خطبة : (التدخين داء وعيلة)

عبدالله البصري
1442/10/15 - 2021/05/27 13:50PM

التدخين داء وعيلة            16/ 10/ 1442

 

 

الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا " " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعظِمْ لَهُ أَجرًا "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن حُسنِ حَظِّ المَرءِ وَكُلُّنَا يَرجُو أَن يَكُونَ حَظُّهُ حَسَنًا ، أَن يَرزُقَهُ اللهُ حُسنَ الاتِّعَاظِ بِغَيرِهِ ، وَأَن يَنجَحَ في اختِبَارِ الدُّنيَا بَعدَ أَخذِهِ الدُّرُوسَ مِنهَا ، فَيَسلُكَ كُلَّ طَرِيقٍ إِلى الخَيرِ ، وَيَجتَنِبَ كُلَّ سُبُلِ الشَّرِّ ، وَيَأخُذَ كُلَّ نَافِعٍ مُفِيدٍ ، وَيَنبُذَ كُلَّ مُؤذٍ وَضَارٍّ ، وَأَمَّا حِينَ يُصِرُّ المَرءُ عَلَى مَا يَكُونُ بِهِ هُوَ العِظَةَ لِغَيرِهِ ، فَتِلكَ عَلامَةُ بُؤسِهِ وشَقَائِهِ ، وَدَلِيلُ خَسَارَتِهِ وَعَنَائِهِ ، وَإِنَّ مِن أَمثِلَةِ ذَلِكَ في حَيَاتِنَا وَمَا نُشَاهِدُهُ ، بَلاءً فُتِنَ بِهِ العَالَمُ مُنذُ عَشَرَاتِ السِّنِينَ ، وَشَرًّا تَتَابَعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَعَدَمِ الإِقلاعِ عَنهُ ، لا هُوَ بِالغِذَاءِ الَّذِي يُسمِنُ أَو يُغنِي مِن جُوعٍ ، وَلا بِالدَّوَاءِ الَّذِي يُصبَرُ عَلَى مَرَارَتِهِ لأَجلِ فَائِدَتِهِ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ شَرَابًا هَنِيئًا سَائِغًا فَيُذهِبَ ظَمَأً أَو يَروِيَ غَلِيلاً ، لَكِنَّهُ نَارٌ تُوقَدُ لِيُحرَقَ بِهَا المَالُ وَالمُستَقبَلُ ، وَدُخَانٌ كَرِيهٌ يُستَنشَقُ وَيُتَنَفَّسُ ، لِيُغَيِّرَ لَونَ الجَسَدِ وَيَذهَبَ بِصَفاءِ البَشَرةِ ، وَيُحدِثَ في الصَّدرِ ضِيقًا وَحَشرَجَةً ، وَيَسُدَّ شَرَايِينَ القَلبِ وَيُضعِفَ سَيرَ الدَّمِ في العُرُوقِ ، وَيُعجِّلَ بِالشَّيخُوخَةِ وَيُسَبِّبَ الأَمرَاضَ وَيَجلِبَ الأَوجَاعَ ، إِنَّهُ مُحرِقُ البَدَنِ وَالدِّينِ وَالمَالِ ، وَمُذهِبُ المُرُوءَةِ وَمُفسِدُ الأَخلاقِ ، وَمِفتَاحُ أَبوَابِ الشُّرُورِ وَالعَظَائِمِ وَالجَرَائِمِ ، بِمَا يُسَبِّبُهُ مِن إِبعَادِ صَاحِبِهِ عَن مَجَالِسِ الرِّجَالِ الأَخيَارِ ، وَهِجرَانِهِ لِلمَسَاجِدِ وَأَمَاكِنِ الطَّاعَةِ وَالخَيرِ ، وَقَطِيعَتِهِ لأَرحَامِهِ وَنَبذِهِ لأَقَارِبِهِ ، وَانفِرَادِهِ بِأَصحَابِ السُّوءِ في مَجَالِسِ الشَّرِّ وَمُجتَمَعَاتِ العِصيَانِ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ اللهَ - تَعَالى - قَد جَعَلَ نَفسَ الإِنسَانِ أَمَانَةً في عُنُقِهِ ، وَأَوجَبَ عَلَيهِ حِفظَهَا وَحَرَّمَ عَلَيهِ التَّعَدِّيَ عَلَيهَا ، وَنَهَاهُ عَنِ الإِلقَاءِ بِهَا في التَّهلُكَةِ ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : " وَلا تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُم رَحِيمًا " وَقَالَ - تَعَالى - : " وَلا تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلى التَّهلُكَةِ " فَوَا عَجَبًا ! كَيفَ يَعلَمُ عَاقِلٌ هَذَا مَعَ عِلمِهِ بِأَنَّ التَّدخِينَ ضَارٌّ قَاتِلٌ ، ثم يُصِرَّ عَلَى تَنَاوُلِ هَذَا السُّمِّ بِطَوعٍ مِنهُ وَاختِيَارٍ ، لِيَقَتُلَ نَفسَهُ وَيَحتَمِلَ ذَنبَهُ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفسَهُ ؛ فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

وَالدُّخَانُ عِندَ العُقَلاءِ وَسَلِيمِي الفِطَرِ ، مِنَ الخَبَائِثِ وَلَيسَ مِنَ الطِّيباتِ ، وَقَد قَالَ - تَعَالى - في وَصفِ نَبِيِّهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ " وَوَاللهِ إِنَّهُ لَيَكفِي مِن خُبثِهِ أَنَّهُ يَصُدُّ عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ، وَيُثقِلُ عَلَى صَاحِبِهِ الصِّيَامَ بِسَبَبِ إِدمَانِهِ إِيَّاهُ ، كَيفَ وَهُوَ إِحرَاقٌ لِلمَالِ وَتَبذِيرٌ لَهُ ، وَالعَبدُ مُحَاسَبٌ عَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ ، وَمَنهِيٌّ عَنِ التَّبذِيرِ وَالإِسرَافِ وَلَو في الأَكلِ وَالشُّربِ الَّذِي لا بُدَّ لَهُ مِنهُ ، قَالَ اللهُ - جَلَّ وَعَلا - : " وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ " ثُمَّ إِنَّ المُدخِنَ يَضُرُّ مَن حَولَهُ وَيُؤذِيهِم حَتى المَلائِكَةَ ، وَاللهُ - تَعَالى - يَقُولُ : " وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَانًا وَإِثمًا مُّبِينًا " وَيَقُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : "إنَّ المَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنهُ بَنُو آدَمَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ كُلُّ مُدَخِّنٍ ، فَوَاللهِ لَو كُانَ فَقِيرًا أَو مَرِيضًا ، لَكَانَت أَغَلى أَمَانِيهِ أَن يُوهَبَ صِحَّةً وَمَالاً ، فَلْيشْكُرِ اللهَ الَّذِي أَعطَاهُ الصِّحَّةَ وَالمَالَ ، وَتَفَضَّلَ عَلَيهِ بِالعَافِيَةِ وَمَنَحَهُ الرِّزقَ ، وَلْيُقلِعْ مَا دَامَ الأَمرُ بِيَدِهِ ، قَبلَ أَن تَذهَبَ الصِّحَّةُ وَيَفنَى المَالُ ، فَيَندَمَ وَلاتَ حِينَ مَندَمٍ ، وَلْيَعلَمْ أَنَّ الإِقلاعَ عَن هَذَا الدَّاءِ لَيسَ مُستَحِيلاً وَلا صَعبًا ، وَلَكِنَّهُ قَرَارٌ شُجَاعٌ يَحتَاجُ إِلى صِدقِ نِيَّةٍ وَقُوَّةِ عَزِيمَةٍ ، مَعَ الاستِعَانَةِ بِاللهِ قَبلَ ذَلِكَ وَبَعدَهُ ، وَمَن عَلِمَ اللهُ مِنهُ الصِّدقَ أَعَانَهُ وَهَدَاهُ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - :" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا " اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ، وَوَفِّقْنَا لِمَا يُرضِيكَ وَجَنِّبْنَا مَا يُسخِطُكَ ، وَاعصِمْ قُلُوبَنَا وَاغفِرْ ذُنُوبَنَا ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ .

 

الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ شُؤمَ التَّدخِينِ لا يَقتَصِرُ عَلَى صَاحِبِهِ وَمُتَعَاطِيهِ ، بَل إِنَّهُ يَتَجَاوَزُهُ إِلى إِخوَانِهِ وَبَنِيهِ وَمُصَاحِبِيهِ وَمُجَالِسِيهِ ، إِذْ يَقَعُونَ فِيهِ اقتِدَاءً بِهِ أَو تَقلِيدًا لَهُ ، فَيَحمِلُ بِذَلِكَ آثَامَ إِضلالِهِم ، وَيَتَحَمَّلُ ذُنُوبًا مِثلَ ذُنُوبِهِم . وَأَمَّا الآخَرُ المَشؤُومُ عَلَى نَفسِهِ وَمُجتَمَعِهِ ، فَهُوَ مَن يُسَوِّقُ لِهَذَا الدَّاءِ وَيَبِيعُهُ في مَتجَرِهِ ، وَيَرَى أَنَّهُ لَو لَم يَبِعِ الدُّخَانَ لانصَرَفَ النَّاسَ عَنهُ وَلم يُقبِلُوا عَلَيهِ ، وَلَذَهَبُوا لِغَيرِهِ وَضَعُفَت حَرَكَةُ البَيعِ لَدَيهِ ، وَإِنَّهُ وَاللهِ لَضَعفُ دِينٍ وَدَنَاءَةُ نَفسٍ وَخَلَلٌ في التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ ، وَإِلاَّ لَمَا بَاعَ المُسلِمُ صَلاحَ مُجتَمَعِهِ وَصِحَّةَ إِخوَانِهِ المُسلِمِينَ بِقَلِيلٍ مِنَ المَالِ يَأكُلُهُ سُحتًا ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّم شَيئًا حَرَّم ثَمَنَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ الَّذِينَ يَبِيعُونَ الدُّخَانَ ، وَلْيَعلَمُوا أَنَّ في الحَلالِ غُنيَةً عَنِ الحَرَام ، وَأَنَّ مَن تَرَكَ شَيئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيرًا مِنهُ ، وَأَنَّ استِبطَاءَ الرِّزقِ لَيسَ بِمُسَوِّغٍ لأَكلِ الحَرَامِ ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " لا يَحمِلَنَّكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن تَأخُذُوهُ بِمَعصِيَةِ اللهِ ، فَإِنَّ اللهَ لا يُنَالُ مَا عِندَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ " رَوَاهُ البَزَّارُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .

المرفقات

1622123403_التدخين داء وعيلة.doc

1622123416_التدخين داء وعيلة.pdf

المشاهدات 2101 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا