خطبة: التحذير من مشابهة اليهود والنصارى
حسين بن حمزة حسين
المُسلمُ له هُويَّتُه الخاصة، بها يعتزّ، وشَريعتُه التي فضَّلَه اللهُ بها على العالَمِين يتمسّك بها ويفتخر، وحفظ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للمسلم هويته التي مدادها عزته، فكان يَأمُرُ بمُخالَفةِ أهلِ الكِتابِ مِن اليَهودِ والنَّصارَى، ويُحذِّرُ مِن التشبه بهم ومُتابعتِهم، ففي صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: فَمَنْ؟ )
إخوة الإيمان: في هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يكونُ عليه حالُ أُمَّتِه في زمن من الأزمان مِن بعده، وهو تشبّه بعض المسلمين لليهود والنَّصارى ومتابعتهم، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لِتتَّبعُنَّ سَنَنَ مَن قبلَكم»، والسَّننُ: هي الطَّريقةُ والأفعالُ، والمعنى: أنَّكم تَتَّبعونَ طَريقةَ النَّصارى واليهودِ في أفعالِهم وحَياتِهم مُتابَعةً دَقيقةً شَديدةً، تَاركينَ سُنَّة نبيكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هاجرين دينكم، وصَوَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شِدَّةَ هذا الاتِّباعِ، فقال: «شِبرًا بِشبرٍ، وذِراعًا بذِراعٍ»، وهذا كِنايةٌ عَن شِدَّةِ الموافَقةِ لهم، واتِّباعِهم في عاداتِهم وتَقاليدِهم، حتَّى لو دخَلَوا جُحرَ ضَبٍّ لَدَخَلَه المسلمونَ وَراءَهم، والضَّبُّ: هو الحَيوانُ المعروف، جُحرُه شَديدُ الظُّلْمةِ نَتِنُ الرِّيحِ، وَوجْهُ التشبيه بجُحرِ الضَّبِّ: شِدَّةُ ضِيقِه ورَداءَتُه، ومع ذلك فإنَّهم لو دَخَلوا في مِثلِ هذا الضِّيقِ الرَّديءِ لَوافَقوهم!، وفي هذا الحديثِ مُعجزةٌ للنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقدْ وقَعَ ما أخبَرَ به، ويا للأسف اتّبع كَثيرٌ من المُسلِمينَ أعداءَ اللهِ تعالَى في عاداتِهم وتَقاليدِهم في هذا الزمان، فقلَّدوهم في مَلابِسِهم وشَعائرِهم، وقَلَّدوهم في أعيادِهم، قلّدوهم فيما همْ عليه مِن أخلاقٍ ذَميمةٍ، وعاداتٍ فاسدةٍ، تُخالِفُ شَريعةَ الإسلامِ المُطهَّرةَ ديناً وخُلُقا، وعذرا أنقل لكم بعض روايات هذا الحديث وهي صحيحة صححها الألباني رحمه الله لتعلموا شدّة خطر متابعة أعداء الله والتشبه بهم وإلى أي مدى يفضي بالمسلمين من الشرّ ، ففي رواية لهذا الحديث، يقول صلى الله عليه وسلم (وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه ) وفي رواية ( حتى لو أن أحدُهم ضاجع أمه في الطريق لفعلتم)، وصدق رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ، ووالله إنني لأخجل أن ألقي مثل هذا الكلام بين أيدي الكرام، إلا أننا أصبحنا نسمع حدوث مثل هذه القصص، وانتشار حوادث زنا المحارم في بلاد المسلمين وإن لم تكن ظاهرة والحمد لله عندنا ، بل ونسمع ونرى انتشار عمل قوم لوط الذي اعترف ويتشرف به اليهود والنصارى في دولهم أخزاهم الله، وجعلوا له جماعات ومدن وأحزاب لنشره، ظهر وبان في بعض ديار المسلمين، ويا للأسى تجد من يتبعهم ويرضى بفعلهم، فينعتونهم بأسماء جميلة بالمثليين أسوة بهم أو يجمّلون ما هم عليه ويعتذرون لهم بالحرية الشخصية، وقد حارب الإسلام هذا العمل، وجعل حكم من يقترفه أن يُلقَوْا من أعلى شاهق في البلد حتى يموتوا، وهو خير لهم وخير للمجتمع المسلم، وقد حاربت دولتُنا حفظها الله ذلك وجرّمت تلك الأفعال الخبيثة أعظم تجريم، ووالله ماتت القلوب وغارت المياه من الوجوه وانعدمت الغيرة، ووالله أموراً لم تكن تطرأ على البال والخاطر لو تمسّك المسلمون بدينهم ونبذوا عادات الغرب الكافر، لم تكن لتحدث لولا انتشار برامج التواصل وامتزاج الثقافات بالإنترنت وذوبان هويّة بعض المسلمين بالحضارات الكافرة مع ضعف الوازع الديني والأخلاقي عندهم، وكما قيل كثرة المساس تفسد الإحساس والأخلاق، ومن عادات اليهود والنصارى التي تدعو إلى ذلك ما غزا به الكفارُ ديارَ المسلمين من نشر أفلام الدعارة والمسلسلات الهابطة التي تدعو إلى ذلك وهي عشرات الملايين من المشاهد الخبيثة ومئات الملايين بل وآلاف الملايين من المشاهدات بل أصبحت التجارة الرابحة على الشبكة العنكبوتية، ووالله إنها لفتنة عظيمة ولا عاصم منها إلا الله والتمسك بدين الله ومعرفة شر متابعة أعداء الله وأخذ أسباب الحذر منهم ، ومن تلك العادات المقيتة ما يسمى (عيد الفلنتاين) الذي يسمى عيد العشاق، هو عيد الحب، ولكن حب مَن؟! هل هو حب الله؟! حب نبيه؟! حب المؤمنين؟! حب الصالحين؟! أو حب الزوجة؟!، كلا؛ إنه حبُّ الخلاعةِ والمجونِ والفجورِ، إنه حب الأشقياء، حبّ التافهين الأخباث، إنه حب الفجار والمخدوعين، إنه حب الغافلين عن حقيقة هذا الدين وتعاليمِه العظيمة وما يدعو إليه من شرف وعفاف.
