خطبة التفكر في مخلوقات الله صوتية ومكتوبة 24/5
بدر راشد الدوسري
1431/05/23 - 2010/05/07 18:53PM
الخطبة ألقيت يوم الجمعة 24/ 5/1431هـ
وتفضلو الخطبة مكتوبة
الحمد لله رب العالمين يسمع دعاء الخلائق ويجيب ...يؤنس الوحيد ، ويهدى الشريد يغفر لمن استغفره ، ويرحم من استرحمه ، يكلف بالقليل ، ويجزى بالجزيل / من أطاعه تولاه ، ومن غفل عنه لا ينساه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من تبع شرعه والاه من أوى إليه آواه ، من توكل عليه كفاه ،
وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله خلْقه نعمة ، ومبعثُه رحمة / من نال شفاعته اجتاز ، ومن شرب من حوضه فاز ، و على الصحب و الآل و كل من انتسب إليه من بعيد أو قريب ...
ثم اعلموا أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
عباد الله: إن التفكر في خلق الله تعالى ليزيد الإيمان في القلب ويقويه ويرسخ اليقين، ويجلب الخشية لله تعالى وتعظيمه، وكلما كان الإنسان أكثر تفكرا وتأملا في خلق الله وأكثر علما بالله تعالى وعظمته كان أعظم خشية لله تعالى كما قال سبحانه: إنما يخشى الله من عباده العلماءُ [فاطر:28] ولهذا كان السلف الصالح على جانب عظيم من هذا الأمر فكانوا يتفكرون في خلق الله ويتدبرون آياته ويحثون على ذلك، يقول أحدهم: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِمَ، و لا فهم إلا علم، ولا علم إلا عمل. ويقول الآخر: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه
بل أمر الله نبيه أن يذكرهم بآيات الله . فدعونا نتفكر ونتأمل خلال هذه الدقائق في خلق الله وإبداعه سبحانه الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين
أبدؤها أولا بقوله تعالى وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78]^ لا تعلمون شيئاً مما أخذ عليكم من الميثاق، ولا تعلمون شيئاً مما قضى به عليكم من السعادة والشقاوة، ولا تعلمون مصالحكم ومنافعكم؛ فهم يخرجون من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ، وبعد خروجهم يرزقهم الله السَّمع؛ يدركون بها الأصوات، ويرزقهم البصر؛ فبها يرون وينظرون ، ويرزقهم الأفئدة؛ فبها يميِّزون، وتحصل هذه الحواس بأمر الله تدريجياً، كلما كبر زِيدَ في سمعه وبصره حتى يبلغ أشده ليتمكن بها من عبادة ربه وطاعة مولاه سبحانه وتعالى .
أيها المؤمنون / من آيات الله التي نراها هذه الأيام : هذه الرياح اللطيفة التي يرسلها الله تعالى فتحمل السحب الثقيلة المحملة بالمياه الكثيرة ويسوق الله هذا السحاب ثم يؤلف بينه فيجمعه حتى يتراكم كالجبال فيحجب نور الشمس لكثافته وتظلم الأرض من سواده وتراكمه وتراه يتجمع وينضم بعضه إلى بعض سريع بإذن الله وإذا شاء أن يفرقه سريعا أصبحت السماء صحوا وفي ذلك أعظم الدلالة على عظمة خالقها ومصرفها ومدبرها ولذلك فقد أقسم سبحانه – وهو سبحانه إذا أقسم بشيء من مخلوقاته دل ذلك على عظمة المقسم به – كما قال سبحانه: والذاريات ذرواً ، ومعنى الذاريات أي الرياح: فالحاملات وقراً ، أي: السحاب التي تحمل وقرها من الماء. وهذه الرياح وهذا السحاب مسخر بأمر الله تعالى لا يتجاوز ما أمره به خالقه ومنشئه سبحانه وتعالى. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَار)ِ.
وبعد هذا أيها المتدبر لعظمة الله انقل تفكيرك إلى ما بثَّه الله في السماوات من ملائكة لا يحصيهم إلا هو، فما من موضع أربعة أصابع إلا وملك قائم لله؛ راكع أو ساجد، يطوف منهم بالبيت المعمور في السماء السابعة كل يوم سبعون ألفاً لا يعودون إليه إلى قيام الساعة: {أطَّت السماء وحقَّ لها أن تئط }^ كما جاء في الحديث الصحيح. / ثم انتقل بفكرك إلى تأمل مخلوق عظيم كلما تخيلته إزداد قلبك رهبة لله وخوفا منه انتقل بك إلى عرش الرحمن، وقد علمت بالنقل سعته وعظمته ورفعته، عندها تعلم أن السماوات بملائكتها، ونجومها، ومجرَّاتها، ومجموعاتها، والأرضين بجبالها، وبحارها، وما بينهما بالنسبة للعرش كحلقة صغيرة مُلْقاة بأرض فلاة . فلا إله إلا الله! وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير قريب في علو علي في دنوه قادر سبحانه على قضاء حاجات العباد من فوق سبع سموات ، من جبر كسير، وإغناء فقير، وشفاء مريض، وتفريج كرب، ومغفرة ذنب، وكشف ضُر، ونصر مظلوم، وهداية حيران، وتعليم جاهل، وأمان خائف، وإجارة مستجير، وإغاثة ملهوف، وإعانة عاجز، وانتقام من ظالم، وكف عدوان من معتدٍ ولو كان كل ذلك في لحظة واحدة . ، فتبارك الله رب العالمين، عندها حق للقلب والجوارح أن تسجد مطرقة لهيبته، سجدة لا يرفع الرأس منها إلى يوم المزيد، يلْهَج صاحبها مردداً: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارَ /
ثم تأمل عالم النجوم، واعلم أن ما تراه ما هو إلا جزء يسير من مائة مليار مجموعة قد عرفت / وكثير منها لم يعرف، كل منها في مسارها يسير، لا يختلط بغيره بل كل في فلك يسبحون / ولا يزال علماء الفلك يكتشفون من خلال تجاربهم ومراصدهم ومناظيرهم كل يوم ما يشْدَه ويدهش العقول في هذا الكون الفسيح وصدق الله ( وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)
أحبتي في الله: ما الأرض بالنسبة للكون إلا كحبة رمل في صحراء واسعة تسير في مسار حول الشمس دون أن يصطدم بها ملايين النجوم والكواكب المنتشرة في الكون. / أما إننا لو تأملنا ذلك يقيناً لوجدنا أثره في قلوبنا خشية ورهبة تقود إلى امتثال أوامر الله في غاية حب وذل، وعندها نزكي هذي القلوب التي طالما دنسناها بالمعاصي والذنوب قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها .
أيها الموحدون : هل تأملت اختلاف الألسنة واللغات وتباينها من عربية وعجمية؛ ورومية وفارسية وتركية، وغيرها من اللغات، لا لغةٌُ تشبه لغة، ولا صوت يشبه صوتاً، إِنَّ في ذلك لآيات واضحات لأولي الألباب /
أيها العاقل المتفكر : تأمل في هذه الأرض: بينما هي هادئة ساكنة وادعة؛ مهاد وفراش، قرار خاشعة، إذا بها تهتز،/ تتحرك، تثور، تتفجر، تدمّر، تبتلع، تتصدع، زلازل، وخَسْف، وبراكين، نراها هنا وهناك تجدها آية من آيات الله، وكم لله من آية يخوف الله بها عباده لعلَّهم يرجعون! وهي مع ذلك جزاء وعقاب وابتلاء لمن حقَّ عليه القول، وما هي من الظالمين ببعيد / وهي -أيضاً- تذكير بأهوال الفزع الأكبر، يوم يُبعثون ويُحشرون، وعندها لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ). /
عباد الله : قتل الإنسان ما أكفره يسمع ويرى آيات الله من زلازل وبراكين وأعاصير وأوبئة تحصد الآلاف في ثوانٍ فلا يتأمل ولا يتدبر ولا يرعوي ولا يقدر الله حق قدره وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67 وصدق الله وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ
تأمل معي البحر بأمواجه وأحيائه تجده آية من آيات الله، ومن عجائب مصنوعاته، وكم لله من آية، وكما تعلمون أن الماء في الأرض يملأ ثلاثة أرباع سطح الأرض، ، ولولا إمساك الرب -سبحانه وبحمده- له بقدرته ومشيئته؛ لطفح على الأرض فأغرقها ودمرها وجعل عاليها سافلها، فتبارك الله لا إله إلا هو رب العالمين.
عباد الله / النمل عالم عجيب، من تأمله ازداد إيماناً ويقيناً بأن وراء ذلك التنظيم المحكم حكيماً خبيراً، بإفراد العبادة له جديراً لا شريك له. إنها تعرف ربها، وتعرف أنه فوق سماواته مستوٍ على عرشه، بيده كل شيء فجعلت تسبحه ليل نهار ، هل تأملت النحل وأحواله وأعماله وما فيها من العبر والآيات الباهرات، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس / ألم تر أقراص شمعها السداسية في دقتها الحسابية وإتقان بنائها وإحكام صنعها، الذي أدهش وما زال يدهش علماء النحل والحساب؟ ولكن يكفي أنها من صنع الخالق العظيم جل وعلى القائل ( سنريهم آيتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) .فاللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا وتطهر بها ألسنتنا وتغفر بها ذنوبنا إنك أنت غفار الذنوب وأكثروا من الاستغفار عباد الله يغفر الله لكم .
الخطبة
الحمدُ لله له المآب و الرُجعى، وبيدِهِ ملكوتُ الأرض والسماوات العلى والصلاة والسلام على النبي المجتبى وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى .
أيها المؤمنون / إن الكون بكائناته جميعاً يسبح الله، ويثني على الله، ويمجد الله تسبيحاً وثناءً لا نفهمه، / الله سبحانه وتعالى يعلمه: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء:44]^ سبحت الكائنات بحمده فملأ الكون تسبيحها، سبحه النبات جميعه وفريده، والشجر عتيقه وجديده، والحيتان في البحار الزاخرات، سبحته الوحوش في الفلوات، تسبحه أصوات الطيور، يسبحه الظل تحت الشجر، يسبحه النبع بين المروج وسحر المساء وضوء القمر، فسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) أيها المتفكرون : الجبال والحجارة تخشى الله،: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة:74]^.. بل قال سبحانه لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21]^ فأين الخشية والخوف من الله ويا عجباً! من مضغة لحمٍ أقسى من هذه الجبال، تسمع آيات الله تتلى فلا تلين ولا تخشع ولذلك لابد أن تسأل نفسك إلى متى وأنت في غفلة عن طاعة الله مفرط في الحقوق والواجبات ومقبلا على المعاصي والخطيئات فما الذي يحول بينك وبين العلم بالله إنها دعوة لك يا من تسمع كلماتي أن تتفكر في نفسك في أعمالك هل تظن أن ما قدمت من طاعات تستحق بفضل الله ثم بسببها رحمة الله وجنته هل تظن أن ما في قلبك من خوف الله وتعظيمه يكفي لردعك عن المعاصي والذنوب فإن كان الجواب نعم وإلا فبادر إلى إنقاذ نفسك من غفلتها وتخليصها من أهوائها وشهواتها وتعرض لنفحات الله ومراضيه بطاعته وتقواه وإلا فستندم ولات ساعة مندم
يا من قد وهى شبابه ، و امتلأ بالزلل كتابه ، أما بلغك ان الجلود إذا استشهدت نطقت ! أما علمت أن النار للعصاة خلقت ! إنها لتحرق كل ما يُلقى فيها ، فتذكر أن التوبة تحجب عنها ، و الدمعة تطفيها .
سلوا القبور عن سكانها ، و استخبروا اللحود عن قطانها ، تخبركم بخشونة المضاجع ، و تُعلمكم أن الحسرة قد ملأت المواضع ، و المسافر يود لو انه راجع ، فليتعظ الغافل و ليراجع
فاللهم يا رحمن يارحيم اللـهم اٍنا نسألـُك موجباتِ رحمتـِك .. وعـزائمَ مغـفرتك .. والغـنيمةَ من كل بـِر .. والسلامة من كل اٍثم .. والفوزَ بالجنة.. والنجاة من النـار .. يا ذا الجلال والاكـرام.
اللـهُم اٍنا نعـوذ ُ بك من زوال نعـمتِك .. وتحـوّل عافيتـِك .. وفَجأةِ نِقـمتـِك .. وجميعِ سَخطـِك.
اللهم انا نسألك خشيتك .. في الغـيب والشهادة ..ونسألك كلمة الحـق في الغـضب والرضى ..ونسألك القـصد في الفقر والغـنى ..ونسألك نعـيمًا لا ينفـد ونسألك قرة عين لا تنقطع .. ونسألك الرضى بعـد القـضاء .. ونسألك برد العـيش بعـد الموت .. ونسألك لذة النظر الى وجهك الكريم والشوق الى لقائك .. في غـير ضراء مضرة .. ولا فـتنة مضلة .. اللهم زينا بزينة الايمان .. واجعـلنا هداة مهتدين
اللهم إنا نحمدك على نعمة الأمطار اللهم فاجعلها سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق يا ذا الجلال والاكرام اللهم أنبت بها الزرع وأدر لنا بهم الضرع واجعلها بلاغا للحاضر والباد .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
إستفدتها من مجموعة خطب
للشيخ الفوزان وابن عثيمين ودعوة للتأمل وغيرها
بدر الدوسري
وتفضلو الخطبة مكتوبة
الحمد لله رب العالمين يسمع دعاء الخلائق ويجيب ...يؤنس الوحيد ، ويهدى الشريد يغفر لمن استغفره ، ويرحم من استرحمه ، يكلف بالقليل ، ويجزى بالجزيل / من أطاعه تولاه ، ومن غفل عنه لا ينساه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من تبع شرعه والاه من أوى إليه آواه ، من توكل عليه كفاه ،
وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله خلْقه نعمة ، ومبعثُه رحمة / من نال شفاعته اجتاز ، ومن شرب من حوضه فاز ، و على الصحب و الآل و كل من انتسب إليه من بعيد أو قريب ...
ثم اعلموا أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
عباد الله: إن التفكر في خلق الله تعالى ليزيد الإيمان في القلب ويقويه ويرسخ اليقين، ويجلب الخشية لله تعالى وتعظيمه، وكلما كان الإنسان أكثر تفكرا وتأملا في خلق الله وأكثر علما بالله تعالى وعظمته كان أعظم خشية لله تعالى كما قال سبحانه: إنما يخشى الله من عباده العلماءُ [فاطر:28] ولهذا كان السلف الصالح على جانب عظيم من هذا الأمر فكانوا يتفكرون في خلق الله ويتدبرون آياته ويحثون على ذلك، يقول أحدهم: ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِمَ، و لا فهم إلا علم، ولا علم إلا عمل. ويقول الآخر: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه
بل أمر الله نبيه أن يذكرهم بآيات الله . فدعونا نتفكر ونتأمل خلال هذه الدقائق في خلق الله وإبداعه سبحانه الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين
أبدؤها أولا بقوله تعالى وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78]^ لا تعلمون شيئاً مما أخذ عليكم من الميثاق، ولا تعلمون شيئاً مما قضى به عليكم من السعادة والشقاوة، ولا تعلمون مصالحكم ومنافعكم؛ فهم يخرجون من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ، وبعد خروجهم يرزقهم الله السَّمع؛ يدركون بها الأصوات، ويرزقهم البصر؛ فبها يرون وينظرون ، ويرزقهم الأفئدة؛ فبها يميِّزون، وتحصل هذه الحواس بأمر الله تدريجياً، كلما كبر زِيدَ في سمعه وبصره حتى يبلغ أشده ليتمكن بها من عبادة ربه وطاعة مولاه سبحانه وتعالى .
أيها المؤمنون / من آيات الله التي نراها هذه الأيام : هذه الرياح اللطيفة التي يرسلها الله تعالى فتحمل السحب الثقيلة المحملة بالمياه الكثيرة ويسوق الله هذا السحاب ثم يؤلف بينه فيجمعه حتى يتراكم كالجبال فيحجب نور الشمس لكثافته وتظلم الأرض من سواده وتراكمه وتراه يتجمع وينضم بعضه إلى بعض سريع بإذن الله وإذا شاء أن يفرقه سريعا أصبحت السماء صحوا وفي ذلك أعظم الدلالة على عظمة خالقها ومصرفها ومدبرها ولذلك فقد أقسم سبحانه – وهو سبحانه إذا أقسم بشيء من مخلوقاته دل ذلك على عظمة المقسم به – كما قال سبحانه: والذاريات ذرواً ، ومعنى الذاريات أي الرياح: فالحاملات وقراً ، أي: السحاب التي تحمل وقرها من الماء. وهذه الرياح وهذا السحاب مسخر بأمر الله تعالى لا يتجاوز ما أمره به خالقه ومنشئه سبحانه وتعالى. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَار)ِ.
وبعد هذا أيها المتدبر لعظمة الله انقل تفكيرك إلى ما بثَّه الله في السماوات من ملائكة لا يحصيهم إلا هو، فما من موضع أربعة أصابع إلا وملك قائم لله؛ راكع أو ساجد، يطوف منهم بالبيت المعمور في السماء السابعة كل يوم سبعون ألفاً لا يعودون إليه إلى قيام الساعة: {أطَّت السماء وحقَّ لها أن تئط }^ كما جاء في الحديث الصحيح. / ثم انتقل بفكرك إلى تأمل مخلوق عظيم كلما تخيلته إزداد قلبك رهبة لله وخوفا منه انتقل بك إلى عرش الرحمن، وقد علمت بالنقل سعته وعظمته ورفعته، عندها تعلم أن السماوات بملائكتها، ونجومها، ومجرَّاتها، ومجموعاتها، والأرضين بجبالها، وبحارها، وما بينهما بالنسبة للعرش كحلقة صغيرة مُلْقاة بأرض فلاة . فلا إله إلا الله! وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير قريب في علو علي في دنوه قادر سبحانه على قضاء حاجات العباد من فوق سبع سموات ، من جبر كسير، وإغناء فقير، وشفاء مريض، وتفريج كرب، ومغفرة ذنب، وكشف ضُر، ونصر مظلوم، وهداية حيران، وتعليم جاهل، وأمان خائف، وإجارة مستجير، وإغاثة ملهوف، وإعانة عاجز، وانتقام من ظالم، وكف عدوان من معتدٍ ولو كان كل ذلك في لحظة واحدة . ، فتبارك الله رب العالمين، عندها حق للقلب والجوارح أن تسجد مطرقة لهيبته، سجدة لا يرفع الرأس منها إلى يوم المزيد، يلْهَج صاحبها مردداً: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارَ /
ثم تأمل عالم النجوم، واعلم أن ما تراه ما هو إلا جزء يسير من مائة مليار مجموعة قد عرفت / وكثير منها لم يعرف، كل منها في مسارها يسير، لا يختلط بغيره بل كل في فلك يسبحون / ولا يزال علماء الفلك يكتشفون من خلال تجاربهم ومراصدهم ومناظيرهم كل يوم ما يشْدَه ويدهش العقول في هذا الكون الفسيح وصدق الله ( وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)
أحبتي في الله: ما الأرض بالنسبة للكون إلا كحبة رمل في صحراء واسعة تسير في مسار حول الشمس دون أن يصطدم بها ملايين النجوم والكواكب المنتشرة في الكون. / أما إننا لو تأملنا ذلك يقيناً لوجدنا أثره في قلوبنا خشية ورهبة تقود إلى امتثال أوامر الله في غاية حب وذل، وعندها نزكي هذي القلوب التي طالما دنسناها بالمعاصي والذنوب قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها .
أيها الموحدون : هل تأملت اختلاف الألسنة واللغات وتباينها من عربية وعجمية؛ ورومية وفارسية وتركية، وغيرها من اللغات، لا لغةٌُ تشبه لغة، ولا صوت يشبه صوتاً، إِنَّ في ذلك لآيات واضحات لأولي الألباب /
أيها العاقل المتفكر : تأمل في هذه الأرض: بينما هي هادئة ساكنة وادعة؛ مهاد وفراش، قرار خاشعة، إذا بها تهتز،/ تتحرك، تثور، تتفجر، تدمّر، تبتلع، تتصدع، زلازل، وخَسْف، وبراكين، نراها هنا وهناك تجدها آية من آيات الله، وكم لله من آية يخوف الله بها عباده لعلَّهم يرجعون! وهي مع ذلك جزاء وعقاب وابتلاء لمن حقَّ عليه القول، وما هي من الظالمين ببعيد / وهي -أيضاً- تذكير بأهوال الفزع الأكبر، يوم يُبعثون ويُحشرون، وعندها لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ). /
عباد الله : قتل الإنسان ما أكفره يسمع ويرى آيات الله من زلازل وبراكين وأعاصير وأوبئة تحصد الآلاف في ثوانٍ فلا يتأمل ولا يتدبر ولا يرعوي ولا يقدر الله حق قدره وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67 وصدق الله وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ
تأمل معي البحر بأمواجه وأحيائه تجده آية من آيات الله، ومن عجائب مصنوعاته، وكم لله من آية، وكما تعلمون أن الماء في الأرض يملأ ثلاثة أرباع سطح الأرض، ، ولولا إمساك الرب -سبحانه وبحمده- له بقدرته ومشيئته؛ لطفح على الأرض فأغرقها ودمرها وجعل عاليها سافلها، فتبارك الله لا إله إلا هو رب العالمين.
عباد الله / النمل عالم عجيب، من تأمله ازداد إيماناً ويقيناً بأن وراء ذلك التنظيم المحكم حكيماً خبيراً، بإفراد العبادة له جديراً لا شريك له. إنها تعرف ربها، وتعرف أنه فوق سماواته مستوٍ على عرشه، بيده كل شيء فجعلت تسبحه ليل نهار ، هل تأملت النحل وأحواله وأعماله وما فيها من العبر والآيات الباهرات، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس / ألم تر أقراص شمعها السداسية في دقتها الحسابية وإتقان بنائها وإحكام صنعها، الذي أدهش وما زال يدهش علماء النحل والحساب؟ ولكن يكفي أنها من صنع الخالق العظيم جل وعلى القائل ( سنريهم آيتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) .فاللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا وتطهر بها ألسنتنا وتغفر بها ذنوبنا إنك أنت غفار الذنوب وأكثروا من الاستغفار عباد الله يغفر الله لكم .
الخطبة
الحمدُ لله له المآب و الرُجعى، وبيدِهِ ملكوتُ الأرض والسماوات العلى والصلاة والسلام على النبي المجتبى وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى .
أيها المؤمنون / إن الكون بكائناته جميعاً يسبح الله، ويثني على الله، ويمجد الله تسبيحاً وثناءً لا نفهمه، / الله سبحانه وتعالى يعلمه: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء:44]^ سبحت الكائنات بحمده فملأ الكون تسبيحها، سبحه النبات جميعه وفريده، والشجر عتيقه وجديده، والحيتان في البحار الزاخرات، سبحته الوحوش في الفلوات، تسبحه أصوات الطيور، يسبحه الظل تحت الشجر، يسبحه النبع بين المروج وسحر المساء وضوء القمر، فسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) أيها المتفكرون : الجبال والحجارة تخشى الله،: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة:74]^.. بل قال سبحانه لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21]^ فأين الخشية والخوف من الله ويا عجباً! من مضغة لحمٍ أقسى من هذه الجبال، تسمع آيات الله تتلى فلا تلين ولا تخشع ولذلك لابد أن تسأل نفسك إلى متى وأنت في غفلة عن طاعة الله مفرط في الحقوق والواجبات ومقبلا على المعاصي والخطيئات فما الذي يحول بينك وبين العلم بالله إنها دعوة لك يا من تسمع كلماتي أن تتفكر في نفسك في أعمالك هل تظن أن ما قدمت من طاعات تستحق بفضل الله ثم بسببها رحمة الله وجنته هل تظن أن ما في قلبك من خوف الله وتعظيمه يكفي لردعك عن المعاصي والذنوب فإن كان الجواب نعم وإلا فبادر إلى إنقاذ نفسك من غفلتها وتخليصها من أهوائها وشهواتها وتعرض لنفحات الله ومراضيه بطاعته وتقواه وإلا فستندم ولات ساعة مندم
يا من قد وهى شبابه ، و امتلأ بالزلل كتابه ، أما بلغك ان الجلود إذا استشهدت نطقت ! أما علمت أن النار للعصاة خلقت ! إنها لتحرق كل ما يُلقى فيها ، فتذكر أن التوبة تحجب عنها ، و الدمعة تطفيها .
سلوا القبور عن سكانها ، و استخبروا اللحود عن قطانها ، تخبركم بخشونة المضاجع ، و تُعلمكم أن الحسرة قد ملأت المواضع ، و المسافر يود لو انه راجع ، فليتعظ الغافل و ليراجع
فاللهم يا رحمن يارحيم اللـهم اٍنا نسألـُك موجباتِ رحمتـِك .. وعـزائمَ مغـفرتك .. والغـنيمةَ من كل بـِر .. والسلامة من كل اٍثم .. والفوزَ بالجنة.. والنجاة من النـار .. يا ذا الجلال والاكـرام.
اللـهُم اٍنا نعـوذ ُ بك من زوال نعـمتِك .. وتحـوّل عافيتـِك .. وفَجأةِ نِقـمتـِك .. وجميعِ سَخطـِك.
اللهم انا نسألك خشيتك .. في الغـيب والشهادة ..ونسألك كلمة الحـق في الغـضب والرضى ..ونسألك القـصد في الفقر والغـنى ..ونسألك نعـيمًا لا ينفـد ونسألك قرة عين لا تنقطع .. ونسألك الرضى بعـد القـضاء .. ونسألك برد العـيش بعـد الموت .. ونسألك لذة النظر الى وجهك الكريم والشوق الى لقائك .. في غـير ضراء مضرة .. ولا فـتنة مضلة .. اللهم زينا بزينة الايمان .. واجعـلنا هداة مهتدين
اللهم إنا نحمدك على نعمة الأمطار اللهم فاجعلها سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق يا ذا الجلال والاكرام اللهم أنبت بها الزرع وأدر لنا بهم الضرع واجعلها بلاغا للحاضر والباد .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
إستفدتها من مجموعة خطب
للشيخ الفوزان وابن عثيمين ودعوة للتأمل وغيرها
بدر الدوسري
المشاهدات 11857 | التعليقات 4
أشكرك على المرور والإضافة شيخنا علي
خطبة رائعة يا شيخ بدر
أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتك
جزاك الله خير على مرورك يا شيخ عايد
علي القرعاني
بارك الله فيكم
وهذا رابط لخطب ( تعظيم الله بالتأمل في مخلوقاته)، ضمن ملف تعظيم الله في النفوس
تعديل التعليق