(خطبة) التحذير من إتيان السحرة والكهان

خالد الشايع
1440/08/13 - 2019/04/18 17:53PM
               
التحذير من إتيان السحرة والكهان      15/8/1440
أما بعد معاشر المسلمين :
إن الله خلق الخير ورغب الناس وحثهم على فعله ، ورتب الجزاء الوافر لمن فعله ابتغاء مرضاة ربه ، وخلق الشر ابتلاء ومحنة، ليتبين الصادقُ المتقي من الكاذب الردي ، وليتبين المتوكلُ على الله ممن استهوته الشياطين فصدته عن الهدى وشغلته بالدنيا عن الدين .
معاشر الأحبة : لما وقع كثير من الناس في الشهوات ، ودخلت الدنيا في قلوبهم ، غفَلَ كثير منهم عن ذكر ربه ، ووقع في المحرمات ، وقاده الشيطان إلى مهاوي الردى بل إن الشياطين قد أجلبت عليهم بخيلها ورجلها ، فَهِيَ في كل غي تقودهم ، وتلبس عليهم دينهم ، فعاد كثير منهم كما كان الناس في حالهم مع الجن في الجاهلية ، كما قال جل وعلا : } وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُون بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} ، وإن من أحوال الجاهليين التي وقع فيها الناس في هذه الأزمان للأسف ، إتيان الكهان والسحرة ، أيا كان الغرض من إتيانهم .
فالواحد منهم إذا أصابه مكروه ، من مرض أو صُرفَ عن زوجته أو فقدَ مالا أو غير ذلك ، مع ضعف اليقين والإيمان ، فزع إليهم ونسي بل تناسى الحكمَ الشرعي في ذلك ، فياليت شعري أما علم أنه بدخوله على الساحر والكاهن ،كفر بما أنزل على محمد إن صدقه ، فبأي عيش يفرح وقد سُلِبَ دينَه وعِزَهُ، والله المستعان .
أخرج البخاري ومسلم من حديث عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَتْ سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ ).
ففي هذا الحديث بيانٌ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم  أنهم ليسوا بشيء والمعنى أنهم لا يملكون شيئا ، ولا يقدمون شيئا من قدر الله ولا يؤخرونه بل هم فتنة للناس كما قال جل وعلا : ( وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)
فبين المولى جل وعلا في هذه الآية عدةَ أحكام منها :
أن تعليمَ السحر كفر ، وأن تعلُمَه كفر كذلك ، وأن السحرةَ فتنةٌ للناس ،و أن متعلمَ السحر ومتعاطيه ، يتعلم ويتعاطى ما يضره ولا ينفعه ، وأن السحرةَ وغيرَهم لا يضرون أحدا من الناس إلا بإذن الله ، وأن متعلمَه ومتعاطيَه ليس له عند الله يوم القيامة من خلاق .
فما أعظم التحذير لو كانوا يعقلون ، ولكن لما استخفتهم الشياطين من الجن والإنس ، اصبح العبد يظن أن كل شيء أصابه هو من السحر أو من العين ، حتى تسورتهم الشياطين فقادتهم إلى تلك الكفريات وهم يتعامون عن الحق ، وكأنهم خالدون في هذه الدنيا ، أما علموا أن الساحرَ قد حكم عليه المولى بعدم الفلاح في أي طريق سلك فقال جل وعلا ( ولا يفلح الساحر حيث أتي ) ، وأخبر سبحانه أن عملهم باطل : (  قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) فيا سبحان الله كيف يُذهبُ بعقولِ بعض الخلق ، وإن مما حداني إلى هذه الخطبة كثرةُ ما أسمع من البعض أن الكثيرين يسافرون إلى دول عربية لعمل السحر أو فكه ، والبعض يتعاطاه في هذه البلاد ، والله المستعان.
 عباد الله : إن السحر كفر ، والساحرَ كافرٌ ، فمما ورد من الأحاديث المحذرة من السحر وأهلِه ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر ..) الحديث
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم  أنه قال ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) والمقصود أنه أتاه فسأله عن شىء مما وقع في الماضي .
وأخرج الإمام أحمد وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) والمعنى سأله عن أمور مما تقعُ في  المستقبل .
وأخرج أبو داود وغيره من حديث   ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ ) .
وأخرج الترمذي وغيره من حديث جندب رضى الله عنه مرفوعا والصحيح وقفه (  حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ  ) .قال الترمذي والعمل عليه عند أهل العلم .
وأخرج أبو داود وغيره من حديث بَجالة قال : ( قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمِ الأحنفِ بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة اقتلوا كل ساحر وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة فقتلنا في يوم ثلاثَ سواحر وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله ).
وأخرج البيهقي وغيره من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن حفصة رضي الله عنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها ) .
وأخرج أبو داود وغيره من حديث  جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال : (هي من عمل الشيطان).
والنشرة هي حل السحر بسحر مثله .
قال الذهبي رحمه الله : ( الساحر لا بد أن يكفر إذ ليس للشيطان الملعونِ غرضٌ في تعليم الإنسان  السحر إلا الإشراكَ بالله وترى كثيرا من الضُّلال  يدخلون في السحر ويظنونه حراما فقط ، وما يشعرون أنه الكفر ) .أهـ
وأخرج البزار في مسنده من حديث عن ابن عباس وعمران بن الحصين رضي الله عنهم مرفوعا : ( ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ).
اللهم اجعلنا ممن توكل عليك فكفيته واستهداك فهديته ، أقول قولي هذا ....
                                        الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : قد يتساءل البعض عن سبب كون تعاطي السحر كفرا ،  فأولا كما تقدم أن الساحر يتعلم ذلك من الشياطين ، وأن الشياطين لا تعلمه ذلك حتى يكفر بالله صراحة أو بفعل عمل كفري كإهانة المصحف ، برميه في الزبالات أو الجلوس عليه او البقاء على الجنابة دائما بلا اغتسال ثم عند كل عمل يستعين بالجن والشياطين .
وأما وجه كون الآتي إليه كافرا فهو أن الآتي إليه يقصِدُه مع علمه أنه كافر ويقره على استخدام الشياطين والتقربِ إليهم ، ويصدقه فيما يدعيه من علم الغيب .
قال ابن القيم رحمه الله : وكلما كان كفر الساحر أكبر كلما كان سحره أقوى وأعظم .أهـ
عباد الله : لقد قدر الله على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن سحرته اليهود ، وذلك ليتبين للناس كيف يتصرفون عند وقوع السحرِ ونحوِه ، فما كان حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ لقد كان ملتجأ إلى الله يدعوه ويطلب الشفاء منه ، ولقد كان سحرهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم  في الظاهر ولم يستطيعوا أن يسحروه في الباطن ، فلقد كان يبلغ وحي الله وشريعته كما هي إلا أنه كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء ولا يصنعه ، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ عِنْدِي لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ فَقَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ مَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ قَالَ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَالَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ قَالَ وَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا اسْتَخْرَجْتَهُ قَالَ قَدْ عَافَانِي اللَّهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ  ).
فقد كان حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم  أنه يدعو ربه بالشفاء ويرقي نفسه بالتعاويذ الشرعية كالمعوذتين وغيرها من الأذكار ، حتى شفاه الله ، فمن ابتلى بشيء من السحر فليصنع مثل ذلك ، وإن علم مكان السحر فله إخراجُه وحله أو حرقه ، فإنه من طرق إزالة السحر المشروعة ، ولا بأس أن يستعين بإخوانه المسلمين من القراء الموثوقين ونحوهم ، وإياك أن تذهب إلى من لا تعرف صدقه ودينه . 
ولذا كان لزاما على كل مسلم أن يتقيَ الله عز وجل وأن يتوكلَ على الله في جميع أموره وأن لا يسمع إلى ما ينشره المبطلون من قولهم لا يستطيع حلَ السحر إلا ساحر فما سمعتَ من حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم  يكذب ذلك وكذا الواقع يكذبه .
عباد الله : من زلّت قدمه ووقع في الذهاب إلى هؤلاء الدجاجلة فليسرع بالتوبة إلى الله ، وليكثر من الأعمال الصالحات خصوصا التي رتب الشارع جزاءها مغفرةَ الذنوب كالحج والعمرة ، وكثرةِ الذكر ونحوِها من العبادات فإنه قد أتى جرما شنيعا وإثما عظيما والعياذ بالله .
وعلينا جميعا أن نحافظ على الأوراد الشرعية التي كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم  يحافظ عليها في الصباح والمساء ، وأن نكثر من قراءة القرآن وحفظه ، خصوصا سورة البقرة التي أخبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم  أن حفظها بركة وأن السحرة لا يستطيعونها كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرةََ وسورةَ آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فِرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركةٌ وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة قال معاوية بلغني أن البطلة: هم السحرة ).
ولنعلم أن من توكل على الله كفاه ومن توكل على غيره وكله إليه .
اللهم اجعلنا ممن توكل عليك فكفيته واستهداك فهديته واستنصرك فنصرته يارب العالمين
اللهم أعذنا من شر الأشرار وكيد الفجار وعذاب النار
اللهم عليك بالسحرة والمشعوذين اللهم رد كيدهم في نحورهم واكف المسلمين شرورهم .
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر .. اللهم أنج المستضعفين ... سبحان ربك  العزة ......
 
المشاهدات 2214 | التعليقات 0