(خطبة) الأمانة حفظها وصور من تضييعها
خالد الشايع
الخطبة الأولى الأمانة 21 /7/1445
إن الحمد لله نحمد ونستعينه .......................
أما بعد فيا أيها المؤمنون : اتقوا الله عز وجل فهو أهل أن يتقى ، واحذروا سخطه فإنه شديد القوى ، واعلموا أننا في دارٍ العمل فيها ميسور والأجر فيها مستور ، و غدا يستر العمل وينكشف الأجر فهنيئا لمن آمن بالغيب وعمل لما بعد موته .
معاشر المسلمين : نحن في زمن قد خفت عقول أهله ومرجت عهودهم ، وقل أمناؤهم فلا تكاد تجد أمينا ، وإن هذا لمن علامات قيام الساعة وقرب وقتها .
أخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة فقال : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قال كيف إضاعتها قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )
وأخرج ابن ماجة من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصّدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة )
عباد الله : إن الأمانة خلق عظيم ، فرضها الله على عباده ، لتستقيم أمورهم ، ويرغد عيشهم ، ولهذا تكاثرت النصوص من القرآن والسنة وسلف الأمة على الحث على التخلق بها والتحذير من الخيانة .
قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم وأنت تعلمون )
حتى ولو كان الذي تتعامل معه خائن لك ، أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك ) ومتى ما خشي الإنسان من قوم خيانة وبينه وبينهم عهد وجب عليه أن يعلمهم أنه لا عهد ولا أمان بينهم قبل أن يغدر بهم ويقطع عهدهم قال تعالى ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) .
أيها المسلمون : إن بعض الخلق يظن أن الأمانة هي حفظ الودائع وردها إلى أهلها ، وما علم أن الأمانة تشمل الدين كله كما قال تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السموات...............) قال القرطبي : الأمانة تعم جميع وظائف الدين ، ونسب هذا القول لجمهمور المفسرين .
فأول ما استؤمن عليه العبد فرائض الله وشعائر دينه ، وحدوده التي فرضها على الناس ، ولهذا قال تعالى في الآية السابقة ( لا تخونوا الله ) ، فمن ضيع منها شيئا فقد خان الله ، وكذا طاعة الرسول أمانة ، وكذا معاملتك مع الناس أمانة ، بل معاملة الزوجة أمانة كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر قال صلى الله عليه وآله وسلم ( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله و استحللتم فروجهن بكلمة الله ) وكل تصرفات المسلم في حياته يجب أن تكون بأمانة .
ومن فضل الأمانة أن الله تعالى جعلها من صفات الرسل كما قال تعالى في سورة الشعراء أن كل رسول يأتي إلى قومه يقول لهم ( إني لكم رسول أمين )
ومن فضل الأمانة أن الله جعلها من صفات أهل الجنة فقال تعالى ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) .
ولهذا كانت الأمانة من أول الصفات التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له سألتك بم يأمركم فزعمت أنه يأمر بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفة نبي )
أيها المؤمنون : إن الأمانة صفة من صفات المؤمنين وفقدها من صفات المنافقين فالخائن منافق كما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان )
معاشر المؤمنين : إن الأمانة من أول ما يفقد من هذه الأمة كما أخرج الطبراني في معجمه من حديث شداد بن أوس قال صلى الله عليه وسلم ( أول ما تفتقدون من دينكم الأمانة ) .
وأخرج البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال : (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن و علموا من السنة وحدثنا عن رفعها قال : ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا و ليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال : إن في بني فلان رجلا أمينا ! حتى يقال للرجل : ما أجلده ؟ ما أظرفه ؟ ما أعقله ؟ و ما في قلبه حبة خردل من إيمان ) .
أيها الناس : إن الأمانة لتضاهي صلة الرحم في الدين ولها من الموقف يوم القيامة ما للرحم فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم في ذكر المحشر ووقوف الناس (و ترسل الأمانة و الرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا و شمالا ) .
عباد الله : لنراجع أنفسنا هل نحن من الأمناء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ودع أصحابه في السفر يدعوا بحفظ أمانتهم ، أخرج الترمذي في سننه من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودع رجلا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده و يقول : أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك . اللهم أحفظ علينا ديننا ، وأدم علينا أمننا أقول قولي ............
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ...............
أما بعد فيا أيها الناس : من رزق الأمانة فقد رزق خيرا كثير ولا يضره ما فاته من الدنيا بعدها أخرج الإمام أحمد وغيره من حديث ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا صدق الحديث و حفظ الأمانة و حسن الخلق و عفة مطعم .
أيها المؤمنون : سنستعرض لبعضٍ من صور فقد الأمانة الموجود لدى كثيرا من الناس هذه الأيام ، فالأمانة تقل في قوم وتوجد في آخرين ، فمن صور فقد الأمانة إفشاء السر بين الناس فتجد الرجل يحدث الرجل بالحديث مؤتمنا له ثم يقوم الآخر بإفشائه وهذا تضييع للأمانة حتى ولو لم يقل لك أكتم علي فالأحاديث يعرف منها ما يحب صاحبه أن ينشر مما يحب إخفائه ، ولو حدثك وهو يلتفت أثناء حديث فهذا دلالة على حب كتم الحديث أخرج أبو داود من حديث جابر قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة) .
ومن تضييع الأمانة حديث الرجل بما يصنع مع امرأته أخرج مسلم[2] من حديث أبي سعيد قال صلى الله عليه وسلم : (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته و تفضي إليه ثم ينشر سرها ) .
أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : هل منكم رجل إذ أتى أهله فأغلق عليه بابه و ألقى عليه ستره و استتر بستر الله ؟ قالوا : نعم قال : ثم يجلس بعد ذلك فيقول : فعلت كذا فعلت كذا فسكتوا ثم أقبل على النساء فقال : هل منكن من تحدث ؟ فسكتن فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها و تطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها و يسمع كلامها فقالت : يا رسول الله ! إنهم ليحدثون و إنهن ليحدثن فقال : هل تدرون ما مثل ذلك ؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانا في السكة فقضى حاجته و الناس ينظرون إليه)
ومن الخيانة الفتوى بغير علم أو الإشارة على المستشير بغير الصواب أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : ( من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه و من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه ) .
ومن تضييع الأمانة جحد العارية وهذا معروف ومن ذلك أخذ أموال الناس قرضا ثم عدم ردها ، فالبعض من الناس يقترض المال وهو في نيته أنه لا يرده لصاحبه ، فأفسد مال أخيه ، وأفسد على من أراد الاقتراض حيث أصبح الناس يخون بعضهم بعضا فأغلق بفعله هذا باب القرض الحسن ، أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه و من أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ) .
ومن أعظم تضييع الأمانة تضييع الصلاة ، والاعتداء على حدود الله ، فمن عصى الله فقد خانه ، والله جل وعلى يقول ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون )
ومن تضييع الأمانة الإطلاع على عورة أخيك المسلم وهو لا يعلم سواء كان في الشارع أو المنزل ويعظم الخطب إذا كان جار لك ، فالبعض ينظر إلى محارم أخيه المسلم ولربما صور الصور وهذا من أعظم الخيانة .
ومنها تضييع الأمانة الخلل الحاصل عند بعض الأطباء من عدم الإخلاص للمريض في تشخيص العلاج أو تكليفه بما لا يلزم من إشاعة وتحلل ونحوه .
ومنها كتابة العلم فالبعض يسرق من مؤلف غيره ولا ينسب ذلك له ولربما سرق كتابا كاملا ونسبه إليه ، أو خان الأمانة بقلب الحقائق في تأليفه فلبس على القارئ وضلل عليه .
ومنها الإطلاع على أسرار غيرك إما بالتصنت أو قراءة الأوراق والرسائل .
ومن إضاعة الأمانة خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه ، خصوصا الأماكن التي تعلم أنه لا يرتضيها ، أو إدخالها بيته من لا يحب دخولهم له .
ومنها كذلك الإهمال في تربية الأبناء ووضع وسائل الإعلام الفاسدة .
وختاما أيها المسلمون : إن الأمانة من كمال الإيمان وحسن الإسلام ، وهي التي يقوم عليها أمر السماوات والأرض وهي محور الدين وامتحان رب العالمين وبالأمانة يحفظ الدين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعرف والعلوم وغيرها من أمور الدين ، والأمين يحبه الله ويحبه الناس ، ألا فلنحافظ على الأمانة ولنعلمها لأبنائنا فم شب على شيء شاب عليه .
اللهم أعنا على أداء الأمانة ، ووفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك يارب العالمين
المرفقات
1706795595_خطبة عن الأمانة.docx