خطبة : ( اصبروا وصابروا )
عبدالله البصري
1431/05/23 - 2010/05/07 03:35AM
خطبة : ( اصبروا وصابروا ) 23 / 5 / 1431
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِذَا كَانَ المُسلِمُ في حَيَاتِهِ مُحتَاجًا إِلى التَّحَلِّي بِمَحَامِدِ الأَخلاقِ وَكَرِيمِ الصِّفَاتِ ؛ لِيَعِيشَ في دُنيَاهُ عِيشَةً نَقِيَّةً ، وَيَمُوتَ إِذَا انتَهَى أَجَلُهُ مِيتَةً سَوِيَّةً ، فَإِنَّ الصَّبرَ مِن أَهَمِّ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ في جَوَانِبِ حَيَاتِهِ وَمَجَالاتِهَا المُختَلِفَةِ ، ذَلِكُم أَنَّهُ لا استِقَامَةَ وَلا كَرَامَةَ ، وَلا إِمَامَةَ وَلا زَعَامَةَ ، وَلا فَوزَ وَلا فَلاحَ إِلاَّ بِالتَّحَلِّي بِالصَّبرِ ، إِذْ هُوَ وَقُودٌ وَزَادٌ ، وَقُوَّةٌ في الشَّدَائِدِ وَعَتَادٌ ، يَحتَاجُهُ المَرِيضُ في شَكوَاهُ ، وَلا يَستَغني عَنهُ المُبتَلى في بَلوَاهُ ، وَلَولا الصَّبرُ لَغَرِقَ المَهمُومُ في بُحُورِ هُمُومِهِ ، وَلَغَشَتِ المَحزُونَ سَحَائِبُ غُمُومِهِ .
طَالِبُ العِلمِ بِحَاجَةٍ إِلى الصَّبرِ عَلَى كُتُبِهِ وَدُرُوسِهِ ، وَالدَّاعِيَةُ مَعَ مَدعُوِّيهِ لا يَشُدُّ عَزمَهُ مِثلُ الصَّبرِ ، وَلَن تَرَى أَبًا في بَيتِهِ وَلا مُعَلِّمًا في مَدرَسَتِهِ ولا موظفًا في مُؤَسَّسَتِهِ ، وَلا أُمًّا وَلا زَوجَةً وَلا رَبَّةَ بَيتٍ وَلا خَادِمًا ، إِلاَّ وَهُم في حَاجَةٍ إِلى الصَّبرِ مَاسَّةٍ .
وَعَلَى كَثرَةِ النِّعَمِ الَّتي يُولِيهَا الرَّبُّ ـ جَلَّ وَعَلا ـ لِعِبَادِهِ ، فَإِنَّ الصَّبرَ يَأتي مِنهَا في المُقَدِّمَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَمَا أُعطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيرًا وَأَوسَعَ مِنَ الصَّبرِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
قَالَ الشَّيخُ ابنُ سِعدِيٍّ ـ رَحِمَهُ اللهُ : وَإِنَّمَا كَانَ الصَّبرُ أَعظَمَ العَطَايَا ؛ لأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أُمُورِ العَبدِ وَكَمَالاتِهِ ، وَكُلُّ حَالَةٍ مِن أَحوَالِهِ تَحتَاجُ إِلى صَبرٍ ، فَإِنَّهُ يَحتَاجُ إِلى الصَّبرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ حَتى يَقُومَ بها وَيُؤَدِّيَهَا ، وَإِلى صَبرٍ عَن مَعصِيَةِ اللهِ حَتى يَترُكَهَا للهِ ، وَإِلى صَبرٍ عَلَى أَقدَارِ اللهِ المُؤلِمَةِ فَلا يَتَسَخَّطَهَا ، بَل إِلى صَبرٍ عَلَى نِعَمِ اللهِ وَمَحبُوبَاتِ النَّفسِ ، فَلا يَدَعَ النَّفسَ تَمرَحُ وَتَفرَحُ الفَرَحَ المَذمُومَ ، بَل يَشتَغِلُ بِشُكرِ اللهِ ، فَهُوَ في كُلِّ أَحوَالِهِ يَحتَاجُ إِلى الصَّبرِ وَبِالصَّبرِ يَنَالُ الفَلاحَ ا.هـ .
طَالِبُ العِلمِ بِحَاجَةٍ إِلى الصَّبرِ عَلَى كُتُبِهِ وَدُرُوسِهِ ، وَالدَّاعِيَةُ مَعَ مَدعُوِّيهِ لا يَشُدُّ عَزمَهُ مِثلُ الصَّبرِ ، وَلَن تَرَى أَبًا في بَيتِهِ وَلا مُعَلِّمًا في مَدرَسَتِهِ ولا موظفًا في مُؤَسَّسَتِهِ ، وَلا أُمًّا وَلا زَوجَةً وَلا رَبَّةَ بَيتٍ وَلا خَادِمًا ، إِلاَّ وَهُم في حَاجَةٍ إِلى الصَّبرِ مَاسَّةٍ .
وَعَلَى كَثرَةِ النِّعَمِ الَّتي يُولِيهَا الرَّبُّ ـ جَلَّ وَعَلا ـ لِعِبَادِهِ ، فَإِنَّ الصَّبرَ يَأتي مِنهَا في المُقَدِّمَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَمَا أُعطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيرًا وَأَوسَعَ مِنَ الصَّبرِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
قَالَ الشَّيخُ ابنُ سِعدِيٍّ ـ رَحِمَهُ اللهُ : وَإِنَّمَا كَانَ الصَّبرُ أَعظَمَ العَطَايَا ؛ لأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أُمُورِ العَبدِ وَكَمَالاتِهِ ، وَكُلُّ حَالَةٍ مِن أَحوَالِهِ تَحتَاجُ إِلى صَبرٍ ، فَإِنَّهُ يَحتَاجُ إِلى الصَّبرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ حَتى يَقُومَ بها وَيُؤَدِّيَهَا ، وَإِلى صَبرٍ عَن مَعصِيَةِ اللهِ حَتى يَترُكَهَا للهِ ، وَإِلى صَبرٍ عَلَى أَقدَارِ اللهِ المُؤلِمَةِ فَلا يَتَسَخَّطَهَا ، بَل إِلى صَبرٍ عَلَى نِعَمِ اللهِ وَمَحبُوبَاتِ النَّفسِ ، فَلا يَدَعَ النَّفسَ تَمرَحُ وَتَفرَحُ الفَرَحَ المَذمُومَ ، بَل يَشتَغِلُ بِشُكرِ اللهِ ، فَهُوَ في كُلِّ أَحوَالِهِ يَحتَاجُ إِلى الصَّبرِ وَبِالصَّبرِ يَنَالُ الفَلاحَ ا.هـ .
وَلأَهَمِّيَّةِ الصَّبرِ وَعُلُوِّ مَنزِلَتِهِ وَرِفعَةِ شَأنِهِ ، فَقَد ذَكَرَهُ ـ جَلَّ وَعَلا ـ في كِتَابِهِ في أَكثَرَ مِن تِسعِينَ مَوضِعًا ، فَأَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَن ضِدِّهِ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوَا وَصَابِرُوا "
وَقَالَ لِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " فَاصبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَستَعجِلْ لَهُم " وَقَرَنَهُ بِالصَّلاةِ في قَولِهِ : " وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ "
وَجَعَلَ الإِمَامَةَ في الدِّينِ مَورُوثَةً عَنِ الصَّبرِ وَاليَقِينِ بِقَولِهِ : " وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوَا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ "
وَحَتَّى في الأَحوَالِ الَّتي أُبِيحَ فِيهَا لِلمُؤمِنِ أَن يَتَجَاوَزَ مَا يَقتَضِيهِ الصَّبرُ فَيَنتَقِمَ لِنَفسِهِ ، فَقَد نُدِبَ إِلى الصَّبرِ وَحُبِّبَ إِلَيهِ إِتيَانُهُ وَجُعِلَ خَيرًا لَهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِنْ عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ "
وَإِنَّ مِن أَعظَمِ الخَيرِ في الصَّبرِ أَنَّ أَجرَهُ لا يُقَدَّرُ وَلا يُحَدَّدُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ "
وَإِذَا وَجَدَ الصَّابِرُونَ في الصَّبرِ مَرَارَةً في الحُلُوقِ وَثِقَلاً عَلَى النُّفُوسِ ، أَتَت مَحَبَّةُ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ لِلصَّابِرِينَ وَمَعِيَّتُهُ لَهُم ، لِتُخَفِّفَ عَنهُم وَطأَتَهُ وَتُهَوِّنَ عَلَيهِم صُعُوبَتَهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاصبِرُوَا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ "
وَحِينَ يَفرَحُ المُستَعجِلُونَ بمَا يَنَالُونَهُ مِن مَتَاعٍ دُنيَوِيٍّ زَائِلٍ ، أَو يَتَمَتَّعُونَ بِتَحقِيقِ مَا يَتَمَنَّونَهُ مِن أَمَانِيَّ قَرِيبَةٍ ، يَأتي فَلاحُ الصَّابِرِينَ وَفَوزُهُم بِالجَنَّةِ مُطَمئِنًا لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ العَاقِبَةَ الحَسَنَةَ وَالمَتَاعَ الجَمِيلَ في الآخِرَةِ ؛ لِئَلاَّ يَيأَسُوا مِن رَوحِ اللهِ أَو يَقنَطُوا مِن رَحمَتِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " وقَالَ ـ تَعَالى ـ في أَهلِ الجَنَّةِ : " إِنِّي جَزَيتُهُمُ اليَومَ بما صَبَرُوا أَنَّهُم هُمُ الفَائِزُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالمَلائِكَةُ يَدخُلُونَ عَلَيهِم مِن كُلِّ بَابٍ . سَلامٌ عَلَيكُم بما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبى الدَّارِ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أُولَئِكَ يُجزَونَ الغُرفَةَ بما صَبَرُوا " وَعَن عَطَاءِ بنِ أَبي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ : أَلا أُرِيكَ امرَأَةً مِن أَهلِ الجَنَّةِ ؟ فَقُلتُ : بَلَى . قَالَ : هَذِهِ المَرأَةُ السَّودَاءُ ، أَتَتِ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَت : إِنِّي أُصرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادعُ الله لي . قَالَ : " إِنْ شِئتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئتِ دَعَوتُ اللهَ أَن يُعَافِيَكِ " فَقَالَت : أَصبِرُ . فَقَالَت إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادعُ اللهَ لي أَلاَّ أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَأمَّا حِينَ يَكبُرُ مَكرُ الأَعدَاءِ وَيَعظُمُ كَيدُهُم وَيَشتَدُّ أَذَاهُم ، فَإِنَّ الصَّبرَ وَالتَّقوَى هُمَا خَيرُ عِلاجٍ وَأَنجَعُ وَسِيلَةٍ لإِبطَالِ كَيدِهِم وَإِخمَادِ عَدَاوَتِهِم ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِنْ تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بما يَعمَلُونَ مُحِيطٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِي أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ "
وَقَالَ لِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " فَاصبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَستَعجِلْ لَهُم " وَقَرَنَهُ بِالصَّلاةِ في قَولِهِ : " وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ "
وَجَعَلَ الإِمَامَةَ في الدِّينِ مَورُوثَةً عَنِ الصَّبرِ وَاليَقِينِ بِقَولِهِ : " وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوَا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ "
وَحَتَّى في الأَحوَالِ الَّتي أُبِيحَ فِيهَا لِلمُؤمِنِ أَن يَتَجَاوَزَ مَا يَقتَضِيهِ الصَّبرُ فَيَنتَقِمَ لِنَفسِهِ ، فَقَد نُدِبَ إِلى الصَّبرِ وَحُبِّبَ إِلَيهِ إِتيَانُهُ وَجُعِلَ خَيرًا لَهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِنْ عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ "
وَإِنَّ مِن أَعظَمِ الخَيرِ في الصَّبرِ أَنَّ أَجرَهُ لا يُقَدَّرُ وَلا يُحَدَّدُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ "
وَإِذَا وَجَدَ الصَّابِرُونَ في الصَّبرِ مَرَارَةً في الحُلُوقِ وَثِقَلاً عَلَى النُّفُوسِ ، أَتَت مَحَبَّةُ اللهِ ـ جَلَّ وَعَلا ـ لِلصَّابِرِينَ وَمَعِيَّتُهُ لَهُم ، لِتُخَفِّفَ عَنهُم وَطأَتَهُ وَتُهَوِّنَ عَلَيهِم صُعُوبَتَهُ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَاصبِرُوَا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ "
وَحِينَ يَفرَحُ المُستَعجِلُونَ بمَا يَنَالُونَهُ مِن مَتَاعٍ دُنيَوِيٍّ زَائِلٍ ، أَو يَتَمَتَّعُونَ بِتَحقِيقِ مَا يَتَمَنَّونَهُ مِن أَمَانِيَّ قَرِيبَةٍ ، يَأتي فَلاحُ الصَّابِرِينَ وَفَوزُهُم بِالجَنَّةِ مُطَمئِنًا لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ العَاقِبَةَ الحَسَنَةَ وَالمَتَاعَ الجَمِيلَ في الآخِرَةِ ؛ لِئَلاَّ يَيأَسُوا مِن رَوحِ اللهِ أَو يَقنَطُوا مِن رَحمَتِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " وقَالَ ـ تَعَالى ـ في أَهلِ الجَنَّةِ : " إِنِّي جَزَيتُهُمُ اليَومَ بما صَبَرُوا أَنَّهُم هُمُ الفَائِزُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالمَلائِكَةُ يَدخُلُونَ عَلَيهِم مِن كُلِّ بَابٍ . سَلامٌ عَلَيكُم بما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبى الدَّارِ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أُولَئِكَ يُجزَونَ الغُرفَةَ بما صَبَرُوا " وَعَن عَطَاءِ بنِ أَبي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ : أَلا أُرِيكَ امرَأَةً مِن أَهلِ الجَنَّةِ ؟ فَقُلتُ : بَلَى . قَالَ : هَذِهِ المَرأَةُ السَّودَاءُ ، أَتَتِ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَت : إِنِّي أُصرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادعُ الله لي . قَالَ : " إِنْ شِئتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئتِ دَعَوتُ اللهَ أَن يُعَافِيَكِ " فَقَالَت : أَصبِرُ . فَقَالَت إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادعُ اللهَ لي أَلاَّ أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَأمَّا حِينَ يَكبُرُ مَكرُ الأَعدَاءِ وَيَعظُمُ كَيدُهُم وَيَشتَدُّ أَذَاهُم ، فَإِنَّ الصَّبرَ وَالتَّقوَى هُمَا خَيرُ عِلاجٍ وَأَنجَعُ وَسِيلَةٍ لإِبطَالِ كَيدِهِم وَإِخمَادِ عَدَاوَتِهِم ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِنْ تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بما يَعمَلُونَ مُحِيطٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِي أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ "
وَكَمَا امتَدَحَ اللهُ الصَّبرَ في كِتَابِهِ وَأَثنى عَلَى أَهلِهِ ، فَقَد وَرَدَت فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ لِلصَّبرِ في السُّنَّةِ ، يَكفِي المُسلِمَ أَن يَسمَعَ فِيهَا كَلامَ الحَبِيبِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لِتَشتَاقَ نَفسُهُ أَن يَكُونَ مِن أُولَئِكَ العِليَةِ الأَخيَارِ ، الحَائِزِينَ عَلَى ذَلِكَ المَدحِ وَتِلكَ الفَضَائِلِ ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الصَّبرُ ضِيَاءٌ " وَرَوَى البُخَارِيُّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَالَ : إِذَا ابتَلَيتُ عَبدِي بِحَبِيبَتَيهِ فَصَبَرَ عَوَّضتُهُ مِنهُمَا الجَنَّةَ " وَفيهِ أَيضًا أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " يَقُولُ اللهُ ـ تَعَالى ـ : مَا لِعَبدِي المُؤمِنِ عِندِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضتُ صَفِيَّهُ مِن أَهلِ الدُّنيَا ثُمَّ احتَسَبَهُ إِلاَّ الجَنَّةُ " وَفي المُسنَدِ وَسُنَنِ التِّرمِذِيِّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " وَاعلَمْ أَنَّ في الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا " وَفي سُنَنِ التِّرمِذِيِّ وَابنِ مَاجَه وَمُسنَدِ أَحمَدَ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " المُؤمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم أَعظَمُ أَجرًا مِنَ المُؤمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم " وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ ، إِنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ ، وَلَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ ، إِنْ أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَظَلُّ الصَّبرُ لِلمُسلِمِ سِرَاجًا في دُرُوبِ الحَيَاةِ وَهَّاجًا ، وَنُورًا في ظُلُمَاتِ الفِتَنِ مُبِينًا ، وَرَفيقًا في الغُربَةِ مُؤنِسًا ، حَتَّى إِذَا وَصَلَت الفِتَنُ إِلى مِثلِ هَذَا العَصرِ الَّذِي نَحنُ فِيهِ ، حَيثُ تَكَالَبَت عَلَى المُسلِمِينَ فِتَنُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، وَاجتَمَعَ عَلَيهِم مَكرُ الأَعدَاءِ وَضَعفُ الأَولِيَاءِ ، فَإِنَّهُ لا عِلاجَ إِلاَّ تَجَرَّعُ الصَّبرِ مَعَ إِحسَانِ العَمَلِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ مِن وَرَائِكُم أَيَّامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَومَئِذٍ بما أَنتُم عَلَيهِ أَجرُ خَمسِينَ مِنكُم " قَالُوا : يَا نَبيَّ اللهِ ، أَو مِنهُم ؟ قَالَ : " بَلْ مِنكُم " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَاصبِرُوا " إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ " وَمَن لم يَكُن مَجبُولاً عَلَى الصَّبرِ فَلْيَتَصبَّرْ وَليُجَاهِدْ نَفسَهُ عَلَيهِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ " إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ وَإِنَّمَا الحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ وَمَن يَتَحَرَّ الخَيرَ يُعطَهُ وَمَن يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ " حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَمَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَاصبِرُوا " إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ " وَمَن لم يَكُن مَجبُولاً عَلَى الصَّبرِ فَلْيَتَصبَّرْ وَليُجَاهِدْ نَفسَهُ عَلَيهِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ " إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ وَإِنَّمَا الحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ وَمَن يَتَحَرَّ الخَيرَ يُعطَهُ وَمَن يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ " حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَمَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمَعَ اقتِضَاءِ الصَّبرِ حَبسَ النَّفسِ عَلَى المَكَارِهِ وَتَحَمُّلَ بَعضِ المَشَاقِّ ، فَإِنَّهُ لا يَعني أَن يَتَوَقَّفَ المَرءُ في مَكَانِهِ وَيَستَسلِمَ ، بَل لَقَد طُلِبَ مِنهُ أَن يَتَصَرَّفَ بما يُخَفِّفَ مُصَابَهُ ، وَأَن يَحرِصَ عَلَى مَا يَنفَعُهُ وَيَبذُلَ مِنَ الأَسبَابِ مَا يَجلِبُ لَهُ الخَيرَ وَيَدفَعُ عَنهُ السُّوءَ بِرَحمَةِ اللهِ ، حَتَّى لَقَد أُذِنَ لَهُ فِيمَا يُخَفِّفُ بِهِ أَلَمَ نَفسِهِ وَيُبَرِّدُ بِهِ مَضَضَ قَلبِهِ ، مِن بُكَاءٍ لا صِيَاحَ مَعَهُ وَلا عَوِيلَ ، وَمِن دَمعِ عَينٍ تَقتَرِنُ بِهِ رَحمَةُ قَلبٍ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى ابنِهِ إِبرَاهِيمَ وَهُوَ في سَكَرَاتِ المَوتِ ، فَجَعَلَت عَينَاهُ تَذرِفَانِ ، فَقَالَ لَهُ عَبدُالرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ : وَأَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ ! فَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ العَينَ تَدمَعُ وَالقَلبَ يَحزَنُ ، وَلا نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرضِي رَبَّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبرَاهِيمُ لَمَحزُونُونَ " وَفِيهِمَا أَيضًا مِن حَدِيثِ أُسَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ حِينَ بَكَى النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لِخُرُوجِ رُوحِ ابنِ ابنَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ سَعدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا هَذَا ؟! فَقَالَ : " هَذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرحَمُ اللهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ "
وَقَد أَثنَى ـ تَعَالى ـ عَلَى أَيُّوبَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ بِالصَّبرِ بِقَولِهِ : " إِنَّا وَجَدنَاهُ صَابِرًا نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " مَعَ أَنَّهُ ـ تَعَالى ـ أَخبَرَ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ قَد دَعَا بِرَفعِ الضُّرِّ عَنهُ بِقَولِهِ : " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ "
كَمَا أَنَّ مِمَّا لا يُنَافي الصَّبرَ أَن يُبَثَّ المُسلِمُ شَكوَاهُ لِقَرِيبٍ أَو يَبُوحَ بِهَمِّهِ لِحَبِيبٍ ، مَا دَامَ رَاضِيًا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ غَيرَ سَاخِطٍ لَهُ وَلا جَازِعٍ مِنهُ ، فَفِي سُنَنِ ابنِ مَاجَه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : رَجَعَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ البَقِيعِ فَوَجَدَني وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا في رَأسِي وَأَنَا أَقُولُ : وَا رَأسَاهُ ! فَقَالَ : " بَل أَنَا يَا عَائِشَةُ وَا رَأسَاهُ " حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
اللَّهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ ، وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ ، وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمَعَ اقتِضَاءِ الصَّبرِ حَبسَ النَّفسِ عَلَى المَكَارِهِ وَتَحَمُّلَ بَعضِ المَشَاقِّ ، فَإِنَّهُ لا يَعني أَن يَتَوَقَّفَ المَرءُ في مَكَانِهِ وَيَستَسلِمَ ، بَل لَقَد طُلِبَ مِنهُ أَن يَتَصَرَّفَ بما يُخَفِّفَ مُصَابَهُ ، وَأَن يَحرِصَ عَلَى مَا يَنفَعُهُ وَيَبذُلَ مِنَ الأَسبَابِ مَا يَجلِبُ لَهُ الخَيرَ وَيَدفَعُ عَنهُ السُّوءَ بِرَحمَةِ اللهِ ، حَتَّى لَقَد أُذِنَ لَهُ فِيمَا يُخَفِّفُ بِهِ أَلَمَ نَفسِهِ وَيُبَرِّدُ بِهِ مَضَضَ قَلبِهِ ، مِن بُكَاءٍ لا صِيَاحَ مَعَهُ وَلا عَوِيلَ ، وَمِن دَمعِ عَينٍ تَقتَرِنُ بِهِ رَحمَةُ قَلبٍ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى ابنِهِ إِبرَاهِيمَ وَهُوَ في سَكَرَاتِ المَوتِ ، فَجَعَلَت عَينَاهُ تَذرِفَانِ ، فَقَالَ لَهُ عَبدُالرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ : وَأَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ ! فَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ العَينَ تَدمَعُ وَالقَلبَ يَحزَنُ ، وَلا نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرضِي رَبَّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبرَاهِيمُ لَمَحزُونُونَ " وَفِيهِمَا أَيضًا مِن حَدِيثِ أُسَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ حِينَ بَكَى النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لِخُرُوجِ رُوحِ ابنِ ابنَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ سَعدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا هَذَا ؟! فَقَالَ : " هَذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرحَمُ اللهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ "
وَقَد أَثنَى ـ تَعَالى ـ عَلَى أَيُّوبَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ بِالصَّبرِ بِقَولِهِ : " إِنَّا وَجَدنَاهُ صَابِرًا نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " مَعَ أَنَّهُ ـ تَعَالى ـ أَخبَرَ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ قَد دَعَا بِرَفعِ الضُّرِّ عَنهُ بِقَولِهِ : " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ "
كَمَا أَنَّ مِمَّا لا يُنَافي الصَّبرَ أَن يُبَثَّ المُسلِمُ شَكوَاهُ لِقَرِيبٍ أَو يَبُوحَ بِهَمِّهِ لِحَبِيبٍ ، مَا دَامَ رَاضِيًا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ غَيرَ سَاخِطٍ لَهُ وَلا جَازِعٍ مِنهُ ، فَفِي سُنَنِ ابنِ مَاجَه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : رَجَعَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ البَقِيعِ فَوَجَدَني وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا في رَأسِي وَأَنَا أَقُولُ : وَا رَأسَاهُ ! فَقَالَ : " بَل أَنَا يَا عَائِشَةُ وَا رَأسَاهُ " حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
اللَّهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ ، وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ ، وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ .
المشاهدات 6034 | التعليقات 4
وجزاك المولى خيرًا على تفضلك بقراءتها ، وعسى الله أن ينفعنا جميعًا بما نكتب ورزقنا الإخلاص فيه ، وجعله في ميزان الحسنات ، إنه جواد كريم .
الصبر كالصبر مر في مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل
خطبة متميزة
ومدعومة بالأدلة الوافرة
شكر الله سعي كاتبها
ونفع بها كل من نظر فيها
أو قرأها
أو خطب بها
أواستمع إليها
عبدالله محمد الروقي
جزاك الله خير الجزاء وأجزل لك المثوبة على هذه الخطبة الرائعة
تعديل التعليق