خطبة الاستسقاء (مشكولة - مختصرة)

خطبة الاستسقاء

ألقيت في جامع حمراء الأسد – المدينة المنورة

عبد الله بن عبد الرحمن الرحيلي

الخميس 29/ 3/ 1443

عناصر الخطبة:

1-من آثار الذنوب والمعاصي.

2-وصايا لاستجلاب رحمة الله.

3-عظمة الله وافتقار العباد إليه.

4-دعاء وتضرع واستسقاء.

 

 

 

الْحَمْدُ اللَّهَ مُغِيثِ الْمُسْتَغِيثِينَ، وَمُجِيبِ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ،

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.

تَكْفَّلَ بِأَرْزَاقِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقَهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا، كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]. 

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى نَبيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ يَرَاهُ، وَيَسْمَعُ سِرَّهُ وَنَجْوَاهُ.

 

عِبَادَ اللَّهِ..

إِنَّ مَا يُصِيبُ النَّاسَ مِنْ نَقْصٍ فِي الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ، وَفِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ، وَفِي الزُّرُوعِ وَالْأَشْجَارِ، وَقِلَّةِ الْغَيْثِ وَغَوْرِ الْآبَارِ: سَبَبُهُ الذُّنُوبُ وَالْأَوْزَارُ (وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30]. 

 

الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي تُفْسِدُ عَامِرَ الدِّيَارِ، وَتُوصِلُ إِلَى الْهَلَاكِ وَالْخَسَارِ، شَقَاءٌ فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابٌ فِي النَّارِ.

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

 

عِبَادِ اللَّهِ.. إِنّكُمْ خَرَجْتُمْ تَسْتَسْقُونَ رَبَّكُمْ، فَأَظْهِرُوا الِاضْطِرَارَ وَالْحَاجَةَ، وَالْفَقْرَ وَالْمَسْكَنَةَ، وَاصْدُقُوا فِي التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ،

فَمَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ.

 

حَافَظُوا عَلَى الْجَمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَاسْتَكْثِرُوا مِنْ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ.

رُدُّوا الْمَظَالِمَ، وَاتَّقُوا الْمَحَارِمَ، وَتُوبُوا مِنْ الْمَآثِمِ، مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَأَدُّوْا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَحْسِنُوا تَرْبِيَةَ أَولادِكُم.

 

وَاحْذَرُوا التَّبَاغُضَ وَالسِّبَابَ وَالشَّحْنَاءَ، وَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ.

وَاجْتَنِبُوا الْغِشَّ وَالْخِدَاعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَاتِّبَاعَ الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ، وَحَاذَرُوا اقْتِرَافَ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَتَجَنَّبُوا الْغَيْبَةَ وَالنَّمِيمَةَ وَالْبُهْتَانَ.

وَتُعْطَّفُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ.

 

عِبَادِ اللَّهِ.. لَيْسَ لَنَا إِذَا نَقَصَتِ الْأَمْطَارُ، وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ وَغَارَتْ الْآبَارُ؛ إِلَّاّ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْغَفَّارَ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك:30]

 

لَيْسَ لَنَا رَبٌّ مُغِيثٌ سِوَى اللَّهِ، وَلَا إِلَهَ يُرْجَى إِلَّا إِيَّاهُ؛ هُوَ الَّذِي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَلَا يَخِيِّبُ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ وَرَجَاهُ.

(أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ *  لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) [الواقعة:68-70].

 

سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ، أَطْعَمَ وَأَسْقَى، وَكَفَى وَآوَى، وَأَغْنَى وَأَقْنَى، نِعَمَهُ لَا تُحْصَى، وَإِحْسَانُهُ لَا يُسْتَقْصَى، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَلَا رَافِعَ لِمَا خَفَضَ، وَلَا خَافِضَ لِمَا رَفَعَ.

 

أَمَدَّنَا بِالنَّعَمِ دُونَ اسْتِحْقَاقٍ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا وَافِرَ الْأَرْزَاقِ، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [النحل:18]

يَمِينُهُ مَلْأَى، لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، (أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ).

 

أَبْوَابُ عَطَائِهِ فَتَحَهَا لِخَلْقِهِ؛ فَسَخَّرَ بِحَارًا، وَأَجْرَى أَنْهَارًا، وَأَدَّرَّ أَرْزَاقًا، سَاقَ لِلْخَلْقِ أَرْزَاقَهُمْ؛ فَرَزَقَ النَّمْلَةَ فِي قَرَارِ الْأَرْضِ، وَالطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ، وَالْحِيتَانَ فِي الْمَاءِ.

 

كَرِيمٌ يُحِبُّ الْعَطَاءَ وَالْكَرَمَ، أَوْسَعُ مَنْ أَعْطَى، يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْي أَنْ يَرُدَّ يَدَيْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَهُمَا إِلَيْهِ صِفْرًا.

 

فَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُمْ خَاضِعِينَ، وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ دَاعِينَ مُسْتَغْفِرِينَ؛ فَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ، وَيُصْلِحُ أَحْوَالَ الْعِبَادِ أَجْمَعِينَ.

 

ارْفَعُوا أَكُفَّ الضّرَاعَةِ، وَادْعُوا وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ.

فَرَبُّكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى، وَنِعْمَ الْمُرْتَجَى، هُوَ رَبُّنَا وَمَوْلَانَا، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ.

 

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ.

 

اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا، طَبَقًا مُجَلِّلًاً عَامًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًاً غَيْرَ رَائِثٍ، اللَّهُمَّ تُحْيِي بِهِ الْبِلَادَ، وَتُغِيثُ بِهِ الْعِبَادَ، وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ.

 

اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةً، لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ.

 

اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبِلَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْبَلَاءِ مَا لَا نَشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِّرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، فَلَا تَمْنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضْلَكَ.

 

نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذَنْبَنَا كُلَّهُ؛ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ.

 

اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَآمَنَّا مِنْ الْخَوْفِ، وَلَا تَجْعَلْنَا آيِسِينَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَطْفَالَ الرُّضَّعَ، وَالشُّيُوخَ الرُّكَّعَ، وَالْبَهَائِمَ الرِّتْعِ، وَارْحَمْ الْخَلَائِقَ أَجْمَعِينَ.

 

اللَّهُمَّ وَسِّعْ أَرْزَاقَنَا، وَيَسّرْ أَقْوَاتَنَا.

اللَّهُمَّ اسْقِنَا وَاسْقِ الْمُجْدِبِينَ، وَفَرّجْ عَنَّا وَعَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ، وَمِنْكَ الْإِجَابَةُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، فَلَا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ، أَكْثِرُوا الِاسْتِغْفَارَ وَالدُّعَاءَ، وَتَأَسّوْا بِنَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِقَلْبِ الرِّدَاءِ، تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ، وَنُزُولِ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ.

عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ، فَيُغِيثَ الْقُلُوبَ بِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَالْبَلَدَ بِإِنْزَالِ غَيْثِهِ وَرَحْمَتِهِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

1639215140_خطبة الاستسقاء مشكولة.docx

1639215141_خطبة الاستسقاء مشكولة.pdf

المشاهدات 8150 | التعليقات 0