خطبة : ( التناصر بالحق والتناصر على الباطل )

عبدالله البصري
1440/03/22 - 2018/11/30 08:41AM
التناصر بالحق والتناصر على الباطل 22 / 3 / 1440
 
الخطبة الأولى :
 
 أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الإِنسَانُ مَخلُوقٌ اجتِمَاعِيٌّ ، يَأنَسُ بِغَيرِهِ وَيَتَقَوَّى بِهِ ، وَتَستَقِرُّ حَيَاتُهُ وَيَهنَأُ عَيشُهُ ، كُلَّمَا وَجَدَ مِمَّن حَولَهُ العَونَ وَالمُسَاعَدَةَ . وَالتَّعَاوُنُ وَالتَّنَاصُرُ وَالتَّعَاضُدُ وَالتَّظَاهُرُ ، كَانَت وَمَا زَالَت مِن سِمَاتِ المُجتَمَعَاتِ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً ، عَلَى مُستَوَى الشُّعُوبِ وَالقَبَائِلِ وَالأُسَرِ ، وَفي البُلدَانِ وَالمُدُنِ وَالقُرَى ، لا يَكَادُ يَصلُحُ لإِنسَانٍ شَأنٌ بِمُفرَدِهِ ، وَلا يَكتَمِلُ لَهُ مَطلُوبٌ دُونَ عَونٍ مِن غَيرِهِ . فَهَل كُلُّ تَعَاوُنٍ مَحمُودٌ ، وَهَلِ التَّنَاصُرُ مَمدُوحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَهَل هُوَ مِمَّا يَدعُو لِلافتِخَارِ أَن يَتَعَاضَدَ النَّاسُ في كُلِّ مَوقِفٍ وَعَلَى أَيِّ رَابِطَةٍ ، وَهَل يَحِقُّ لَهُمُ التَنَاصُرُ لِلوُصُولِ إلى أَيِّ هَدَفٍ وَغَايَةٍ ؟! أَمَّا عِندَ أَهلِ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى وَفي بَعضِ عُصُورِ غَفلَةِ العَرَبِ وَضَعفِ تَدَيُّنِهِم ، فَإِنَّ التَّعَاوُنَ بَينَهُم مَطلُوبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَالتَّنَاصُرَ وَاجِبٌ قَبَلِيٌّ عُنصُرِيٌّ ، تَفرِضُهُ الحَمِيَّةُ ، وَتُؤَجِّجُهُ العَصَبِيَّةُ ، وَبِهِ يَتَفَاخَرُونَ وَيَتَبَاهَونَ ، وَيَتَقَوَّونَ عَلَى غَيرِهِم وَيَتَطَاوَلُونَ ، وَيَتَمَدَّحُونَ بِسُرعَةِ استِجَابَةِ بَعضِهِم لِبَعضٍ في التَّنَاصُرِ وَالتَّضَافُرِ ، حَتى قَالَ قَائِلُهُم في مَدحِ هَذِهِ الصِّفَةِ :
قَومٌ إِذَا الشَّرُّ أَبدَى نَاجِذَيهِ لَهُم
طَارُوا إِلَيهِ زُرَافَاتٍ وَوُحدَانَا
لا يَسأَلُونَ أَخَاهُم حِينَ يَندُبُهُم
في النَّائِبَاتِ عَلَى مَا قَالَ بُرهَانَا
نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لَقَد كَانَ حَالُ أَهلِ الجَاهِلِيَّةِ (انصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَو مَظلُومًا) بِلا نَظَرٍ وَلا رَوِيَّةٍ ، وَلا تَفَكُّرٍ وَلا تَأَخُّرٍ ، عَلَى حَقٍّ كَانَ أَو عَلَى بَاطِلٍ ، وَمَن تَبَاطَأَ أَو لم يَفعَلْ فَهُو المَذمُومُ المُحتَقَرُ . وَأَمَّا في الإِسلامِ ، فَقَد أَنزَلَ اللهُ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ ، وَأَتى رَسُولُهُ بِالأَحَادِيثِ الوَاضِحَاتِ ، وَتَعَدَّدَتِ النُّصُوصُ الَّتي تُهَذِّبُ الأَخلاقَ وَتُقَوِّمُ السُّلُوكَ ، وَتَزِنُ العُقُولَ وَتَضبِطُ المَشَاعِرَ ، وَتُوَّجِّهُ النَّاسَ إِلى مَا فِيهِ نَفعُ جَمَاعَتِهِم وَحُصُولُ الخَيرِ لَهم كُلِّهِم ، وَتَمنَعُهُم عَمَّا يَضُرُّ وَلَو فَردًا وَاحِدًا مِنهُم ، أَو يَمنَعُهُ حَقَّهُ أَو يَنتَهِكُ كَرَامَتَهُ ، وَلَو لم يَكُنْ في ذَلِكَ إِلاَّ قَولُ اللهِ – تَعَالى - : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ " نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ - لَقَد بَيَّنَت هَذِهِ الآيَةُ الجَامِعَةُ أَنَّهُ لَيسَ كُلُّ تَعَاوُنٍ مَحمُودًا ، وَلا كُلُّ تَنَاصُرٍ مَمدُوحًا ، وَأَنَّ المَمدُوحَ مِنَ التَّعَاضُدِ ، هُوَ مَا كَانَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ ، أَو في نَفعِ عِبَادِ اللهِ ، وَلأَجلِ هَذَا فَقَد طَلَبَ الأَنبِيَاءُ مَن يَنصُرُهُم في الخَيرِ وَالبِرِّ ، وَيُعِينُهُم عَلَى الطَّاعَةِ وَالذِّكرِ ، قَالَ – تَعَالى – عَن مُوسَى – عَلَيهِ السَّلامُ - : " وَاجعَلْ لي وَزِيرًا مِن أَهلِي . هَارُونَ أَخِي . اُشدُدْ بِهِ أَزرِي . وَأَشرِكْهُ في أَمرِي . كَي نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا . وَنَذكُرَكَ كَثِيرًا " وَقَالَ عَنهُ أَيضًا : " وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُني إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ . قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجعَلُ لَكُمَا سُلطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ " وَعَن جَابِرٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : مَكَثَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ عَشرَ سِنِينَ ، يَتبَعُ النَّاسَ في مَنَازِلِهِم بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ ، وَفي المَوَاسِمِ بِمِنًى يَقُولُ : " مَن يُؤوِيني ؟ مَن يَنصُرُني حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الجَنَّةُ ؟ " وَذَكَرَ الحَدِيثَ إِلى أَن قَالَ : فَرَحَلَ إِلَيهِ مِنَّا سَبعُونَ رَجُلاً حَتَّى قَدِمُوا عَلَيهِ في المَوسِمِ ، فَوَاعَدنَاهُ شِعبَ العَقَبَةِ ، فَاجتَمَعنَا عِندَهُ مِن رَجُلٍ وَرَجُلَينِ حَتَّى تَوَافَينَا ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، علامَ نُبَايِعُكَ ؟ قَالَ : " تُبَايِعُوني عَلَى السَّمعِ وَالطَّاعَةِ في النَّشَاطِ وَالكَسَلِ ، وَالنَّفَقَةِ في العُسْرِ وَاليُسْرِ ، وَعَلَى الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ ، وَأَن تَقُولُوا في اللهِ لا تَخَافُونَ في اللهِ لَومَةَ لائِمٍ ، وَعَلَى أَن تَنصُرُوني ، فَتَمنَعُوني إِذَا قَدِمتُ عَلَيكُم مِمَّا تَمنَعُونَ مِنهُ أَنفُسَكُم وَأَزوَاجَكُم وَأَبنَاءَكُم ، وَلَكُمُ الجَنَّةُ " قَالَ : فَقُمنَا إِلَيهِ فَبَايَعنَاهُ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَلَقَد أُمِرَ المُسلِمُونَ بِالاعتِصَامِ بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا ، وَأَن يُعِينَ بَعضُهُم بَعضًا عَلَى الطَّاعَةِ وَالبِرِّ ، وَيَنصُرَ بَعضُهُم بَعضًا فِيمَا يَنفَعُهُم ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ اللهَ يَرضَى لَكُم ثَلاثًا وَيَكرَهُ لَكُم ثَلاثًا ، فَيَرضَى لَكُم أَن تَعبُدُوهُ وَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ..." الحَدِيثَ رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " وَاللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ في عَونِ أَخِيهِ " أَخرَجَهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِن امرِئٍ يَخذُلُ مُسلِمًا في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فِيهِ مِن عِرضِهُ وَيُنتَهَكُ فِيهِ مِن حُرمَتِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللهُ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصرَتَهُ ، وَمَا مِن امرِئٍ يَنصُرُ مُسلِمًا في مَوِطٍن يُنتَقَصُ فِيهِ مِن عِرضِهِ وَيُنتَهَكُ فِيهِ مِن حُرمَتِهِ إِلاَّ نَصَرَهُ اللهُ في مَوطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصرَتَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَن رَدَّ عَن عِرضِ أَخِيهِ رَدَّ اللهُ عَن وَجهِهِ النَّارَ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَفضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بِسَبعٍ وَعِشرِينَ دَرَجَةً " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . بَل وَحَتى فِيمَا يَنفَعُ النَّاسَ في حَيَاتِهِمُ الدُّنيَوِيَّةِ فَقَد أُمِرُوا بِالاجتِمَاعِ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " اِجتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُم وَاذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهِ يُبَارَكْ لَكُم فِيهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْيَنصُرْ بَعضُنَا بَعضًا في الحَقِّ ، وَلْنَتَعَاوَنْ عَلَى الخَيرِ ؛ فَقَد كَانَ أَصحَابُ نَبِيِّنَا - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَرَضِيَ اللهُ عَنهُم - عَونًا لَهُ في الحَقِّ ، وَبِهِم نُصِرَ وَأُعِينَ ، قَالَ – عَزَّ وَجَلَّ – مُمتَنًّا عَلَيهِ بِذَلِكَ : " وَإِنْ يُرِيدُوا أَن يَخدَعُوكَ فَإِنَّ حَسبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالمُؤمِنِينَ . وَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم لَو أَنفَقتَ مَا في الأَرضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفتَ بَينَ قُلُوبِهِم وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
 
