خطبة : ( اغزوا باسم الله )

عبدالله البصري
1436/06/27 - 2015/04/16 16:23PM
اغزوا باسم الله 28 / 6 / 1436
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ رَبَّنَا ـ جَلَّ وَعَلا ـ وَهُوَ القَوِيُّ القَادِرُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ ، الَّذِي لا يُعجِزُهُ شَيءٌ في الأَرضِ وَلا في السَّمَاءِ ، قَد وَعَدَ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ ، فَقَالَ وَمَن أَصدَقُ مِنهُ قِيلاً : " وَلَقَد أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ رُسُلاً إِلى قَومِهِم فَجَاءُوهُم بِالبَيِّنَاتِ فَانتَقَمنَا مِنَ الَّذِينَ أَجرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَينَا نَصرُ المُؤمِنِينَ "
لَقَد أَوجَبَ ـ تَعَالى ـ عَلَى نَفسِهِ نَصرَ المُؤمِنِينَ ، وَجَعَلَهُ تَفَضُّلاً مِنهُ وَكَرَمًا حَقًّا لَهُم ، وَلَكِنَّهُ ـ سُبحَانَهُ ـ وَهُوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ، هُوَ الَّذِي يَعلَمُ مَن هُمُ المُستَحِقُّونَ لِلنَّصرِ ، وَأَينَ يَكُونُ هَذَا النَّصرُ وَمتى يَكُونُ وَكَيفَ يَكُونُ ؟ وَأَمَّا البَشَرُ بِحِسَابَاتِهِمُ الضَّعِيفَةِ وَعُقُولِهِمُ القَاصِرَةِ ، فَهُم يُرِيدُونَ الغَلَبَةَ العَاجِلَةَ وَاندِحَارَ العَدُوِّ فَحَسبُ ، وَإِلاَّ استَيأَسُوا وَقَنَطُوا ، مَعَ أَنَّهُ قَد يَحصُلُ لَهُم مِنَ النَّصرِ أَنوَاعٌ لَكِنَّهُم قَد لا يُدرِكُونَهَا أَو لا يَنتَبِهُونَ لها .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى أُمَّةِ الحَقِّ أَلاَّ تَشُكَّ لَحظَةً في وَعدِ مَولاهَا ؛ إِذْ هُوَ وَعدٌ قَاطِعٌ وَيَقِينٌ وَاقِعٌ ، لَكِنَّهَا مُلزَمَةٌ بِأَن تَطلُبَ النَّصرَ مِن وَاهِبِ النَّصرِ ، بِسُلُوكِهَا الصِّرَاطَ الَّذِي يَرضَى وَيُحِبُّ ، لا بِسَيرِهَا فِيمَا تَهوَى هِيَ وَتُحِبُّ .
يُقَالُ هَذَا الكَلامُ ـ أَيُّهَا المُوَحِّدُونَ ـ وَالقَارِئُ لِلتَّأرِيخِ مِنَّا وَالفَقِيهُ بِالوَاقِعِ ، يَعلَمُ يَقِينًا وَيَرَى ، أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الرَّايَةُ المَرفُوعَةُ في لِقَاءِ المُسلِمِينَ عَدُوَّهُم هِيَ رَايَةَ الإِسلامِ ، كَانَتِ الانتِصَارَاتُ تَتَوَالى عَلَيهِم وَلا تَكَادُ تَتَخَلَّفُ عَنهُم ، مَعَ مَا كَانُوا عَلَيهِ مِن قِلَّةِ عَدَدٍ وَضَعفِ عَتَادٍ .
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَقَد جَاءَ الإِسلامُ وَالعَرَبُ قَبَائِلُ مُتَنَافِرَةٌ وَفَصَائِلُ مُتَنَاحِرَةٌ ، يَرفَعُونَ رَايَاتٍ جَاهِلِيَّةً عَميَاءَ ، فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم تَحتَ رَايَةِ الإِسلامِ ، وَضَمَّهُم تَحتَ لِوَاءِ الإِيمَانِ ، فَأَصبَحُوا بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا ، فَقَادُوا العَالَمَ في سِنِينَ مَعدُودَةٍ ، ثم لم يَزَالُوا يَقُودُونَ العَالَمَ بَينَ مَدٍّ وَجَزرٍ ، في عَصرٍ دُونَ عَصرٍ وَمِصرٍ دُونَ مِصرٍ ، بِحَسَبِ تَمَسُّكِهِم بِرَايَةِ الحَقِّ النَّاصِعَةِ ، أَو رُجُوعِهِم إِلى شَيءٍ مِن رَايَاتِ الجَاهِلِيَّةِ وَعَصَبِيَّاتِهَا .
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ الرَّايَةَ الَّتي تُرفَعُ في كُلِّ زَمَانٍ أَو مَكَانٍ ، كَانَت وَمَا زَالَت هِيَ المُحَرِّكَةَ لِسَيرِ المَعرَكَةِ بَينَ المُؤمِنِينَ وَعَدُوِّهِم ، وَهِيَ المُحَدِّدَةُ لِنَتِيجَةِ تِلكَ المَعرَكَةِ نَصرًا وَظَفَرًا ، أَو هَزِيمَةً وَخِذلانًا ، يَعلَمُ ذَلِكَ يَقِينًا وَلا يَشُكُّ فِيهِ مَن تَبَيَّنَ أَنَّ الرَّايَةَ هِيَ الَّتي تُحَدِّدُ المَقَاصِدَ وَالغَايَاتِ ، وَتُنَظِّمُ الأَولَوِيَّاتِ وَالعِلاقَاتِ ، وَعَلَيهَا يَنعَقِدُ الانتِمَاءُ ، وَانطِلاقًا مِنهَا يَكُونُ الوَلاءُ وَالبَرَاءُ وَالمَحَبَّةُ وَالبَغضَاءُ ، فَرَايَةُ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَصحَابِهِ وَمَن سَارَ عَلَى نَهجِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، لم تَكُنْ في يَومٍ مَا لِمَغنَمٍ دُنيَوِيٍّ ، وَلا عَنِ انتِقَامٍ شَخصِيٍّ ، وَلا نُصرَةً لِقَبِيلَةٍ أو دَعمًا لِعَشِيرَةٍ ، وَلا حِمَايَةً لِحُدُودٍ وَطَنِيَّةٍ أَوِ انطِلاقًا مِن أَسبَابٍ أَرضِيَّةٍ ، وَلم يَكُنِ البَاعِثُ عَلَيهَا الدِّفَاعَ عَن حِزبٍ أَو جَمَاعَةٍ ، وَلا تَثبِيتَ طَاغُوتٍ أَو إِقَامَةَ حُكمٍ بِغَيرِ مَا أَنزَلَ اللهُ ، وَلَكِنَّهَا كَانَت سَمَاوِيَّةَ الغَايَةِ عُلوِيَّةَ الهَدَفِ ، مَقصِدُهَا قِتَالُ الكُفَّارِ وَالمُشرِكِينَ وَالمُنَافِقِينَ ، الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ ، امتِثَالاً لأَمرِ اللهِ ، وَإِعلاءً لِكَلِمَةِ اللهِ ، وَحَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ ، قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُمُوهُم وَخُذُوهُم وَاحصُرُوهُم وَاقعُدُوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَقَاتِلُوا المُشرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم كَافَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا النَّبيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغلُظْ عَلَيهِم وَمَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المَصِيرُ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُم غِلظَةً "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لا تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ "
وَفي الصَّحِيحَينِ وَغَيرِهِمَا أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " أُمِرتُ أَن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُم وَأَموَالَهُم إِلاَّ بِحَقِّ الإِسلامِ وَحِسَابُهُم عَلَى اللهِ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " جَاهِدُوا المُشرِكِينَ بِأَموَالِكُم وَأَيدِيكُم وَأَلسِنَتِكُم " رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَالنَّسَائيُّ وَاللَّفظُ لَهُ ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ عَن بُرَيدَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ أَو سَرِيَّةٍ ، أَوصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللهِ وَمَن مَعَهُ مِنَ المُسلِمِينَ خَيرًا ، ثم قَالَ : " اُغزُوا بِاسمِ اللهِ في سَبِيلِ اللهِ ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاللهِ ... " الحَدِيثَ .