ومن عادات اليهود والنصارى التي تدعو إلى ذلك الخلوة المحرمة بالنساء وترك الحجاب واستبدال الحياء بالفجور
قال صلى الله عليه وسلم (- إيَّاكم والدُّخولَ على النِّساءِ . فقالَ رجلٌ منَ الأنصارِ : يا رسولَ اللَّهِ ! أفرأيتَ الحموَ ؟ قالَ : الحموُ : الموتُ) رواه الترمذي وصححه الألباني فالحمو أخ الزوج وأقاربه ومثله أقارب الزوجة غير المحارم من ابن عم وابن خال‘ فإذا كان هؤلاء ممنوعين من الخلوة المحرمة وهذا شرفهم وعفافهم فكيف التساهل بذلك مع الأغراب وما يفضي إليه نسأل الله السلامة .
عباد الله : إن الواجب على كل مسلم سمع هذا الحديث ووعاه قلبه، أن يكون في غاية الحيطة والحذر من تقليد الكفار والتشبه بهم في أخلاقهم وعباداتهم وشعائرهم المخالفة لديننا وأخلاقنا وعاداتنا ، ويتأكد هذا الأمر في مثل هذا الزمان الذي انفتح فيه الناس على عادات الكفار وتقاليدهم وطقوسهم وأعمالهم انفتاحاً واسعا ؛ فأصبحت البيوت المؤمنة والدور المسلمة يصل إليها من نجاسات الكفار في قعر بيوتهم، فيقع الناس في أنواع كثيرة من التشبه بأعداء دين الله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديثه الصحيح: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )) ؛ فمن الذي يرضى لنفسه - عباد الله - أن يُحشر يوم القيامة مع كافرٍ آثم أو مجرم هالك يحشر معه جنباً إلى جنب !! بسبب تشبهه وتقليده له - والعياذ بالله - . نسأل الله السلامة..
الخطبة الثانية
ومع الأسف فقد ظهر وبان في بعض بلاد المسلمين فئة ذليلةٌ مستعبَدة، ديدنُها التشبُّه بالكفار؛ يعيش كثيرٌ منهم تشبُّهاً يقود للانسلاخ من دين الله والذوبان والانحلال والتهتُّك، بل يقود إلى الفُسوقِ والفجور والحرية الكاذبة والاختلاط المحرم، وقبول التبرج والسفور، وإبداء الزينة المحرمة، والتشبه بالكفار في عاداتهم وآدابهم من اللباس والزيِّ، والزينة والطعام والشراب، وحلق اللحى، وطريقة إلقاء السلام، والجلوس والاضطجاع، والأكل بالشمال، والتختم بالذهب، ولبس الحرير، وإسبال الثياب، وحمل الصور، واصطحاب الكلاب والقطط والقرود، والفن الساقط، والطرب ومزامير الشيطان، بل وشرب الخمر، واستأنثت الرجال واسترجل النساء، وكل ذلك باسم الحضارة والحريّة وتقليد الغرب المقيت، وأعظم من ذلك كلّه، متابعتهم في الكفر بالله من سب الدين أو الإستهزاء بشيء مما أنزل الله في كتابه وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم وعدم الرضا والتحاكم بشرع الله، وترك ما أمر الله عز وجل به من الفرائض من صلوات وزكاة وصيام وحج وبر للوالدين، بل لم يبالِ بعض الشباب بوضع الصليب على لباسه بشراء ألبسةٍ عليها صلبان النصارى - والعياذ بالله - أين عقولنا عباد الله ؟ أين غيرتنا ؟ أين نخوتنا ؟ أين اتباعنا لديننا ؟ أين حذرنا من أعداء ديننا ؟ فالواجب علينا أن تكون عندنا عزةٌ بديننا وتمسكٌ بآدابنا ومحافظةٌ على نخوتنا وشيَمنا وبُعدٍ عن هذه المهالك المرْدية والتشبّهات الآثمة التي لا تفضي بأصحابها إلا إلى الذل والمهانة والهلكة في الدنيا والآخرة.