خطبة : (الاختبارات بين طلاب الدنيا وطلاب الآخرة)
عبدالله البصري
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَبلَ سَنَوَاتٍ وَفي مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ مِن كُلِّ عَامٍ ، كَانَت حَالَةُ الطَّوارِئِ تُعلَنُ في كَثِيرٍ مِنَ البُيُوتِ ، فَيُمنَعُ مِنهَا الخُرُوجُ وَتَقِلُّ إِلَيهَا الزِّيَارَةُ ، وَتُستَنفَرُ فِيهَا الجُهُودُ وَتُستَفرَغُ الطَّاقَةُ ، وَتَتَحَوَّلُ بَعدَ طُولِ خُمُولٍ وَتَهَاوُنٍ إِلى حِيَاةِ جِدٍّ وَاجتِهَادٍ وَانضِبَاطٍ ، بَل قَد يَصِلُ الوَضعُ في بَعضِهَا إِلى قِمَّةِ التَّوَتُّرِ وَغَايَةِ القَلَقِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِن أَجلِ أَن يَتَفَرَّغَ الأَبنَاءُ لِلقِرَاءَةِ وَالاستِذكَارِ ، فَيَستَعِيدُوا مَعلُومَاتِهِم وَيَضبِطُوهَا وَيُرَتِّبُوهَا ، وَمِن ثَمَّ يَنجَحُونَ في الاختِبَارَاتِ وَيُحَصِّلُونَ أَعلَى الدَّرَجَاتِ ، وَأَمَّا في هَذِهِ السُّنَيَّاتِ المُتَأَخِّرَةِ ، فَقَد خَفَّت هَذِهِ الظَّاهِرَةُ أَوِ اختَفَت ، وَقَلَّ اهتِمَامُ الطُّلاَّبِ وَضَعُفَت مُتَابَعَةُ الأَولِيَاءِ لهم ، حَتى لَتَكَادُ أَيَّامُ الاختِبَارَاتِ تَكُونُ مَرتَعًا خِصبًا لِعَبِيدِ الشَّهَوَاتِ وَصَرعَى الهَوَى وَالغَفَلاتِ ، الَّذِينَ يَتَصَيَّدُونَ الشَّبَابَ لِيُوقِعُوا بهم في شِرَاكِهِم ، وَمِن ثَمَّ يَهوُونَ بهم في حُفَرٍ سَحِيقَةٍ مِنَ الضَّيَاعِ ، قَد يَطُولُ بهمُ الوَقتُ ولَمَّا يَخرُجُوا مِنهَا ، إِمَّا في اعتِيَادِ سَهَرٍ وَإِضَاعَةِ صَلَوَاتٍ ، أَو فِعلِ فَوَاحِشَ وَإِتيَانِ مُنكَرَاتٍ ، أَو إِدمَانِ مُخَدِّرَاتٍ وَمُفَتِّرَاتٍ ، أَو تَنَاوُلِ مُنَبِّهَاتٍ وَقِيَادَةٍ جُنُونِيَّةٍ لِلسَّيَارَاتِ . وَكُلُّهَا أُمُورٌ خَطِيرَةٌ وَمَصَائِبٌ كَبِيرَةٌ ، تُحَتِّمُ عَلَى الجَمِيعِ آبَاءً وَمُعَلِّمِينَ وَرِجَالَ أَمنٍ وَمَسؤُولِينَ ، أَن يَتَحَمَّلُوا المَسؤُولِيَّةَ وَيَرعَوُا الأَمَانَةَ ، فَيَبذُلُوا مَزِيدًا مِنَ الاهتِمَامِ وَيُكَثِّفُوا المُتَابَعَةَ ، وَيَتَعَاوَنُوا عَلَى حِفظِ هَؤُلاءِ الطُّلاَّبِ وَيُرَاقِبُوهُم ، في بُيُوتِهِم وَمَدَارِسِهِم ، وَفي شَوَارِعِهِم وَطُرُقَاتِهِم ، وَعِندَ ذَهَابِهِم وَإِيَابِهِم ، لِئَلاَّ تَكُونَ هَذِهِ الأَيَّامُ بِدَايَةَ انحِرَافٍ تَتَّسِعُ بِهِ الفَجوَةُ بَينَهُم وَبَينَ الخَيرِ وَأَهلِهِ ، وَيَدُومُ شَرُّهَا في مُقتَبَلِ أَعمَارِهِم عَلَيهِم وَعَلى أَهلِيهِم وَبِلادِهِم .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لَيسَ مِنَ الصَّوَابِ أَن يَتَوَالى مِنَ الآبَاءِ وَالمُعَلِّمِينَ التَّرهِيبُ مِنَ الامتِحَانَاتِ وَجَعلُهَا شَبَحًا يُورِثُ الطُّلاَّبَ خَوفًا وَقَلَقًا , وَلَكِنَّ الوَاجِبَ أَن يَحُثُّوهُم عَلَى بَذلِ الوُسعِ وَالاجتِهَادِ قَدرَ الاستِطَاعَةِ ، وَالاستِعدَادِ لِلامتِحَانَاتِ دُونَ مُبَالَغَةٍ وَلا تَهوِيلٍ ، وَأَن يُعَمَّقَ في نُفُوسِهِم قَبلَ ذَلِكَ وَبَعدَهُ الإِيمَانُ بِاللهِ رَبِّهِم ، وَيُعَوَّدُوا التَّوَكُّلَ عَلَى مَولاهُم وَتَفوِيضَ الأُمُورِ إِلَيهِ وَالاعتِمَادَ عَلَيهِ ، وَسُؤَالَهُ ـ تَعَالى ـ التَّوفِيقَ وَالنَّجَاحَ وَالسَّدَادَ ، فَإِنَّهُ وَحدَهُ الَّذِي بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ وَمَفَاتِيحُهَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَا يَفتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَحمَةٍ فَلاَ مُمسِكَ لَهَا وَمَا يُمسِكْ فَلاَ مُرسِلَ لَهُ مِن بَعدِهِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ "
وَإِنَّ ممَّا يَجِبُ أن يُرَبَّى عَلَيهِ الطُّلاَّبُ بَل وَالأُمَّةُ جَمِيعًا ، أَنَّهُم متى اتَّقَوُا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَجَعَلُوا هَمَّهُمُ النَّجَاحَ في الآخِرَةِ وَالفَوزَ بِرِضَا رَبِّهِم ، فَاجتَهَدُوا لِذَلِكَ وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِم وَاستَقَامُوا ، وَحَافَظُوا عَلَى الطَّاعَاتِ وَاستَغرَقُوا في العِبَادَاتِ ، وَعَمِلُوا بما تَعَلَّمُوا وَطَبَّقُوهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَيُورِثُهُم بَرَكَةً في الأَوقَاتِ وَالأَعمَارِ ، وَفَتحًا في العُلُومِ وَالفُهُومِ ، وَتَيسِيرًا لِكُلِّ عَسِيرٍ وَتَنفِيسًا لِلكُرُوبِ ، وَأَمَّا إِن هُم جَعَلُوا الدُّنيا هَمًّا لهم وَغَايَةً وَرَأسَ مَالٍ ، فَلَم يَنظُرُوا إِلاَّ إِلى النَّجَاحِ في امتِحَانَاتِهَا ، وَلم يَهتَمُّوا إِلاَّ بِتَحصِيلِ شَهَوَاتِهَا ، وَلم يَتَمَدَّحُوا إِلاَّ بِالتَّفَوُّقِ فِيهَا ، فَمَا أَبعَدَهُم حِينَئِذٍ عَنِ التَّوفِيقِ وَالتَّسدِيدِ ! وَمَا أَحرَاهُم أَن يُوكَلُوا إِلى جُهُودِهِم ! وَكَفَى بِذَلِكَ ضَيَاعًا وَخَسَارَةً ، في الحَدِيثِ عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ يَقُولُ : يَا بنَ آدَمَ ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتي أَملأْ صَدرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقرَكَ ، وَإِنْ لا تَفعَلْ مَلأتُ يَدَيكَ شُغلاً ولم أَسُدَّ فَقرَكَ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن كَانَتِ الدُّنيَا هَمَّهُ ، فَرَّقَ اللهُ عَلَيهِ أَمرَهُ ، وَجَعَلَ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ ، وَلم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ ، وَمَن كَانَتِ الآخِرَةُ نَيِّتَهُ ، جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمرَهُ ، وَجَعَلَ غِنَاهُ في قَلبِهِ ، وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
لَقَد خَلَقَ اللهُ ـ تَعَالى ـ الإِنسَانَ لِعِبَادَتِهِ وَإِقَامَةِ شَرعِهِ وَدِينِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ . إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ " فَإِذَا عَرَفَ المُؤمِنُ الهَدَفَ مِن خَلقِهِ وَإِيجَادِهِ ، عَمِلَ بِهِ وَلَهُ ، وَاستَعَدَّ لِلِقَاءِ رَبِّهِ ، وَأَعَدَّ العُدَّةَ لِلامتِحَانِ الحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مُقبِلٌ عَلَيهِ في قَبرِهِ وَيَومَ حَشرِهِ ، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيلِ أَنَّ العَبدَ المُؤمِنَ إِذَا وُضِعَ في قَبرِهِ " يَأتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ : مَن رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللهُ . فَيَقُولانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينيَ الإِسلامُ . فَيَقُولانِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُم ؟ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللهِ . فَيَقُولانِ لَهُ : وَمَا عِلمُكَ ؟ فَيَقُولُ : قَرَأتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنتُ بِهِ وَصَدَّقتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبدِي فَأَفرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وَأَلبِسُوهُ مِنَ الجَنَّةِ وَافتَحُوا لَهُ بَابًا إِلى الجَنَّةِ ، فَيَأتِيهِ مِن رَوحِهَا وَطِيبِهَا ، وَيُفسَحُ لَهُ في قَبرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ، وَيَأتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الوَجهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ : أَبشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَومُكَ الَّذِي كُنتَ تُوعَدُ . فَيَقُولُ لَهُ : مَن أَنتَ ، فَوَجهُكَ الوَجهُ يَجِيءُ بِالخَيرِ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالحُ . فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ "
وَأَمَّا الكَافِرُ فَـ" يَأتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ : مَن رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاه هَاه لا أَدرِي . فَيَقُولانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاه هَاه لا أَدرِي . فَيَقُولانِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُم ؟ فَيَقُولُ : هَاه هَاه لا أَدرِي . فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ كَذَبَ عَبدِي فَأَفرِشُوهُ مِنَ النَّارِ ، وَافتَحُوا لَهُ بَابًا إِلى النَّارِ ، فَيَأتِيهِ مِن حَرِّهَا وَسَمُومِهَا ، وَيُضَيَّقُ عَلَيهِ قَبرُهُ حَتى تَختَلِفَ أَضلاعُهُ ، وَيَأتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الوَجهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنتِنُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبشِرْ بَالَّذِي يَسُوؤُكَ ، هَذَا يَومُكَ الَّذِي كُنتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ : مَن أَنتَ ، فَوَجهُكَ الوَجهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الخَبِيثُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ لا تُقِمِ السَّاعَةَ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَعِندَ التِّرمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " لا تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ حَتى يُسأَلَ عَن أَربَعٍ : عَن عُمُرِهِ فِيمَ أَفنَاهُ ؟ وَعَن عِلمِهِ مَا فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَن مَالِهِ مِن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ ؟ وَعَن جِسمِهِ فِيمَ أَبلاهُ "
فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَحَذَارِ مِن أَن يَملأَ أَحَدُكُم قَلبَهُ بِالدُّنيَا أَو يُكثِرَ فِيهَا التَّمَنِّي ، أَو يَزدَادَ حِرصُهُ عَلَيهَا عَلَى حِسَابِ آخِرَتِهِ " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجزَى إِلاَّ مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن بَرَكَةِ العِلمِ النَّافِعِ ، أَنَّهُ لا يَنتَهِي بِامتِحَانٍ يُفَرِّغُ فِيهِ الطَّالِبُ قَلِيلاً مِنَ المَعلُومَاتِ عَلَى وَرَقَاتٍ ، ثم يَنسَاهُ أَو يَتَنَاسَاهُ وَيَنطَلِقُ في دُنيَاهُ ، مِن غَيرِ أَن يَكُونَ لَهُ عَلَيهِ أَثَرٌ حَسَنٌ في سُلُوكِهِ وَأَخلاقِهِ ، وَفي تَعَامُلِهِ وَأَخذِهِ وَعَطَائِهِ .
