خطبة: التحذير من حرب المخدرات على بلادنا

عايد القزلان التميمي
1436/07/18 - 2015/05/07 14:35PM
الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله نهى أمته عن كل مسكر ومفتر حفاظاً على صحتها وحرصا على سلامتها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ولزوم طاعته وأحذركم ونفسي من معصيته ومن مخالفة أمره.
عباد الله : إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وكرم الإنسان وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )) لقد وهب الله الإنسان العقل وأحل له الطيبات وحرم عليه الخبائث، من أي شيء يضر بجسمه أو عقله، وما دام الأمر كذلك فهو مطالب بالحفاظ على هذه النعمة الكبرى، وأن يحسن استخدامها فيما يعود عليه بالخير والنفعولا يضيعها فيما فيه ضرر دينه ودنياه.
ومن أجل ذلك حرّم الإسلام الخمر وسمّاها (أم الخبائث) لأنها تخامر العقل وتغطيه، وقد تؤدي به إلى الجنون أو الانتحار أو القتل أو ارتكاب الجرائم .
عباد الله : إن الخمر هي الدافع الأساسي لكثير من قضايا القتل والانتحار والزنا , وإننا يستحيل أن نجد مُجرما لا يَسْكَر , ولا نجدُ سكِّيراً غير مجرم .
قال الضحَّاك بن مُزاحِم - رحمه الله - لرجلٍ: "ما تصنع بالخمر؟!"؛ قال: "يهضم طعامي"؛ قال: "أما إنه يهضم من دينك وعقلك أكثر".
عباد الله أتدرون لم سميت الخمر أم الخبائث قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه: إِيَّاكُمْ وَالْخَمْرَ ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ قال أُتِيَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ : إِمَّا أَنْ تَحْرِقَ هَذَا الْكِتَابَ ، وَإِمَّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الصَّبِيَّ ، وَإِمَّا أَنْ تَقَعَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ ، وَإِمَّا أَنْ تَشْرَبَ هَذِهِ الْكَأْسَ ، وَإِمَّا أَنْ تَسْجُدَ لِهَذَا الصَّلِيبِ ، قَالَ : فَلَمْ يَرَ فِيهَا شَيْئًا أَهْوَنَ مِنْ شُرْبِ الْكَأْسِ ، فَلَمَّا شَرِبَهَا سَجَدَ لِلصَّلِيبِ ، وَقَتَلَ الصَّبِيَّ ، وَوَقَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ ، وَحَرَقَ الْكِتَابَ .
عباد الله : إن من يتتبع تحريم الخمر في القرآن الكريم يجد أن تحريم الخمر كان على أربع مراحل : المرحلة الأولى (مرحلة المنة والعتاب) قال تعالى في سورة النحل ((وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) أما المرحلة الثانية (مرحلة السؤال والإجابة) قوله تعالى ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ)) و المرحلة الثالثة (النهي عن قرب الصلاة في حالة السكر) قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)) ثم بعد هذا التدرج في الحكم نزل التحريم النهائي الشامل كما في قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ))
عباد الله وإذا كان بين أيدينا نحن المسلمين هذه النصوص القرآنية مضافا إليها قول النبي صلى الله عليه وسلم : كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ )) أخرجه مسلم وحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ، عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ))
عباد الله تتعرض البلاد الإسلامية لحرب من نوع جديد وهو إغراق البلاد بالمخدرات والمنبهات والمفترات التي تُدمر الصحة والأسرة والمجتمع وتُضعف الإنتاج وتُفقد العقول وتُؤثر في حياة الأفراد والأمم , حيث ان قوة الأمة بقوة أفرادها فإذا ساءت حالة الأفراد ساءت حالة الأمة .
عباد الله لقد سقط الكثير من أبناء الأمة وبخاصة الشباب تحت تأثير تلك السموم البيضاء بصورة مخيفة تُنْذِر بالخطر وتُهدد الأمة .
إن استعمال الشباب للمخدرات يؤدي إلى أضرار صحية كبيرة , ويُؤدي إلى أضرار نفسية حيث أن المتعاطي للمخدرات ممكن أن يفقد كرامته .
واستعمال المخدرات يُميت الغيرة والنخوة . ويؤدي الى سفك الدماء وهتك الأعراض .
