خطبة الاستسقاء
عبدالرحمن سليمان المصري
خطبة الاستسقاء
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، الحمدُ لله مغيثِ اللهفات، ومُنزِلِ البركات، وواهبِ الخيرات، وفارج الكرُبات ، سبحانَ علام الغيوب، وفارجِ الكروب، وكاشف الخطوب، وغافِر الذنوب، وساتِر العيوب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ نبيّنا محمّداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله : اتقوا الله تبارك وتعالى وأطيعوه ، وتوبوا إليه واستغفروه ، واعلموا أن الخلق فقراءُ إلى اللَّه، لا غنى لهم عنه طرفة عين ، يلجئون إليه في الشِّدَّة والرَّخاء ، سبحانه نجَّا ذا النُّونِ عليه السلام من بطن الحوت ولُجَجِ البحار ، ورَحِم أيُّوبَ عليه السلام فكَشف عنه الضُّرَّ ، وردَّ الله عليه أهلَه ومالَه ﴿ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ﴾ واستغاث به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في غزوة بدرٍ فاستجاب له، ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾.
سبحانه مستوٍ على عرشه ، كَوَّن الأكوان ودبَّر الأزمان ، وأغشى اللَّيل على النَّهار، مَلِكٌ عظيمٌ يقول للشَّيء: ﴿كُن فَيَكُونُ﴾، صمدٌ قهَّار، إذا تكلَّم بالوحي أخذت السمواتُ منه رعدةٌ ورجفةٌ شديدة ، فَرَقاً من الواحد الأحد.
عباد الله : إن الله عز وجل يوالي نعمه على عباده لتكون عوناً لهم على طاعته والتقرب إليه ، فإذا فرّطوا واستعانوا بنعمه على معصيته ، غيّر عليهم حالهم .
وقد جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال : " يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ! خِصَالٌ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيْتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِالله أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلَاّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالمِيزَانَ إِلَاّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المؤنة وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لَمْ يُمْطَرُوا " الحديث رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
عباد الله: إنه ما ابتعد الناسُ عن التقوى والإيمان إلا بُلوا بالمصائب والنكبات ، ومنعِ القطرِ من السماء ، قال تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ الجن : 16 ، وما دواء العصيان إلا التوبة ، وما دواء القحط إلا الاستغفار ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رُفع أحدهما وهو رسول الله ﷺ ، وأما الأمان الباقي فالاستغفار ؛ فتمسكوا به .
قال تعالى:﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ الأنفال : 33 .
وإنه مع كل هذا التقصير فعفو الله واسع، عمَّ كل التائبين ، ورحمته وسعت كل شيء، فما ضاق أمر إلا جعل الله منه مخرجاً، ولا عَظُمَ خَطبٌ إلا جعل الله معه فرجاً ، قال تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ البقرة : 186 .
عباد الله: إن ما يبتلي به الله عباده من قلة الغيث ، وما يصيب المواشي والزروع من نقص وأضرار ؛ ليس ذلك من نقص في جود الباري سبحانه وتعالى حاشاه جل وعلا ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ المائدة :64 .
فأحسنوا الظن بربكم ، واحذروا اليأس والقنوط ، واجعلوا الرجاء في مولاكم نصب أعينكم ، ومحط قلوبكم ، فهو الذي أطعم وسقى ، وأغنى وأقنى ، وكفى وآوى ، نعمه سبحانه لا تعد ولا تحصى ، لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه ، هو ربنا و مولانا ، وهو أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ، بيده خزائن السماوات والأرض .
وقد ربط سبحانه في كتابه بين الاستغفار ونزول الغيث ، قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ نوح : 10-12 .
نستغفر الله . نستغفر الله . نستغفر الله ،
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً
اللهمّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين،
اللهمَ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين،
اللهمّ أغِثنا.... اللهمّ أغثنا.... اللهمّ أغثنا ....
اللهمّ أغثنا غيثاً مغيثاً ، هنيئاً مريئاً، سَحًّا غَدَقاً ، طَبقاً واسِعاً مجلِّلاً ، نافِعاً غيرَ ضارّ ، عاجِلاً غير آجل.
اللهمّ سقيا رحمة.... لا سقيا عَذاب ...ولا بلاءٍ ...ولا هدم... ولا غرق.
عبادَ الله: لقد كان من سنّة نبيّكم ﷺ بعدما يستغيث ربّه أن يقلبَ رداءَه ، فاقلبوا أرديَتَكم اقتداءً بهديِه ﷺ ، وتفاؤلاً أن يغير الله حالَكم من الشدّة إلى الرّخاء، ومن القَحط إلى الغيث والنّماء.
سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.