خطبة الاسبوع الإسلام وظاهرة التسول
عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1438/07/23 - 2017/04/20 19:06PM
خطبة الاسبوع
الإسلام وظاهرة التسول
أخوكم عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الاولى
يُعَد الفقر من أخطر الأدواء التي تصيب الإنسان وتدفعه إلى الحاجة لغيره، وإنقاص قدره ومنزلته عند الناس؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفقر، وقد قرَن بينه وبين الكفر في دعاء واحد؛ فكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكُفر والفَقر)).
وكان لقمانُ الحكيم ينصح ابنه قائلاَ: يا بني، استعِنْ بالكسب الحلال على الفقر؛ فإنه ما افتقر رجلٌ قط إلا أصابته ثلاثُ خصال: رقَّةٌ في دِينه، وضعفٌ في عقله، وذهابُ مروءته، وأخطر مِن هذه الثلاث: استخفافُ الناس به.
ولقد وضَع الإسلامُ منهجًا قويمًا يحارب به الفقر، ويحمي المجتمع من خطرِه وأضراره؛ فدعا إلى العملِ ورغَّب فيه، واعتبره السلاحَ الأول في مقاومة الفقر، ثم فرض الزكاة، ودعا الأغنياء إلى الإنفاق وإطعام المساكين، ورغَّب في الصدقات؛ حمايةً للفقراء والمساكين والمحتاجين من آلام الفقر ومتاعبه.
ولقد ارتبط بِدَاءِ الفقر ظاهرةٌ خطيرة انتشرت في المجتمعات الإسلامية بشكلٍ سرطاني مدمِّر، وهي ظاهرة الشحاذة والتسول، والشيءُ الغريب أن التسوُّل لم يعُدْ يقتصر الآن على الفقراء غير القادرين على العمل والكسب، ولكننا وجدنا بعضَ القادرين على العمل من الكسالى قد استسهلوا التسول والاحتيال على الناس بكافة الطرق والوسائل البغيضة لنهب أموالهم.
والمتسول إنسان حقر نفسه، وأراق ماء وجهه، واستغنى عن كرامته وحيائه، وبدأ يمد يديه للناس أعطَوْه أو منعوه، وإذا كان هناك إنسان يعجِزُ عن العمل ولا يجد قوتَ يومه، فهذا له عذره في الحاجة إلى الناس وامتهان التسول، ولكن ما بال هذا القادر على العمل يقبَلُ على نفسه الاحتقارَ والذلَّ والمهانة، ويتكفَّف الناس؟ وكيف يكون موقفُنا نحن مِن هؤلاء المتسوِّلين القادرين على العمل؟
إنَّنا في هذا الوقت من الزمان، الذي تفشَّى فيه الجهل، وانتشرتْ فيه البطالة، اعتدنا كلَّ يوم - وبعدَ كلِّ صلاة من الصلوات تقريبًا - على مناظرَ مؤذية، ومشاهد مؤلِمة، يقوم بتمثيلها فئةٌ من الشباب المدرَّبين على إتقانِ صناعة النصب والاحتيال، بممارسة مهنة الشحاذة، وأكْل أموال الناس بالباطل، ولهم في ذلك أحوالٌ وأشكال، فمنهم مَن يقوم بتجبيس يدِه أو رِجله، أو أيِّ جزء من جسده، ومنهم مَن يتصنَّع البلاهة والجنون، ومنهم مَن يدَّعي الإصابةَ بحادث، أو مَوْت والد أو أم، أو حصول مرض، أو تَرْك ديون، وتُرك له أخوة وأخوات، ويقوم برعايتهم، والإنفاق عليهم، والدَّيْن أثقل كاهلَه، ولا يستطيع السداد، ومنهم مَن يفتعل البكاءَ، وقد يجلب معه ابنَ الجيران أو ابنتَهم؛ ليمارسَ الشحاذة بها؛ لاستعطاف القلوب، وقد يُقسِم بالله كاذبًا أنَّه لولا تلك الدُّيون، وعِظَم المسؤولية، لَمَا وقف أمامَ الناس، وغير ذلك من الأعذار والأكاذيب، التي لم تَعُدْ تنطلي على أحدٍ من العقلاء.
وكم هم الفقراء والمحتاجون، الذين نَعرِفهم ويعرفهم الكثير! ومع ذلك تجدُهم متعفِّفين عن سؤال الناس، ولا يسألون إلاَّ الله الرزَّاق ذا القوة المتين؛ لأنَّهم أيقنوا أنَّ الرزق من الله وحده، وبيده وحده، فامْتثَلُوا أمرَ ربهم تبارك وتعالى القائل في مُحكم التنزيل:
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]، ولقدْ امتدحهم الله تعالى لعدم مدِّ أيديهم للناس أو سؤالهم؛ فقال تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ [البقرة: 273].
يقول ابن كثير رحمه الله: "الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبُهم أغنياءَ من تعفُّفهم في لباسهم وحالهم ومقالهم، وفي هذا المعنى الحديثُ المتَّفق عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس المسكينُ الذي تردُّه التمرةُ ولا التمرتان، واللُّقْمة واللقمتان، والأكْلةُ والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يُغنِيه، ولا يُفطن له فيُتصدَّق عليه، ولا يَسأل الناسَ شيئًا))".
إننا لو نظرنا إلى الإسلام سنجد أنه قد حارب التسول حربًا لا هوادة فيها، وبالَغ في النهي عن مسألة الناس، وعنِ الصدقاتِ ومستحقيها قال تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 273]؛ أي: إن الصدقة ليست لهؤلاء المتسولين القادرين على العمل، ولكنها للفقراءِ الذين لا يستطيعون السعيَ في طلب الرزق، ويحسَبُهم الجاهل أغنياءَ من التعفف؛ لأنهم لا يسألون الناس شيئًا ولا يتسوَّلون، ولكن تعرِفهم أنهم فقراءُ بسماتِ الفقر التي تظهر عليهم.
وإليكم عبادَ الله، بعضَ الأدلة التي تُحرِّم التسوُّلَ، وسؤالَ الناس من غير حاجة:
فقد ثَبتَ في الصحيحَين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما يزالُ الرجلُ يَسألُ الناسَ، حتى يأتيَ يومَ القيامة ليس في وجهه مُزعةُ لَحْم))،
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن سَألَ الناسَ أموالَهم تَكثُّرًا، فإنَّما يسأل جمرًا، فلْيَستَقِلَّ، أو لْيَستكثرْ)).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((والذي نفسي بيده، لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَه، فيحتطب على ظهرِه، فيتصدَّق به على الناس - خيرٌ له من أن يأتيَ رجلاً فيسأله، أَعْطَاه أو مَنَعه)).
وفي صحيح مسلم عنه أيضًا قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لأن يغدوَ أحدُكم فيحتطب على ظهرِه فيتصدَّق به، ويستغني به عن الناس - خيرٌ له من أن يسألَ رجلاً أعطاه أو منعه؛ ذلك بأنَّ اليدَ العُليَا خيرٌ من اليد السُّفْلَى، وابدأ بِمَن تعول))،
زاد الإمام أحمد: ((ولَأنْ يأخذَ تُرابًا فيجعله في فيه خيرٌ له من أن يجعلَ في فيه ما حرَّم الله عليه))،
وفي صحيح البخاري عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لَأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَه، فيأتي بحُزمةٍ من الحطب على ظهرِه، فيبيعها فيَكُف الله بها وجهَه - خيرٌ له من أن يسألَ الناس، أَعْطَوْه أو مَنعُوه)).
وفى الصحيحَيْن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ ناسًا من الأنصار سألوا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتَّى نَفِدَ ما عنده، فقال لهم حين أنفق كلَّ شيءٍ بيده: ((ما يكون عندي من خيرٍ فلن أدَّخرَه عنكم، ومَن يستعفِفْ يُعفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنِه الله، ومَن يتصبَّرْ يُصبِّرْه الله، وما أُعطِي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِن الصبر)).
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال - وهو على المِنبر وذَكَر الصدقة والتعفُّف والمسألة -: ((اليدُ العُليَا خيرٌ من اليدِ السُّفْلى، فاليدُ العليا: هي المنفقة، واليد السفلى: هي السائلة))؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيمُ، إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حلوة، مَن أخَذَه بسخاوةِ نفْس بُورِكَ له فيه، ومَن أخذَه بإشراف نَفْس لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكُلُ ولا يشبع، واليدُ العُليَا خيرٌ مِن اليدِ السُّفْلى))،
قال حكيم: فقلت: يا رسولَ الله، والذي بعَثَك بالحقِّ لا أَرْزأَ أحدًا بعدَك شيئًا حتى أفارِقَ الدنيا، وكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حَكيمًا إلى العطاء، فيأبَى أن يقبلَه منه، ثم إنَّ عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيَه فأبى أن يقبلَ منه شيئًا، فقال عمر: إنِّي أُشهِدُكم يا معشرَ المسلمين، على حكيم: أني أَعْرض عليه حقَّه مِن هذا الفيء، فيأبى أن يأخذَه، فلم يرزأْ حكيمٌ رضي الله عنه أحدًا من الناس بعدَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى تُوفِّي"؛ متفق على صحته.
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن أصابتْه فاقةٌ فأنزلها بالناس، لم تُسدَّ فاقتُه، ومَن أنزلَها بالله، أوشكَ الله له بالغِنَى، إمَّا بموت عاجِل، أو غِنًى عاجل)).
أما القادر على العملِ فلا تحلُّ له الصدقةُ؛ لِما رواه الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تحلُّ الصدقةُ لغني، ولا لذي مِرَّةٍ سَوِيٍّ))؛ أي: صاحب القوة الجسدية، الذي يتميز بسلامة أعضائه،
وقد ورد تحذيرُ النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه عن مسألة الناس في أحاديثَ كثيرة؛ فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يزال الرجلُ يسأل الناسَ حتى يأتيَ يومَ القيامة وليس في وجهِه مُزعةُ لحمٍ))، وروى الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يفتحُ عبدٌ بابَ مسألة إلا فتَح اللهُ عليه بابَ فقرٍ))،
كما روى النسائي عن عائذ بن عمرو، أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه، فلما انصرَف قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلَمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسأله شيئًا)).
ثم نجدُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم يحُثُّ الناس ويرغِّبُهم في الكسبِ الحلال الذي يكُفُّ صاحبَه عن المسألةِ مهما كان نوعُ هذا الكسب، ومهما نظَر الناس إليه نظرة استهانة أو احتقار؛ فقد روى مسلمٌ في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن يغدُوَ أحدكم فيحتطبَ على ظهرِه ليتصدَّقَ به وليستغنيَ عن الناس: خيرٌ له مِن أن يسألَ رجلاً أعطاه أو منَعه؛ ذلك بأن اليدَ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى)).
وعلَّمنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع هؤلاء المتسولين القادرين على العمل والكسب؛ فقد روى البخاري عن أنس بن مالك، أن رجلاً مِن الأنصار أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يطلُبُ الصدقةَ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمَا في بيتِك شيء؟))، قال: بلى، حِلْسٌ نلبَسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعْبٌ نشرب فيه الماء، فقال: ((ائتِني بهما))، فأتاه بهما فأخذه بيده وقال: ((مَن يشتري هذين؟))، قال رجل: أنا آخذُهما بدرهم، قال: ((مَن يزيد على درهم؟))، قال رجل: أنا آخذُهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: ((اشتَرِ بأحدهما طعامًا وانبِذْه إلى أهلِك، واشتَرِ بالآخَرِ قَدُومًا فأتِني به))، فشدَّ فيه الرسول عودًا بيده، ثم قال له: ((اذهب فاحتطب وبِعْ، ولا أَرَيَنَّكَ خمسةَ عشر يومًا))، فذهَب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشَرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألةُ نكتةً في وجهِك يوم القيامة، إن المسألةَ لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقرٍ مدقعٍ، أو لذي غُرْمٍ مُفظِع، أو لذي دمٍ موجع)).
فالرسولُ صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف لم يسارع - كما نفعل نحن اليوم - رأفةً وشفقةً بهذا السائل ويعطيه الصدقةَ ويدَعُه ينصرف، ولكنه صلى الله عليه وسلم أحسَّ فيه القدرة على الكسب والعمل، فأراد أن يغيِّرَ وجهتَه عن هذه العادة المَهينة التي تُفقد الإنسان كرامتَه وهيبتَه وحياءَه - إلى كسبٍ طيب حلال؛ فعلَّمه كيف يعمل ويقتات، ويُغْني نفسَه وذويه عن مسألة الناس.
لقد سمع عمر رضي الله عنه سائلاً يسأل بعد المغرب فقال لرجل من القوم: قم عشِّ هذا الرجل، فعشاه، ثم سمعه ثانية ثم قال: ألم أقل لك عشِّ الرجل؟! فقال: يا عمر، قد عشيتُه، فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزًا، فقال له عمر: لست سائلاً، ولكنك تاجر، ثم أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصدقة، ثم ضربه بالدرّة وقال له: لا تعُد.
فالتسوُّل وباءٌ خطير يهدد المجتمع بالخراب، وهو نوعٌ مِن أكل أموال الناس بالباطل.
عباد الله أما ابنُ القيم فقد اعتبر التسوُّل ظلمًا في حق الربوبية؛ لأن بذلَ السؤالِ لغير الله نوعُ عبودية، وظلمًا في حق المسؤول؛ لأنه يعرِّضه لمشقَّةِ البذلِ أو لوم المنع، وظلمًا لنفس السائل؛ لأنه يُريقُ ماء وجهه، ويُذلُّ نفسه لغير خالقه، ويرضى بإسقاط شرَفِه وعزِّه وتعفُّفِه.
فليتنا نحاربُ هذه الظاهرةَ المرَضِيَّة في مجتمعنا الإسلامي؛ حتى يحرصَ كلُّ إنسانٍ على العمل والكسبِ الحلال، ويبتعدَ عن البَطالةِ والتعطُّل، وتكفُّفِ الناس والحاجةِ إليهم.
وقال الشيخ إبراهيم بن محمَّد الضبيعي: "اتَّفق علماءُ الإسلام على أنَّ التسوُّل حرامٌ لغير ضرورة، ولا يجوز إعطاءُ المتسوِّلين في المساجد؛ لأنَّ فيه تشجيعًا لاستمرارهم في هذا المسلك القبيح، وفيه تعطيلٌ للطاقات البشرية عن الكَسْب المشروع، ويعتمد التحريم على دلالة النصوص الشرعيَّة من الكتاب والسنة".
وقال الحنابلة رحمهم الله: يُكرَهُ سؤال الصدقة في المسجد، ويُكرَه إعطاءُ السائل فيه.
وقال الشافعية رحمهم الله: يُكره السؤال في المسجد، وإذا كان فيه تهويشٌ ورفْعُ صوت فيحرُم.
وقال المالكية رحمهم الله: يُنهى عن السُّؤال في المسجد، ويُكرَه إعطاء السائل فيه.
وقال الأحناف رحمهم الله: يحرُم السؤال في المسجد، ويُكرهُ إعطاءُ السائل فيه.
وأكثرُ السلف لا يَروْن جوازَ التصدُّق على مَن يسأل في المسجد، وقال أحدُ السلف: لو كنتُ قاضيًا لم أقبلْ شهادةَ مَن يتصدَّق على مَن يسأل في المسجد.
وممَّا سَبَق تظهر بشاعةُ التسوُّل وأضراره على الفَرْد والمجتمع، وأنَّه يؤدِّي إلى موت الهِمم، ودَفْنِ النبوغ.
فلا تحسبنّ الموت موت البلى فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهمـا مـوت ولكـن ذا أشدّ من ذاك لذل السؤال
يكفي ـ يا عباد الله ـ أن التسوّل يورث الذلّ والهوان في الدنيا والآخرة، وأن هذا العمل عمل دنيء تمجّه الأذواق السليمة، وأن فيه دلالة على دناءة النفس وحقارتها.
فعلينا جميعًا ـ يا عباد الله ـ أن تحذّر أنفسنا من هذه، وأن تحارب هذه الظاهرة بجميع ما نملك.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ؛ وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ثم اعلموا رحمكم الله بأن كل ما تقدم يؤكد أن الشريعة الإسلامية جاءت بالحث على العمل والاكتساب، وأن على كل فرد قادر أن يسعى بنفسه لتحصيل ما يحتاجه من مقومات الحياة، فالله تعالى قد قدر الأرزاق وكتبها، وعلى المرء أن يأخذ بالأسبابِ الممكنة لتحصيل رزقه وجمعه، وأن لا يبقى خاملاً عالة على الناس.
والعمل والتكسب هو ما يقتضيه أمر الله سبحانه وتعالى لنا حين أمرنا بالسعي في الأرض والتنقل بين أرجائها طلبًا للعمل والكسب الحلال، قال تعالى:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور
قال ابن كثير رحمه الله: "أي: سافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات،
وقد روى عمر بن الخطاب عن رسول الله أنه قال: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)) رواه أحمد والترمذي، فأثبت لها رواحًا وغدوًا لطلب الرزق مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسخر المسير المسبب".
وقد رأى الفاروق -رضي الله عنه- قومًا قابعين في ركن المسجد بعد صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟! قالوا: نحن المتوكلون على الله، فعلاهم عمر بِدِرَّتِهِ ونهرهم وقال: "لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وإن الله يقول: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَنتَشِرُواْ فِى الأَرْضِ وَبْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ) [الجمعة:10].
وكان سفيانُ الثوريّ -رحمه الله- يمُرُّ ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقول: ما يُجلِسُكم؟! قالوا: فما نصنَع؟! قال: "اطلُبوا من فضلِ الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين".
ورضي الله عن عمر حين قال: "إني أرى الرجل فيعجبني شكله، فإذا سألت عنه فقيل لي: لا عمل له، سقط من عيني".
يا من ابتلاه الله بالفقر والمخمصة، وقدر الله عليه الحاجة والخصاصة: هل علمت أن الفقراء الصابرين أكثر من يدخل الجنة؟!
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء". متفق عليه.
وهل علمت أن الفقراء الراضين، أسبق إلى الجنة من الأغنياء الشاكرين؟!
عبد الله يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام". صحيح سنن الترمذي. وفي رواية: "بأربعين خريفًا".
وهل تعلم أن الفقراء المحتسبين الراضين، يسقط عنهم الحساب يوم القيامة؟!
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أدى العبد حق الله، وحق مواليه، كان له أجران". قال: فحدثتها كعبًا، فقال كعب: "ليس عليه حساب، ولا على مؤمن مُزْهِد -قليل المال-". مسلم.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-: "أتعلم؟! أول زمرة تدخل الجنة من أمتي فقراء المهاجرين، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أو قد حوسبتم؟! قالوا: بأي شيء نحاسب، وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟! فيفتح لهم، فيقيلون فيها أربعين عامًا قبل أن يدخلها الناس". صحيح الجامع.
وَلَرُبَّ أمرٍ مُسخَط *** لك في عواقبه رضا
الله يفعـل ما يشا *** ء فلا تكن مُتعرضًا
اللهم اجْعلَنا مِنَ القانِعين برزقِكَ، الراضِينَ بقضائِكَ، المتَّبِعِينَ لنبيِكَ، اللهم لا تجعلِ الدُنيا أكبرَ هَمِّنا، ولا مَبْلَغَ علمنا، ولا إلى النار مصيرَنا، واجعـل الجنةَ دارَنا وقرارَنا، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين، اللهم اهزِم مَن عادَى الإسلامَ والمسلمين وآذَى أمَّةَ خيرِ المرسلين، اللهم انصُرْ دينَك وكتابَك وسُنَّةَ نَبِيِّك وعبادَك المؤمنين.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وبصفاتك العلى، أن تصلح لنا بيوتنا، وأن تصلح لنا زوجتنا، وأن تصلح لنا أولادنا.
اللهم ارزقنا حلالا، اللهم ارزقنا حلالا، اللهم ارزقنا حلالا. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم إنا نعوذ بك من الفقر، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر. اللهم لا تلجئنا إلى أحد من خلقك إلا إليك.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، نسألك رضاك عنا. اللهم وعن أمهاتنا، وعن أبنائنا، وعن زوجاتنا، وعن من له حق علينا.
اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره. اللهم إنا نسألك أن تجعل بيوتنا عامرة بذكرك. اللهم اجعل بيوتنا عامرة بذكرك. اللهم اجعل أبناءنا لنا بارين ومطيعين وسامعين، واجعلهم يا رب العالمين لك راكعين لك ساجدين، لك مطيعين يا رب العالمين.
اللهم استر على إخواننا الفقراء في كل مكان. اللهم اغنهم في كل مكان، اللهم اربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وارزقهم من فضلك
اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا وأن تستر عيوبنا. اللهم واغفر لآبائنا وأمهاتنا. اللهم مَن توفيته منا فتوفه على الإيمان. اللهم واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
هذا، وصلُّوا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكتِه المُسبِّحةِ بقُدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون، فقال -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللّهمّ صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمّد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيّك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين، وعنّا معهم بعفوك وجُودِك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648
الإسلام وظاهرة التسول
أخوكم عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الاولى
يُعَد الفقر من أخطر الأدواء التي تصيب الإنسان وتدفعه إلى الحاجة لغيره، وإنقاص قدره ومنزلته عند الناس؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفقر، وقد قرَن بينه وبين الكفر في دعاء واحد؛ فكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكُفر والفَقر)).
وكان لقمانُ الحكيم ينصح ابنه قائلاَ: يا بني، استعِنْ بالكسب الحلال على الفقر؛ فإنه ما افتقر رجلٌ قط إلا أصابته ثلاثُ خصال: رقَّةٌ في دِينه، وضعفٌ في عقله، وذهابُ مروءته، وأخطر مِن هذه الثلاث: استخفافُ الناس به.
ولقد وضَع الإسلامُ منهجًا قويمًا يحارب به الفقر، ويحمي المجتمع من خطرِه وأضراره؛ فدعا إلى العملِ ورغَّب فيه، واعتبره السلاحَ الأول في مقاومة الفقر، ثم فرض الزكاة، ودعا الأغنياء إلى الإنفاق وإطعام المساكين، ورغَّب في الصدقات؛ حمايةً للفقراء والمساكين والمحتاجين من آلام الفقر ومتاعبه.
ولقد ارتبط بِدَاءِ الفقر ظاهرةٌ خطيرة انتشرت في المجتمعات الإسلامية بشكلٍ سرطاني مدمِّر، وهي ظاهرة الشحاذة والتسول، والشيءُ الغريب أن التسوُّل لم يعُدْ يقتصر الآن على الفقراء غير القادرين على العمل والكسب، ولكننا وجدنا بعضَ القادرين على العمل من الكسالى قد استسهلوا التسول والاحتيال على الناس بكافة الطرق والوسائل البغيضة لنهب أموالهم.
والمتسول إنسان حقر نفسه، وأراق ماء وجهه، واستغنى عن كرامته وحيائه، وبدأ يمد يديه للناس أعطَوْه أو منعوه، وإذا كان هناك إنسان يعجِزُ عن العمل ولا يجد قوتَ يومه، فهذا له عذره في الحاجة إلى الناس وامتهان التسول، ولكن ما بال هذا القادر على العمل يقبَلُ على نفسه الاحتقارَ والذلَّ والمهانة، ويتكفَّف الناس؟ وكيف يكون موقفُنا نحن مِن هؤلاء المتسوِّلين القادرين على العمل؟
إنَّنا في هذا الوقت من الزمان، الذي تفشَّى فيه الجهل، وانتشرتْ فيه البطالة، اعتدنا كلَّ يوم - وبعدَ كلِّ صلاة من الصلوات تقريبًا - على مناظرَ مؤذية، ومشاهد مؤلِمة، يقوم بتمثيلها فئةٌ من الشباب المدرَّبين على إتقانِ صناعة النصب والاحتيال، بممارسة مهنة الشحاذة، وأكْل أموال الناس بالباطل، ولهم في ذلك أحوالٌ وأشكال، فمنهم مَن يقوم بتجبيس يدِه أو رِجله، أو أيِّ جزء من جسده، ومنهم مَن يتصنَّع البلاهة والجنون، ومنهم مَن يدَّعي الإصابةَ بحادث، أو مَوْت والد أو أم، أو حصول مرض، أو تَرْك ديون، وتُرك له أخوة وأخوات، ويقوم برعايتهم، والإنفاق عليهم، والدَّيْن أثقل كاهلَه، ولا يستطيع السداد، ومنهم مَن يفتعل البكاءَ، وقد يجلب معه ابنَ الجيران أو ابنتَهم؛ ليمارسَ الشحاذة بها؛ لاستعطاف القلوب، وقد يُقسِم بالله كاذبًا أنَّه لولا تلك الدُّيون، وعِظَم المسؤولية، لَمَا وقف أمامَ الناس، وغير ذلك من الأعذار والأكاذيب، التي لم تَعُدْ تنطلي على أحدٍ من العقلاء.
وكم هم الفقراء والمحتاجون، الذين نَعرِفهم ويعرفهم الكثير! ومع ذلك تجدُهم متعفِّفين عن سؤال الناس، ولا يسألون إلاَّ الله الرزَّاق ذا القوة المتين؛ لأنَّهم أيقنوا أنَّ الرزق من الله وحده، وبيده وحده، فامْتثَلُوا أمرَ ربهم تبارك وتعالى القائل في مُحكم التنزيل:
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]، ولقدْ امتدحهم الله تعالى لعدم مدِّ أيديهم للناس أو سؤالهم؛ فقال تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ [البقرة: 273].
يقول ابن كثير رحمه الله: "الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبُهم أغنياءَ من تعفُّفهم في لباسهم وحالهم ومقالهم، وفي هذا المعنى الحديثُ المتَّفق عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس المسكينُ الذي تردُّه التمرةُ ولا التمرتان، واللُّقْمة واللقمتان، والأكْلةُ والأكلتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يُغنِيه، ولا يُفطن له فيُتصدَّق عليه، ولا يَسأل الناسَ شيئًا))".
إننا لو نظرنا إلى الإسلام سنجد أنه قد حارب التسول حربًا لا هوادة فيها، وبالَغ في النهي عن مسألة الناس، وعنِ الصدقاتِ ومستحقيها قال تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 273]؛ أي: إن الصدقة ليست لهؤلاء المتسولين القادرين على العمل، ولكنها للفقراءِ الذين لا يستطيعون السعيَ في طلب الرزق، ويحسَبُهم الجاهل أغنياءَ من التعفف؛ لأنهم لا يسألون الناس شيئًا ولا يتسوَّلون، ولكن تعرِفهم أنهم فقراءُ بسماتِ الفقر التي تظهر عليهم.
وإليكم عبادَ الله، بعضَ الأدلة التي تُحرِّم التسوُّلَ، وسؤالَ الناس من غير حاجة:
فقد ثَبتَ في الصحيحَين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما يزالُ الرجلُ يَسألُ الناسَ، حتى يأتيَ يومَ القيامة ليس في وجهه مُزعةُ لَحْم))،
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن سَألَ الناسَ أموالَهم تَكثُّرًا، فإنَّما يسأل جمرًا، فلْيَستَقِلَّ، أو لْيَستكثرْ)).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((والذي نفسي بيده، لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَه، فيحتطب على ظهرِه، فيتصدَّق به على الناس - خيرٌ له من أن يأتيَ رجلاً فيسأله، أَعْطَاه أو مَنَعه)).
وفي صحيح مسلم عنه أيضًا قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لأن يغدوَ أحدُكم فيحتطب على ظهرِه فيتصدَّق به، ويستغني به عن الناس - خيرٌ له من أن يسألَ رجلاً أعطاه أو منعه؛ ذلك بأنَّ اليدَ العُليَا خيرٌ من اليد السُّفْلَى، وابدأ بِمَن تعول))،
زاد الإمام أحمد: ((ولَأنْ يأخذَ تُرابًا فيجعله في فيه خيرٌ له من أن يجعلَ في فيه ما حرَّم الله عليه))،
وفي صحيح البخاري عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لَأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَه، فيأتي بحُزمةٍ من الحطب على ظهرِه، فيبيعها فيَكُف الله بها وجهَه - خيرٌ له من أن يسألَ الناس، أَعْطَوْه أو مَنعُوه)).
وفى الصحيحَيْن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ ناسًا من الأنصار سألوا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتَّى نَفِدَ ما عنده، فقال لهم حين أنفق كلَّ شيءٍ بيده: ((ما يكون عندي من خيرٍ فلن أدَّخرَه عنكم، ومَن يستعفِفْ يُعفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنِه الله، ومَن يتصبَّرْ يُصبِّرْه الله، وما أُعطِي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِن الصبر)).
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال - وهو على المِنبر وذَكَر الصدقة والتعفُّف والمسألة -: ((اليدُ العُليَا خيرٌ من اليدِ السُّفْلى، فاليدُ العليا: هي المنفقة، واليد السفلى: هي السائلة))؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم قال: ((يا حكيمُ، إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حلوة، مَن أخَذَه بسخاوةِ نفْس بُورِكَ له فيه، ومَن أخذَه بإشراف نَفْس لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكُلُ ولا يشبع، واليدُ العُليَا خيرٌ مِن اليدِ السُّفْلى))،
قال حكيم: فقلت: يا رسولَ الله، والذي بعَثَك بالحقِّ لا أَرْزأَ أحدًا بعدَك شيئًا حتى أفارِقَ الدنيا، وكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حَكيمًا إلى العطاء، فيأبَى أن يقبلَه منه، ثم إنَّ عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيَه فأبى أن يقبلَ منه شيئًا، فقال عمر: إنِّي أُشهِدُكم يا معشرَ المسلمين، على حكيم: أني أَعْرض عليه حقَّه مِن هذا الفيء، فيأبى أن يأخذَه، فلم يرزأْ حكيمٌ رضي الله عنه أحدًا من الناس بعدَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى تُوفِّي"؛ متفق على صحته.
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن أصابتْه فاقةٌ فأنزلها بالناس، لم تُسدَّ فاقتُه، ومَن أنزلَها بالله، أوشكَ الله له بالغِنَى، إمَّا بموت عاجِل، أو غِنًى عاجل)).
أما القادر على العملِ فلا تحلُّ له الصدقةُ؛ لِما رواه الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تحلُّ الصدقةُ لغني، ولا لذي مِرَّةٍ سَوِيٍّ))؛ أي: صاحب القوة الجسدية، الذي يتميز بسلامة أعضائه،
وقد ورد تحذيرُ النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه عن مسألة الناس في أحاديثَ كثيرة؛ فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يزال الرجلُ يسأل الناسَ حتى يأتيَ يومَ القيامة وليس في وجهِه مُزعةُ لحمٍ))، وروى الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يفتحُ عبدٌ بابَ مسألة إلا فتَح اللهُ عليه بابَ فقرٍ))،
كما روى النسائي عن عائذ بن عمرو، أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه، فلما انصرَف قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلَمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسأله شيئًا)).
ثم نجدُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم يحُثُّ الناس ويرغِّبُهم في الكسبِ الحلال الذي يكُفُّ صاحبَه عن المسألةِ مهما كان نوعُ هذا الكسب، ومهما نظَر الناس إليه نظرة استهانة أو احتقار؛ فقد روى مسلمٌ في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن يغدُوَ أحدكم فيحتطبَ على ظهرِه ليتصدَّقَ به وليستغنيَ عن الناس: خيرٌ له مِن أن يسألَ رجلاً أعطاه أو منَعه؛ ذلك بأن اليدَ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى)).
وعلَّمنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع هؤلاء المتسولين القادرين على العمل والكسب؛ فقد روى البخاري عن أنس بن مالك، أن رجلاً مِن الأنصار أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يطلُبُ الصدقةَ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمَا في بيتِك شيء؟))، قال: بلى، حِلْسٌ نلبَسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعْبٌ نشرب فيه الماء، فقال: ((ائتِني بهما))، فأتاه بهما فأخذه بيده وقال: ((مَن يشتري هذين؟))، قال رجل: أنا آخذُهما بدرهم، قال: ((مَن يزيد على درهم؟))، قال رجل: أنا آخذُهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: ((اشتَرِ بأحدهما طعامًا وانبِذْه إلى أهلِك، واشتَرِ بالآخَرِ قَدُومًا فأتِني به))، فشدَّ فيه الرسول عودًا بيده، ثم قال له: ((اذهب فاحتطب وبِعْ، ولا أَرَيَنَّكَ خمسةَ عشر يومًا))، فذهَب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشَرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألةُ نكتةً في وجهِك يوم القيامة، إن المسألةَ لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقرٍ مدقعٍ، أو لذي غُرْمٍ مُفظِع، أو لذي دمٍ موجع)).
فالرسولُ صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف لم يسارع - كما نفعل نحن اليوم - رأفةً وشفقةً بهذا السائل ويعطيه الصدقةَ ويدَعُه ينصرف، ولكنه صلى الله عليه وسلم أحسَّ فيه القدرة على الكسب والعمل، فأراد أن يغيِّرَ وجهتَه عن هذه العادة المَهينة التي تُفقد الإنسان كرامتَه وهيبتَه وحياءَه - إلى كسبٍ طيب حلال؛ فعلَّمه كيف يعمل ويقتات، ويُغْني نفسَه وذويه عن مسألة الناس.
لقد سمع عمر رضي الله عنه سائلاً يسأل بعد المغرب فقال لرجل من القوم: قم عشِّ هذا الرجل، فعشاه، ثم سمعه ثانية ثم قال: ألم أقل لك عشِّ الرجل؟! فقال: يا عمر، قد عشيتُه، فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزًا، فقال له عمر: لست سائلاً، ولكنك تاجر، ثم أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصدقة، ثم ضربه بالدرّة وقال له: لا تعُد.
فالتسوُّل وباءٌ خطير يهدد المجتمع بالخراب، وهو نوعٌ مِن أكل أموال الناس بالباطل.
عباد الله أما ابنُ القيم فقد اعتبر التسوُّل ظلمًا في حق الربوبية؛ لأن بذلَ السؤالِ لغير الله نوعُ عبودية، وظلمًا في حق المسؤول؛ لأنه يعرِّضه لمشقَّةِ البذلِ أو لوم المنع، وظلمًا لنفس السائل؛ لأنه يُريقُ ماء وجهه، ويُذلُّ نفسه لغير خالقه، ويرضى بإسقاط شرَفِه وعزِّه وتعفُّفِه.
فليتنا نحاربُ هذه الظاهرةَ المرَضِيَّة في مجتمعنا الإسلامي؛ حتى يحرصَ كلُّ إنسانٍ على العمل والكسبِ الحلال، ويبتعدَ عن البَطالةِ والتعطُّل، وتكفُّفِ الناس والحاجةِ إليهم.
وقال الشيخ إبراهيم بن محمَّد الضبيعي: "اتَّفق علماءُ الإسلام على أنَّ التسوُّل حرامٌ لغير ضرورة، ولا يجوز إعطاءُ المتسوِّلين في المساجد؛ لأنَّ فيه تشجيعًا لاستمرارهم في هذا المسلك القبيح، وفيه تعطيلٌ للطاقات البشرية عن الكَسْب المشروع، ويعتمد التحريم على دلالة النصوص الشرعيَّة من الكتاب والسنة".
وقال الحنابلة رحمهم الله: يُكرَهُ سؤال الصدقة في المسجد، ويُكرَه إعطاءُ السائل فيه.
وقال الشافعية رحمهم الله: يُكره السؤال في المسجد، وإذا كان فيه تهويشٌ ورفْعُ صوت فيحرُم.
وقال المالكية رحمهم الله: يُنهى عن السُّؤال في المسجد، ويُكرَه إعطاء السائل فيه.
وقال الأحناف رحمهم الله: يحرُم السؤال في المسجد، ويُكرهُ إعطاءُ السائل فيه.
وأكثرُ السلف لا يَروْن جوازَ التصدُّق على مَن يسأل في المسجد، وقال أحدُ السلف: لو كنتُ قاضيًا لم أقبلْ شهادةَ مَن يتصدَّق على مَن يسأل في المسجد.
وممَّا سَبَق تظهر بشاعةُ التسوُّل وأضراره على الفَرْد والمجتمع، وأنَّه يؤدِّي إلى موت الهِمم، ودَفْنِ النبوغ.
فلا تحسبنّ الموت موت البلى فإنما الموت سؤال الرجال
كلاهمـا مـوت ولكـن ذا أشدّ من ذاك لذل السؤال
يكفي ـ يا عباد الله ـ أن التسوّل يورث الذلّ والهوان في الدنيا والآخرة، وأن هذا العمل عمل دنيء تمجّه الأذواق السليمة، وأن فيه دلالة على دناءة النفس وحقارتها.
فعلينا جميعًا ـ يا عباد الله ـ أن تحذّر أنفسنا من هذه، وأن تحارب هذه الظاهرة بجميع ما نملك.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ؛ وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ثم اعلموا رحمكم الله بأن كل ما تقدم يؤكد أن الشريعة الإسلامية جاءت بالحث على العمل والاكتساب، وأن على كل فرد قادر أن يسعى بنفسه لتحصيل ما يحتاجه من مقومات الحياة، فالله تعالى قد قدر الأرزاق وكتبها، وعلى المرء أن يأخذ بالأسبابِ الممكنة لتحصيل رزقه وجمعه، وأن لا يبقى خاملاً عالة على الناس.
والعمل والتكسب هو ما يقتضيه أمر الله سبحانه وتعالى لنا حين أمرنا بالسعي في الأرض والتنقل بين أرجائها طلبًا للعمل والكسب الحلال، قال تعالى:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور
قال ابن كثير رحمه الله: "أي: سافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات،
وقد روى عمر بن الخطاب عن رسول الله أنه قال: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)) رواه أحمد والترمذي، فأثبت لها رواحًا وغدوًا لطلب الرزق مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسخر المسير المسبب".
وقد رأى الفاروق -رضي الله عنه- قومًا قابعين في ركن المسجد بعد صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟! قالوا: نحن المتوكلون على الله، فعلاهم عمر بِدِرَّتِهِ ونهرهم وقال: "لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وإن الله يقول: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَنتَشِرُواْ فِى الأَرْضِ وَبْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ) [الجمعة:10].
وكان سفيانُ الثوريّ -رحمه الله- يمُرُّ ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقول: ما يُجلِسُكم؟! قالوا: فما نصنَع؟! قال: "اطلُبوا من فضلِ الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين".
ورضي الله عن عمر حين قال: "إني أرى الرجل فيعجبني شكله، فإذا سألت عنه فقيل لي: لا عمل له، سقط من عيني".
يا من ابتلاه الله بالفقر والمخمصة، وقدر الله عليه الحاجة والخصاصة: هل علمت أن الفقراء الصابرين أكثر من يدخل الجنة؟!
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء". متفق عليه.
وهل علمت أن الفقراء الراضين، أسبق إلى الجنة من الأغنياء الشاكرين؟!
عبد الله يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام". صحيح سنن الترمذي. وفي رواية: "بأربعين خريفًا".
وهل تعلم أن الفقراء المحتسبين الراضين، يسقط عنهم الحساب يوم القيامة؟!
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أدى العبد حق الله، وحق مواليه، كان له أجران". قال: فحدثتها كعبًا، فقال كعب: "ليس عليه حساب، ولا على مؤمن مُزْهِد -قليل المال-". مسلم.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-: "أتعلم؟! أول زمرة تدخل الجنة من أمتي فقراء المهاجرين، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أو قد حوسبتم؟! قالوا: بأي شيء نحاسب، وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟! فيفتح لهم، فيقيلون فيها أربعين عامًا قبل أن يدخلها الناس". صحيح الجامع.
وَلَرُبَّ أمرٍ مُسخَط *** لك في عواقبه رضا
الله يفعـل ما يشا *** ء فلا تكن مُتعرضًا
اللهم اجْعلَنا مِنَ القانِعين برزقِكَ، الراضِينَ بقضائِكَ، المتَّبِعِينَ لنبيِكَ، اللهم لا تجعلِ الدُنيا أكبرَ هَمِّنا، ولا مَبْلَغَ علمنا، ولا إلى النار مصيرَنا، واجعـل الجنةَ دارَنا وقرارَنا، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين، اللهم اهزِم مَن عادَى الإسلامَ والمسلمين وآذَى أمَّةَ خيرِ المرسلين، اللهم انصُرْ دينَك وكتابَك وسُنَّةَ نَبِيِّك وعبادَك المؤمنين.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وبصفاتك العلى، أن تصلح لنا بيوتنا، وأن تصلح لنا زوجتنا، وأن تصلح لنا أولادنا.
اللهم ارزقنا حلالا، اللهم ارزقنا حلالا، اللهم ارزقنا حلالا. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم إنا نعوذ بك من الفقر، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر. اللهم لا تلجئنا إلى أحد من خلقك إلا إليك.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، نسألك رضاك عنا. اللهم وعن أمهاتنا، وعن أبنائنا، وعن زوجاتنا، وعن من له حق علينا.
اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره. اللهم إنا نسألك أن تجعل بيوتنا عامرة بذكرك. اللهم اجعل بيوتنا عامرة بذكرك. اللهم اجعل أبناءنا لنا بارين ومطيعين وسامعين، واجعلهم يا رب العالمين لك راكعين لك ساجدين، لك مطيعين يا رب العالمين.
اللهم استر على إخواننا الفقراء في كل مكان. اللهم اغنهم في كل مكان، اللهم اربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وارزقهم من فضلك
اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا وأن تستر عيوبنا. اللهم واغفر لآبائنا وأمهاتنا. اللهم مَن توفيته منا فتوفه على الإيمان. اللهم واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
هذا، وصلُّوا -رحمكم الله- على خير البرية وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكتِه المُسبِّحةِ بقُدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون، فقال -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللّهمّ صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمّد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيّك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين، وعنّا معهم بعفوك وجُودِك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648