خطبة: الاستسقاءُ توبةٌ ونَدَم
وليد بن محمد العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: الاستسقاءُ توبةٌ وندم
الحمدُ للهِ كما أَمَر، وأشكرُه وقد تأذَّنَ بالزّيادةِ لمن شكَر، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له إرضاءً له وإرغامًا لمن جحدَ به وكفَر، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُهُ سيّدُ البشَر، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا. أمّا بعدُ عبادَ الله
المطرُ نعمةٌ من نعمِ اللهِ التي لا غِنَى للعبادِ عنها، ولا يَنزلُ إلا بأمرِ اللهِ وحكمتِه وعلمِه (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ؟) فيصيبُ به سبحانه من يشاءُ ويصرفُه عن مّن يشاء (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ، وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ، إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) فإذا تأخّرَ المطرُ عن إبَّانِه، وأجدبتِ الأرضُ وجفَّتِ العيونُ والآبار، وهلكتِ الماشيةُ والأشجار، فإنّ أهلَ الإيمانِ يحاسبونَ أنفسَهم، ويعترفونَ بذنوبِهم وتقصيرِهم (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) فيفزعونَ للتّوبةِ من ذنوبِهم، ويسارعونَ للرّجوعِ لدينِهم (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ، لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فيستجيبُ لهم ربُّهم، ويُغيثُهم ويَسقيهم، وهو الغنيُّ الحميد (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا، لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) وأمّا إذا لم يَرتدعِ العباد، فقد يَنزِلُ بهم العذاب، ويَهلِكونَ بالجفافِ والسنينَ العجاف، ولا يظلمُ ربُّك أحدًا، في إحدى السنواتِ قَحطتِ السّماء، فطلبَ القومُ من أحدِ الصالحينَ أنْ يَستسقيَ لهم فقال: إنّكم تَستبطئونَ المطرَ وأنا أستبطئُ الحجارة، أي العقوبة، لعلمِه بإقامتِهم على المعاصي والمظالم، فإنّ الاستسقاءَ استغاثةٌ واستغفارٌ وتوبةٌ وإقلاعٌ وندم، وقد يَنزلُ مطرٌ لا بركةَ فيه، ولولا البهائمُ لم يُمطروا، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ليسَتِ السَّنَةُ بأَنْ لا تُمْطَرُوا، ولَكِنِ السَّنَةُ أنْ تُمْطَرُوا وتُمْطَرُوا، ولا تُنْبِتُ الأرْضُ شيئًا. وقد يكونُ نزولُ المطرِ استدراجًا، وقد يكونُ فيه الغرقُ والهلاكُ والدّمار، نسألُ اللهَ العافية. أمّا إذا اتّعظَ العبادُ وتابوا وآمنوا واتّقوا، فإنّ اللهَ تعالى يُمطرُهم ماءً طهورًا مباركًا، يَستبشرونَ به ويَحمدونَ اللهَ عليه، ويَنسِبونَ الفضلَ بنزولِه إليه، ويُكثرونَ أثناءَه من ذكرِ اللهِ وشكرِه والتّفكرِ في آثارِه، فتحيا به الأرضُ ويَنبُتُ الزّرعُ ويَدِرُّ الضّرع، وتَنزلُ معه البركةُ والسكينةُ، ويُستجابُ عندَه الدّعاء، ويكونُ عونًا لهم على طاعةِ ربِّهم، ويُذهبُ عنهم رِجْسَ الشيطانِ ويُثبّتُ به الأقدام، ويُطهّرُهم به من الآثام، ويُنْزِلُ عليهم ربُّهم منه ما يَكفيهم ويَرويهم ويُغنيهم، فخزائنُه مَلأَى ويداه مبسوطتان، وهو خيرُ الرّازقين، نسألُ اللهَ من فضلِه. فاتقوا اللهَ رحمكم الله، فقد خرجتم متّبعينَ لسنّةِ نبيِّكم، تَشكونَ إلى ربِّكم جدبَ ديارِكم، فاعزموا على التوبةِ وأكثروا من الاستغفار، وأظهروا الضّعفَ والافتقار، إلى رحمةِ الكريمِ الغفّار، وأحسنوا الظنَّ بربِّكم وتزوّدوا من الإيمانِ والتّقوى، وتضرّعوا إلى ربِّكم وادعوه مخلصينَ له الدِّين، واسألوه صلاحَ العبادِ والبلاد، ونزولَ الخيراتِ والبركات، فإنّه تعالى لا يردُّ من دعاه، ولا يُخيّبُ من رجاه.
لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليم، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيم، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السمواتِ وربُّ الأرضِ وربُّ العرشِ الكريم، لا إلهَ إلا اللهُ الغنيُّ الحميد، لا إلهَ إلا اللهُ يَحكمُ ما يشاءُ ويفعلُ ما يريد، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانك إنَّا كنَّا من الظالمين، اللهمّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنت، أنتَ الغنيُّ ونحنُ الفقراء، أنزلْ علينا الغيثَ ولا تجعلْنا من القانطين، اللهمّ أغثْنا، اللهمّ أغثْنا، اللهمّ أغثْنا، اللهمّ أغثْنا غيثًا مُغيثًا، هنيئًا مَريئًا، سَحًّا غدقًا مُجلّلًا نافعًا غيرَ ضارّ، تَسقي به العباد، وتُحيي به البلاد، وتجعلُه بلاغًا للحاضرِ والباد، اللهمّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق، اللهمّ أَسْقِ عبادَك وبهائمَك وانشرْ رحمتَك وأحيِ بلدَك الميّت، اللهمّ أنزلْ علينا من بركاتِ السّماء، وأخرجْ لنا من بركاتِ الأرض، واجعلْ ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتِك وبلاغًا إلى حين، اللهمّ لا تؤاخذْنا بذنوبِنا، ولا تؤاخذْنا بما فعلَ السّفهاءُ منّا، واغفرْ لنا وارحمْنا وعافنا واعفُ عنّا، وأصلحْ أحوالَنا وردَّنا إليك ردًّا جميلًا، اللهمّ أغثْ قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، وبلادَنا بالخيراتِ والبركاتِ والغيثِ العميم، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين، اللهمّ صلِّ وسلمْ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
واقلبوا أرديتَكم رحمكم الله، اقتداءً بسنّةِ نبيِّكم، وتفاؤلًا بتغيّرِ الحال، وادعوا اللهَ وأنتم موقنونَ بالإجابة.
إعداد/ وليد بن محمد العباد، غفر الله له ولوالديه وأهله وذريّته والمسلمين، جامع السعيد حي المصيف شمال الرياض خطبة الاستسقاء صباح الخميس 29 / 3 / 1443 هـ