خطبة التوبة والرجوع إلى الله تعالى
محجوب كوري
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة ٢٠١٤/٨/١٦
١٤٤٦ه صفر
منزلة التوبة وفضلها
الحمد الله الرحيم التواب ، الحمد لله الغفور الوهاب , الحمد لله الذي يكشف عن عباده المصاب ، الحمد لله فارج الهم وكاشف الغم فما سأله سائل فخاب ,يسمع جهر القول وخفى الخطاب ، أخذ بنواصي جميع الدواب
فسبحانه من إله عظيم لا يماثل ولا يضاهى ولا يرام له جناب , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً ...
(يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)
(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً)
,,يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) . أما بعد)
,,أيها المسلمون عباد الله :
فإن من أكمل المقامات ,وأجل المنازل ,التي نزلها الأنبياء والمرسلون ,والأولياء والمقربون ,منزلة التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى
( فهذا آدم عليه السلام يقول :( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
: وهذا نوح عليه السلام يقول : (...قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ),وهذا إبراهيم عليه السلام يقول
" ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ),
وهذا موسى عليه السلام يقول : ( أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا و أنت خير الغافرين . واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة
.في الآخرة إنا هدنا إليك )ـ وفي مقام آخر يقول : ( قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين )
,وهذا سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم كان يُعَدُّ له في المجلس الواحد قبل أن يقوم ، يقول : رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور.مائة مرة
ولقد فتح الله عزوجل على أهل الأرض باب التوبة ، بما لم يحصل من قبل ، لذلك من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم : نبي التوبة، فالتوبة كانت لبني إسرائيل لما عبدوا العجل بقتل أنفسهم ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) ... قال تعالى مبينا أنه ليس في الإسلام يأس من رحمة الله تعالى مهما بلغت الذنوب (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) . ...
روى الطبراني وصحح الألباني ، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت من عمل الذنوب كلها، ولم يترك منها شيئاً، وهو في ذلك لم يترك حاجّة ولا داجّة فهل لذلك من توبة ؟! قال : (فهل أسلمت ؟) قال : أما أنا فأشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله . قال : ( تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ) قال : وغدراني وفجراتي ؟ قال : (نعم) ، قال : الله أكبر ، فما زال يكبر حتی تواری .
أيها المسلمون عباد الله ، التوبة الى الله تعالى والاستغفار من الذنوب سبب محبة الله وفرحه , رحمة ًبعبده لا حاجة الى توبته ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها، فأتى شجرة - فاضطجع فى ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح )
عباد الله
، الذنوب مثل أكل السم ، والتوبة والاستغفار هو الترياق ، فمن أراد انشراح الصدر و حلاوة الإيمان ، فليلزم التوبة والاستغفار فإن الله جاعل له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء عافيه ورزقه من حيث لا يحتسب
...
عباد الله
" والتوبة سبب لتبديل السيئات إلى حسنات في صحائف الأعمال ، قال الله تبارك وتعالى : " إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً
روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ إنى لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنه
وآخر أهل النار خروجاً منها : رجل يؤتى به يوم القيامة ، فيقال ، اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه
كبارها ، فتعرض عليه صغار ذنوبه ... وفيه ( فيقال له : فإن لك مكان كل سيئة حسنة ، فيقول : رب
قد عملت أشياء لا أراها هاهنا ] ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه
" وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
.....
الخطبة الثانية
- اللهم لك الحمد كله ، ولك الشكر كله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده . لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى تسليماً كثيراً أما بعد :
فإن التوبة الصادقة قد يبلغ بها العبد مبلغاً عظيماً، فهذا الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله كان يقطع الطريق بين أيبورد و سرخس ، فسمع تالياً يتلو: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق " : قال : بلى يا رب قد آن ، فرجع فآواه الليل الى خربة ، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم : نرحل ، وقال بعضهم : حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا ، ففكر الفضيل في نفسه عندها سمعهم وقال : اللهم إني تبت إليك وجعلت من توبتي مجاورة البيت الحرام حتى أصبح إماماً محدثاً عابداً، فأثنى عليه علماء عصره ، قال عنه الإمام عبد الله بن المبارك : ( رأيت أورع الناس الفضيل بن عياض ) وقال (ما بقي على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض) .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
اللهم كن للمستضعفين من المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد