خطبة الإمام مالك وإجازة الصيف
بدر راشد الدوسري
1431/07/20 - 2010/07/02 11:44AM
أَيُّهَا الْمُسْلِمُوْن:
إِن أُمَّتَنَا الْإِسْلَامِيَّة أُمَّة أَمْجَاد وَحَضَارَة، وَتَارِيْخ وَأَصَالَة، وَقَد ازْدَان سِجِلُّهَا الْحَافِل عَبْر الْتَّارِيْخ بِكَوْكَبَة مِن الْأَئِمَّة الْعِظَام،وَالْعُلَمَاء الْأَفْذَاذ الْكِرَام
فَفِي تَارِيْخ الْإِسْلَام عُلَمَاء رَبَّانِيُّوْن،وَأَعْلَام عَامِلُوْن،وَأَئِمَّة مَهْدِيُّوْن،هُم مِن مِنَّة الَلّه عَلَى هَذِه الْأُمَّة، قَامُوْا بِالْإِسْلَام وَلِلْإِسْلام،/ يُحْيُوْن بِكِتَاب الْلَّه الْمَوْتَى، وَيُبْصِرُوْن بِه أَهْل الْعَمَى، وَيُرْشِدُون بِه مِن ضَل مِنْهُم إِلَى الْهُدَى، فَكَم مِن قَتِيْل لِإِبْلِيس قَد أَحْيَوْه، وَكَم مِن ضَال تَائِه قَد هَدَوْه، وَكَان مِن أَجَل هَؤُلَاء الْأَئِمَّة يَاعِبَاد الْلَّه وَيُعَد بِجَدَارَة إِمَام دَار الْهِجْرَة الَّذِي نَشَأ فِي طَيْبَة الْطَّيِّبَة وَعُنْوَان خِطْبَة الْيَوْم،وَهُو: الْإِمَام مَالِك وَإِجَازَة الْصَّيْف!/ فَمَا عَلَاقَة سِيْرَة الْإِمَام مَالِك رَحِمَه الْلَّه، وَإِجَازَة الْصَّيْف؟ لَاشَك أَن فِي حَيَاة الْإِمَام مَالِك، مَن الْعِبَر الَّتِي تُرْشِدُنَا فِي بَعْض الْأُمُور الْمُهِمَّة وَالْمُتَعَلِّقَة بِاسْتِغْلَال الْإِجَازَة، وَكَيْفِيَّة الاسْتِفَادَة مِنْهَا. خَاصَّة وَنَحْن نَعِيْش فِي عُطْلَة الْصَّيْف وَمَا تَحْتَوِيْه مِن الْفَرَاغ الَّذِي يَقْتُل الطَّاقَات، وَيُدْفَن الْمَهَارَات.فَدَعُوْنَا نُذَكِّر بَعْضَا مِن الْوَقَفَات فِي حَيَاتِه ثُم نَذْكُر مَا يُمْكِن الِاسْتِفَادَة مِنْهَا فِي إِجَازَة الْطُّلاب الْصَّيْفِيَّة:
الْوِقْفَة الْأُوْلَى: وُلِد مَالِك بْن أَنَس فِي مَدِيْنَة رَسُوْل الْلَّه، وَنَشَأ يَطْلُب الْعِلْم وَهُو غَض طَرِي، فَحَصَّل من الْعِلْم الْكَثِيْر، وَتَأَهَّل لِلْفُتْيَا وَهُو ابْن إِحْدَى وَعِشْرِيْن سَنَة،فَمَا السِّر فِي ذَلِك؟ كَان وَرَاء ذَلِك الْعَالَم أَمَّا أَحْسَنْت تَوْجِيْه ابْنَهَا، حَيْث أَتَت لَه وَقَالَت: "اذْهَب إِلَى رَبِيْعَة فَتَعَلَّم مِن أَدَبِه قَبْل عِلْمِه"، هَذِه الْمَرْأَة عَرَفْت دَوْرَهَا فِي الْحَيَاة، وَرِسَالَتُهَا فِي التَّرْبِيَة وَإِعْدَاد الْجِيْل، وَأَن الْأَدَب قَرِيْن الْعِلْم، وَلَا قِيْمَة لِلْعِلْم بِلَا أَدَب، فَصَنَعْت هَذِه الْمَرْأَة رَجُلا صَنَع أُمَّة. لَيْسَت مُهِمَّة الْأَب وَالْأُم تَّغْذِيَة الْجَسَد وَالْعَمَل عَلَى وِقَايَتِه مِن الْأَمْرَاض فَحَسْب،لَيْس دُوْرِهِم فَقَط أَن يَخْتَارُوْا لِوَلَدِهِم الْمَكَان الَّذِي سَيُسَافِر إِلَيْه، لَيْس دُوْرِهِم فَقَط أَن يَشْتَرُوْا لَه الْهَدَايَا الْمَادِّيَّة لِنَجَاحِه، بَل رِسَالَتِهُم أَجَل وَأَكْبَر وَأَعْظَم،رِسَالَتِهُم تَقْوِيَة الْإِيْمَان، وَبَنَّاء الْشَّخْصِيَّة، وَتَنْمِيَة الْعَقْل،وَحَفَّز الْهِمَم نَحْو الْمَعَالِي، وَلَن تَبْلُغ ذَلِك حَتَّى تَذْوِي كُل الْهُمُوم الْدُّنْيَوِيَّة أَمَام هُم الْتَّرْبِيَة الْأَكْبَر.قَال مَالِك لِفَتَى مِن قُرَيْش: "يَا ابْن أَخِي، تَعْلَم الْأَدَب قَبْل أَن تَتَعَلَّم الْعِلْم"، وَقَال ابْن وَهْب: "الَّذِي تُعَلِّمُنَا مِن أَدَب مَالِك أَكْثَر مِمَّا تَعَلَّمْنَاه مِن عِلْمِه" مَع أَنَّهُم تَعَلَّمُوْا مِنْه عِلْما كَثِيْرا.
وَقَال يَحْيَى بْن يَحْيَى الْتَّمِيْمِي: "أَقَمْت عِنْد مَالِك بْن أَنَس بَعْد كَمَال سَمَاعِي مِنْه سَنَة أَتَعْلَم هَيْئَتَه وَشَمَائِلِه، فَإِنَّهَا شَمَائِل الْصَّحَابَة وَالْتَّابِعِيْن".مَا الْفَائِدَة إِذَا كَان الْوَلَد يُذْهِب إِلَى حَلَقَات الْقُرْآَن،وَهُو لَا يُحْسِن الْأَدَب فِي الْمَسْجِد ، وَيُفْرِط فِي الْصَّلَوَات ،وَيُسَلِّط لِسَانِه عَلَى الْآَخَرِيْن؟/ لَا خَيْر فِي عِلْم امْرِئ لَم يُكْسِبُه أَدَبا وَيُهَذِّبُه خُلُقا، فَالجَفْوّة بَيْن الْعِلْم وَالْأَدَب تُفْرَز أَعْرَاضا مَّرْضِيَّة، مِنْهَا الْتَّهَجُّم عَلَى الْعُلَمَاء،وَالْتَّطَاوُل عَلَى الْفُضَلَاء، وَسُوْء الْأَخْلَاق،وِشُذُوْذ الْسُّلُوك، وَعُقُوْق الْوَالِدَيْن، وَالتَّقْلِيْد الْأَعْمَى فِي الْهَيْئَة وَالْلِّبَاس .
الْوَقْفَة الْثَّانِيَة : أَتَدْرُوْن مَتَى جَلَس الْإِمَام, مَالِك لِلْفُتْيَا؟ لَم يَجْلِس حَتَّى شَهِد لَه سَبْعُوْن شَيْخا مِن أَهْل الْعِلْم أَنَّه مَوْضِع لِذَلِك! سُبْحَان الْلَّه، فِرَق بَيْن مَن يُزَكِّي نَفْسَه وْيُصَدِّرْهَا، وَمَن يُصْدِرُه أَهْل الْعِلْم وَالْفَضْل. يَقُوْل الْإِمَام مَالِك: "وَلَيْس كُل مَن أَحَب أَن يَجْلِس فِي الْمَسْجِد لِلْحَدِيْث وَالْفُتْيَا جَلَس، حَتَّى يُشَاوِر فِيْه أَهْل الْصَّلَاح وَالْفَضْل، فَإِن رَأَوْه أَهْلَا لِذَلِك جَلَس، وَمَا جَلَسْت حَتَّى شَهِد لِي سَبْعُوْن شَيْخا مِن أَهْل الْعِلْم أَنِّي مَوْضِع لِذَلِك" الْوَقْفَة الْثَّالِثَة :وَهِي مِن أَهَم الْوَقَفَات الَّتِي لَابُد أَن نُرّكِز عَلَيْهَا، فَقَد كَتَب إِلَى الْإِمَام مَالِك أَحَد عُبَّاد عَصْرِه رَجُل تُمَيِّز بِالْعِبَادَة وَالْتَّبَتُّل، يَحُض الْإِمَام مَالِك عَلَى الِانْفِرَاد وَالْعَمَل، وَعَدَم ضَيَاع الْوَقْت فِي الْعِلْم، / فَكَتَب إِلَيْه مَالِك رَحِمَه الْلَّه، وَانْظُر إِلَى هَذِه الْحِكْمَة مِن رَجُل عَظِيْم: "إِن الْلَّه قَسَّم الْأَعْمَال كَمَا قَسَّم الْأَرْزَاق،فَرُب رَجُل فُتِح لَه فِي الصَّلَاة وَلَم يَفْتَح لَه فِي الْصَّوْم، وَآَخَر فُتِح لَه فِي الْصَّدَقَة وَلَم يُفْتَح لَه فِي الْصَّوْم، وَآَخَر فُتِح لَه فِي الْجِهَاد، وَآَخَر فُتِح لَه فِي الْعِلْم، وَنَشْر الْعِلْم مِن أَفْضَل الْأَعْمَال، وَقَد رَضِيْت بِمَا فُتِح لِي فِيْه،وَمَا أَظُن مَا أَنَا فِيْه بِدُوْن مَا أَنْت فِيْه، وَأَرْجُو أَن يَكُوْن كِلَانَا عَلَى خَيْر وَبِر" انْتَهَى كَلَامُه رَحِمَه الْلَّه.
أَيُّهَا الْإِخْوَة الْمُؤْمِنُوْن:لَا شَك أَن الْأَبْنَاء يَخْتَلِفُوْن فِي مَهَارَاتِهِم،وَعُقُوْلَهُم، واهْتَمَامَاتِهُم، كَمَا أَن فِي الْمُجْتَمَع أُنَاس يَتَصَدَّقُوْن، وَأُنَاس يَتَعَبَّدُوْن،وَأُنَاس يَعِظُون، وَأُنَاس يَتَعَلَّمُوْن،وَأُنَاس يَعْلَمُوْن، وَأُنَاس يَأْمُرُوْن بِالْمَعْرُوْف وَيَنْهَوْن عَن الْمُنْكَر،وَأُنَاس يَخْدِمُوْن الْدِّيْن بِتَخَصَّصاتِهُم الْعِلْمِيَّة وَشَهَادَاتِهُم الْعَالَمِيَّة، كَذَلِك شَبَاب الْأُمَّة، يَخْتَلِفُوْن فِي قُدُرَاتِهِم، وَلَابُد أَن نُرَاعِي هَذِه الْفُرُوْقَات وَنُقَدِّرُهَا ونُنْمِيُّهَا،ونُساعْدَهُم عَلَى تَحْقِيْقِهَا .
الْوَقْفَة الْرَّابِعَة : كَان مَالِك إِذَا سُئِل عَن مَسْأَلَة قَال لِلْسَّائِل انْصَرَف حَتَّى أَنْظُر فِيْهَا، فَيَنْصَرِف وَيَتَرَدَّد فِيْهَا، فَقُلْنَا لَه فِي ذَلِك، فَبَكَى وَقَال: "إِنِّي أَخَاف أَن يَكُوْن لِي مِن الْسَّائِل يَوْم وَأَي يَوْم". وَقَال بَعْضُهُم لَكَأَنَّمَا مَالِك -وَالْلَّه- إِذَا سُئِل عَن مَسْأَلَة وَاقِف بَيْن الْجَنَّة وَالْنَّار. هَؤُلَاء الْعُلَمَاء الَّذِيْن مَلَئُوْا الْدُّنْيَا بِعِلْمِهِم وَعَمَلِهِم، يَقُوْل أَحَدُهُم أَحْيَانا: "لَا أَدْرِي"، وَإِنَّك لَتَعْجَب أَشَد الْعُجْب مِن أَقْوَام لَيْس لَهُم حَظ مِن الْعِلْم الْشَّرْعِي يُؤَهِّلُهُم لِلْفُتْيَا ثُم يَقْتَحِمُون حُمَّى الْشَرِيعَة فَيَخُوضُون تَحْلِيْلا وَتَحْرِيْما،وَقَد تُطْرَح مَسْأَلَة شَرْعِيَّة فِي مَجْلِس فَلَا يَنْقَضِي الْمَجْلِس حَتَّى يُفْتِي الْجَمِيْع عَلَى اخْتِلَاف فَئَاتِهِم وتَخَصَّصاتِهُم، هَذَا يَقُوْل فِي ظَنِّي، وَذَاك فِي اعْتِقَادِي، وَآَخِر يُجْزَم بِالتَّحْلِيْل وَالْتَّحْرِيْم، فَسُبْحَانَك رَبِّي هَل غَدَا الْتَّحْلِيل وَالْتَّحْرِيْم وَالْتَّوْقِيْع عَن رَب الْعَالَمِيْن مَرْتَعا لِلْجَهْل وَالْظُّنُوْن وَالْأَوْهَام فَاحْذَرُوا يَا عِبَاد الْلَّه مِن هَذِه الْمَزَالِق الَّتِي تَجْلِب عَلَى الْأُمَّة الْوَيْلات وَالْضَّعْف .الْلَّهُم إِنّا نَسْأَلُك الْعِلْم الْنَّافِع وَالْعَمَل الْصَّالِح يَارَب الْعَالَمِيْن أَقُوْل مَا تَسْمَعُوْن، وَأَسْتَغْفِر الْلَّه الْعَظِيْم، فَاسْتَغْفِرُوْه إِنَّه هُو الْغَفُوْر الْرَّحِيْم
الْخُطْبَة الْثَّانِيَة
إِن الْوَقْت لَا يَتَوَقَّف، وَإِن الْعُمْر فِي ازْدِيَاد، وَإِن الْأَجَل يُقَرِّب وَيَدْنُو، وَالْمَوْت بِالْمِرْصَاد لَا يَغْفُل وَكُلَّمَا فَرْط الْإِنْسَان فِي عُمُرِه تَحَسَّر يَوْم يَلْقَى رَبَّه، فَيَقُوْل كَمَا قَال أَن تَقُوْل نَفْس يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا}الْلَّه تَعَالَى فِي كِتَابِه: [الْزُّمَر:56]، فَهَل بَعْد هَذَا الْتَّحْذِيْر مِن{فَرَّطْت فِي جَنْب الْلَّه عَمَل وَبَذَل.قَال ابْن مَسْعُوْد رَضِي الْلَّه عَنْه:"مَا نَدِمْت عَلَى شَيْء نَدَمِي عَلَى يَوْم غَرَبَت شَمْسُه نَقَص فِيْه أَجْلِي وَلَم يَزْدَد فِيْه عَمَلِي".وَقَال الْحَسَن الْبَصَرِي رَحِمَه الْلَّه:"يَا ابْن آَدَم إِنّمَا أَنْت أَيَّام، إِذَا ذَهَب يَوْم ذَهَب بَعْضُك " / وَلَقَد كَان الْسَّلَف رِضْوَان الْلَّه عَلَيْهِم أَحْرَص مَا يَكُوْنُوْن عَلَى أَوْقَاتِهِم لِأَنَّهُم كَانُوْا أَعْرِف الْنَّاس بِقِيْمَتِهَا، وَكَانُوْا يَحْرِصُوْن كُل الْحِرْص عَلَى أَلَا يَمُر يَوْم أَو بَعْض يَوْم أَو بُرْهَة مِن الْزَّمَان وَإِن قَصِرْت , دُوْن أَن يَتَزَوَّدُوْا مِنْهَا بِعِلْم نَافِع أَو عَمَل صَالِح أَو مُجَاهَدَة نَفْس، أَو إِسْدَاء نَفَع إِلَى الْغَيْر، يَقُوْل الْحَسَن الْبَصْرِي رَحِمَه الْلَّه:"أَدْرَكْت أَقْوَامُا كَانُوْا عَلَى أَوْقَاتِهِم أَشَد مِنْكُم حَرْصا عَلَى دَرَاهِمِكُم وَدَنَانِيْرَكُم".
عِبَاد الْلَّه يَنْبَغِي تَنَّظِيم الْوَقْت: بِحَيْث يَقُوْم الْمُسْلِم بِتَنْظِيْم وَقْتِه بَيْن الْوَاجِبَات وَالْنَّوَافِل، وَبَيْن الْأَعْمَال الْدِّيْنِيَّة وَالْدُّنْيَوِيَّة بِحَيْث لَا يَطْغَى بَعْضَهَا عَلَى بَعْض، وَلَا يَطْغَى غَيْر الْمُهِم عَلَى الْأَهَم، / وَأَبْوَاب اسْتِثْمَار وَقْت الْإِجَازَة كَثِيْرَة جَدَّا وَخَاصَّة لِلْشَّبَاب وَالْفَتَيَات،وَلَهُمَا أَن يَجْتَهِدَا فِي تَحْصِيْل مَا يَسْتَطِيعَانَه خِلَالَهَا، وَمَن صَدَق إِلَى الْلَّه فُرَارُه ومن حَسَن مَن الْلَّه قَرَارُه يَقُوْل صلى الله عليه وسلم (احْرِص عَلَى مَا يَنْفَعُك، وَاسْتَعِن بِالْلَّه، وَلَا تَعْجِز)خَرَّجَه مُسْلِم مِن حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَة رَضِي لَلَّه عَنْه0 وَمِن تِلْك الْأَبْوَاب:
أَوَّلَا: حُفِظ كِتَاب الْلَّه تَعَالَى وَتُعَلِّمُه: وَهَذَا خَيْر مَا يَسْتَغِل بِه الْمُسْلِم وَقْتِه، وَقَدحث صلى الله عليه وسلم عَلَى تَعَلُّم كِتَاب الْلَّه فَقَال (خَيْرُكُم مَن تَعَلَّم الْقُرْآَن وَعَلَّمَه) رَوَاه الْبُخَارِي، فَلْيَحْرِص أَبْنَاؤُنَا وَبَنَاتِنَا عَلَى الالْتِحَاق بِدَوْرَات تَحْفِيْظ الْقُرْآن فَخَيْر مَا عْمّرْت بِه الْأَوْقَات قِرَاءَة الْقُرْآَن.
ثَانِيا: طَلَب الْعِلْم: فَقَد كَان الْسَّلَف الْصَّالِح أَكْثَر حَرْصا عَلَى اسْتِثْمَار أَوْقَاتُهُم فِي طَلَب الْعِلْم وَتَحْصِيْلِه،وَقِرَاءَة الْكُتُب وَذَلِك لِأَنَّهُم أَدْرِكُوْا أَنَّهُم فِي حَاجَة إِلَيْه أَكْبَر مِن حَاجَتِهِم إِلَى الْطَّعَام وَالْشَّرَاب، فَعَلَى الْشَبَاب الْحِرْص عَلَى حُضُوْر الْدَّوْرَات الْعِلْمِيَّة وَاخْتِيَار مَا يَحْتَاجُه وَمَا يُنَاسِبُه.