ولو في المخدرات والدخان خير لما صدّروه إلينا .
عباد الله إن وراء تلك السموم الفتاكة أعداءً من خارج البلاد أو من الداخل يعملون على قتل الشباب وتحطيم الشباب وجعلهم يستمرون في هاوية الانحراف والدمار والضياع .
عباد الله وأذكر لكم بعض أسباب الوقوع في المخدرات : ولعل من أهم أسباب انتشار المخدرات هو الجهل بأضرارها، والفقر الشديد، وانتشار البطالة بين الشباب الذين هم الهدف الأول لعصابات تجار المخدرات، إضافة للظروف المعيشية الصعبة، كما في ذلك المسلسلات والأفلام السينمائية الهابطة، التي تروجها القنوات التلفزيونية التي تدفع المراهق للتقليد الأعمى في سن المراهقة ولا شك أن تجار المخدرات يسعون بكل الوسائل غير الأخلاقية للإيقاع بأكبر شريحة ممكنة ليصبحوا فيما بعد وسائل بأيديهم أو زبائن لهم، وينبغي ألا ننسى أن هناك منظمات تسعى إلى نشر الرذيلة والمخدرات بين الشعوب لأهداف سياسية أو ثقافية أو اقتصادية.
وتتفق الدراسات التي تناولت مدمني المخدرات على أن المشاكل الأسرية والخلاف بين الأزواج كثيرا ما تدفع بأفراد الأسرة إلى اللجوء إلى المخدرات هربا من الواقع المؤلم الذي يعيشونه ولا يستطيعون مواجهته، كما أن سوء معاملة الأولاد وتدليلهم وتلبية كل مطالبهم وضعف الرقابة عليهم له أثر كبير في لجوء الشباب للمخدرات، ولا شك أن ضعف الوازع الديني وقرناء السوء له دور كبير في تعاطي وترويج المخدرات.
أيها المؤمنون :إن مآسي وضحايا المخدرات التي نسمع عنها ونشاهدها في شوارعنا كل يوم ما هي إلا إنذار للآباء والأبناء حتى يفتحوا عيونهم ويحذروا مما يحاط بهم وعلى الآباء أن يحصنوا أنفسهم وأبنائهم وبناتهم ومن تحت أيديهم من جميع المخاطر .
عباد الله واستجيبوا لنداء ربكم القائل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ))
2/ الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لطاعته فاستعملوا عقولهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة وأشهد أن لا إله إلا الله حرَّم الاعتداء على العقل وعاقب على ذلك أشد العقوبات وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فيا أيها المؤمنون / ومن العلاج لهذه الآفة الخطيرة حث الأبناء من البنين والبنات على الصلوات الخمس وحضور حلقات الذكر وتنشئتهم على الأخلاق الحميدة, واختيار الصحبة الصالحة لهم وكذلك متابعة الأبناء ومعرفة أصدقائهم، وعدم السماح لهم بالسهر لأوقات متأخرة من الليل، وتجنيب الأبناء المشاكل الأسرية. وتجنبوا إعطاءهم أموالاً فوق حاجتهم، لأن الترف وكثرة المال الزائد يؤدي بالشاب الذي لا يعرف خوف الله ولا يصلي إلى الانحراف والعياذ بالله.

عباد الله ومن علمتم من أبنائكم أو من تحت أيديكم أنه ابتلي بآفة المخدرات فعليكم المبادرة بعلاجه في مستشفيات الأمل واستشارة من يوثق فيه في ذلك .
فاتقوا الله عباد الله وكونوا ممن قال الله فيهم((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)).
أسأل الله بمنه وكرمه أن يحمي شبابنا وفتياتنا من هذه السموم القاتلة وأن يوفق رجال الأمن للقبض على أيدي المجرمين العابثين الذين يريدون بهذه البلاد شراً.
اللهم من تابع هذه السموم ودل على أصحابها ووقف في طريقها وسَهَرَ لِتَخْلِيص المجتمع منها من رجال الأمن وغيرهم اللهم أَعِنْهُ وسَدِّدْه ووفِّقْه لكلِّ خير واحفظه في نفسه وماله وولده وارزقه الصحة والعافية
المشاهدات 2336 | التعليقات 0