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَدِ اعتَادَ النَّاسُ وَخَاصَّةً العَرَبَ عَلَى التَّنَاصُرِ في كُلِّ شَأنٍ ، وَالحَمِيَّةِ لِبَعضِهِم في الخَيرِ وَالشَّرِّ ، وَهَذَا وَإِن كَانَ مَصدَرَ فَخرٍ وَاعتِزَازٍ لَدَى الكَثِيرِينَ ، إِلاَّ أَنَهُ في النَّظَرِ الصَّحِيحِ مِن قَبِيحِ العَادَاتِ وَمُستَنكَرِ الصِّفَاتِ ، وَرَوَاسِبِ الجَاهِلِيَّةِ الَّتي جَاءَ الإِسلامُ بِتَهذِيبِهَا وَتَوجِيهِهَا الوِجهَةَ الصَّحِيحَةَ ، لِتَكُونَ بَانِيَةً لا هَادِمَةً ، وَرَافِعَةً لا وَاضِعَةً ، وَمُنجِيَةً لا مُردِيَةً ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَو أَنَّ أَهلَ السَّمَاءِ وَأَهلَ الأَرضِ اشتَرَكُوا في دَمِ مُؤمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللهُ في النَّارِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ بِلَفظِ : " لَو أَنَّ أَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ اجتَمَعُوا عَلَى قَتلِ مُسلِمٍ ، لَكَبَّهُمُ اللهُ جَمِيعًا عَلَى وُجُوهِهِم في النَّارِ " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَومَهُ عَلَى غَيرِ الحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى في بِئرٍ فَهُوَ يُنزَعُ مِنهَا بِذَنَبِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَمَعَنى الحَدِيثِ أَنَّهُ قَد وَقَعَ في الإِثمِ وَهَلَكَ ، كَالبَعِيرِ إِذَا تَرَدَّى في بِئرٍ فَصَارَ يُنزَعُ بِذَنَبِهِ وَلا يَقدِرُ عَلَى الخَلاصِ . فَلا قِيمَةَ عِندَ اللهِ وَلا وَزنَ ، لاجتِمَاعٍ وَتَعَاوُنٍ يَكُونُ عَلَى الشِّرِّ وَإِيذَاءِ الآخَرِينَ وَالإِضرَارِ بِهِم ، أَو نَصرِ المُعتَدِينَ وَإِيوَاءِ مَن يَضُرُّ بِالمُسلِمِينَ ، وَمَن فَعَلَ ذَلِكَ حَمِيَّةً جَاهِلِيَّةً وَعَصَبِيَّةً قَبَلِيَّةً ، فَآوَى مُحَارِبًا أَو سَارِقًا ، أَو أَعَانَ قَاتِلاً مِمَّن وَجَبَ عَلَيهِ حَدٌّ أَو حَقٌّ للهِ - تَعَالى - أَو لآدَمِيٍّ ، أَو خَاصَمَ في ذَلِكَ بِبَاطِلٍ وَكَانَ مَانِعًا مِنِ استِيفَاءِ الوَاجِبِ بِأَيِّ وَجهٍ مِنَ الوُجُوهِ ، فَهُوَ شَرِيكٌ في الجُرمِ وَالإِثمِ ، مُستَحِقٌّ لِسَخَطِ اللهِ وَالطَّردِ مِن رَحمَتِهِ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " المُؤمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُم ، وَهُم يَدٌ عَلَى مَن سِوَاهُم ، وَيَسعَى بِذِمَّتِهِم أَدنَاهُم ، أَلا لا يُقتَلْ مُؤمِنٌ بِكَافِرٍ ، وَلا ذُو عَهدٍ في عَهدِهِ ، مَن أَحدَثَ حَدَثًا فَعَلَى نَفسِهِ ، وَمَن أَحدَثَ حَدَثًا أَو آوَى مُحدِثًا ، فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلمٍ لم يَزَلْ في سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنزِعَ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَلَمَّا سُئِلَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ  : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَمِنَ العَصَبِيَّةِ أَن يُحِبَّ الرَّجُلُ قَومَهُ ؟ قَالَ : " لا ، وَلَكِنْ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يَنْصُرَ الرَّجُلُ قَومَهُ عَلَى الظُّلمِ " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ . وَهَكَذَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، فَإِنَّ كُلَّ نَصرٍ خَرَجَ عَن سَعَةِ الرَّابِطَةِ الإِسلامِيَّةِ ، إِلى ضِيقِ الرَّوَابِطِ الدُّنيَوِيَّةِ ، مِن نَسَبٍ أَو بَلَدٍ أَو جِنسٍ ، أَو مَذهَبٍ أَو طَرِيقَةٍ أَو قَبِيلَةٍ ، فَهُوَ مِنَ القَبِيحِ المَذمُومِ ، أَلا فَمَا أَحرَى المُسلِمَ أَن يَتَّقِيَ اللهَ – تَعَالى – وَيَحذَرَ مِن أَن يَكُونَ عَونًا لأَيِّ أَحَدٍ عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ كَائِنًا مَن كَانَ ، وَلْيَحرِصْ عَلَى أَن يَكُونَ عَونًا لإِخوَانِهِ المُسلِمِينَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، وَلا يَحمِلَنَّهُ عَلَى العَودَةِ إِلى الجَاهِلِيَّةِ أَن بَرَزَت وَارتَفَعَ عُنُقُهَا في زَمَانٍ مَا أَو مَكَانٍ ، أَو دَعَا إِلَيهَا مَوقِفٌ أَو زَيَّنَهَا لَهُ جَاهِلٌ ، فَفِي مُسنَدِ الإِمَامِ أَحمَدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ عَن مُحَمَّدِ بنِ مَسلَمَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – دَفَعَ إِلَيهِ سَيفًا فَقَالَ : " قَاتِلْ بِهِ مَا قُوتِلَ العَدُوُّ ، فَإِذَا رَأَيتَ النَّاسَ يَقتُلُ بَعضُهُم بَعضًا ، فَاعمَدْ بِهِ إِلى صَخرَةٍ فَاضرِبْهُ بِهَا ، ثُمَّ الزَمْ بَيتَكَ حَتَّى تَأتِيَكَ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ أَو يَدٌ خَاطِئَةٌ "
المرفقات

بالحق-والتناصر-على-الباطل

بالحق-والتناصر-على-الباطل

بالحق-والتناصر-على-الباطل-2

بالحق-والتناصر-على-الباطل-2

المشاهدات 1253 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا