خطبة : التحذير من التفرق والاختلاف (أحداث القديح)

عايد القزلان التميمي
1436/08/10 - 2015/05/28 14:54PM
الحمد لله الواحد الأحد، الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفُواً أحد، ونشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله، ولا شيء بعده، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، واكلأنا بعنايتك في الليل والنهار، ونشهد أن قائدنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله، إمام العادلين وقدوة العاملين القائل: ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ)) ، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم واقتفى أثرهم وسار على دربهم واستن سنتهم بإحسان إلى يوم الدين. أمّا بعد: فاتَّقوا الله عبادَ الله حقَّ التقوى، فمن اتَّقى ربَّه رشَد، ومن أعرضَ عن مولاه عاش في كمَد .
أيُّها المؤمنون، إنَّ اجتماع الكلمة وَوِحْدَةِ الصَّفِّ من الأمور المُهَمة التي حثَّ عليها الدين، وأَمَرَت بها الأدلة من كِتَاب الله عز وجل ومن سُنَّة نبيه ، يقول تبارك وتعالى آمراً عِبَاده المُسلمين: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَوقال تعالى -: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
عباد الله : لا يخفى على كل عاقل أن دين الإسلام, دين اجتماع وينبذ التفرق والاختلاف ,وان الاختلاف من وظائف الشيطان الرجيم ومن وظائف أعداء الدين الإسلامي , كما ذكر سبحانه وتعالى بقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً).
وهذا ما سعى ويسعى له أعداء هذه البلاد المباركة ,من نشر التفرق بين أبناءه بقصد زرع الطائفية المقيتة, حتى تكون أمور لا تحمد عقباها, كما شاهدنا وسمعنا يوم الجمعة الماضية ماحصل في بلدةالقديح في المنطقة الشرقية ,من تفجير في أحد المساجد مات فيه أبرياء ليس لهم ذنب سوى تنفيذ مخططات خبيثة , ضد مصلحة الدين والوطن والمواطن , هذا التفجير الإجرامي الذي قام به احد عناصر تنظيم داعش الخارجي المدعوم من إيران المجوسية ,القصد منه تسييس المواطن , وجعله ناراً ضد ولاة أمره وقنبلة موقوتة حتى تصبح لعبة في يد الأعداء من مجوس وغيرهم.
عباد الله : إن المواطن الفطن يعلم علم اليقين أن المستهدف الأول والأخير هو , من تنفيذ هذه العمليات الإجرامية الإرهابية , لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش في بلد غير آمن , فالأعداء حسدونا في بلادنا على نعمة الأمن التي هي مفقودة في بلادهم , وهي منة من الله وتفضلا وكرما , ثم بفضل القائمين على أمن هذا البلد من ولاة أمر ورجال أمن حفظهم الله ورعاهم وسدد بالحق خطاهم .
فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ يُفَرِّقُ بَيْنَ أُمَّتِي فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ .
هذا في حق المسلم الذي من أبناء الوطن فكيف بالأعداء الذين هم من خارج بلادنا .
عباد الله وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة, فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) وفي قوله تعالى (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) قال, أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة.
ففي الاتحاد بين أبناء الوطن قوة وهيبة , وفي التفرق وهن وضعف ,وعلينا جميعا الحذر من أعداء الوطن والدين ,والاعتماد على الله جل في علاه , والالتفاف حول ولاة الأمر والقيادة والعلماء الناصحين والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق والتسديد , والدعاء لرجال الأمن بالحفظ والتسديد والتأييد .
عباد الله : إن المنطقة العربية تمر حالياً بمرحلة هي الأخطر في تاريخها حيث احترقت منها دول عربية بشكل شبه كامل، بينما تئن دول أخرى تحت وطأة الدسائس والمؤامرات والأحقاد. هذا هو واقع الصورة القاتمة التي تحيط بنا من كل جانب والتي تستلزم منا التوحد على قلب رجل واحد ضد كل من يحاول استنساخ تلك التجارب القبيحة التي استغلت نيران الفتنة والتناحر في دول عربية عديدة أفقدتها لذَّة الأمن والأمان ودمَّرت اقتصادها وبُنيتها التحتية وحوّلت تلك البلاد إلى خراب شامل.
نعم نحن في ظل كل هذه الفتن والحرائق التي تحيط بنا يجب علينا أن نتصدى للمرجفين.
والمرجفون هم قوم من المسلمين ينطقون بالأخبار الكاذبة حباً للفتنة وتهييج الناس ونشر الاضطراب والبلبلة بينهم, والمرجفون موجودون منذ زمن الرسول عليه الصلاة والسلام وكانوا يخبرون المؤمنين بما يَسُوؤهم من عَدوِهِم، وقال تعالى عنهم: ((لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ))
عباد الله : يجب أن تعلموا علم اليقين، وأنا أشدد على ذلك أنه بيد أعدائنا ورقة رابحة، وأرجو أن تكون وحيدة هي إثارة الفتن الطائفية، ونحن بوعينا، وعمق إدراكنا، وإخلاصنا، وحرصنا على سلامتنا، وحرصنا على أن ننتصر على عدونا يمكن أن نسقط هذه الورقة الرابحة الوحيدة من أيدي أعدائنا، الورقة إثارة الفتن الطائفية ، فلذلك أيها الإخوة الكرام ، نحن في أمسّ الحاجة إلى التعاون، إلى أن نسقط من أيدي أعدائنا هذه الورقة .
عباد الله يجب علينا عدم الاستجابة أو السماع لدعاة الفرقة أو لأصحاب الشائعات المغرضة
التي من شأنها تفتيت أواصر هذا الوطن وروابطه العقائدية والاجتماعية ٠
وكذلك الحذر من الترويج للأفكار الرجعية التي تعود بالأمة والوطن إلى الوراء
وأن ديننا يأمرنا وجوبًا بالتماسك والاتحاد ويُحذر من التفرق والاختلاف
فقال تعالى : (( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))
أقول ما قد سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية : الحمد لله، الذي أمر بالاعتصام بحبله، ونهى عن التفرق والاختلاف: { ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم }، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: { يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم }، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم والقلب السليم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ المُنْجَزَاتِ، وأَعْظَمِ المُكْتَسَباتِ، الأَمْنَ وَالسَّلاَمَ، وَالوحْدَةَ والوِئَامَ، فَوَحْدَةُ الصَّفِّ أمرنا بها ديننا الإسلامي ، ولأَجْلِهَا فُرِضَتِ الفَرَائِضُ وشُرِعَتِ الأَحكَامُ، وتَدَبَّروا فِي مَعَانِي أَركَانِ الإِسْلاَمِ الخَمْسَةِ تَجِدُوا فِيَها زَاداً لِلإِتِلاَفِ، وعلاجاً مِنَ الفُرقَةِ وَالخِلاَفِ، وَإِنَّ مِنَ الوَفَاءِ لِلوَطَنِ الوقُوفَ بِحَزْمٍ وَصَرَامَةٍ فِي وَجْهِ الأَفْكَارِ الدَّخِيلَةِ ومُرَوِّجِيها،
عباد الله : إن َزَعْزَعَةَ وحْدَةِ المُجتَمَعات، مِنْ خِيَانَةِ الأَمَانَةِ وَالإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ، تَوَعَّدَ اللهُ عَلَيْها أَلِيمَ العَذَابِ، وَأَعَدَّ لِمُرتَكِبِيها شَدِيدَ العِقَابِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ((إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) .
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وحَافِظُوا عَلَى لُحْمَةِ بِنَائِكُمْ وبلادكم وَوَحْدَةِ صَفِّكُم، وشَمِّرُوا سَوَاعِدَكُم فِي الرُّقِيِّ بِوَطَنِكُم ونشر دينكم، وابْذُلُوا لَهُ طَاقَاتِكُمْ، يُبَارِكِ اللهُ في سَعْيِكُمْ وأَعْمَارِكُم.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ،
المشاهدات 3169 | التعليقات 0