خطبة الجمعة أحكام ومحاذير

أحمد بن عبدالله الحزيمي
1438/02/03 - 2016/11/03 13:07PM
الجمعةُ أحكامٌ ومحاذيرٌ
الحمد لله العليم الحكيم؛ شرع لعباده من العبادات ما به سعادتهم في الدنيا، وفوزهم في الآخرة، نحمده على عظيم مَنِّه وإحسانه، ونشكره على تتابع نعمه وجزيل عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وسع كل شيء رحمة وعلما ففتح أبواب الرحمة لخلقه وعلمهم ما ينفعهم (فَاذْكُرُوا الله كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة:239] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
اتقوا اللهَ فقدْ نجا منِ اتقى، وضلَّ منْ قادَهُ الهوى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }[الأحزاب:71].
أيها الإخوةُ، كانَ الحديثُ في الجمعةِ الماضيةِ عنْ غنائمِ يومِ الجمعةِ تطرقنا فيهِ إلى شيءٍ منْ فضائلها وخصائصها، واليومَ نكملْ الحديثَ بمشيئةِ اللهِ عنْ هذا اليومِ العظيمِ بذكرِ بعضِ أحكامِ هذا اليومِ العظيمِ.
عبادَ اللهِ: هذا اليومُ المباركُ خصهُ اللهُ منْ بينِ سائرِ الأيامِ بأحكامٍ دونَ غيرهِ منَ الأيامِ؛ فمنْ أحكامهِ.
أنَّ صلاةَ الجمعةِ فرضٌ على كلِّ ذكرٍ حرٍّ مكلفٍ مسلمٍ مقيمٍ. وعليهِ فلا تلزمُ المرأةَ ولا المريضَ والمسافرَ وسكانَ الباديةِ، ومنْ لديهِ عذرٌ يبيحُ لهُ التأخرُ كحارسِ مالٍ يخافُ ضياعهِ، أوْ حارسُ ثغرٍ يخافُ على المسلمينَ منهُ ونحوَ ذلكَ.
ولهذا توعَّدَ الرسولُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- منْ يتخلَّفُ عنْ صلاةِ الجمعةِ بقولهِ: "«لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» رواه مسلم
وقالَ رسولُ اللهِ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-:« مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَأْتِهَا، طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ قَلْبَ مُنَافِقٍ » رواه البيهقي
وقالَ رسولُ اللهِ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-:«مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» رواه ابو داود والنسائي وصححه الألباني
ومنْ أحكامها: أنهُ يستحبُّ أنْ يقرأَ الإمامُ في فجرِ الجمعةِ بسورتي السجدةِ والإنسانِ كاملتينِ، كما كانَ النبيُّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يفعلُ، ولا يقتصرُ على بعضهما.
ويستحبُّ أنْ يقرأَ الإمامُ في صلاةِ الجمعةِ بسورتي "الجمعةِ"، و"المنافقونَ"؛ أوْ "الأعلى" و "الغاشيةِ"؛ فقدْ كانَ النبيُّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يقرأُ بهنَّ.
ومنْ أحكامِ يومِ الجمعةِ تحريمُ البيعِ والشراءِ بعدَ النداءِ الثاني؛ قالَ تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }[الجمعة:9] وسواءٌ كانَ البيعُ أخذًا وعطاءً أوْ عبرَ الهاتفِ أوْ برسالةِ جوالٍ أوْ نحوها.
ومنْ أحكامِ يومِ الجمعةِ: أنهُ إذا دخلَ وقتُ صلاةِ الجمعةِ، يحرمُ السفرُ لمنْ تلزمهُ الجمعةُ بعدَ النداءِ لها؛ لأنَّ السفرَ مانعٌ منْ حضورِ الصلاةِ؛ ولكنْ لوْ خافَ فواتَ الرفقةِ، أوْ فواتَ الطائرةِ التي حجزَ عليها، أوْ فواتَ غرضهِ لوْ تأخرَ؛ فلهُ السفرُ للضرورةِ، أما السفرُ قبلَ النداءِ فلا شيءَ في ذلكَ. لكنْ ينبغي على الإنسانِ ألا يفوتَ على نفسهِ فضلَ هذا اليومِ العظيمِ.
ويكرهُ- يا عبادَ اللهِ- إفرادَ يومِ الجمعةِ بصيامٍ، أوْ ليلتهُ بقيامس، فإنهُ لمْ يردْ ما يدلُّ على فضلِ ذلكَ شيءٌ؛ بلْ قدْ وردَ النهيُّ عنْ إفرادِ يومِ الجمعةِ بالصومِ.
قالَ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: ««لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» رواه مسلم
ومنْ أحكامِ هذا اليومِ تحريمُ حَجْزُ الأَمَاكِنِ لِصَلَاِة الْـجُمْعَةِ فَبَعْضُ الْمُصَلِّيـنَ يَـحْجِزُ أَمَاكِنَ بِالصُّفُوفِ الأُولَى بِوَضْعِ سِجَّادَةٍ أَوْ كُرْسِيٍّ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ، ثُـمَّ يَذْهَبُ إِلَى بَيْتِهِ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا متأخرًا، وَهُنَاكَ مَنْ يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَـحْجِزُ لَهُ مَكَانًا، أوْ يوصي منْ يقومُ بذلكَ أوْ يَطْلُبُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمِيـنَ أَنْ يَـحْجِزُوا لَهُ؛ وَعَلَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْـحَثَّ جَاءَ بالتَّبْكِيـرِ لِلْحُضُورِ بِالْبَدَنِ، وَلَيْسَ بِتَقْدِيـمِ الَـحَاجَاتِ، فَهَذَا الْعَمَلُ مُـحَرَّمٌ شَرْعًا، وَقَدْ حَذَّرَ مِنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِـمَهُ اللهُ: (وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ تَقْدِيمِ مَفَارِشَ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ غَيْرِهَا، قَبْلَ ذَهَابِهِمْ إلَى الْمَسْجِدِ، فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛
ومنها تحريمُ إقامةِ أحدِ والجلوسُ مكانهُ، فقدْ روى مسلمٌ في صحيحهِ منْ حديثِ جابرٍ- رضيَ اللهُ عنهُ- عنِ النبيِّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أنهُ قالَ: «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ لْيُخَالِفْ إِلَى مَقْعَدِهِ، فَيَقْعُدَ فِيهِ وَلَكِنْ يَقُولُ افْسَحُوا» رواه مسلم
عبادَ اللهِ، ومما ينبغي للمبكِّرِ أنْ يملأَ الصَّفَّ الأولَ، فالذي يليهِ، ولا يترُكَ فراغًا في الصَّفِّ، وأنْ لا يفتحَ بابًا لتخطِّي الرِّقابِ، فقدْ ثبتَ عنِ النبيِّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أنهُ قالَ: «احْضُرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوا مِنَ الْإِمَامِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ دَخَلَهَا » رواهُ أبو داودَ وحسنهُ الألبانيُّ.
والعتبُ على بعضِ منْ يأتي مبكرًا، ويزهدُ في الصفوفِ المتقدمةِ رغبةً في الاستنادِ إلى جدارٍ أوْ عمودٍ.
ويستحبُّ لمنْ دخلَ المسجدَ والإمامُ يخطبُ أنْ يصليَ ركعتينِ خفيفتينِ قبلَ أنْ يجلسَ؛ لحديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ- رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا»
ثُمَّ قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» رواه مسلم
ومنْ أحكامِ صلاةِ الجمعةِ- أيضا- أنها لا راتبةَ لها قبلها، لكنْ منْ دخلَ المسجدَ لصلاةِ الجمعةِ وكانَ مبكرًا، فإنهُ يصلي منَ النوافلِ ما تيسرَ لهُ إلى أنْ يدخلَ الإمامُ للخطبةِ، فقدْ كانَ الصحابةُ- رضيَ اللهُ عنهمْ- إذا أتوا المسجدَ يومَ الجمعةِ يصلونَ منْ حينِ دخولهمْ ما تيسرَ لهمْ أنْ يصلوا.
فمنْ خصائصِ صلاةِ الجمعةِ أنهُ ليسَ لها وقتَ نهيٍ.
أما سنةُ الجمعةِ الراتبةِ فتصلى بعدَ صلاةِ الجمعةِ، فمنْ صلى راتبةَ الجمعةِ في المسجدِ صلاها أربعًا، ومنْ صلاها في بيتهِ صلاها ركعتينِ، عملًا بالأحاديثِ الواردةِ في ذلكَ، فقدْ وردَ في الحديثِ المتفقِ عليهِ أنَّ النبيَّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-:«كَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» رواه مسلم.
ووردَ- أيضًا- أنهُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: « مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا » رواه مسلم. قالَ اسحاقُ بنُ راهويةَ: إنْ صلى في المسجدِ يومَ الجمعةِ صلى أربعًا، وإنْ صلى في بيتهِ صلى ركعتينِ.
ونقلَ ابنُ القيمِ مثلَ هذا التفضيلِ عنْ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ، ثمَّ قالَ: وعلى هذا تدلُّ الأحاديثُ.
ويستحبُّ تجميرُ المسجدِ، لما روى أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ- رضيَ اللهُ عنهُ- أمرَ أنْ يجمرَ مسجدَ المدينةِ كلَّ يومِ جمعةٍ عندَ منتصفِ النهارِ.
ومنْ جملةِ أحكامِ صلاةِ الجمعةِ- كذلكَ- أنَّ منْ أدركَ ركعةً منْ صلاةِ الجمعةِ معَ الإمامِ أتمها جمعةً، أيْ يضيفُ إليها ركعةً أخرى، وإنْ أدركَ أقلَّ منْ ركعةٍ؛ كأنْ يدخلُ معَ الإمامِ بعدَ أنْ يرفعُ الإمامُ رأسهُ منَ الركعةِ الثانيةِ، فإنهُ يتمها ظهرًا، لقولهِ- صلى اللهُ عليهِ وسلمِ-: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ، فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ، فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» رواه البيهقي وابن أبي شيبة وصححه الالباني .
وإذا تأخرَ المسلمُ عنِ الإتيانِ مبكرًا إلى المسجدِ وقدِ امتلأَ المسجدُ، فإنهُ يمنعُ منْ تخطَّي رقابَ الناسِ؛ لأنَّ في ذلكَ أذًى للمسلمينَ، وإشغالٌ لهمْ عنِ الاستماعِ، وإلهاءٌ لقلوبهمْ عنْ الإقبالِ على سماعِ الخطبةِ، فبينما كانَ النبيُّ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يخطبُ إذا رجلٌ يتخطى رقابَ الناسِ، فقالَ لهُ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ، وَآنَيْتَ» أخرجه أحمد في "مسنده" والدارمي وصححه الألباني
معنى آنيتَ: أي أبطأْتَ وتأخَّرتَ.
وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ التَّخَطِّي مَا إِذَا كَانَ فِي الصُّفُوفِ الأُوَلى فُرْجَةٌ، فَأَرَادَ الدَّاخِلُ سَدّهَا، فلا حرجَ عندئذٍ.
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يرزقنا الفقهَ في دينهِ، وأن يحييَ قلوبنا بذكرهِ وأفئدتنا بمعرفتهِ وأبداننا بطاعتهِ، وأنْ يغيثَ نفوسنا باليقينِ والإيمانِ.
أقولُ ما تسمعونَ.



الخطبةُ الثانيةُ.
عبادَ اللهِ ومنْ أحكامِ يومِ الجمعةِ أنَّ الإمامِ إذا قعدَ على المنبرِ استحبَّ للحضورِ متابعةَ المؤذنِ، ثمَّ أنصتوا للخطبةِ، فخطبةُ الجمعةِ كحالهِ في الصلاةِ لا يتكلمُ ولا يكلمُ غيرهُ ولا يتشاغلُ بأيِّ شيءٍ عنْ سماعِ الخطبةِ والإنصاتِ لها، فَلَا يَنْشَغِلْ عَنْهَا بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَلَا بِذِكْرٍ، وَلَا دُعَاءٍ؛ أو العبثُ بأيِّ شيءٍ كالسُّبحةِ أوْ المفاتيحِ أوْ نحوها. قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: « إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ » وقولهُ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» رواهُ مسلمٌ. ومعنى لغَا يعني يُحرمُ ثوابَ الجمعةِ التي فُضِّلتْ بها هذهِ الأمةِ عنْ غيرهِ.
ومنَ الملاحظِ أنَّ بعضَ الناسِ يتساهلونَ في هذهِ المسألةِ، فيتكلمُ متى بدتْ لهُ حاجةٌ، أوْ عنَّتْ في رأسهِ خاطرةٌ؛ ومنَ البعضِ منْ يُحضرُ معهُ ابنهُ الصغيرَ، فإذا سألهُ ابنهُ عنْ شيءٍ لمْ يترددْ في جوابهِ والحديثِ معهِ! ألا فليعلمْ أولئكَ أنَّ الإنصاتَ للخطيبِ واجبٌ لا مستحبٌّ.
وليتجنبِ المسلمُ ما يعوقهُ عنِ التبكيرِ، منَ السهرِ في ليلةِ الجمعةِ، وربما يسهرُ البعضُ إلى طلوعِ الفجرِ، ثمَّ يستغرقُ معظمَ النهارِ نومًا، فعساهُ أنْ يستيقظَ للفريضةِ ولوْ متأخرًا، وبعضهمْ ربما مضتْ عليهِ الساعاتُ في نومٍ عميقٍ، فتفوتهُ الجمعةُ، إنها خسارةٌ عظيمةٌ لمسلمٍ منحهُ اللهُ الصحةَ والعافيةَ.
وَمِنْ نَافِلَةَ الْقَوْلِ أَنْ نُنَبِّهَ الأُخْوَةَ الْمُصَلِّيـنَ أَلَّا ُيؤْذُوا حَتَّـى مَنْ هُمْ خَارِجُ الْمَسْجِدِ؛ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُصَلِّيـنَ خَاصَّةً مَنْ يَأْتُونَ مُتَأَخِّرِينَ يَقُومُونَ بِإِيقَافِ سَيَّارَاتِـهِمْ فِي أَمَاكِنَ مَـمْنُوعَةٍ فَيُعِيقُونَ السَّيْـرَ، وَيُعَرْقِلُونَ حَرَكَتَهُ، مِـمَّا يَضْطَّرُّ الْمَارَّةَ، وَالَّذِينَ صَلَّوْا بِـمَسَاجِدَ أُخْرَى أَنْ يَقِفُوا بِسَيَّارَاتِـهِمْ وَقْتًا طَوِيلًا مُنْتَظِرِينَ خُرُوجَهُ؛ لِيَفْتَحَ لَـهُمُ الطَّرِيقَ، وَهُمْ ضَجِرِينَ مِنْ فِعْلِهِ، وَربما يَدْعُونَ عَلَيْهِ، فَهَذَا خُلُقٌ ذَمِيمٌ لَا يَلِيقُ بِالْـمُسْلِمِيـنَ.
أيها المؤمنونَ، اللهَ اللهَ في عباداتكمْ، في صلواتكمْ، في أدائكمْ لهذهِ الفريضةِ، في أدائها لتكونَ شافعةً، لتكونَ مكفرةً، لتكونَ مقبولةً عندَ اللهِ، ليخرجَ منها منْ قبلِ بطهرٍ ونقاءٍ وصفاءٍ، ثمَّ اعلموا أنَّ منْ علاماتِ حبهِ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- كثرةُ الصلاةِ والسلامِ عليهِ في كلِّ وقتٍ وحينٍ، ففي ذلكَ الراحةُ والطمأنينةُ والأجرُ والثوابُ، وهوَ دليلٌ على هذا الحبِّ.
فاللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ على نبينا محمدٍ، وارضَ اللهمَّ عنْ خلفائهِ الراشدينَ، وآلِ بيتهِ الطاهرينَ وعنِ الصحابةِ أجمعينَ، وعنِ التابعينَ، ومنْ تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وعنا معهمْ بمنكَ ورحمتكِ يا أرحمَ الراحمينَ.
المشاهدات 1016 | التعليقات 0