خطبة الجمعة الرزق والثقة بالله
عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1438/05/20 - 2017/02/17 02:58AM
خطبة الجمعة
الرزق والثقة بالله
جمع وترتيب
عبدالوهاب المعبـأ
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق التقوى، فمن اتقاه وقاه، ومن توكل عليه أغناه.
أيها المسلمون: إن هذا الكون يجري وفق تقدير العزيز العليم، ومراد الخبير الحكيم، وأمر الخالق العظيم: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54]، فالله تعالى هو المدبر للمخلوقات، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السموات، بيده خزائن الخيرات والبركات، قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) [الحجر: 21]، فخزائنه سبحانه ملأى، لا تنفد ولا تبلى، وآلاؤه لا تعد ولا تحصى، وخيراته لا تزول ولا تفنى،
قال -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه جل وعلا: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر" رواه(مسلم).
عباد الله: إن الثقة بالله تعالى نعمة عظيمة، ومنحة كبيرة، تفتح باب الرحمة والأمل، وتدفع أسباب اليأس والكسل، وتوجب على المسلم حسن التوكل، والإخلاص في العمل، والتفويض لما قضى به رب العباد في الأزل، وعبادة الله، والاستعانة به وحده دون من سواه، كما يقرأ المسلم في كل صلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]، أي: منك وحدك يا ربنا نطلب المعونة في جميع أمورنا.
فإن العبد إذا وثق بربه، انقاد له في كل أموره، وفوض الأمر إليه سبحانه في جميع شؤونه، ممتثلا قوله تعالى: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [غافر: 44]، فيا من وثقت بربك، وفوضت إليه أمرك؛ عليك بحسن الظن به سبحانه فظنوا بالله تعالى الظن الحسن، وثقوا به سبحانه في المنن والمحن.
واعلموا ان معاشكم وكفايتكم وارزاقكم بيد الله تعالى فثقوا به تمام الثقة وتوكلو عليه حق التوكل
أيها المؤمنون: لقد تكفل الرزاق -سبحانه- بإيصال جميع الأقوات التي تتغذى بها المخلوقات برّها وفاجرها
فقد تكفل الرزاق -سبحانه- برزق كل مخلوق، وذلك يشمل الإنسان والحيوان والجان، فتكفل برزق كل واحد مـن هـؤلاء، وقسم له رزقه،
قال سبحانه: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]،
فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يُصلحه، حتى الذرّ في باطن الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الأعماق، والأجنّة في الأرحام، والحشرات في الصخور، فسبحان الرزاق العليم.
أيها المسلمون: اتقوا الله وأحسنوا الظن به، ولا تحسبوا أن الرزق مجرد أموال ووظائف وأولاد فقط،
بل هناك رزق الأرواح وهو أطيب الأرزاق وأفضلها، واعلموا أن الرزق النافع هو الذي يوصل العبد إلى أعلى الغايات، وهو الإيمان والتوحيد، الذي يرزقه الله من يستحقه ويشكره، فيمُنّ سبحانه برزق القلوب بالعلوم النافعة والإيمان الصحيح، فإن القلوب لا تصلح ولا تفلح ولا تطمئن حتى يحصل لها العلم بالحقائق النافعة، والعقائد الصحيحة، ثم التخلق بالأخلاق الجميلة، والتنزه عن الأخلاق الرذيلة، ويحصل العبد الخير الوفير من هذا الرزق بإيمانه واتباعه لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والعمل بما فيهما.
ومن الأرزاق رزق خفي، بأن يرزق الله العبد القناعة، فيقنع العبد في نفسه ويرضى بما أعطاه الله من مال وولد، وهذا ما مدح به النبي -صلى الله عليه وسلم- العبد الموفق، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قد أفلح من أسلم، ورُزق كَفَافًا، وقنَّعه الله بما آتاه" (مسلم 1054)،
ومن جميل الرزق أن يُغني الله عبدَه بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، وهذا ما علّمه النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته أن يحرصوا عليه، فعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه-، أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: "إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" (الترمذي (3563) وصححه الألباني في الصحيحة (266)).
عباد الله: إذا رزق الله العبد العلم النافع والإيمان الصحيح، والرزق الحلال، والقناعة بما أعطاه الله منه، فقد تمت أموره، واستقامت أحواله الدينية والبدنية، وهذا النوع من الرزق هو الذي مدحته النصوص النبوية، واشتملت عليه الأدعية النافعة، ومن لا يملكه فهو الفقير فعلاً الذي يُرثَى له.
أيها المؤمنون: ثقوا بربكم، وأحسنوا التوكل عليه، ولتطمئن النفوس إلى كفاية من تكفل بأرزاقها، وأحاط علمًا بذواتها وصفاتها وأسرارها،
فرزقُك يطلبك كأجلك أينما كنت، فلا ينقطع رزقك حتى تنقطع أنفاسك، وحتى تفارق الروح الحلقوم، وإذا تأمل الإنسان في رزق الله -عز وجل- لعباده، امتلأ قلبه يقينًا وتوكلاً عليه -سبحانه وتعالى-؛ فترتاح نفسه ويطمئن قلبه، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت، لأدركه رزقُه كما يدركه الموتُ" (البيهقي في شعب الإيمان 2/537 وحسنه الألباني في الصحيحة 952).
أيها المؤمنون: تيقنوا أن الله هو الرزاق، ومِن جميل رزقه وأرفعه أن يرزق عبده علمًا هاديًا، ولسانًا مرشدًا معلمًا، ويدًا منفقة متصدقة،
ومن رزقه تعالى ما يضعه في قلوب الصالحين من المعرفة والمحبة والإنابة، وإذا أحب عبدًا أكثر حوائج الخلق إليه.
أيها المسلمون: هناك فكرة خاطئة، يعتقدها بعض الناس، وهي أنهم يظنون أن مجرد عطاء الله لخلقه، وتوسعته عليهم في المال والصحة والولد، دليلٌ على محبة الله لهم، وهذا فَهْم غير صحيح، فكثرة الرزق في الدنيا كقلة الرزق لا تدل على محبة الله -تعالى- للعبد ورضاه عنه؛ لأن الله يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب، بينما الآخرة وأعمالها لا يعطيها إلا لمَن يحبهم، قال الله -تعالى- عن شبهة بعض المشركين وما احتجوا به: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ: 35 – 37].
فليست توسعة الأرزاق دليلاً على محبة الله للعبد إذا كان بعيدًا عن الصراط المستقيم، وليست قلة الرزق دليلاً على بغض الله لعبده، بل هي أنفاس معدودة، وآجال مكتوبة، وأرزاق مدبرة لحكمةٍ الحكيم العليم -سبحانه وتعالى وعز وجل-، وقد يكون الكفار أكثر رزقًا وأفضل صحة،
والمؤمن قد يكون مقترًا عليه مضيقًا عليه في رزقه؛ حماية له وصيانة من فتن الدنيا، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا من شربة ماء" (الترمذي 2320 وصححه الألباني)،
فافهموا عن الله حكمته في الرزق وتقسيمه، فإنه الغني الحميد.
ولنعلمْ أن اللهَ سبحانَه وتعالى .. لهُ الحكمةُ البالغةُ في توزيعِ الأرزاقِ .. يعلمُ أن من العبادِ من لا يصلحُ له إلا الغِنى ولو افتقرَ لبغى .. ومن العبادِ من لا يصلحُ له إلا الفقرَ ولو اغتنى لطغى .. فيعطى هذا ويمنعُ هذا فضلٌ منه وعدلٌ .. (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) .
و قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إِنَّ الله قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخَلاَقَكُمْ كَمَاَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ الله يُعْطِيْ الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُ وَمَنْ لاَ يُحِبُ، وَلاَ يُعْطِيْ الإيمَانَ إلاَّ مَنْ أَحَبَّ).
عِبادَ اللهِ: اعملوا فكُلٌّ مُيسرٌ لما خُلِقَ لهُ، فواللهِ لوْ كانَ الرزقُ في أيدي النَّاسِ لبغى بعضُهم على بعضٍ، ولظلمَ بعضُهم بعضاً، ولِتَناحرَ بعضُهم على بعضٍ، فسبحانَ اللهِ الرزاقِ ذي القوةِ المتينِ، الذي جعلَ الرزقَ في يدِهِ، فاللهُ لا يَغفلُ ولا ينسى ولكنَّ العبدَ يغفلُ وينسى، اللهُ لا يظلمُ ولا يبغي بلْ يتفضلُ ويُنعِمُ ويُحسِنُ ويَرحمُ وهوَ اللطيفُ الخبيرُ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني اللهُ وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة: إن الحديث عن الرزق حديث ذو أهمية بالغة، وخاصة في هذا الوقت الذي ضعف فيه إيمان كثير من الناس بربهم، وأن الرزق بيده، وأنه المتكفّل بالأرزاق، مما جعل اعتمادهم وللأسف على خلق مثلهم، يرجونهم أو يخشونهم على أرزاقهم.
لقد أصبح إيمان كثير من الناس بهذه القضية الخطيرة لا يعدو أن يكون كلامًا باللسان، يقال في وقت السَعة والرخاء،
فلو أنك سألت أي إنسان في الطريق من الذي يرزقك؟! لقال لك في الحال: الله.
ولكن انظر لهذا الإنسان إذا ضيّق عليه في الرزق: يقول: فلان يريد أن يقطع رزقي، فما دلالة هذه الكلمة؟!
إنها كلمة تدل على أن الإيمان بأن الرزق من عند الله ضعيفًا، لم يصل لدرجة اليقين، وأن كلمة "الرزاق هو الله" كلمة تستقر حال السلم والأمن، ولكنها تهتزّ إذا تعرّضت للشدة، والخوف والمحن.
فكم نحن بحاجة عظيمة لنذكر أنفسنا، ونعظ قلوبنا؛ ليرسخ فيها أن الرزق لا يملكه أحد سوى الله، وأن الخلق كلهم لا يملكون لأحد قطميرًا، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لابن عباس -رضي الله عنهما-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء" وظيفة، مال، جاه، منصب... "لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".
الرزق مكتوب محفوظ للعبد منذ أن خلقه الله في بطن أمه، أُرسل إليه الملك فأُمر بأربع كلمات، ومنها: بكتب رزقه حتى يموت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها".
وفي بعض الآثار الإسرائيلية: أوحى الله -تعالى- إلى موسى -عليه السلام-: يا موسى لا تخافن غيري ما دام لي السلطان، وسلطاني دائم لا ينقطع، يا موسى لا تهتمن برزقي أبدًا ما دامت خزائني مملوءة، وخزائني مملوءة لا تفنى أبدًا.
أيها الإخوة في الله: لقد كان إيمان السلف بأن الله هو الرزاق عظيمًا، فلم يلتفتوا لأحد سوى الله في أرزاقهم، وكانوا بما في يد الله أوثق منهم بما في أيديهم، ولذا قال الحسن: "إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله -عز وجل-".
وروي عن ابن مسعود قال: "إن أرجى ما أكون للرزق إذا قالوا ليس في البيت دقيق".
وقال الإمام أحمد: "أسرّ أيامي إليّ يوم أُصبح وليس عندي شيء".
وقيل لأبي حازم الزاهد: "ما مالُك؟ قال: لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس.
وقيل: أما تخاف الفقر؟ فقال: أخاف الفقر ومولاي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟!".
وقال أبو سليمان الداراني - رحمه الله -: "من وثق بالله في رزقه زاد في حسن خلقه، وأعقبه الحلم، وسختْ نفسه، وقلّت وساوسه في صلاته".
قال حاتم الأصم: "إن لي أربعة نسوة وتسعة أولاد، ما طمع الشيطان أن يوسوس إليَّ في أرزاقهم".
وقيل لحاتم: "على ما بنيت أمرك في التوكل على الله؟ قال: على خصال أربعة: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلوا من عين الله فأنا مستحي منه".
قال الشافعي - رحمه الله -:
توكلتُ في رزقي على الله خالقي *** وأيقنتُ أن الله لا شك رازقي
وما يكُ من رزقي فليس يفوتني *** ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله *** ولو لم يكن مني اللسانُ بناطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة *** وقد قسم الرحمن رزق الخلائق؟
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يزرق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا".
ألا ما أحوجنا إلى صدق التوكل على الله، والرضا بما قسم.
وللأسف فما أكثر الذين تغيرت قلوبهم، فأصبحوا يتوكلون ويؤملون في دنياهم وأرزاقهم على خلق مثلهم، ونسوا الخلاّق الرزاق، مدبر الأمور، ومصرّف الدهور سبحانه.ولاحولاولاقوة الا بالله
فاتقوا الله أيها المسلمون، وتذكروا أن رزق الله لا يجرّه حرص حريص ولا يرده كراهية كارهٍ، فتوكلوا على ربكم واتقوه، وأقيموا صلاتكم واستغفروه، وصلوا أرحامكم وواسوا فقرائكم، وابذلوا الأسباب يؤتكم الله أجرًا حسنًا، ويرزقكم رزقًا طيبًا وهو خير الرازقين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، زدنا ولا تنقصنا، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، واجعل أوسع أرزاقنا عند ضعفنا وكبر سننا، اللهم لا تحوجنا إلا إليك، ولا تذلنا إلا بين يديك، وصب علينا الرزق صبًّا، ولا تجعل معيشتنا كدًّا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، اللهم ارزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال
اللهمَّ إنا نسألُك موجباتِ رحمتِك وعزائمَ مغفرتِك والسلامةَ من كلِّ إثمٍ والغنيمةَ من كلِّ برٍّ والفوزَ بالجنةِ والنجاةَ من النارِ، برحمتِك نستغيثُ اصلحْ لنا شأنَنا كلَّه ولا تكلْنا إلى أنفسِنا طَرفةَ عينٍ، اللهم نسألُك من الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علمنا منه ومالم نعلم، ونعوذُ بك من الشَّرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علمنا منه ومالم نعلمُ، اللهم اعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا، اللهم رغِّبنا فيما يبقى وزهِّدنا فيما يفنى واغفر لنا في الآخرةِ والأولى، اللهم إنا نعوذُ بك من جهدِ البلاءِ ودركِ الشقاءِ وسوءِ القضاءِ وشماتةِ الأعداءِ، اللهم اجعل رزقنَا رغداً ولا تُشمت بنا أحداً ولا تجعلْ لكافرٍ علينا يداً، اللهم آمنَّا في أوطانِنا اللهم اكفِ المسلمينَ كيدَ الكفارِ ومكرَ الفجارِ وشرَّ الأشرارِ يا عزيزُ يا غفارُ،
وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: (يَا إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك وحبيبك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم برحمتك وجودك يا أرحم الراحمين.
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648
الرزق والثقة بالله
جمع وترتيب
عبدالوهاب المعبـأ
الخطبة الأولى
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق التقوى، فمن اتقاه وقاه، ومن توكل عليه أغناه.
أيها المسلمون: إن هذا الكون يجري وفق تقدير العزيز العليم، ومراد الخبير الحكيم، وأمر الخالق العظيم: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54]، فالله تعالى هو المدبر للمخلوقات، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السموات، بيده خزائن الخيرات والبركات، قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) [الحجر: 21]، فخزائنه سبحانه ملأى، لا تنفد ولا تبلى، وآلاؤه لا تعد ولا تحصى، وخيراته لا تزول ولا تفنى،
قال -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه جل وعلا: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر" رواه(مسلم).
عباد الله: إن الثقة بالله تعالى نعمة عظيمة، ومنحة كبيرة، تفتح باب الرحمة والأمل، وتدفع أسباب اليأس والكسل، وتوجب على المسلم حسن التوكل، والإخلاص في العمل، والتفويض لما قضى به رب العباد في الأزل، وعبادة الله، والاستعانة به وحده دون من سواه، كما يقرأ المسلم في كل صلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]، أي: منك وحدك يا ربنا نطلب المعونة في جميع أمورنا.
فإن العبد إذا وثق بربه، انقاد له في كل أموره، وفوض الأمر إليه سبحانه في جميع شؤونه، ممتثلا قوله تعالى: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [غافر: 44]، فيا من وثقت بربك، وفوضت إليه أمرك؛ عليك بحسن الظن به سبحانه فظنوا بالله تعالى الظن الحسن، وثقوا به سبحانه في المنن والمحن.
واعلموا ان معاشكم وكفايتكم وارزاقكم بيد الله تعالى فثقوا به تمام الثقة وتوكلو عليه حق التوكل
أيها المؤمنون: لقد تكفل الرزاق -سبحانه- بإيصال جميع الأقوات التي تتغذى بها المخلوقات برّها وفاجرها
فقد تكفل الرزاق -سبحانه- برزق كل مخلوق، وذلك يشمل الإنسان والحيوان والجان، فتكفل برزق كل واحد مـن هـؤلاء، وقسم له رزقه،
قال سبحانه: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]،
فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يُصلحه، حتى الذرّ في باطن الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الأعماق، والأجنّة في الأرحام، والحشرات في الصخور، فسبحان الرزاق العليم.
أيها المسلمون: اتقوا الله وأحسنوا الظن به، ولا تحسبوا أن الرزق مجرد أموال ووظائف وأولاد فقط،
بل هناك رزق الأرواح وهو أطيب الأرزاق وأفضلها، واعلموا أن الرزق النافع هو الذي يوصل العبد إلى أعلى الغايات، وهو الإيمان والتوحيد، الذي يرزقه الله من يستحقه ويشكره، فيمُنّ سبحانه برزق القلوب بالعلوم النافعة والإيمان الصحيح، فإن القلوب لا تصلح ولا تفلح ولا تطمئن حتى يحصل لها العلم بالحقائق النافعة، والعقائد الصحيحة، ثم التخلق بالأخلاق الجميلة، والتنزه عن الأخلاق الرذيلة، ويحصل العبد الخير الوفير من هذا الرزق بإيمانه واتباعه لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والعمل بما فيهما.
ومن الأرزاق رزق خفي، بأن يرزق الله العبد القناعة، فيقنع العبد في نفسه ويرضى بما أعطاه الله من مال وولد، وهذا ما مدح به النبي -صلى الله عليه وسلم- العبد الموفق، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قد أفلح من أسلم، ورُزق كَفَافًا، وقنَّعه الله بما آتاه" (مسلم 1054)،
ومن جميل الرزق أن يُغني الله عبدَه بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، وهذا ما علّمه النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته أن يحرصوا عليه، فعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه-، أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: "إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" (الترمذي (3563) وصححه الألباني في الصحيحة (266)).
عباد الله: إذا رزق الله العبد العلم النافع والإيمان الصحيح، والرزق الحلال، والقناعة بما أعطاه الله منه، فقد تمت أموره، واستقامت أحواله الدينية والبدنية، وهذا النوع من الرزق هو الذي مدحته النصوص النبوية، واشتملت عليه الأدعية النافعة، ومن لا يملكه فهو الفقير فعلاً الذي يُرثَى له.
أيها المؤمنون: ثقوا بربكم، وأحسنوا التوكل عليه، ولتطمئن النفوس إلى كفاية من تكفل بأرزاقها، وأحاط علمًا بذواتها وصفاتها وأسرارها،
فرزقُك يطلبك كأجلك أينما كنت، فلا ينقطع رزقك حتى تنقطع أنفاسك، وحتى تفارق الروح الحلقوم، وإذا تأمل الإنسان في رزق الله -عز وجل- لعباده، امتلأ قلبه يقينًا وتوكلاً عليه -سبحانه وتعالى-؛ فترتاح نفسه ويطمئن قلبه، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت، لأدركه رزقُه كما يدركه الموتُ" (البيهقي في شعب الإيمان 2/537 وحسنه الألباني في الصحيحة 952).
أيها المؤمنون: تيقنوا أن الله هو الرزاق، ومِن جميل رزقه وأرفعه أن يرزق عبده علمًا هاديًا، ولسانًا مرشدًا معلمًا، ويدًا منفقة متصدقة،
ومن رزقه تعالى ما يضعه في قلوب الصالحين من المعرفة والمحبة والإنابة، وإذا أحب عبدًا أكثر حوائج الخلق إليه.
أيها المسلمون: هناك فكرة خاطئة، يعتقدها بعض الناس، وهي أنهم يظنون أن مجرد عطاء الله لخلقه، وتوسعته عليهم في المال والصحة والولد، دليلٌ على محبة الله لهم، وهذا فَهْم غير صحيح، فكثرة الرزق في الدنيا كقلة الرزق لا تدل على محبة الله -تعالى- للعبد ورضاه عنه؛ لأن الله يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب، بينما الآخرة وأعمالها لا يعطيها إلا لمَن يحبهم، قال الله -تعالى- عن شبهة بعض المشركين وما احتجوا به: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ: 35 – 37].
فليست توسعة الأرزاق دليلاً على محبة الله للعبد إذا كان بعيدًا عن الصراط المستقيم، وليست قلة الرزق دليلاً على بغض الله لعبده، بل هي أنفاس معدودة، وآجال مكتوبة، وأرزاق مدبرة لحكمةٍ الحكيم العليم -سبحانه وتعالى وعز وجل-، وقد يكون الكفار أكثر رزقًا وأفضل صحة،
والمؤمن قد يكون مقترًا عليه مضيقًا عليه في رزقه؛ حماية له وصيانة من فتن الدنيا، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا من شربة ماء" (الترمذي 2320 وصححه الألباني)،
فافهموا عن الله حكمته في الرزق وتقسيمه، فإنه الغني الحميد.
ولنعلمْ أن اللهَ سبحانَه وتعالى .. لهُ الحكمةُ البالغةُ في توزيعِ الأرزاقِ .. يعلمُ أن من العبادِ من لا يصلحُ له إلا الغِنى ولو افتقرَ لبغى .. ومن العبادِ من لا يصلحُ له إلا الفقرَ ولو اغتنى لطغى .. فيعطى هذا ويمنعُ هذا فضلٌ منه وعدلٌ .. (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) .
و قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إِنَّ الله قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخَلاَقَكُمْ كَمَاَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ الله يُعْطِيْ الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُ وَمَنْ لاَ يُحِبُ، وَلاَ يُعْطِيْ الإيمَانَ إلاَّ مَنْ أَحَبَّ).
عِبادَ اللهِ: اعملوا فكُلٌّ مُيسرٌ لما خُلِقَ لهُ، فواللهِ لوْ كانَ الرزقُ في أيدي النَّاسِ لبغى بعضُهم على بعضٍ، ولظلمَ بعضُهم بعضاً، ولِتَناحرَ بعضُهم على بعضٍ، فسبحانَ اللهِ الرزاقِ ذي القوةِ المتينِ، الذي جعلَ الرزقَ في يدِهِ، فاللهُ لا يَغفلُ ولا ينسى ولكنَّ العبدَ يغفلُ وينسى، اللهُ لا يظلمُ ولا يبغي بلْ يتفضلُ ويُنعِمُ ويُحسِنُ ويَرحمُ وهوَ اللطيفُ الخبيرُ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني اللهُ وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة: إن الحديث عن الرزق حديث ذو أهمية بالغة، وخاصة في هذا الوقت الذي ضعف فيه إيمان كثير من الناس بربهم، وأن الرزق بيده، وأنه المتكفّل بالأرزاق، مما جعل اعتمادهم وللأسف على خلق مثلهم، يرجونهم أو يخشونهم على أرزاقهم.
لقد أصبح إيمان كثير من الناس بهذه القضية الخطيرة لا يعدو أن يكون كلامًا باللسان، يقال في وقت السَعة والرخاء،
فلو أنك سألت أي إنسان في الطريق من الذي يرزقك؟! لقال لك في الحال: الله.
ولكن انظر لهذا الإنسان إذا ضيّق عليه في الرزق: يقول: فلان يريد أن يقطع رزقي، فما دلالة هذه الكلمة؟!
إنها كلمة تدل على أن الإيمان بأن الرزق من عند الله ضعيفًا، لم يصل لدرجة اليقين، وأن كلمة "الرزاق هو الله" كلمة تستقر حال السلم والأمن، ولكنها تهتزّ إذا تعرّضت للشدة، والخوف والمحن.
فكم نحن بحاجة عظيمة لنذكر أنفسنا، ونعظ قلوبنا؛ ليرسخ فيها أن الرزق لا يملكه أحد سوى الله، وأن الخلق كلهم لا يملكون لأحد قطميرًا، كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم لابن عباس -رضي الله عنهما-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء" وظيفة، مال، جاه، منصب... "لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".
الرزق مكتوب محفوظ للعبد منذ أن خلقه الله في بطن أمه، أُرسل إليه الملك فأُمر بأربع كلمات، ومنها: بكتب رزقه حتى يموت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها".
وفي بعض الآثار الإسرائيلية: أوحى الله -تعالى- إلى موسى -عليه السلام-: يا موسى لا تخافن غيري ما دام لي السلطان، وسلطاني دائم لا ينقطع، يا موسى لا تهتمن برزقي أبدًا ما دامت خزائني مملوءة، وخزائني مملوءة لا تفنى أبدًا.
أيها الإخوة في الله: لقد كان إيمان السلف بأن الله هو الرزاق عظيمًا، فلم يلتفتوا لأحد سوى الله في أرزاقهم، وكانوا بما في يد الله أوثق منهم بما في أيديهم، ولذا قال الحسن: "إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله -عز وجل-".
وروي عن ابن مسعود قال: "إن أرجى ما أكون للرزق إذا قالوا ليس في البيت دقيق".
وقال الإمام أحمد: "أسرّ أيامي إليّ يوم أُصبح وليس عندي شيء".
وقيل لأبي حازم الزاهد: "ما مالُك؟ قال: لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس.
وقيل: أما تخاف الفقر؟ فقال: أخاف الفقر ومولاي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟!".
وقال أبو سليمان الداراني - رحمه الله -: "من وثق بالله في رزقه زاد في حسن خلقه، وأعقبه الحلم، وسختْ نفسه، وقلّت وساوسه في صلاته".
قال حاتم الأصم: "إن لي أربعة نسوة وتسعة أولاد، ما طمع الشيطان أن يوسوس إليَّ في أرزاقهم".
وقيل لحاتم: "على ما بنيت أمرك في التوكل على الله؟ قال: على خصال أربعة: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلوا من عين الله فأنا مستحي منه".
قال الشافعي - رحمه الله -:
توكلتُ في رزقي على الله خالقي *** وأيقنتُ أن الله لا شك رازقي
وما يكُ من رزقي فليس يفوتني *** ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله *** ولو لم يكن مني اللسانُ بناطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة *** وقد قسم الرحمن رزق الخلائق؟
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يزرق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا".
ألا ما أحوجنا إلى صدق التوكل على الله، والرضا بما قسم.
وللأسف فما أكثر الذين تغيرت قلوبهم، فأصبحوا يتوكلون ويؤملون في دنياهم وأرزاقهم على خلق مثلهم، ونسوا الخلاّق الرزاق، مدبر الأمور، ومصرّف الدهور سبحانه.ولاحولاولاقوة الا بالله
فاتقوا الله أيها المسلمون، وتذكروا أن رزق الله لا يجرّه حرص حريص ولا يرده كراهية كارهٍ، فتوكلوا على ربكم واتقوه، وأقيموا صلاتكم واستغفروه، وصلوا أرحامكم وواسوا فقرائكم، وابذلوا الأسباب يؤتكم الله أجرًا حسنًا، ويرزقكم رزقًا طيبًا وهو خير الرازقين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، زدنا ولا تنقصنا، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك، واجعل أوسع أرزاقنا عند ضعفنا وكبر سننا، اللهم لا تحوجنا إلا إليك، ولا تذلنا إلا بين يديك، وصب علينا الرزق صبًّا، ولا تجعل معيشتنا كدًّا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، اللهم ارزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال
اللهمَّ إنا نسألُك موجباتِ رحمتِك وعزائمَ مغفرتِك والسلامةَ من كلِّ إثمٍ والغنيمةَ من كلِّ برٍّ والفوزَ بالجنةِ والنجاةَ من النارِ، برحمتِك نستغيثُ اصلحْ لنا شأنَنا كلَّه ولا تكلْنا إلى أنفسِنا طَرفةَ عينٍ، اللهم نسألُك من الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علمنا منه ومالم نعلم، ونعوذُ بك من الشَّرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه ما علمنا منه ومالم نعلمُ، اللهم اعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا، اللهم رغِّبنا فيما يبقى وزهِّدنا فيما يفنى واغفر لنا في الآخرةِ والأولى، اللهم إنا نعوذُ بك من جهدِ البلاءِ ودركِ الشقاءِ وسوءِ القضاءِ وشماتةِ الأعداءِ، اللهم اجعل رزقنَا رغداً ولا تُشمت بنا أحداً ولا تجعلْ لكافرٍ علينا يداً، اللهم آمنَّا في أوطانِنا اللهم اكفِ المسلمينَ كيدَ الكفارِ ومكرَ الفجارِ وشرَّ الأشرارِ يا عزيزُ يا غفارُ،
وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: (يَا إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك وحبيبك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم برحمتك وجودك يا أرحم الراحمين.
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648