووجد في نفسه فاعتزل في بيته فأراد النبي أن يجبر خاطره فَعَزَّاهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا فُلاَنُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ تُمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لاَ تَأْتِىَ غَدًا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلاَّ وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ فَفَتَحَهُ لَكَ ». قَالَ فَقَالَ : يَا نَبِىَّ اللَّهِ لاَ بَلْ يَسْبِقُنِى إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَحَبُّ إِلَىَّ قَالَ :« فَذَاكَ لَكَ » فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ الله أَلَهُ وَحْدَهُ أَمْ لِكُلِّنَا ؟ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : بَلْ لِكُلِّكُمْ )

وعلى هذا الخلق صار أصحابه رضوان الله تعالى عليهم لَمَّا صُلِبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- الْمَسْجِدَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ -وهي أمُّ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ-، فَمَالَ إِلَيْهَا فَعَزَّاهَا، وَقَالَ: “إِنَّ هَذِهِ الْجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ -تعالى-؛ فَاتَّقِي اللهَ، وَعَلَيْكِ بِالصَّبْرِ .

                                                               جبر خاطر من أصيب بمصيبة  

اسمعوا إلى جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ -رضيَ اللهُ عنهُما- وهو يذكرُ كيفَ جبرَ بقلبِه النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- لمَّا لاحظَ عليه الحُزنَ والانكسارَ، يقولُ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لِي: “يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟”، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: “أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟”، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: “مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، قَالَ الرَّبُّ -عزَّ وجلَّ-: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ ))

                                                      جبر النبي خواطر من أمنوا به ولم يروه

إن النبي عليه الصلاة والسلام جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه ونتمنى لو كنا إلى جانبه نذود عنه وننافح عن دعوته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: “السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ووَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ” قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” بَلْ أَنْتُمْ أَصْحابِي، وَإِخْوَانُنَا لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ “، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ ” فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ” فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ “. رواه مسلم

وفي هذا الزمان تشتد الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم؛ لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظراً لفساد ذمم الناس واختلاف نواياهم، ففي مجتمعاتنا ترى أن هذه معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة، وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وغم وهم، وهذا لا يجد جامعة، وذاك لا يجد وظيفة، وهذا لا يجد زوجة، أو لا يجد زواجاً، وذاك مريض والآخر مبتلى … والهموم كثيرة، وتطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير جهد ولا كبير طاقة فربما يكفي البعض كلمة: من ذكر، أو دعاء، أو موعظة، وربما يحتاج الآخر لمساعدة، وينقص ذاك جاه، وينتظر البعض قضاء حاجة، ويكتفي البعض الآخر بابتسامة، فعلينا أن نجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا ولا نبخل على أنفسنا، فالصدقة والخير نفعه يعود إليك.

                                              هذا وصلى الله على البشير النذير والسراج المنير

 

 

المشاهدات 9944 | التعليقات 0