خطبة : الانترنت سلاح ذو حدين

عايد القزلان التميمي
1436/08/18 - 2015/06/05 02:43AM
الانترنت سلاح ذو حدّين

أما بعد فيا عباد الله :
فكم نسمع من حين إلى آخر ما توصل إليه بعض البشر من حقائق علمية هائلة يعقبها مخترعات تخدم البشرية جمعاء وتختصر عليهم أوقاتهم وتوفر لهم كثيرًا من جهودهم البدنية والمالية والذهنية،
ومن أعظم الأمور اكتشافًا في مجال الاتصال والمعلومات ما يسمى بشبكة المعلومات أو بالشبكة العنكبوتية؛ ولقد أحسن من وصفها بأنها نافذة على العالم كله، وهذا داخل تحت قوله تعالى: ((وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً )) وقال سبحانه: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ويتقارب الزمان" وفي رواية "ويقترب الزمان ويكثر الهرج، قيل وما الهرج، قال: القتل". [رواه الإمام أحمد].
عباد الله : وما نعيشه اليوم من انفتاحٍ عالمي وثورةٍ معلوماتية وتقنياتٍ حديثةٍ هي سلاحٌ ذو حدّين، بحسب ما يُبث فيها وينشر من خلالها، فإن سُخِّرت لنشر الخير وتثبيت العقيدة الصحيحة، وتدعيم الأخلاق الفاضلة والقيم العليا كانت وسيلةً عظيمة في الإصلاح والبناء، وإن سُخرت لضد ذلك كانت شرا مستطيرا وبلاء خطيرا، يهدم الدين، ويحطّم الأخلاق، ويُثبط العزائم والهمم، ويضيّع الأعمار فيما يضر في الدنيا والآخرة.

عباد الله، لقد أصبحت هذه النعمةُ نقمةً عند كثيرٍ من مستخدمي هذه التقنية وشبكات الإنترنت في بلادنا, بل أصبحت في كثير من بيوتنا خطرًا ومصيدة لشبابنا، وصار في بيوتنا وبين أيدينا وأيدي شبابنا عدو لنا يتربص بنا من حيث لا نشعر ليهدم ديننا وأخلاقنا.
لقد تحولت شبكةُ الإنترنت إلى ساحةٍ لمعركة كبيرة تستهدف أجيال هذه الأمة، فتحولت من شبكة لخدمة العلم والعلماء والباحثين إلى شبكة لتجارة الجنس والترويج للإباحية ونشر المواد المخالفة للآداب واختلاس الأموال وتدمير العقول ، ونحن لا ننكر فوائد هذه الشبكة إذا استخدمت للعلم والفائدة, ولكن للأسف أن معظم شبابنا وفتياتنا يستخدمونها في الشر والفساد، فكثيرٌ من المواقع على شبكة الإنترنت أصبحت تروِّج للفساد الأخلاقي ، وأصبحت تزحف علينا بشرٍ وبلاءٍ متزايدٍ يومًا بعد يوم، حتى وصل الأمر إلى تشكيك شبابنا في عقيدتهم بعرض الفرق المنحرفة, لمحاربة الإسلام ، وتشويه حقائقه، والتلبيس على المسلمين وتشكيكهم في دينهم، وزعزعة الإيمان بنشر الشبهات للتشكيك في المبادئ والقيم، والإساءة إلى الدين والقرآن والرسول ، فدخل من خلالها الشيطانُ وأعوانهُ إلى هؤلاء الشباب والفتيات وأوقعوهم في الفاحشة, وإذا كان بعضُ الكبار ينحرفُ أثناء استعماله لها فما بالك بالشباب والصغار ودافع الشهوة القوية لديهم؟! وما وقع من وقع من شبابنا في فتنة التكفير والتفجير وانتشار كثيرٍ من الفساد في المجتمع إلا بسبب هذه الشبكة التي فتكت بالعقول والأفكار وقضت على كثيرٍ من الأخلاق والقيم .
حتى صار بعض أبناء الإسلام عبر تلك المواقع المحرمة دعاةُ بلاءٍ وفسادٍ وهدمٍ في المجتمع، يهدفون إلى نشر الرذيلة وإشاعة الفاحشة، مُعرِضين عن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.
عباد الله، إن شبكة الإنترنت تعرِّض كثيرًا من أبنائنا لمخاطرَ جسيمةٍ وضياعٍ عظيم، وبعضُ الآباء يستخف بالأخطار التي قد يُمثلها الإنترنت، فيتركون لأبنائهم وفتياتهم المراهقين الحرية التامة مع عدم وعي بخطر مثل هذه الآلات، ويطلقون لهم العِنان بلا حسيب ولا رقيب، فتربى ونشأ على ذلك الأبناء، يسهرون على تلك المواقع المحرمة الليالي والأيام، ينظرون ما شاؤوا كيف شاؤوا، حتى قضت على مروءتهم وأخلاقهم، وأضاعت تلك الشبكة بحياة بعض الفتيات، وهدَمَ مستقبلها، وقضى على حياتها عبر دخول تلك المواقع المشبوهة والاتصالات المحرمة، فبدلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار، واستعملوا ما وهبهم الله من هذه الأعضاء الكريمة في الشر والفساد وهدم الدين والأخلاق، ولا يدركُ كثيرٌ من الآباء بعد ذلك حجم خطورتها إلا بعد فوات الأوان.
أيها المسلمون، وقد بلغ الحال ببعض الناس أنه تعلق بتلك الشبكة تعلقًا تامًا وملكت عليه نفسه ووقته حتى بلغ الأمر بهم إلى حد الإدمان والانقطاع الكامل في مقابلة تلك الشبكة والتنقل بين مواقعها فأصبح أسيرًا لها لا يستطيع الانفكاك عنها ولا التخلص من براثنها، مما أثر على أدائهم الوظيفي والمدرسي ، فاعلم -يا عبدالله- أنك ستسأل عن عمرك وشبابك ومالك كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لَا تَزُولُ قَدَمَاعَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ
عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَأَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ )) صححه الألباني

اللهم اكفنا شر أنفسنا وشر شياطين الإنس والجن .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ....

2/ الحمد لله العليم الخبير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله:
حريٌ بمن كان له قلب وعقل وإيمان أن يحسن التعامل مع شبكة الإنترنت ويحذر من وساوس الشيطان وخطواته: وصدق الله تعالى إذ يقول [وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ]،
عباد الله:
ومما يعين المسلم على النجاة من فتنة شاشات الإنترنت لزوم رقابة الله تعالى: فمن أعظم الزواجر التي تعين المسلم على التعامل مع شاشات الإنترنت وغيرها هو تقوي الله ومراقبته والإيمان الصادق بأنه يعلم السر وأخفى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) وأنه سوف يحاسبه عن كل صغيرة وكبيرة، فيكون ذلك داعياً له في عدم الوقوع فيما حرم الله، وعوناً له على فعل كل خير.
وأخيراً: فإن "الإنترنت" - كالوسائل الإعلامية الأخرى - سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون مفيداً جداً، إذا عرفنا كيف نستغله أحسن استغلال، وهو في نفس الوقت أداة تخريب للنفوس والأرواح عن طريق المواقع الفاسدة والمفسِدة، وبشيء من المتابعة، وبشيء من التوجيه والإرشاد والتوضيح، يمكن أن نستفيد من خيرات هذه الوسيلة، ونحفظ أبناءنا من شرورها. والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحفظ المسلمين من كل شر، وأن يوفقهم لكل خير، وأن يأخذ بأيدي شبابنا وبناتنا إلى الحق، وأن يمكر بمن يكيد بهم.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك ....
المرفقات

خطبة الانترنت سلاح ذو حدّين.docx

خطبة الانترنت سلاح ذو حدّين.docx

المشاهدات 3532 | التعليقات 0