خطبة الاستسقاء "رحمة الله الواسعة"

عبدالمحسن بن محمد العامر
1444/04/22 - 2022/11/16 22:43PM

الحمدُ للهِ واسعِ الرحمةِ، كاشفِ الكُربةِ ومزيلِ الغُمّةِ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، سبقتْ رحمتُه غضبَه، وحِلْمُه نقمتَه، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه؛ جَعَلَ اللهُ أمّتَه أمّةً مرحومة، وأعطاهُ أنْ لا يُهلِكَهَا بِجَدْبٍ عامٍّ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبِه ومن تبعهم على السنّة واستقام.

أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي ــ عبادَ اللهِ ــ بتقوى اللهِ، فالتقوى خيرُ زادٍ، وأسبغُ لباسٍ، وخيرُ ما يَتَوسَّلُ به العبادُ إلى اللهِ "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"

معاشرَ المؤمنين: لم نجتمعْ في يومِنا ومقامِنا هذا، إلا طمَعاً في رحمةِ اللهِ، ورجاءً في وعْدِه وما عندَه، فرحمة الله عظيمةٌ جليلةٌ، لا نتصورُ عظمتَها وجلالتَها، ولا ندركُ سعتَها وشمولَها، عَنْ أَبِي هُـرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صَلى اللهُ عليه وسلم: "لو يعلمُ المؤمنُ ما عند اللهِ مِنْ العقوبةِ ما طمِعَ في جَنّتِه أحدٌ، ولو يعلمُ الكافرُ ما عندَ اِلله مِنْ الرحمةِ، ما قَنَطَ مِنْ رَحمتِه أحدٌ" رواه مسلم

ومِنْ رحمةِ اللهِ بالعبادِ؛ إنزالُ الغيثِ بعدما يمنعُه عنهم زَمَنَاً، ويُمسكُه دهراً، امتحاناً وابتلاءً، ليسمعَ دعاءَهم، وينظرَ إلى تضرُعِهم، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ" وعن أبي رَزِينٍ قالَ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "ضَحِكَ ربُّنا من قُنُوطِ عبادِهِ وقُرْبِ غِيَرِهِ" قالَ: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَوَ يَضحَكُ الرَّبُّ، قالَ: "نعم" قُلتُ: لَنْ نَعْدَمَ من رَبٍّ يَضحَكُ خيراً) رواه ابن ماجه وحسَّنه ابنُ تيميّةَ والألباني.

عبادَ اللهِ: أبشروا بالخيرِ والعطاءِ مِنَ اللهِ، وأحسنوا الظنَّ به تعالى، ففي الحديثِ القدسيِّ "أنا عندَ ظنِّ عبدي بي" رواه البخاري. واحذروا مِنْ القنوطِ مِنْ رحمة اللهِ فهو ذنبٌ كبيرٌ؛ قال البغويُّ: (القنوطُ مِنْ رحمةِ اللهِ كبيرةٌ، كالأمْنِ مِنْ مَكُرِه) وتفكّروا في سعةِ رحمةِ الله تعالى، التي شَمَلَتْ المسلمَ والكافرَ والبرَّ والفاجرَ، وشَمَلَتْ ما في البرِّ والبحرِ، وشَمَلَتْ الكونَ كلَّه ومافيه.

قالَ اللهُ تعالى: "قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ"

وعن عمرَ بنِ الخطّابِ رضي اللهُ عنه قالَ:"قَدِم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بسبْيٍ، فإذا امرأةٌ من السَّبيِ تسعَى، إذ وَجَدَتْ صبيًّا في السَّبيِ فأخذته وألصقته ببطنِها وأرضعته، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أترون هذه طارحةً ولدَها في النَّارِ؟ قلنا: لا واللهِ، وهي تقدرُ أنْ لا تطرَحَه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللهُ أرحمُ بعبادِه من المرأةِ بولدِها" متفق عليه

وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قالَ: "أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه ثَوْبٌ أبْيَضُ، وهو نَائِمٌ، ثُمَّ أتَيْتُهُ وقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقالَ: ما مِن عَبْدٍ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ علَى ذلكَ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ علَى رَغْمِ أنْفِ أبِي ذَرٍّ وكانَ أبو ذَرٍّ إذَا حَدَّثَ بهذا قالَ: وإنْ رَغِمَ أنْفُ أبِي ذَرٍّ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ، والمعْنى ــ واللهُ أعلم ــ : أنَّ مَن ماتَ على التَّوحيدِ، فإنَّ مَصيرَه إلى الجنَّةِ، وإنِ اقترَفَ الكبائرَ، فإنَّه ينالُه ما ينالُه قبْلَ ذلِك مِن العُقوبةِ، إلَّا أنَّه لا يُخلَّدُ في النَّارِ إن دخَلَها، وهو تحتَ مشيئةِ اللهِ، إن شاءَ عذّبَه وإنْ شاءَ غفرَ له.

اللهمَّ إياكَ نعبُدُ ولكَ نُصلِّي ونَسجُدُ وإليكَ نَسْعَى ونَحْفِدُ نرجو رحمتَكَ ونخشى عذابَكَ إنَّ عذابَكَ بالكافرينَ مُلْحِقٌ اللهمَّ إنَّا نستعينُكَ ونستغفرُكَ ونُثْنِي عليكَ الخيرَ ولا نَكْفُرُكَ ونُؤمنُ بكَ ونخضعُ لكَ ونَخلعُ من يَكْفُرُكَ

نستغفرُ اللهَ الذي لا إله إلا هو ونتوبُ إليه.

اللهم إنا نستغفرك إنّك كنتَ غفارا فأرسل السماءَ علينا مدرارا.

 اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.

اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا، اللهم اسقِنا.

اللهم اسقنا غيثًا مُغيثًا، مريئًا مَريعًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل. اللهم اسقِ عبادَك وبهائمك، وانشُرْ رحمتَك، وأحيِ بلدَك الميت.

اللهم اسقِنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، مريعًا غدَقًا، مجلِّلاً عامًّا، طبقًا سحًّا دائمًا، اللهم اسقِنا الغيث، ولا تجعَلْنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخَلْق من اللأواءِ والجَهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك، اللهم أنبِتْ لنا الزرع، وأدِرَّ لنا الضرع، واسقِنا من بركات السماء، وأنبِتْ لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجَهدَ والجوع والعُرْيَ، واكشف عنا مِن البلاء ما لا يكشفه غيرُك، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفارًا؛ فأرسلِ السماءَ علينا مِدرارًا.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

 

 


 

 

 

المشاهدات 394 | التعليقات 0