(خطبة) اغتنام العشر الأواخر

خالد الشايع
1445/09/18 - 2024/03/28 17:09PM

الخطبة الأولى ( اغتنام العشر الأواخر من رمضان) 19/9/1445
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ….

أما بعد فيا أيها المؤمنون : لقد جعل الله سرعة مرور الأيام عبرة للمعتبرين ، فبالأمس كنا نشتبشر بقدوم رمضان..!! وها هو شهر الصوم تتناقص أيامه ولياليه ، وبدأ الكل يتجهز للعيد ، فياليت شعري ماذا قدمنا في تلك الأيام المنصرمة ؟ وياليت شعري ماذا سنقدم في الأيام الباقية ؟ فما بقي من الأيام أفضل مما ذهب .

عباد الله: إن سرعة مرور الأيام تجعلنا نتفكر في لذة المعصية وتعب الطاعة ، فكلاهما زائل بسرعة زوال الأيام ، ولكن الطاعة يبقى أجرها وحلاوتها ، والمعصية تبقى سيئاتها وهمها .

تفنى اللذاذات ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
معاشر المسلمين :  إن العشر الأواخر من رمضان هي لؤلؤةٌ من عقد نفيس ، فيا لله كم فيها من الخيرات ويا لله كم فيها من البركات ؟ .

ألا فلنتعرض لنفحات ربنا جل في علاه فهي فرص تمر ولا تعود ولا ينالها إلا الموفقون من أهل الجد والتشمير .

ولقد كان الصالحون يعدون الأيام عدا شوقا لهذه العشر المباركة الفاضلة قال ابن رجب رحمه الله : المحبون تطول عليهم الليالي فيعدونها عدا انتظارا لليالي العشر في كل عام فإذا ظفروا بها نالوا مطلوبهم وخدموا محبوبهم أهـ

أيها الصائمون : إن الناس في هذا الشهر لا يخرجون عن فائز ومحروم وليست النتائج بالأماني إنما هي بالعمل والجد والتشمير ‍‍‍ ، فشهر رمضان شهر نفحات ورحمات إلاهية وأغلى شيءٍ فيه العشر الأواخر أيامُه ولياليه وأغلى هذه العشر ليلة القدر التي أرقت نوم العُبّاد وأسهرتهم في ليلهم ركعا سجدا كلما مر بهم هاجس تلك الليلة ارتعشوا ارتعاشة الطير شوقا إليها وفرقا من مرورها وهم في غفلة عنها ولهذا كان  المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر تتغير حاله فيعتكف ويحيي ليله طلبا لهذه الليلة أخرج ابن ماجه في سننه من حديث أنس قال صلى الله عليه وسلم ( إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم ).

وأخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقض أهله وجد وشد المئزر )

وأخرج مسلم من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره )

فها هو المصطفى صلى الله عليه وسلم ، غفر الله له ما تقدم وما تأخر ، و لا يمل ولا يكل عن طاعة ربه فإذا دخلت العشر عمل بكل طاقته ما يستطيع حذرا من تفويت هذه الأيام الفاضلة .

ولهذا ينبغي لنا جميعا أن تتبدل أحوالنا في هذه العشر كما كان سلف الأمة فلقد كانوا على آثار نبيهم يسيرون .

قال ابن جرير :كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر .

   أيها الناس : إن الأجور في هذه الأيام لا تكال ولا توزن ولا تعد ، بل تغرف غرفا ، لأن الطاعاتِ تحتاج إلى صبر ومصابرة والله جل وعل يقول (إنما يوفى الصابون أجرهم بغير حساب )

 قال ابن الجوزي : كم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل ، وهذه الأيام مثل المزرعة فكأنه قيل للإنسان : كلما بذرت حبة أخرجت لك كُرا ( وهو المكيال الضخم )  فهل يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر ويتوانى .أهـ

معاشر المؤمنين : العجلَ العجل والبدارَ البدار قبل حلول قاطع الأعمار وهاذم اللذات والأوطار ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة …….) قال سعيد بن جبير : سارعوا بالأعمال الصالحة .

عباد الله : أين أهل الموازنات والمفاضلات بين المصالح والمتاجرات ؟

عشرة أيام مملؤة بالعبادة والإخلاص توازي مغفرة الذنوب كلِها والعتقَ من النار والخلودَ في الجنة ، حقا إن الخاسر من خسر هذه الأيام وقد وزعت السلع فيها بما يشبه المجان .

اللهم أيقضنا من الرقدات وهيئنا لاغتنام الأوقات الفاضلات

 

              الخطبة الثانية

الحمد لله الذي زين الشهور برمضان وأودع فيه من عظيم كرمه واسع الغفران وخص عباده المؤمنين بليلة القدر من سائر الأزمان

وأصلي وأسلم على النبي من عدنان وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان .

أما بعد : أيها المؤمنون إن العشر الأواخر من رمضان ينبغي للمسلم الفطن أن يخصها بمزيد من العبادة عن أول الشهر وذلك لما تحويه من فضائلَ وخيرات .

وسنمر سريعا على بعض الأعمال التي لا ينبغي للمسلم أن يتكاسل عنها فمنها :

 الحرصُ على إحياء ليال العشر كلِها بالصلاة والذكر والقراءة وسائر  القربات وكذلك إشغالُ نهارها بتلك العبادات .

قال سفيان الثوري : أحب إذا دخلَ العشر الأواخر أن يجتهد فيه وينُهضَ أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك .

ومن الأعمال كذلك : تحري ليلة القدر فإن مجرد التحري عبادة يؤجر عليها العبد ولو لم يوفق لها وهذه الليلة هي التي قال الله فيها  ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة) وقال ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) أتدري ما ألف شهر ؟

إنها تعدل ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر

فلو تخيلنا مسلما عبد الله بعدد هذه السنين فقيام ليلة القدر خير منها .

قال النخعي : العمل في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر .

فيا لله كم في هذه الليلة المباركة من الخيرات والنفحات قال الله تعالى ( سلام هي حتى مطلع الفجر )

قال قتادة رحمه الله إنما هي بركة كلها وخير إلى مطلع الفجر .

قال الضحاك : لا يقدر الله في تلك الليلة إلا السلامة ، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة قال الله تعالى ( فيها يفرق كل أمر حكيم )

قال الحسن : إذا كان ليلة القدر لم تزل الملائكة تخفق بأجنحتها بالسلام من الله والرحمة من لدن صلاة المغرب إلى طلوع الفجر .

وقد كان السلف رحمهم الله يتهيئون لها ويستقبلونها كما يستقبلون الأعياد ، فقد كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم وكان يلبسُها في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر وكان ثابت البناني وحميد الطويل رحمهم الله يلبسان أحسن ثيابهم ويتطيبان ويطيبون المسجد بأنواع الطيب في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر .

معاشر المسلمين : من منا لا يرغب في مغفرة الله في هذه الليالي ؟

فإن المغفرة سهلة قريبة لمن التمسها ،   فلنكن عباد الله من ملتمسيها  ، والتماسها يكون بالانقطاع للعبادة والتجافي عن الذنوب ، وكثرت الدعاء فإن ليلة القدر هي ليلة الدعاء ليلة طلب الحاجات من ملك الملوك الغني الذي بيده خزائن السموات والأرض ، أخرج الترمذي من حديث عائشة قالت قلت يارسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها ؟

قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني )

ياغافلا عن الخيرات إن ليلة القدر فرصة غالية في عمرك فلا تمرن عليك وأنت غافل ، وإن إدراكها لسهل لمن وفقه الله ، فإن فاتتك ليلة القدر فأي حرمان حرمت نفسك ؟

إن ليلة القدر منحة إلاهية وعطية ربانية ادخرها الله تعالى لعباده الصائمين في نهاية صومهم أخرج ابن ماجه من حديث أنس قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ( فيه ليلة من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم )

نعم والله إنه لمحروم كيف لا ؟ وهي ليلة واحدة يغفر الله بها كل ماتقدم من ذنبك أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ( من قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه )

أيها المسلمون : وإن مما يستحب من الأعمال اعتكاف العشر الأواخر  أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة قال كان النبي يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عزوجل ثم اعتكف أزواجه من بعده ) قال الإمام أحمد رحمه  الله : لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أن الاعتكاف مسنون والأفضلُ اعتكافُ العشر جميعا كما كان النبي يفعل ، لكن لو اعتكف يوما أو اقل أو أكثر جاز أهـ

أيها المؤمنون : إن المعتكف أحرى من وفق للخيرات والرحمات المتنزلة على الخلق في تلك الليالي العظيمة ومنها موافقة ليلة القدر 

فيصادفها قانتا لله عابدا ذكرا له مع مافيه من الاستكانة والتضرع والخضوع .

اللهم اجعلنا ممن يوفق ليام ليلة القدر ..

اللهم اجعل صيامنا وقيامنا ودعائنا في عداد المقبولين

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة …..

اللهم أعذنا من الغلا والوبا والزنا والربا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها ومابطن عن بلدنا هذا خاصة

المشاهدات 1247 | التعليقات 0