إِنَّ العِلمَ النَّافِعَ لا يُشبَعُ مِنهُ ، بَل كُلَّمَا ازدَادَ صَاحِبُهُ لَهُ أَخذًا ، عَلِمَ أَنَّهُ لم يَنَلْ مِنهُ شَيئًا ، وَوَجَدَ أَنَّهُ لم يُؤتَ مِنهُ إِلاَّ قَلِيلاً ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَنهُومَانِ لا يَشبَعَانِ : طَالِبُ عِلمٍ ، وَطَالِبُ دُنيَا " رَوَاهُ البَزَّارُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَإِنَّ مَا نَرَاهُ اليَومَ بَعدَ خُرُوجِ الطُّلاَّبِ مِن قَاعَاتِ الامتِحَانِ ، مِن إِلقَاءِ الكُتُبِ في الشَّوَارِعِ تَدُوسُهَا الأَقدَامُ ، وَيُهَانُ مَا فِيهَا مِن عِلمٍ وَأَعظَمُهُ اسمُ اللهِ وَآيَاتُ كِتَابِهِ وَأَقوَالُ نَبِيِّهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ ، إِنَّهُ لَمُؤَشِّرٌ عَلَى أَنَّ طُلاَّبَنَا يَعِيشُونَ جَهلاً ذَرِيعًا وَسُوءَ فَهمٍ بَالِغًا ، إِنَّهَا أَزمَةٌ يَقَعُ فِيهَا الكِبَارُ مِنَّا قَبلَ الصِّغَارِ ، وَقَد تَبدُو عَلَى المُعلِمِينَ قَبلَ الطُّلاَّبِ ، وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَن يُستَهَانَ بِالعِلمِ وَأَوعِيَتِهِ ، إِنَّهَا عَدَمُ إِتبَاعِ العِلمِ بِالعَمَلِ ، وَعَدَمُ إِثبَاتِ الأَقوَالِ بِالأَفعَالِ ، وَطَلَبُ العِلمِ مِن أَجلِ الدَّرَجَاتِ وَالشَّهَادَاتِ ، وَجَعلُهُ سُلَّمًا لِلوُصُولِ إلى المَنَاصِبِ وَالوَظَائِفِ ، وَذَلِكَ في حَقِيقَتِهِ نَوعٌ مِنَ المَقتِ لِلنُّفُوسِ وَالبُعدِ عَنِ اللهِ وَقِلَّةِ البَرَكَةِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ . كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ "
أَلا فَرَحِمَ اللهُ امرَأً تَعَلَّمَ لِيَعمَلَ ، وَتَفَقَّهَ لِيُطَبِّقَ ، وَأَخَذَ القُرآنَ لِيَتَخَلَّقَ بِهِ ، فَعَن سَعدِ بْنِ هِشَامٍ قُلْتُ : يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ ، أَنبِئِيني عَن خُلُقِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَت : أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ ؟ قُلتُ : بَلَى . قَالَت : فَإِنَّ خُلُقَ نَبيِّ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ القُرآنَ ... " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَكَانَ مِن دُعَائِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ ، وَمِن قَلبٍ لا يَخشَعُ ، وَمِن نَفسٍ لا تَشبَعُ ، وَمِن دَعوَةٍ لا يُستَجَابُ لها " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ ، وَعِندَ ابنِ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ : " سَلُوا اللهَ عِلمًا نَافِعًا ، وَتَعَوَّذُوا بَاللهِ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ "
وَرَحِمَ اللهُ القَائِلَ :
وَلم أَقضِ حَقَّ العِلمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا *** بَدَا طَمَعٌ صَيَّرتُهُ لِيَ سُلَّمَا
أَأَشقَى بِهِ غَرسًا وَأَجنِيهِ ذِلَّةً *** إِذًا فَاتِّبَاعُ الجَهلِ قَد كَانَ أَحزَمَا
وَلَو أَنَّ أَهلَ العِلمِ صَانُوهُ صَانَهُم *** وَلَو عَظَّمُوهُ في النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
وَلَكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانُوا وَدَنَّسُوا *** مُحَيَّاهُ بِالأَطمَاعِ حَتى تَجَهَّمَا
المرفقات
146.doc
147.doc
المشاهدات 5649 | التعليقات 9
وهنا ملف الخطبة ( وورد ) بتنسيقي المناسب لتوضع في الجيب .
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/الاختبارات%20بين%20طلاب%20الدنيا%20وطلاب%20الآخرة.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/الاختبارات%20بين%20طلاب%20الدنيا%20وطلاب%20الآخرة.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا شيخنا
بارك الله فيك يا شيخنا ونفع الله بك
احسن الله اليك ورفع قدرك خطبة رائعة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأثابكم الله وأحسن إليكم وأصلح لكم شـأنكم كله.
جزى الله بفضله كل من مر وشكر ودعا ، وأجاب دعاءهم ، وجعلنا جميعًا بمنه وكرمه من الموفقين لما يرضيه عنا ، إنه جواد كريم .
الشمراني الشمراني
تعديل التعليق