هَكَذَا كَانَت رَايَةُ رَسُولِ اللهِ وَمَن مَعَهُ ، عَلَى اسمِ اللهِ وَبِاللهِ وَفي سَبِيلِ اللهِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانَ اللهُ مَعَهُم يَنصُرُهُم وَيُثَبِّتُ أَقدَامَهُم ، وَيُؤَيِّدُهُم بِجُندِهِ وَمَدَدِهِ ، وَوَاللهِ وَبِاللهِ ، لَو ظَلَّت تِلكَ الرَّايَةُ النَّبَوِيَّةُ خَفَّاقَةً عَلَى رُؤُوسِ المُسلِمِينَ في كُلِّ جَيشٍ وَعَصرٍ وَمِصرٍ ، لَمَا استَطَاعَ جَيشٌ أَن يَفُلَّهَا مَهمَا عَظُمَت قُوَّتُهُ أَوِ اشتَدَّ بَأسُهُ ، غَيرَ أَنَّ رَايَةَ المُسلِمِينَ في بَعضِ العُصُورِ وَمِنهَا عَصرُنَا ، ضَعُفَت وَوَهَنَت ، وَأَصَابَتهَا خُرُوقٌ وَشُقُوقٌ ، وَزَاحَمَتهَا رَايَاتٌ جَاهِلِيَّةٌ مُختَلِفَةٌ ، بَرَزَت بِأَسمَاءَ بَرَّاقَةٍ خَدَّاعَةٍ ، تُعقَدُ عَلَيهَا الوَلاءَاتُ ، وَتُرَتَّبُ بها الأَولَوِيَّاتُ ، كَالإِنسَانِيَّةِ أَوِ الوَطَنِيَّةِ ، أَو مَا يُسَمَّى بِالعَالَمِيَّةِ أَوِ الشَّرعِيَّةِ الدَّولِيَّةِ . وَقَد جَمَعَت تِلكَ الرَّايَاتُ في بَعضِ الأَحيَانِ بَينَ المُسلِمِ المُوَحِّدِ وَالمُبتَدِعِ المُخَرِّفِ ، وَالسُّنِّيِّ التَّقِيِّ وَالفَاسِقِ الرَّافِضِيِّ ، بَل قُدِّمَ غَيرُ المُسلِمِ في ظِلِّهَا عَلَى المُسلِمِ ، وَوُقِفَ في صَفِّ المُبتَدِعِ ضِدَّ السُّنِّيِّ ، وَدُخِلَ مَعَ الكَافِرِ أَوِ الفَاسِقِ في حِلفٍ جَاهِلِيٍّ ، يُنَاوَأُ فِيهِ المُؤمِنُ التَّقِيُّ الصَّالِحُ ، وَتُدَمَّرُ بَعضُ بِلادِ المُسلِمِينَ ، وَصَارَتِ الحُدُودُ المُفتَعَلَةُ هِيَ الَّتي تُحَدِّدُ الوَطَنِيَّ مِنَ الأَجنَبيِّ ، وَتِلكَ كُلُّهَا رَايَاتٌ جَاهِلِيَّةٌ ضَالَّةٌ ، مُعَارِضَةٌ لأُصُولِ الإِسلامِ وَثَوَابِتِ الإِيمَانِ ، وَأَصحَابُهَا حَرِيُّونَ بِالهِزِيمَةِ وَالخِذلانِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد كَانَ الإِمَامُ القَائِدُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَرِيصًا عَلَى تَجلِيَةِ الرَّايَةِ الَّتي يَجِبُ أَن يَكُونَ المُسلِمُونَ مُجتَمِعِينَ عَلَيهَا ، مُحَذِّرًا مِنَ الزَّيغِ عَنَها أَوِ اجتِنَابِ سَبِيلِ أَهلِهَا ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَن قَاتَلَ تَحتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ ، يَغضَبُ لِعَصَبَةٍ ، أَو يَدعُو إِلى عَصَبَةٍ ، أَو يَنصُرُ عَصَبَةً ، فَقُتِلَ فَقِتلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ "
وَعِندَ مُسلِمٍ أَيضًا ، يَقُولُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَمَن قُتِلَ تَحتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ ، يَغضَبُ لِلعَصَبَةِ ، وَيُقَاتِلُ لِلعَصَبَةِ ؛ فَلَيسَ مِن أُمَّتي " وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن أَبي مُوسَى ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : سُئِلَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً ، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً ، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً ، أَيُّ ذَلِكَ في سَبِيلِ اللهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُليَا فَهُوَ في سَبِيلِ اللهِ "
