خطبة : ( استقيموا أيها الكبار يستقم الصغار )
عبدالله البصري
1435/11/17 - 2014/09/12 04:20AM
استقيموا أيها الكبار يستقم الصغار 17 / 5 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن أَهَمِّ المُهِمَّاتِ الَّتي تَشغَلُ بَالَ كُلِّ مُسلِمٍ في كُلِّ زَمَانٍ ، وَهِيَ في هَذَا الزَّمَانِ لِبَالِهِ أَشغَلُ ، قَضِيَّةُ صَلاحِ الأَبنَاءِ وَفَلاحِهِم ، وَأَن يَكُونُوا نَاجِحِينَ في حَيَاتِهِم ، مُفلِحِينَ في دِينِهِم وَدُنيَاهُم ، وَفي تَعَبُّدِهِم وَتَعَامُلِهِم ، وَفي حَيَاتِهِمُ الفَردِيَّةِ وَالاجتِمَاعِيَّةِ ، وَفي كُلِّ شَأنٍ مِن شُؤُونِهِمُ الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ .
وَإِنَّ وُجُودَ هَذَا الهَمِّ وَالشُّعُورِ في ذِهنِ كُلِّ أَبٍ ، لَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وَعيِهِ بِعِظَمِ مَسؤُولِيَّتِهِ ، وَإِحسَاسِهِ بِثِقَلِ أَمَانَتِهِ ، وَفِقهِهِ بِشَيءٍ مِن أخصِّ مَا يَجِبُ عَلَيهِ نَحوَ أَبنَائِهِ ، إِذ إِنَّ مِنَ النَّاسِ وَهُم كَثِيرٌ ، مَن دَرَجُوا عَلَى أَن تَكُونَ تَربِيَتُهُم لأَبنَائِهِم مُجَرَّدَةً مِن كُلِّ مَعَاني التَّربِيَةِ الحَقِيقِيَّةِ ، إِلاَّ مِن إِشبَاعِ الحَاجَاتِ وَالضَّرُورِيَّاتِ الَّتي يَكُونُ بها بَقَاءُ الحَيَاةِ ، وَالَّتي يَشتَرِكُ فِيهَا الإِنسَانُ مَعَ الحَيَوَانِ ، مِنَ الأَكلِ وَالشُّربِ ، وَالإِيوَاءِ في المَسكَنِ وَتَوفِيرِ المَلبَسِ ، وَعِلاجِ الأَمرَاضِ البَدَنِيَّةِ وَالأَدوَاءِ ، وَأَمَّا التَّربِيَةُ عَلَى المَبَادِئِ الإِنسَانِيَّةِ وَالأُصُولِ الدِّينِيَّةِ ، وَتَعزِيزُ القِيَمِ الصَّالِحَةِ وَتَعدِيلُ الاتِّجَاهَاتِ لِمَا هُوَ أَسمَى وَأَغلَى وَأَهَمُّ وَأَوجَبُ ، فَلا يَعتَنُونَ بِهِ وَلا يُفَكِّرُونَ فِيهِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ أَبنَاءَهُم في الحَقِيقَةِ ، إِنَّمَا يَسبَحُونَ في بَحرٍ مُتَلاطِمِ الأَموَاجِ ، فَإِمَّا أَن يُوَفَّقُوا لِمُعَلَّمٍ صَادِقٍ أَو إِمَامٍ مُصلِحٍ ، أَو دَاعِيَةٍ نَاصِحٍ أَو صَدِيقٍ صَالِحٍ ، فَيَصلُحُوا وَيَتَوَجَّهُوا لِلخَيرِ ، وَإِمَّا أَن يَسقُطُوا في أَيدٍ شِرِّيرَةٍ آثِمَةٍ ، تَتَلَقَّفُهُم تَلَقُّفَ الصَّيدِ الثَّمِينِ ، لِيُستَخدَمُوا في قَضَاءِ مَآرِبَ خَبِيثَةٍ ، وَتُنَالَ بِهِم مَقَاصِدُ دَنِيئَةٌ ، أَو يُستَعمَلُوا لِلوُصُولِ بِهِم إِلى غَايَاتٍ شِرِّيرَةٍ .
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ ثَمَّةَ آبَاءً عُظَمَاءَ ، مُرَبِّينَ حُكَمَاءَ ، صَالِحِينَ مُصلِحِينَ ، وَآخَرِينَ إِنَّمَا هُم في بُيُوتِهِم مُشرِفُونَ عَلَى مَشرُوعَاتِ رَعيٍ وَتَسمِينٍ ، لَوَّامُونَ مُنتَقِدُونَ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ مِنَ الآبَاءِ مَن هُوَ عَونٌ لأَبنَائِهِ عَلَى الصَّلاحِ بِصِلاحِهِ في نَفسِهِ ، وَمِنهُم مَن هُوَ مُقَصِّرٌ في نَفسِهِ ، دَائِمُ اللَّومِ لِغَيرِهِ ، هَمُّهُ وَدَيدَنُهُ أَن يَسألَ : مَاذَا فَعَلَتِ المَدَارِسُ وَالجَامِعَاتُ ؟! وَمَاذَا قَدَّمَ المُعَلِّمُونَ وَالمُرَبُّونَ ؟! وَأَينَ هُمُ الدُّعَاةُ وَالمُصلِحُونَ ؟! وَلِمَاذَا لا يُدَرَّسُ الطُّلاَّبُ كَذَا وَكَذَا ؟! وَلِمَاذَا لا يُضبَطُونَ بِكَيتَ وَكَيتَ ؟! وَهِيَ أَسئِلَةٌ وَإِن كَانَت في الصَّمِيمِ ، إِلاَّ أَنَّهَا قَد لا تَكُونُ مَقبُولَةً مِمَّن أَهمَلَ وَاجِبَهُ ، وَلا تَسُوغُ مِمَّن فَرَّطَ في مَسؤُولِيَّتِهِ ، وَلا يَحِقُّ طَرحُهَا لِمَن هُوَ مُخفِقٌ في حَيَاتِهِ ، سَيِّئَةٌ سِيرَتُهُ مَائِلَةٌ مَسِيرَتُهُ ، يَقتُلُ بِفِعلِهِ كُلَّ مَا يُحيِيهِ المُعَلِّمُونَ وَالمُرَبُّونَ مِن مَعَاني الفَضِيلَةِ ، وَيَهدِمُ بِإِهمَالِهِ كُلَّ مَا يَبنُونَهُ مِنَ حَسَنِ القِيَمِ وَالأَخلاقِ الجَمِيلَةِ ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ عَلَى الأَبِ قَبلَ أَن يَسأَلَ عَن دَورِ غَيرِهِ في إِصلاحِ بَنِيهِ ، أَن يَبنِيَ نَفسَهُ هُوَ أَوَّلاً بَنَاءً صَحِيحًا رَاسِخًا ، وَيَستَعِدَّ استِعدَادًا جَازِمًا ؛ لِيَكُونَ القُدوَةَ الصَّالِحَةَ وَالأُسوَةَ الحَسَنَةَ لأَبنَائِهِ في كُلِّ حَرَكَةٍ مِنهُ وَسُكُونٍ ، بِحَيثُ لا يَرَونَ مِنهُ سُلُوكًا يُخَالِفُ مَا يَتَعَلَّمُونَهُ في مَدَارِسِهِم ، وَلا يَلحَظُونَ عَلَيهِ تَصَرُّفًا يُضَادُّ مَا يَتَلَقَّونَهُ في جَامِعَاتِهِم ، إِنَّ عَلَيهِ أَن يَكُونَ هُوَ النَّمُوذَجَ الحَيَّ الَّذِي يُشَاهِدُونَهُ فَيَقتَدُونَ بِهِ ، فَإِذَا أُمِرُوا بِمَعرُوفٍ وَجَدُوهُ أَسبَقَ مَن يَفعَلُهُ ، وَإِذَا نُهُوا عَن مُنكَرٍ رَأَوهُ أَبعَدَ النَّاسِ عَنهُ ، وَإِذَا حُسِّنَت لَهُم فَضِيلَةٌ وَجَدُوا أَبَاهُم خَيرَ المُتَّصِفِينَ بها ، وَإِن قُبِّحَت لَهُم رَذِيلَةٌ أَلْفَوهُ أَوَّلَ المُجَانِبِينَ لها ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ العَكسُ ، وَهُوَ مَا يَحصُلُ في حَيَاةِ كَثِيرِينَ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، فَأَنَّى لِلطَّالِبِ الصَّغِيرِ عَقلُهُ ، القَلِيلِ استِيعَابُهُ الضَّيِّقُ فَهمُهُ ، أَن يَجمَعَ بَينَ مَا يَسمَعُهُ في مَدرَسَتِهِ أَو يَتَلَقَّاهُ في جَامِعَتِهِ ، وَبَينَ مَا يَرَاهُ عَلَى مَن يُفتَرَضُ أَن يَكُونَ هُوَ النَّمُوذَجَ الأَفضَلَ وَالمَثَلَ الأَعلَى ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ كَيفَ يُرَادُ لِطِفلٍ صَغِيرٍ أَو فَتًى مُرَاهِقٍ ، أَن يَهتَمَّ بِصَلاتِهِ وَأَبُوهُ لا يُقِيمُ لها وَزنًا ؟! أَو يَذكُرَ رَبَّهُ وَأَبُوهُ لاهٍ غَافِلٌ ؟! أَو يَصدُقَ وَأَبُوهُ يَكذِبُ ؟! أَو يَفِيَ بِوَعدٍ أَو يَحفَظَ عَهدًا وَأَبُوهُ مُرَاوِغٌ غَادِرٌ ؟! أَو يُؤَدِّيَ أَمَانَةً أَو يُحَافِظَ عَلَى مُقَدَّرٍ ، وَهُوَ يَرَى قُدوَتَهُ وَأُسوَتَهُ خَلِيًّا مِن كُلِّ هَذَا ؟!
إِنَّهُ لَشَيءٌ عَجِيبٌ جِدًّا ، أَن نَلُومَ طُلاَّبًا صِغَارًا وَنَستَنكِرَ مِنهُم أَن يُخَالِفُوا مَا تَعَلَّمُوا ، وَهُم مِن حِينِ أَن يَخرُجُوا مِن فُصُولِ مَدَارِسِهِم وَيُفَارِقُوا قَاعَاتِ جَامِعَاتِهِم ، لا يَرَونَ مِن كِبَارِهِم إِلاَّ تَارِكًا لِلصَّلاةِ هَاجِرًا لِلجَمَاعَاتِ ، وَآخَرَ إِن حَدَّثَ كَذَبَ وَإِن وَعَدَ أَخلَفَ وَإِن اؤتُمِنَ خَانَ ، وَثَالِثًا مُتَكَبِّرًا عَلَى الآخَرِينَ يَحقِرُهُم وَيُسَفِّهُ أَحلامَهُم أَو يَستَهزِئُ بِهِم ، وَرَابِعًا جَاحِدًا لِحُقُوقِهِم لا يَرَى لَهُم عَلَيهِ وَاجِبًا ، وَخَامِسًا مَشغُولاً بِذَاتِهِ لا يُهِمُّهَ إِلاَّ نَفسُهُ ، وَلا يُبدِي تَعَاوُنًا مَعَ غَيرِهِ وَلا يُحسِنُ إِلى سِوَاهُ ، إِنَّهَا لأَزمَةٌ كَبِيرَةٌ جِدُّ كَبِيرَةٍ ، أَن تُخَالِفَ الأَفعَالُ الأَقوَالَ ، وَأَن تَنقَطِعَ الصِّلَةُ أَو تَضعُفَ ، بَينَ مَا يُلَقَّنَهُ الصَّغِيرُ مِنَ المُرشِدِينَ وَالمُصلِحِينَ ، وَمَا يَرَاهُ في الوَاقِعِ مِنَ المُتَهَاوِنِينَ المُتَسَاهِلِينَ ، وَأَن يَظَلَّ هَذَا الخَلَلُ في ازدِيَادٍ جِيلاً بَعدَ جِيلٍ ، كَيفَ نَستَنكِرُ أَلاَّ يَستَفِيدَ أَبنَاؤُنَا مِن تَربِيَةٍ وَلا يَنفَعَ فِيهِم تَعلِيمٌ ، وَهُم لا يَكَادُونَ يَرَونَ مِنَّا الصِّدقَ !! وَصَدَقَ القَائِلُ :
مَتى يَبلُغُ البُنيَانُ يَومًا تَمَامَهُ ** إِذَا كُنتَ تَبنِيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
وَصَدَقَ الآخَرُ حَيثُ قَالَ :
وَيَنشَأُ نَاشِئُ الفِتيَانِ مِنَّا ** عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
إِنَّ المَعلُومَاتِ وَالمَعَارِفَ وَالفَوَائِدَ وَالنَّصَائِحَ ، الَّتي تُلقَى في كُلِّ مَحضِنٍ مِن مَحَاضِنِ التَّربِيَةِ ، أَو تُبَثُّ مِن عَلَى أَيِّ مِنبَرٍ مِن مَنَابِرِ الإِرشَادِ وَالإِصلاحِ وَالدَّعوَةِ ، تَظَلُّ مَيتَةً لا رُوحَ فِيهَا ، بَاهِتَةً لا لَونَ لها ، ضَعِيفَةً لا أَثَرَ لها ، حَتَّى تَجِدَ في الوَاقِعِ رِجَالاً كِبَارًا في عُقُولِهِم وَقُلُوبِهِم ، كِبارًا في نُفُوسِهِم وَأَروَاحِهِم ، كِبَارًا في نِيَّاتِهِم وَإِرَادَاتِهِم وَغَايَاتِهِم ، يُرُونَ الأَجيَالَ النَّاشِئَةَ أَمثِلَةً حَيَّةً لِمَا يَجِبُ أَن يَكُونَ عَلَيهِ المُسلِمُ ، وَيَرسُمُونَ لها نَمَاذِجَ مُشَاهَدَةً في حُبِّ الخَيرِ وَفِعلِهِ وَالدَّعوَةِ إِلَيهِ وَنَشرِهِ ، وَكَرَاهِيَةِ الشَرِّ وَتَركِهِ وَالتَّحذِيرِ مِنهُ وَمُحَارَبَتِهِ ، وَوَاللهِ لَو تَكَلَّمَ أَلفُ رَجُلٍ وَقَالُوا وَأَبلَغُوا في المَقَالِ ، عَلَى أَن يُصلِحُوا فَردًا وَاحِدًا ، لَمَا كَانَ لَهُم مِنَ الأَثَرِ الحَسَنِ كَمَا يَكُونُ لِمَقَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ صَادِقٍ ، يَصلُحُ بِصَلاحِهِ آلافٌ مِنَ البَشَرِ ، يَتَأَثَّرُونَ بِحُسنِ أَخلاقِهِ ، وَيَملِكُ قُلُوبَهُم بِصِدقِ تَعَامُلِهِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا الكِبَارُ مِن آبَاءٍ وَإِخوَةٍ ، وَكُونُوا قُدوَةً حَسَنَةً لِصِغَارِكُم وَنَاشِئَتِكُم ، وَاحذَرُوا مِن أَن تَحُولُوا بَينَهُم وَبَينَ الخَيرِ ، بِاعتِيَادِكُم سَيِّئَ الفِعَالِ أَوِ اتِّصَافِكُم بِقَبِيحِ الخِصَالِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " اُدعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحسنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ كُلاًّ مِنكُم رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ ، وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَا مِن عَبدٍ يَستَرعِيهِ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ رَعِيَةً ، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ رَعِيَّتَهُ ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ ـ تَعَالى ـ عَلَيهِ الجَنَّةَ " وَقَد وَرَدَ في وَصفِ عِبَادِ الرَّحمَنِ أَنَّهُم " يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا " إِنَّ في هَذَا لأَعظَمَ إِشَارَةٍ إِلى أَنَّ مِن كَمَالِ عُبُودِيَّةِ المَرءِ لِرَبِّهِ وَتَوَاضُعِهِ وَطُمَأنِينَةِ نَفسِهِ ، أَن يَكُونَ إِمَامًا في الخَيرِ قُدوَةً حَسَنَةً فِيهِ دَاعِيًا إِلَيهِ ، لا أَن يَتَحَمَّلَ وِزرَ غَيرِهِ بِدِلالَتِهِ عَلَى الشَّرِّ أَو الحَيلُولَةِ بَينَهُ وَبَينَ الخَيرِ ، رَوَى مُسلِمٌ وَغَيرُهُ أَنَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ قَالَ : " مَن دَعَا إِلى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ ، لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا ، وَمَن دَعَا إِلى ضَلالَةٍ فَعَلَيهِ مِنَ الإِثمِ مِثلُ آثَامِ مَنِ اتَّبَعَهُ ، لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن آثَامِهِم شَيئًا "
وَإِنَّ مَا يُقَالُ في حَقِّ الآبَاءِ مِن وُجُوبِ كَونِهِم قُدُوَاتٍ حَسَنَةً لأَبنَائِهِم ، يُقَالُ لِلمُعَلِّمِينَ وَالمُرَبِّينَ ، فَإِنَّ مِن أَسوَأِ صِفَاتِ المُعَلِّمِ وَالمُرَبِّي أَن يَكُونَ قَوَّالاً غَيرَ فَعَّالٍ ، هَادِمًا بِفِعَالِهِ مَا يَبنِيهِ بِمَقَالِهِ ، لا يَزِنُ تَصَرُّفَهُ بِمَا يَدَّعِيهِ ، وَلا يَقِيسُ حَالَهُ في الوَاقِعِ بما يَتَكَلَّمُ بِهِ لِسَانُهُ ، بَل إِنَّ هَذَا سَبَبٌ مِن أَسبَابِ مَقتِهِ لِنَفسِهِ ، وَتَعَرُّضِهِ لِغَضَبِ اللهِ وَعَذَابِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفعَلُونَ . كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفعَلُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يُؤتَى بِالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ فَيُلقَى في النَّارِ فَتَندَلِقُ أَقتَابُ بَطنِهِ ، فَيَدُورُ بها كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في الرَّحَى ، فَيَجتَمِعُ إِلَيهِ أَهلُ النَّارِ ، فَيَقُولُونَ : يَا فُلانُ ، مَالَكَ ؟! أَلَم تَكُنْ تَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَى عَنِ المُنكَرِ ؟! فَيَقُولُ : بَلَى ، كُنتُ آمُرُ بِالمَعرُوفِ وَلا آتِيهِ ، وَأَنهَى عَنِ المُنكَرِ وَآتِيهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا الكِبَارُ ـ مِن آبَاءٍ وَمُعَلِّمِينَ وَإِخوَةٍ وَمَسؤُولِينَ ، وَعَلِّمُوا الصِّغَارَ الخَيرَ وَرَغِّبُوهُم فِيهِ بِفِعلِهِ أَمَامَهُم ، وَحَذِّرُوهُمُ الشَّرَّ وَقَبِّحُوهُ في أَعيُنِهِم بِتَركِهِ وَهَجرِهِ ، وَإِلاَّ فَلا تَنتَظِرُوا مِنهُم صَلاحًا وَقَد وَلَغتُم في الفَسَادِ ، وَلا زَكَاءً لِنُفُوسِهِم وَقَد دَسَّيتُم نُفُوسَكُم ، وَلا أَن يَستَقِيمَ الظِّلُّ مِنهُم وَالعُودُ مِنكُم أَعوَجُ ...
المرفقات
556.doc
استقيموا أيها الكبار يستقم الصغار.doc
استقيموا أيها الكبار يستقم الصغار.doc
استقيموا أيها الكبار يستقم الصغار.pdf
استقيموا أيها الكبار يستقم الصغار.pdf
المشاهدات 3137 | التعليقات 3
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل على هذه الكلمات الجميله ونفع الله بها
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
راشد الناصر
تعديل التعليق