ثَالِثا : ذِكْر الْلَّه تَعَالَى:لِقَوْل الْنَّبِي (لَا يَزَال لِسَانُك رَطْبَا مِن ذِكْرالْلَّه) رَوَاه الْتِّرْمِذِي وَصَحَّحَه الْأَلْبَانِي فِي جَامِع الْتِّرْمِذِي ، وَذَلِك بِالْمُحَافَظَة عَلَى أَذْكَار الْصَّبَاح وَالْمَسَاء، وَالْأَذْكَار فِي دُبُر الْصَّلَوَات، وَغَيَّر ذَلِك مِن الْأَوْرَاد وَالْأَذْكَار وَالْأَدْعِيَة، فَإِن الْحَسَنَة بِعَشْر أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَة ضِعْف إِلَى أَضْعَاف كَثِيْرَة، وَالْلَّه يُضَاعِف لِمَن يَشَاء.
رَابِعا: الْإِكْثَار مِن الْنَّوَافِل وَالْطَّاعَات: وَهُو مَجَال مُهِم لِاغْتِنَام أَوْقَات الْعُمْر فِي طَاعَة الْلَّه وَالْلَّه يَقُوْل وَلايَزَال عَبْدِي يَتَقَرَّب إِلَي بِالْنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّه .
خَامِسَا: صِلَة الْأَرْحَام:وَخَاصَّة فِي هَذِه الْإِجَازَة، لِتَفْرُغ الْكَثِيْر مِن الْأَسْر، فَيَقُوْم الْمُسْلِم بِزِيَارَة أَقَارِبِه، وَإِدْخَال الْسُّرُوْر عَلَيْهِم،وَالْحِرْص عَلَى دَعَوْتُهُم لِلْخَيْر وَتَوْجِيْهِهِم إِلَيْه، فَهَذَا مِن أَفْضَل الْأَعْمَال الَّتِي يُحِبُّهَا الْلَّه تَعَالَى
سَادِسا: الْقِيَام بِزِيَارَة بَيْت الْلَّه الْحَرَام لِأَدَاء الْعُمُرَة وَالْتَّمَتُّع بِالصَّلَاة فِيْه فَالصَّلَاة الْوَاحِدَة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة أَلْف صَلَاة فِيْمَا سِوَاه، وَزِيَارَة مَسْجِد الْرَّسُوْل فَالصَّلَاة فِيْه بِأَلْف صَلَاة 0 .
وأخيرا : الْتَّرْوِيْح عَن الْنَّفْس: وَالْسَّفَر فِي رِحْلَات عَائِلِيَّة . لِلْنُّزْهَة فِي دَاخِل الْبِلاد وَبَيْن أَظْهَر الْمُسْلِمِيْن وَيَبْتَعِد عَن السِّيَاحَة الْمُحَرَّمَة إِلَى بِلَاد الْكُفَّار لِأَن الْسَّفَر إِلَى بِلَاد الْكُفْر مُحَرَّم إِلَا لِضَرُوْرَة عَلَاج ، أَو تِجَارَة ، أَو دَعْوَة ، لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْه مِن مَفَاسِد دِيْنِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة لَا تَخْفَى عَلَى أَحَد . وَقَد قَال الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( أَنَا بَرِيْء مِن كُل مُسْلِم يُقِيْم ! بَيْنَالْمُشْرِكِين ) وَقَال أَيْضا : ( لَا يَقْبَل الْلَّه مِن مُشْرِك عَمَلا بَعْد مَا أَسْلَم أَو يُفَارِق الْمُشْرِكِينْإِلَى الْمُسْلِمِيْن ) وَالْمَعْنَى حَتَّى يُفَارِق الْمُشْرِكِيْن
عِبَاد الْلَّه : فَالَبِدَار الْبِدَار إِلَى اسْتِغْلَال الْأَوْقَات، وَتَدَارَك بَاقِي الْأَعْمَار جَعَلَنِي وَإِيَّاكُم مِن الَّذِيْن يَسْتَمِعُوْن الْقَوْل فَيَتَّبِعُوْن أَحْسَنَه
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى رَسُوْل الْلَّه ، امْتَثَالا لِأَمْر الْلَّه حَيْث أَمَرَنَا فقال (إِن الْلَّه وَمَلَائِكَتَه يُصَلُّوْن على النبي يَا أَيُّهَا الَّذِيْن آَمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْه وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْما ) الْأَحْزَاب : 56 ،الْلَّهُم صَل وَسَلِّم عَلَى نَبِيِّك مُحَمَّدوَعَلَى آَلِه وَصَحْبِه أَجْمَعِيْن وَارْض الْلَّهُم عَن خُلَفَائِه الْرَّاشِدِيْن أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِي وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِك وَكَرَمِك يَا أَكْرَم الْأَكْرَمِيْن ، الْلَّهُم أَعِز الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمِيْن ، وَأَذَل الْشِّرْك وَالْمُشْرِكِيْن وَدَمِّر أَعْدَاء الْدِّيْن ، الْلَّهُم لَا تَدَع لَنَا ذَنْبَا إِلَا غَفَرْتَه، وَلَا هَمَّا إِلَا فَرَّجْتَه،وَلَا دَيْنَا إِلَا قَضَيْتَه ،وَلَا مُبْتَلَى إِلَا عَافَيْتَه، وَلَا مَرِيِضَا إِلَا شَفَيْتَه ،وَلَا حَيْرَانَا إِلَا دَلَلْتَه، بِرَحْمَتِك يَاأَرْحَم الْرَّاحِمِيْن ، الْلَّهُم أَهْد شَبَاب الْمُسْلِمِيْن ، الْلَّهُم نَوِّر بَصَائِرُهُم إِلَى طَرِيْق الْصَّوَاب ، الْلَّهُم اهْدِهِم إِلَى سَوَاء الْسَّبِيل ، الْلَّهُم انْفَع بِهِم أُمَّتُهُم ، الْلَّهُم طَهِّر قُلُوْبِهِم وَقُلُوْبِنَا مِن الْنِّفَاق ،وَأَعْمَالَنَا مِن الْرِّيَاء ،وَالْسِنَتَنَا مِن الْكَذِب، وَأَعْيُنَنَا مِن الْخِيَانَة ، إِنَّك تَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الْصُّدُوْر ، الْلَّهُم اجْعَل حَوَاسُّنَا وَجَوَارِحَنَا شَاهِدَة لَنَا بِاكْتِسَاب الْخَيْرَات ،لَا شَاهِدَة عَلَيْنَابِانْتِهَاك الْمُحَرَّمَات (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الْدُّنْيَاحَسَنَة وَفِي الْآَخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب الْنَّار)
مستفاد من مجموعة خطب وخاصة خطب القنام
إِن أُمَّتَنَا الْإِسْلَامِيَّة أُمَّة أَمْجَاد وَحَضَارَة، وَتَارِيْخ وَأَصَالَة، وَقَد ازْدَان سِجِلُّهَا الْحَافِل عَبْر الْتَّارِيْخ بِكَوْكَبَة مِن الْأَئِمَّة الْعِظَام،وَالْعُلَمَاء الْأَفْذَاذ الْكِرَام
فَفِي تَارِيْخ الْإِسْلَام عُلَمَاء رَبَّانِيُّوْن،وَأَعْلَام عَامِلُوْن،وَأَئِمَّة مَهْدِيُّوْن،هُم مِن مِنَّة الَلّه عَلَى هَذِه الْأُمَّة، قَامُوْا بِالْإِسْلَام وَلِلْإِسْلام،/ يُحْيُوْن بِكِتَاب الْلَّه الْمَوْتَى، وَيُبْصِرُوْن بِه أَهْل الْعَمَى، وَيُرْشِدُون بِه مِن ضَل مِنْهُم إِلَى الْهُدَى، فَكَم مِن قَتِيْل لِإِبْلِيس قَد أَحْيَوْه، وَكَم مِن ضَال تَائِه قَد هَدَوْه، وَكَان مِن أَجَل هَؤُلَاء الْأَئِمَّة يَاعِبَاد الْلَّه وَيُعَد بِجَدَارَة إِمَام دَار الْهِجْرَة الَّذِي نَشَأ فِي طَيْبَة الْطَّيِّبَة وَعُنْوَان خِطْبَة الْيَوْم،وَهُو: الْإِمَام مَالِك وَإِجَازَة الْصَّيْف!/ فَمَا عَلَاقَة سِيْرَة الْإِمَام مَالِك رَحِمَه الْلَّه، وَإِجَازَة الْصَّيْف؟ لَاشَك أَن فِي حَيَاة الْإِمَام مَالِك، مَن الْعِبَر الَّتِي تُرْشِدُنَا فِي بَعْض الْأُمُور الْمُهِمَّة وَالْمُتَعَلِّقَة بِاسْتِغْلَال الْإِجَازَة، وَكَيْفِيَّة الاسْتِفَادَة مِنْهَا. خَاصَّة وَنَحْن نَعِيْش فِي عُطْلَة الْصَّيْف وَمَا تَحْتَوِيْه مِن الْفَرَاغ الَّذِي يَقْتُل الطَّاقَات، وَيُدْفَن الْمَهَارَات.فَدَعُوْنَا نُذَكِّر بَعْضَا مِن الْوَقَفَات فِي حَيَاتِه ثُم نَذْكُر مَا يُمْكِن الِاسْتِفَادَة مِنْهَا فِي إِجَازَة الْطُّلاب الْصَّيْفِيَّة:
الْوِقْفَة الْأُوْلَى: وُلِد مَالِك بْن أَنَس فِي مَدِيْنَة رَسُوْل الْلَّه، وَنَشَأ يَطْلُب الْعِلْم وَهُو غَض طَرِي، فَحَصَّل من الْعِلْم الْكَثِيْر، وَتَأَهَّل لِلْفُتْيَا وَهُو ابْن إِحْدَى وَعِشْرِيْن سَنَة،فَمَا السِّر فِي ذَلِك؟ كَان وَرَاء ذَلِك الْعَالَم أَمَّا أَحْسَنْت تَوْجِيْه ابْنَهَا، حَيْث أَتَت لَه وَقَالَت: "اذْهَب إِلَى رَبِيْعَة فَتَعَلَّم مِن أَدَبِه قَبْل عِلْمِه"، هَذِه الْمَرْأَة عَرَفْت دَوْرَهَا فِي الْحَيَاة، وَرِسَالَتُهَا فِي التَّرْبِيَة وَإِعْدَاد الْجِيْل، وَأَن الْأَدَب قَرِيْن الْعِلْم، وَلَا قِيْمَة لِلْعِلْم بِلَا أَدَب، فَصَنَعْت هَذِه الْمَرْأَة رَجُلا صَنَع أُمَّة. لَيْسَت مُهِمَّة الْأَب وَالْأُم تَّغْذِيَة الْجَسَد وَالْعَمَل عَلَى وِقَايَتِه مِن الْأَمْرَاض فَحَسْب،لَيْس دُوْرِهِم فَقَط أَن يَخْتَارُوْا لِوَلَدِهِم الْمَكَان الَّذِي سَيُسَافِر إِلَيْه، لَيْس دُوْرِهِم فَقَط أَن يَشْتَرُوْا لَه الْهَدَايَا الْمَادِّيَّة لِنَجَاحِه، بَل رِسَالَتِهُم أَجَل وَأَكْبَر وَأَعْظَم،رِسَالَتِهُم تَقْوِيَة الْإِيْمَان، وَبَنَّاء الْشَّخْصِيَّة، وَتَنْمِيَة الْعَقْل،وَحَفَّز الْهِمَم نَحْو الْمَعَالِي، وَلَن تَبْلُغ ذَلِك حَتَّى تَذْوِي كُل الْهُمُوم الْدُّنْيَوِيَّة أَمَام هُم الْتَّرْبِيَة الْأَكْبَر.قَال مَالِك لِفَتَى مِن قُرَيْش: "يَا ابْن أَخِي، تَعْلَم الْأَدَب قَبْل أَن تَتَعَلَّم الْعِلْم"، وَقَال ابْن وَهْب: "الَّذِي تُعَلِّمُنَا مِن أَدَب مَالِك أَكْثَر مِمَّا تَعَلَّمْنَاه مِن عِلْمِه" مَع أَنَّهُم تَعَلَّمُوْا مِنْه عِلْما كَثِيْرا.
وَقَال يَحْيَى بْن يَحْيَى الْتَّمِيْمِي: "أَقَمْت عِنْد مَالِك بْن أَنَس بَعْد كَمَال سَمَاعِي مِنْه سَنَة أَتَعْلَم هَيْئَتَه وَشَمَائِلِه، فَإِنَّهَا شَمَائِل الْصَّحَابَة وَالْتَّابِعِيْن".مَا الْفَائِدَة إِذَا كَان الْوَلَد يُذْهِب إِلَى حَلَقَات الْقُرْآَن،وَهُو لَا يُحْسِن الْأَدَب فِي الْمَسْجِد ، وَيُفْرِط فِي الْصَّلَوَات ،وَيُسَلِّط لِسَانِه عَلَى الْآَخَرِيْن؟/ لَا خَيْر فِي عِلْم امْرِئ لَم يُكْسِبُه أَدَبا وَيُهَذِّبُه خُلُقا، فَالجَفْوّة بَيْن الْعِلْم وَالْأَدَب تُفْرَز أَعْرَاضا مَّرْضِيَّة، مِنْهَا الْتَّهَجُّم عَلَى الْعُلَمَاء،وَالْتَّطَاوُل عَلَى الْفُضَلَاء، وَسُوْء الْأَخْلَاق،وِشُذُوْذ الْسُّلُوك، وَعُقُوْق الْوَالِدَيْن، وَالتَّقْلِيْد الْأَعْمَى فِي الْهَيْئَة وَالْلِّبَاس .
الْوَقْفَة الْثَّانِيَة : أَتَدْرُوْن مَتَى جَلَس الْإِمَام, مَالِك لِلْفُتْيَا؟ لَم يَجْلِس حَتَّى شَهِد لَه سَبْعُوْن شَيْخا مِن أَهْل الْعِلْم أَنَّه مَوْضِع لِذَلِك! سُبْحَان الْلَّه، فِرَق بَيْن مَن يُزَكِّي نَفْسَه وْيُصَدِّرْهَا، وَمَن يُصْدِرُه أَهْل الْعِلْم وَالْفَضْل. يَقُوْل الْإِمَام مَالِك: "وَلَيْس كُل مَن أَحَب أَن يَجْلِس فِي الْمَسْجِد لِلْحَدِيْث وَالْفُتْيَا جَلَس، حَتَّى يُشَاوِر فِيْه أَهْل الْصَّلَاح وَالْفَضْل، فَإِن رَأَوْه أَهْلَا لِذَلِك جَلَس، وَمَا جَلَسْت حَتَّى شَهِد لِي سَبْعُوْن شَيْخا مِن أَهْل الْعِلْم أَنِّي مَوْضِع لِذَلِك" الْوَقْفَة الْثَّالِثَة :وَهِي مِن أَهَم الْوَقَفَات الَّتِي لَابُد أَن نُرّكِز عَلَيْهَا، فَقَد كَتَب إِلَى الْإِمَام مَالِك أَحَد عُبَّاد عَصْرِه رَجُل تُمَيِّز بِالْعِبَادَة وَالْتَّبَتُّل، يَحُض الْإِمَام مَالِك عَلَى الِانْفِرَاد وَالْعَمَل، وَعَدَم ضَيَاع الْوَقْت فِي الْعِلْم، / فَكَتَب إِلَيْه مَالِك رَحِمَه الْلَّه، وَانْظُر إِلَى هَذِه الْحِكْمَة مِن رَجُل عَظِيْم: "إِن الْلَّه قَسَّم الْأَعْمَال كَمَا قَسَّم الْأَرْزَاق،فَرُب رَجُل فُتِح لَه فِي الصَّلَاة وَلَم يَفْتَح لَه فِي الْصَّوْم، وَآَخَر فُتِح لَه فِي الْصَّدَقَة وَلَم يُفْتَح لَه فِي الْصَّوْم، وَآَخَر فُتِح لَه فِي الْجِهَاد، وَآَخَر فُتِح لَه فِي الْعِلْم، وَنَشْر الْعِلْم مِن أَفْضَل الْأَعْمَال، وَقَد رَضِيْت بِمَا فُتِح لِي فِيْه،وَمَا أَظُن مَا أَنَا فِيْه بِدُوْن مَا أَنْت فِيْه، وَأَرْجُو أَن يَكُوْن كِلَانَا عَلَى خَيْر وَبِر" انْتَهَى كَلَامُه رَحِمَه الْلَّه.
أَيُّهَا الْإِخْوَة الْمُؤْمِنُوْن:لَا شَك أَن الْأَبْنَاء يَخْتَلِفُوْن فِي مَهَارَاتِهِم،وَعُقُوْلَهُم، واهْتَمَامَاتِهُم، كَمَا أَن فِي الْمُجْتَمَع أُنَاس يَتَصَدَّقُوْن، وَأُنَاس يَتَعَبَّدُوْن،وَأُنَاس يَعِظُون، وَأُنَاس يَتَعَلَّمُوْن،وَأُنَاس يَعْلَمُوْن، وَأُنَاس يَأْمُرُوْن بِالْمَعْرُوْف وَيَنْهَوْن عَن الْمُنْكَر،وَأُنَاس يَخْدِمُوْن الْدِّيْن بِتَخَصَّصاتِهُم الْعِلْمِيَّة وَشَهَادَاتِهُم الْعَالَمِيَّة، كَذَلِك شَبَاب الْأُمَّة، يَخْتَلِفُوْن فِي قُدُرَاتِهِم، وَلَابُد أَن نُرَاعِي هَذِه الْفُرُوْقَات وَنُقَدِّرُهَا ونُنْمِيُّهَا،ونُساعْدَهُم عَلَى تَحْقِيْقِهَا .
الْوَقْفَة الْرَّابِعَة : كَان مَالِك إِذَا سُئِل عَن مَسْأَلَة قَال لِلْسَّائِل انْصَرَف حَتَّى أَنْظُر فِيْهَا، فَيَنْصَرِف وَيَتَرَدَّد فِيْهَا، فَقُلْنَا لَه فِي ذَلِك، فَبَكَى وَقَال: "إِنِّي أَخَاف أَن يَكُوْن لِي مِن الْسَّائِل يَوْم وَأَي يَوْم". وَقَال بَعْضُهُم لَكَأَنَّمَا مَالِك -وَالْلَّه- إِذَا سُئِل عَن مَسْأَلَة وَاقِف بَيْن الْجَنَّة وَالْنَّار. هَؤُلَاء الْعُلَمَاء الَّذِيْن مَلَئُوْا الْدُّنْيَا بِعِلْمِهِم وَعَمَلِهِم، يَقُوْل أَحَدُهُم أَحْيَانا: "لَا أَدْرِي"، وَإِنَّك لَتَعْجَب أَشَد الْعُجْب مِن أَقْوَام لَيْس لَهُم حَظ مِن الْعِلْم الْشَّرْعِي يُؤَهِّلُهُم لِلْفُتْيَا ثُم يَقْتَحِمُون حُمَّى الْشَرِيعَة فَيَخُوضُون تَحْلِيْلا وَتَحْرِيْما،وَقَد تُطْرَح مَسْأَلَة شَرْعِيَّة فِي مَجْلِس فَلَا يَنْقَضِي الْمَجْلِس حَتَّى يُفْتِي الْجَمِيْع عَلَى اخْتِلَاف فَئَاتِهِم وتَخَصَّصاتِهُم، هَذَا يَقُوْل فِي ظَنِّي، وَذَاك فِي اعْتِقَادِي، وَآَخِر يُجْزَم بِالتَّحْلِيْل وَالْتَّحْرِيْم، فَسُبْحَانَك رَبِّي هَل غَدَا الْتَّحْلِيل وَالْتَّحْرِيْم وَالْتَّوْقِيْع عَن رَب الْعَالَمِيْن مَرْتَعا لِلْجَهْل وَالْظُّنُوْن وَالْأَوْهَام فَاحْذَرُوا يَا عِبَاد الْلَّه مِن هَذِه الْمَزَالِق الَّتِي تَجْلِب عَلَى الْأُمَّة الْوَيْلات وَالْضَّعْف .الْلَّهُم إِنّا نَسْأَلُك الْعِلْم الْنَّافِع وَالْعَمَل الْصَّالِح يَارَب الْعَالَمِيْن أَقُوْل مَا تَسْمَعُوْن، وَأَسْتَغْفِر الْلَّه الْعَظِيْم، فَاسْتَغْفِرُوْه إِنَّه هُو الْغَفُوْر الْرَّحِيْم
الْخُطْبَة الْثَّانِيَة
إِن الْوَقْت لَا يَتَوَقَّف، وَإِن الْعُمْر فِي ازْدِيَاد، وَإِن الْأَجَل يُقَرِّب وَيَدْنُو، وَالْمَوْت بِالْمِرْصَاد لَا يَغْفُل وَكُلَّمَا فَرْط الْإِنْسَان فِي عُمُرِه تَحَسَّر يَوْم يَلْقَى رَبَّه، فَيَقُوْل كَمَا قَال أَن تَقُوْل نَفْس يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا}الْلَّه تَعَالَى فِي كِتَابِه: [الْزُّمَر:56]، فَهَل بَعْد هَذَا الْتَّحْذِيْر مِن{فَرَّطْت فِي جَنْب الْلَّه عَمَل وَبَذَل.قَال ابْن مَسْعُوْد رَضِي الْلَّه عَنْه:"مَا نَدِمْت عَلَى شَيْء نَدَمِي عَلَى يَوْم غَرَبَت شَمْسُه نَقَص فِيْه أَجْلِي وَلَم يَزْدَد فِيْه عَمَلِي".وَقَال الْحَسَن الْبَصَرِي رَحِمَه الْلَّه:"يَا ابْن آَدَم إِنّمَا أَنْت أَيَّام، إِذَا ذَهَب يَوْم ذَهَب بَعْضُك " / وَلَقَد كَان الْسَّلَف رِضْوَان الْلَّه عَلَيْهِم أَحْرَص مَا يَكُوْنُوْن عَلَى أَوْقَاتِهِم لِأَنَّهُم كَانُوْا أَعْرِف الْنَّاس بِقِيْمَتِهَا، وَكَانُوْا يَحْرِصُوْن كُل الْحِرْص عَلَى أَلَا يَمُر يَوْم أَو بَعْض يَوْم أَو بُرْهَة مِن الْزَّمَان وَإِن قَصِرْت , دُوْن أَن يَتَزَوَّدُوْا مِنْهَا بِعِلْم نَافِع أَو عَمَل صَالِح أَو مُجَاهَدَة نَفْس، أَو إِسْدَاء نَفَع إِلَى الْغَيْر، يَقُوْل الْحَسَن الْبَصْرِي رَحِمَه الْلَّه:"أَدْرَكْت أَقْوَامُا كَانُوْا عَلَى أَوْقَاتِهِم أَشَد مِنْكُم حَرْصا عَلَى دَرَاهِمِكُم وَدَنَانِيْرَكُم".
عِبَاد الْلَّه يَنْبَغِي تَنَّظِيم الْوَقْت: بِحَيْث يَقُوْم الْمُسْلِم بِتَنْظِيْم وَقْتِه بَيْن الْوَاجِبَات وَالْنَّوَافِل، وَبَيْن الْأَعْمَال الْدِّيْنِيَّة وَالْدُّنْيَوِيَّة بِحَيْث لَا يَطْغَى بَعْضَهَا عَلَى بَعْض، وَلَا يَطْغَى غَيْر الْمُهِم عَلَى الْأَهَم، / وَأَبْوَاب اسْتِثْمَار وَقْت الْإِجَازَة كَثِيْرَة جَدَّا وَخَاصَّة لِلْشَّبَاب وَالْفَتَيَات،وَلَهُمَا أَن يَجْتَهِدَا فِي تَحْصِيْل مَا يَسْتَطِيعَانَه خِلَالَهَا، وَمَن صَدَق إِلَى الْلَّه فُرَارُه ومن حَسَن مَن الْلَّه قَرَارُه يَقُوْل صلى الله عليه وسلم (احْرِص عَلَى مَا يَنْفَعُك، وَاسْتَعِن بِالْلَّه، وَلَا تَعْجِز)خَرَّجَه مُسْلِم مِن حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَة رَضِي لَلَّه عَنْه0 وَمِن تِلْك الْأَبْوَاب:
أَوَّلَا: حُفِظ كِتَاب الْلَّه تَعَالَى وَتُعَلِّمُه: وَهَذَا خَيْر مَا يَسْتَغِل بِه الْمُسْلِم وَقْتِه، وَقَدحث صلى الله عليه وسلم عَلَى تَعَلُّم كِتَاب الْلَّه فَقَال (خَيْرُكُم مَن تَعَلَّم الْقُرْآَن وَعَلَّمَه) رَوَاه الْبُخَارِي، فَلْيَحْرِص أَبْنَاؤُنَا وَبَنَاتِنَا عَلَى الالْتِحَاق بِدَوْرَات تَحْفِيْظ الْقُرْآن فَخَيْر مَا عْمّرْت بِه الْأَوْقَات قِرَاءَة الْقُرْآَن.
ثَانِيا: طَلَب الْعِلْم: فَقَد كَان الْسَّلَف الْصَّالِح أَكْثَر حَرْصا عَلَى اسْتِثْمَار أَوْقَاتُهُم فِي طَلَب الْعِلْم وَتَحْصِيْلِه،وَقِرَاءَة الْكُتُب وَذَلِك لِأَنَّهُم أَدْرِكُوْا أَنَّهُم فِي حَاجَة إِلَيْه أَكْبَر مِن حَاجَتِهِم إِلَى الْطَّعَام وَالْشَّرَاب، فَعَلَى الْشَبَاب الْحِرْص عَلَى حُضُوْر الْدَّوْرَات الْعِلْمِيَّة وَاخْتِيَار مَا يَحْتَاجُه وَمَا يُنَاسِبُه.
ثَالِثا : ذِكْر الْلَّه تَعَالَى:لِقَوْل الْنَّبِي (لَا يَزَال لِسَانُك رَطْبَا مِن ذِكْرالْلَّه) رَوَاه الْتِّرْمِذِي وَصَحَّحَه الْأَلْبَانِي فِي جَامِع الْتِّرْمِذِي ، وَذَلِك بِالْمُحَافَظَة عَلَى أَذْكَار الْصَّبَاح وَالْمَسَاء، وَالْأَذْكَار فِي دُبُر الْصَّلَوَات، وَغَيَّر ذَلِك مِن الْأَوْرَاد وَالْأَذْكَار وَالْأَدْعِيَة، فَإِن الْحَسَنَة بِعَشْر أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَة ضِعْف إِلَى أَضْعَاف كَثِيْرَة، وَالْلَّه يُضَاعِف لِمَن يَشَاء.
رَابِعا: الْإِكْثَار مِن الْنَّوَافِل وَالْطَّاعَات: وَهُو مَجَال مُهِم لِاغْتِنَام أَوْقَات الْعُمْر فِي طَاعَة الْلَّه وَالْلَّه يَقُوْل وَلايَزَال عَبْدِي يَتَقَرَّب إِلَي بِالْنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّه .
خَامِسَا: صِلَة الْأَرْحَام:وَخَاصَّة فِي هَذِه الْإِجَازَة، لِتَفْرُغ الْكَثِيْر مِن الْأَسْر، فَيَقُوْم الْمُسْلِم بِزِيَارَة أَقَارِبِه، وَإِدْخَال الْسُّرُوْر عَلَيْهِم،وَالْحِرْص عَلَى دَعَوْتُهُم لِلْخَيْر وَتَوْجِيْهِهِم إِلَيْه، فَهَذَا مِن أَفْضَل الْأَعْمَال الَّتِي يُحِبُّهَا الْلَّه تَعَالَى
سَادِسا: الْقِيَام بِزِيَارَة بَيْت الْلَّه الْحَرَام لِأَدَاء الْعُمُرَة وَالْتَّمَتُّع بِالصَّلَاة فِيْه فَالصَّلَاة الْوَاحِدَة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة أَلْف صَلَاة فِيْمَا سِوَاه، وَزِيَارَة مَسْجِد الْرَّسُوْل فَالصَّلَاة فِيْه بِأَلْف صَلَاة 0 .
وأخيرا : الْتَّرْوِيْح عَن الْنَّفْس: وَالْسَّفَر فِي رِحْلَات عَائِلِيَّة . لِلْنُّزْهَة فِي دَاخِل الْبِلاد وَبَيْن أَظْهَر الْمُسْلِمِيْن وَيَبْتَعِد عَن السِّيَاحَة الْمُحَرَّمَة إِلَى بِلَاد الْكُفَّار لِأَن الْسَّفَر إِلَى بِلَاد الْكُفْر مُحَرَّم إِلَا لِضَرُوْرَة عَلَاج ، أَو تِجَارَة ، أَو دَعْوَة ، لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْه مِن مَفَاسِد دِيْنِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة لَا تَخْفَى عَلَى أَحَد . وَقَد قَال الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : ( أَنَا بَرِيْء مِن كُل مُسْلِم يُقِيْم ! بَيْنَالْمُشْرِكِين ) وَقَال أَيْضا : ( لَا يَقْبَل الْلَّه مِن مُشْرِك عَمَلا بَعْد مَا أَسْلَم أَو يُفَارِق الْمُشْرِكِينْإِلَى الْمُسْلِمِيْن ) وَالْمَعْنَى حَتَّى يُفَارِق الْمُشْرِكِيْن
عِبَاد الْلَّه : فَالَبِدَار الْبِدَار إِلَى اسْتِغْلَال الْأَوْقَات، وَتَدَارَك بَاقِي الْأَعْمَار جَعَلَنِي وَإِيَّاكُم مِن الَّذِيْن يَسْتَمِعُوْن الْقَوْل فَيَتَّبِعُوْن أَحْسَنَه
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى رَسُوْل الْلَّه ، امْتَثَالا لِأَمْر الْلَّه حَيْث أَمَرَنَا فقال (إِن الْلَّه وَمَلَائِكَتَه يُصَلُّوْن على النبي يَا أَيُّهَا الَّذِيْن آَمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْه وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْما ) الْأَحْزَاب : 56 ،الْلَّهُم صَل وَسَلِّم عَلَى نَبِيِّك مُحَمَّدوَعَلَى آَلِه وَصَحْبِه أَجْمَعِيْن وَارْض الْلَّهُم عَن خُلَفَائِه الْرَّاشِدِيْن أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِي وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِك وَكَرَمِك يَا أَكْرَم الْأَكْرَمِيْن ، الْلَّهُم أَعِز الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمِيْن ، وَأَذَل الْشِّرْك وَالْمُشْرِكِيْن وَدَمِّر أَعْدَاء الْدِّيْن ، الْلَّهُم لَا تَدَع لَنَا ذَنْبَا إِلَا غَفَرْتَه، وَلَا هَمَّا إِلَا فَرَّجْتَه،وَلَا دَيْنَا إِلَا قَضَيْتَه ،وَلَا مُبْتَلَى إِلَا عَافَيْتَه، وَلَا مَرِيِضَا إِلَا شَفَيْتَه ،وَلَا حَيْرَانَا إِلَا دَلَلْتَه، بِرَحْمَتِك يَاأَرْحَم الْرَّاحِمِيْن ، الْلَّهُم أَهْد شَبَاب الْمُسْلِمِيْن ، الْلَّهُم نَوِّر بَصَائِرُهُم إِلَى طَرِيْق الْصَّوَاب ، الْلَّهُم اهْدِهِم إِلَى سَوَاء الْسَّبِيل ، الْلَّهُم انْفَع بِهِم أُمَّتُهُم ، الْلَّهُم طَهِّر قُلُوْبِهِم وَقُلُوْبِنَا مِن الْنِّفَاق ،وَأَعْمَالَنَا مِن الْرِّيَاء ،وَالْسِنَتَنَا مِن الْكَذِب، وَأَعْيُنَنَا مِن الْخِيَانَة ، إِنَّك تَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الْصُّدُوْر ، الْلَّهُم اجْعَل حَوَاسُّنَا وَجَوَارِحَنَا شَاهِدَة لَنَا بِاكْتِسَاب الْخَيْرَات ،لَا شَاهِدَة عَلَيْنَابِانْتِهَاك الْمُحَرَّمَات (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الْدُّنْيَاحَسَنَة وَفِي الْآَخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب الْنَّار)
مستفاد من مجموعة خطب وخاصة خطب القنام
المشاهدات 4933 | التعليقات 2
مرحبا بك أخي محمد وأشكرك على الزيارة
محمد كياد المجلاد
الله يبارك فيك خطبة ماتعة
تعديل التعليق