خطبة: التّحذيرُ من الرّشوة.
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: التّحذيرُ من الرّشوة.
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
عندما يَضعُفُ الدّينُ في القلوب، ويَزولُ منها مراقبةُ علّامِ الغيوب، تَضيعُ الأمانةُ وتَتَعطّلُ المصالح، وتَنتشرُ التعاملاتُ الرّذيلةُ والأخلاقُ الذّميمة، ومنها التّعاملُ بالرّشوة، وهي أَخْذُ مالٍ لمصلحةٍ خاصّةٍ على عملٍ وظيفيٍّ بغيرِ حقّ، فإنّ الرّشوةَ داءٌ فتّاكٌ وخلقٌ ذميمٌ وسلوكٌ خطير، متى ما فَشَا في أمّةٍ فإنّه مُؤْذِنٌ بضعفِها وهلاكِها، فإنّها فسادٌ وضلال، وغشٌّ للمسلمينَ وخيانةٌ للأمانةِ وإضاعةٌ للحقوق، ولذا جاءَ التّحذيرُ مِن الرّشوةِ في شرعِنا الحكيم، فَقَدْ حَرَّمَ الْإِسْلَامُ طَلَبَهَا وَبَذْلَهَا وَقَبُولَهَا، وَجَعَلَهَا مِنَ السُّحْتِ الْحَرَامِ، وَمِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ، وَهِي حَرَامٌ عَلَى السّاعي والآخِذِ وَالمُعْطِي؛ فَقَدْ تَوَعَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَعَاطِيَ لِلرِّشْوَةِ وَالْمُتَعَامِلَ بِهَا بِالطَّرْدِ وَالْإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ، فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ. وقالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ. وهي حرامٌ مهما تَعَدَّدَتْ صورُها أو تَغَيَّرَتْ أسماؤُها، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ما بَالُ العاملِ نَبْعَثُه فيجيءُ فيقول: هذا لكم وهذا أُهْدِيَ إِلَيّ، ألا جلسَ في بيتِ أمِّه أو أبيه فيَنظرَ أَيُهدى له أم لا؟ ثمّ قالَ: فَوالَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَغُلُّ أحَدُكُمْ مِنْها شيئًا إلَّا جاءَ به يَومَ القِيامَةِ يَحْمِلُهُ علَى عُنُقِهِ؛ إنْ كانَ بَعِيرًا جاءَ به له رُغاءٌ، وإنْ كانَتْ بَقَرَةً جاءَ بها لها خُوارٌ، وإنْ كانَتْ شاةً جاءَ بها تَيْعَرُ، فقَدْ بَلَّغْتُ. فعلى المسلمِ أنْ يَحذرَ مِن التّعاملِ بالرّشوةِ والتّساهلِ في أكلِ المالِ الحرام، ولْيَحذرْ مِن تَزيينِ الشّيطانِ فيأكلَ الحرامَ ويُطعمَ أهلَه الحرام، فتُنزعُ منهم بركتُهم ولا تُستجابُ دعوتُهم ولا يُرفعُ عملُهم، فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، واحرصوا على أكلِ الحلالِ واجتنابِ الحرام، والبعدِ عن كلِّ ما فيه شبهةٌ مِن الحرام، وجاهدوا أنفسَكم على ذلك، فإنّ الأمرَ عسيرٌ إلا على مَن يَسّرَه اللهُ عليه، ولذا شَقَّ الورعُ عن فتنةِ المالِ وتَحَرِّي الحلالِ حتّى على كثيرٍ مِن الصّالحين، قالَ الحسنُ البصريُّ رحمَه الله: طَلَبُ الحلالِ أشدُّ مِن لقاءِ الزّحف. وكانَ عمرُ رضيَ اللهُ عنه يَقول: لا يُعجبَنَّكم مِن الرَّجُلِ طَنْطَنَتُه - يَعني: صلاتُه - ولكنْ مَنْ أدَّى الأمانة، وكفَّ عن أعراضِ النّاسِ فهو الرَّجُل. وكَتَبَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِالعِلْمِ كُلِّهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ العِلْمَ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْقَى اللهَ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ، خَمِيصَ البَطْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ، لازِمًا لِأَمْرِ جَمَاعَتِهِمْ، فَافْعَل. اللهمّ طَهّرْ أموالَنا وأجسادَنا مِن الحرام، واجعلْنا ممّن يَأكلُ الحلالَ ويُطعمُ أهلَه الحلال، اللهمّ اكْفِنا بحلالِك عن حرامِك، وأغْنِنا بفضلِك عمّن سواك، يا ربَّ العالمين.
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 29/ 10/ 1444هـ