وَإِنَّمَا حَرِصَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ عَلَى تَنقِيَةِ الرَّايَةِ الإِسلامِيَّةِ مِن كُلِّ دَخَلٍ وَدَخَنٍ ؛ لأَنَّ تَشَابُهَ الرَّايَاتِ في الظَّاهِرِ ، يُورِثُ تَشَابُهًا مَعَ غَيرِ المُسلِمِينَ في البَاطِنِ ، وَيُنتِجُ تَنَاسُبًا وَتَشَاكُلاً بَينَهُم ، يَقُودُ إِلى التُّوَافُقِ في الأَخلاقِ وَالأَعمَالِ ، بَل إِنَّ اختِلاطَ الرَّايَاتِ يُؤَدِّي إِلى مَا هُوَ أَسوَأُ مِن ذَلِكَ وَأَخطَرُ ، أَلا وَهُوَ تَسَرُّبُ الحُبِّ وَالمُوَالاةِ في نُفُوسِ المُسلِمِينَ لِغَيرِ المُسلِمِينَ ، وَإِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ فَلا يُستَنكَرُ أَلاَّ يَنتَصِرَ المُسلِمُونَ في بَعضِ حُرُوبِهِم ، أَو أَن يَتَأَخَّرَ عَنهُمُ النَّصرُ وَيُبطِئَ ظُهُورُهُم عَلَى عَدُوِّهِم .
أَلا فَمَا أَحرَى المُسلِمِينَ أَن يَتَّقُوا اللهَ وَيُعِدُّوا العُدَّةَ الحَقِيقِيَّةَ وَيُجَاهِدُوا فِيهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، وَأَن يُعَلِّقُوا النَّصرَ بِأَسبَابِهِ الَّتي عَلَّقَهُ اللهُ بها , لا بِالحِزبِيَّةِ وَلا بِالقَومِيَّةِ ، وَلا بِالعُرُوبَةِ وَلا بِالوَطَنِيَّةِ ، وَلا بِالعَالَمِيَّةِ أَوِ الشَّرعِيَّةِ الدَّولِيَّةِ ، وَلا بِالرِّيَاسَةِ وَلا بِالزَّعَامَةِ ، وَلا بِأَشبَاهِ ذَلِكَ مِنَ الأَلفَاظِ وَالشِّعَارَاتِ الجَاهِلِيَّةِ ، الَّتي مَا أَنزَلَ اللهُ بها مِن سُلطَانٍ ، فَاللهُ قَدِ اختَارَنَا وَاصطَفَانَا وَسَمَّانَا المُسلِمِينَ ، وَجَعَلَنَا لِلنَّاسِ قَادَةً وَعَلَيهِم شُهَدَاءَ ، وَأَمَرَنَا أَن نَعتَصِمَ بِهِ لا بِغَيرِهِ ، فَإِنْ نَحنُ فَعَلنَا كُنَّا في المَكَانِ الَّذِي اختَارَهُ لَنَا ، وَإِنْ أَبَينَا إِلاَّ التَّبَعِيَّةَ فَمَا لَنَا إِلاَّ الضَّعفُ وَالهَوَانُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . وَجَاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ وَفي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيكُم وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَولاكُم فَنِعمَ المَولى وَنِعمَ النَّصِيرُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَكُونُوا مَعَهُ يَكُنْ مَعَكُم ، وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ، وَاعلَمُوا أَنَّ النَّصرَ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ ، لَن يَتَحَقَّقَ إِلاَّ تَحتَ رَايَةٍ إِسلامِيَّةٍ وَاضِحَةٍ نَقِيَّةٍ ، صَافِيَةٍ مِن كُلِّ أَوصَافِ الجَاهِلِيَّةِ ، لا تَحمِلُ أَيَّ عُنصُرِيَّةٍ أَو صِبغَةٍ غَيرِ شَرعِيَّةٍ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن جَابِرِ بنِ عَبدِاللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قال : كُنَّا في غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِن المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ ، فَقَالَ الأَنصَارِيُّ : يَا لَلأَنصَارِ ! وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ : يَا لَلمُهَاجِرِينَ ! فَسَمِعَ ذلك رَسُولُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : " مَا بَالُ دَعوَى الجَاهِلِيَّةِ ؟! " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ . فَقَالَ : " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنتِنَةٌ "
فَإِذَا كَانَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَد سَمَّى هَذَينِ الوَصفَينِ الشَّرعِيَّينِ المَحمُودَينِ جَاهِلِيَّةً لَمَّا خَرَجَا عَن حَقِيقَتِهِمَا وَصَارَا سَبِيلاً لِرَايَةٍ عَصَبِيَّةٍ ، فَكَيفَ بِدَعَاوَى الجَاهِلِيَّةِ الَّتي يُرَادُ أَن يُقَاتَلَ تَحتَهَا اليَومَ ، مِن حِزبِيَّةٍ أَو وَطَنِيَّةٍ ، أَو إِنسَانِيَّةٍ أَو عَالَمِيَّةٍ ، أَو غَيرِهَا مِنَ الشِّعَارَاتِ ، الَّتي يُرَادُ بها إِذَابَةُ الحَوَاجِزِ العَقَدِيَّةِ ، وَمُسَاوَاةُ المُسلِمِ بِالكَافِرِ ، أَو مُسَاوَاةُ السُّنِّي بِالمُبتَدِعِ ؟
وَلا يَلتَبِسُ عَلَينَا بِحَمدِ اللهِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ في هَذَا الشَّأنِ مَا يَحصُلُ الآنَ مِن قِتَالِ المُعتَدِينَ مِنَ الرَّافِضَةِ الحُوثِيِّينَ في اليَمَنِ ، فَإِنَّهُ مَتى صَحَّت فِيهِ النِّيَّةُ وَخَلَصَ القَصدُ للهِ ، وَأُرِيدَ بِهِ حِفظُ الحُقُوقِ وَصِيَانَةُ الأَعرَاضِ وَإِقَامَةُ شَرعِ اللهِ بَينَ النَّاسِ ، فَهُوَ قِتَالٌ شَرعِيٌّ . وَلا شَكَّ أَنَّ مِن إِعلاءِ كَلِمَةِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ رَفعَ الظُّلمِ عَن أَهلِ السُّنَّةِ ، وَاستِردَادَ حُقُوقِهِم مِمَّن سَلَبَهَا ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم وَلا تَعتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعتَدِينَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ "
وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخذَ مَالي ؟! قَالَ : " فَلا تُعطِهِ مَالَكَ " قَالَ : أَرَأَيتَ إِنْ قَاتَلَني ؟! قَالَ : " قَاتِلْهُ " قَالَ : أَرَأَيتَ إِنْ قَتَلَني ؟! قَالَ : " فَأَنتَ شَهِيدٌ " قَالَ : أَرَأَيتَ إِنْ قَتَلتُهُ ؟! قَالَ : " هُوَ في النَّارِ "
وَقَد أَمَرَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَ ـ بِقِتَالِ البُغَاةِ فَقَالَ : " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا فَإِن بَغَت إِحدَاهُمَا عَلَى الأُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتي تَبغِي حَتى تَفِيءَ إِلى أَمرِ اللهِ " هَذَا وَهُم مُؤمِنُونَ ، فَكَيفَ بِرَافِضَةٍ مُبتَدِعَةٍ مُعتَدِينَ مُجرِمِينَ ؟!
المرفقات

اغزوا باسم الله.doc

اغزوا باسم الله.doc

اغزوا باسم الله.pdf

اغزوا باسم الله.pdf

المشاهدات 2385 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا