خطبة الجمعة: الاستقامة*وجزاؤها

زراك زراك
1433/04/09 - 2012/03/02 21:38PM
الاستقامة وجزاؤها
الجمعة 02 مارس 2012 الموافق لـ 08. ربيع الثاني 1433
المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب محمد زراك
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
الحمد لله معز من تاب إليه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وفق من شاء من عباده لما يحب ويرضاه، وفضل التائب على العاصي واجتباه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، حث المؤمن على الاستقامة ولزوم شرع الله، لأنه بالاستقامة يحمي عرضه وحماه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، طوبى لمن آب إلى سنته ووالاه، وويل لمن أعرض عن شرعه وعاداه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين استقاموا فنالوا محبته ورضاه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى أن نلقاه.
أما بعد فيأَيُّهَا المُسْلِمُونَ، يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون
ورَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانِ بنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَولاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيرَكَ، قالَ : ((قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ
عباد الله اعلموا أن أعظم ما يجب على العبد أن يهتم به في هذه الحياة هو الاستقامة على أمر الله، ولزوم صراطه المستقيم، وعدم الانحراف عنه ذات اليمين أو ذات الشمال.
والاستقامة هي: الثبات على دين الله، بالمحافظة على أوامره، والبعد عن نواهيه جل وعلا، و أن ينظر العبد دائما إلى اليوم الآخر، طامعا في ثواب الله تبارك وتعالى، وخائفا من عقابه، ويعلم أن أمامه جنة ونارا، وحسابا وعقابا، فيستقيم على طاعة الله إلى أن يلقى الله سبحانه وتعالى.
والاستقامة تقوم على أساسين، فلا استقامة إلا بهما، استقامة القلب، واستقامة اللسان، وتأملوا هذا رحمكم الله في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"، فهاذان أساسان للاستقامة لا بد منهما: استقامة القلب، واستقامة اللسان.
أما استقامة القلب: فالمراد بها تخليته وتحليته، تخليته وتطهيره من الرذائل، من الشرك والإلحاد والرياء والسمعة والنفاق والسخط والحسد، و البغضاء؛ وتحليته وملؤه بالفضائل، بالإيمان والأمل والإخلاص والصدق، ومقامات اليقين: خوف رجا شكر وصبر توبة زهد توكل رضا محبة.
وإذا استقام القلب على هذه الحال تبعته الجوارح كلها في الاستقامة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"، فوجب على كل مسلم أن يعتنى بقلبه إصلاحا له، وتنقية له، واجتهادا في تزكيته وتطهيره، وإذا أراد المسلم أن يعرف قبره فليستفت قلبه، فقلبك هو دليل على نوعية قبرك؛ فلو كان قلبك صالحا لكان قبرك صالحا، ولو كان قلبك متنورا بالطاعة لكان قبرك متنورا بالثواب، ولو كان قلبك مظلما بالمعاصي لكان قبرك مظلما بالعقاب، والله تعالى يقول: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».
الأمر الثاني: استقامة اللسان، وذلك بصيانته وحفظه عن كل أمر يسخط الله، وشغله بكل قول سديد، ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا﴾.وإذا استقام اللسان تبعته الجوارح في الاستقامة، ولهذا صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تذكر اللسان، فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإذا استقمت استقمنا، وإذا اعوججت اعوججنا".
أيّها المسلمون، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}"9". وقال تعالى: فاستقم كما أمرت... وقال تعالى: فاستقيموا إليه واسغفروه.
هذه الآيات، تدعونا جميعا، إلى أن نلتزم الطّريق المستقيم، ملازمةً دائمة؛ لأنّ هذا دليلٌ على رسوخِ الإيمان في قلوبنا، فالمستقيمُ على الطريق يدلّ على أنّ في قلبه إيمانًا حقيقيا، أمّا المتذَبذِب يستقيم يومًا وينحرف يومًا، يصلي يوما ويترك الصلاة يوما، ويصلح يومًا ويفسدُ يومًا، فهذا دليلٌ على أنّ الإيمانَ غير مستقرٍّ وثابت في قلبه،وهذا هو الانحراف بعينه، أما الإيمان الثابت القويّ فصاحبُه يستقيم على العمَل ولا يهمِل ولا يُضيِّع، كلّما تقدَّم به العمُر ازداد في العمَل ورغِب في الخير.
أيّها المؤمنون! تأملوا وتدبروا جيدا قول الله عز وجل وهو يحذرنا من الانحراف: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} ذكر بعض المفسرين ومنهم القرطبي، أن امرأة حمقاء كانت بمكة تعمل جاهدة أول النهار لتبرم غزلها، فإذا كان آخر النهار حلت ما أبرمت، يعني هدمت ما صنعت!!!!! إذًا الذي يستقيمُ يومًا أو شَهرًا ثم ينحرِف يوما او شهرا فإنه يهدم عمله الصالحَ ، ويحرقَ أوراقَه، فأصبح شبيهًا بهذه المرأة. {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}
عباد الله: لو استقام كل واحد منا، وطبق ما أراده الله منه، وتجنب ما نهاه الله عنه...ولو استقامت الأسرة … ولو استقام المسؤولون.. ولو استقامت الأمة لانعدمت الرذائل، والفواحش، في مجتمعنا. ولسادت الفضائل والمكارم، والقوة والعزة، في أفراد هذه الأمة العظيمة.
اللهم : اجعلنا من المستقيمين ، اللهم : اجعلنا من المستقيمين ، اللهم : اجعلنا من المستقيمين ، أقول قولي....
الخطبة الثانية
الحمد لله.....
وبعد: إليكم الآن جزاء الاستقامة : يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ.
أي هؤلاء المستقيمين، الذين التزموا الطّريق المستقيم ملازمةً دائمة؛: لهم يوم القيامة ثمانية أشياء:
1- تتنزل عليهم الملائكة بالبشارات.
2- تثبتهم (ألا تخافوا).
3- تطمئنهم (ولا تحزنوا).
4- تفرحهم (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون).
5- تصارحهم (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة).
6- تكشف لهم النعم (لكم فيها ما تشتهي أنفسكم).
7- تبين لهم النعيم (ولكم فيها ما توعدون).
8- تعرفهم فضل الله تعالى عليهم (نزلا من غفور رحيم).
ويقول العلماء: هذه البشارات من الملائكة تكون في أحرج الأوقات وأصعب الأزمات.وهي :ساعة سكرات الموت، ساعة خروج الروح وفي القبر، ويوم الحشر.
اللهم : اجعلنا من المستقيمين ، وارزقنا هذه البشارات، وأرض عنا يا رب العالمين..آمين
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله…
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
أمير المؤمنين محمدا السادس اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعنه على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر به وعلى يديه، اللهم احفظه في ولي عهده وفي كافة أسرته الشريفة يارب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللَّهُمَّ يا فَارِجَ الْهَمِّ ،ويا كَاشِفَ الْغَمِّ ، ويا مُجِيبَ دَعْوَات المُضطَرِّينَ ، رَحْمانَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، أَنْتَ تَرْحَمُنا فَارْحَمْنِا بِرَحْمَةٍ تُغْنِينا بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ
اللهم انا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل ، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم إن كان رزقنا في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدا فقربه، وإن كان قريبا فيسره، وإن كان قليلا فكثره، وإن كان كثيرا فبارك لنا فيه، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم إنا نسألك باسمك المبارك الأحب إليك، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت، أن تغفر لنا وترحمنا، وان تحفظ أسرنا وأحبتنا، وان تبارك له في أرزاقنا وأعمالنا وذرياتنا، وديننا ودنيانا، وأن تسعد قلوبنا، وأن تفرج كروبنا، وتكشف همومنا وغمومنا، وتيسر أمورنا، وأن تهدي أولادنا، وأن ترحم موتانا، وتغفر ذنوبنا، وتطهر نفوسنا، وأن توفقنا جميعا لما تحبه وترضاه اللهم أمين يارب العالمين ربنا اغفر لنا.. سبحان ربك... والحمد لله رب العالمين.


المشاهدات 29338 | التعليقات 0