خطبة استسقاء

محسن الشامي
1436/01/22 - 2014/11/15 21:03PM
الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى، وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل في الليل إِذَا سَرى، ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في السَّماء، أحمده ما قُطِع نهارٌ بسيرٍ وليلٌ بسُرى،وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد ه ورسوله المبعوث في أمِّ القُرى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَىَ أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، فما من خير في الدنيا والآخرة إلا وطريقه التقوى فبالتقوى تفتح أبواب السماء بالرزق والخير والبركات {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
إخوة الايمان : إنَّ ربّكم تبارك وتعالى يوالي نعمَه على عباده لتكونَ عوناً لهم على طاعتِه والتقرّب إليه، فإذا استعانوا بنعمِه على معصيته وفرّطوا في جنبِه وأضاعوا أوامرَه واستهانوا بنواهيه واستخفّوا بحرماتِه غيّرَ عليهم حالَهم جزاءً وِفاقاً، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـامٍ لّلْعَبِيدِ) فإذا غيَّر العباد الطاعة بالمعصية غيَّر الله عليهم الغنى بالفقر، والنعمَ بالنقم، والخصبَ بالجدب، والمطرَ بالقحط، والخيرَ بالشدَّة والمؤونة، فلم ينزل بلاءٌ من الله إلا بذنوب العباد وتقصيرهم وإعراضهم عن ربِّهم وإقبالهم على شهواتِهم، (وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) وقال تعالى ، (أَوَ لَمَّا أَصَـابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) وقال سبحانه (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
أمة الاسلام : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ إِذَا كَانَتِ المَلابِسُ دَنِسَةً وَالأَجسَادُ نَجِسَةً، فَإِنَّه والله مِنَ الحَمَاقَةِ أَن يَبدَأَ صَاحِبُهَا بِتَطيِيبِهَا وتَبخِيرِهَا قَبلَ غَسلِهَا وَتَطهِيرِهَا وَكذلك القُلُوبُ إِذَا كَانَتِ قَد تَدَنَّسَت بِالمَعَاصِي أَو تَلَبَّسَت بِشَيءٍ مِنَ الكَبَائِرِ أَوحُقِنَتِ النُّفُوسُ كُرهًا لِلآخَرِينَ وَبُغضًا لِلمُسلِمِينَ أَو شَابَ الأَعمَالَ شِركٌ أَو رِيَاءٌ أَو مُلِئَتِ البُيُوتُ قَنَوَاتٍ مَاجِنَةً وَأَجهِزَةَ فَسَادٍ خَبِيثَةً فَأَيُّهُمَا أَولى بِأَن يُبدَأَ بِهِ، أَهُوَ الدُّعَاءُ وَالمَسأَلَةُ، أَمِ التَّوبَةُ وَالاستِغفَارُ؟! أَهُوَ طَلَبُ مَا عِندَ اللهِ مِنَ الغَيثِ وَالبَرَكَةِ، أَم إِزَالَةُ الظُّلمِ وَالتَّخَلُّصُ ممَّا يَجلِبُ السُّخطَ وَيَدفَعُ رِضَا الرَّبِّ؟!
أمة لا اله الا الله أليس فينا مَن ضَيَّعَ الصلواتِ المكتوبةَ فضلا عنِ النوافلِ المسنونةِ ؟ أليس فينا مَن لا يُقِيمُ لِصلاةِ الجماعةِ وَزنًا ؟ انظروا إلى المساجد في صلاةِ الفجر لا يَشهُدُها إلا عدد قليل فَأَينَ الشَّبَاب الذين مَلَؤُوا الدنيا ضجيجًا ؟ أين ذوو النشاطِ والقُوَّةِ اليس فينا القاطعونَ لأَرحـامِهِم المُتشاحِنُون مَعَ إِخوانِهِم ؟ أين هؤلاء الذين قَسَت قُلُوبُهُم وَتَصَلَّدَت فهي كِالحجارةِ ؟أين هم من العفو والسماحة يَمُرُّ أَحدُهُم بِأخِيهِ فلا يَلتَفِتُ إليه ويُقَابِلُ قَرِيبَهُ فَلا يُسَلِّمُ عليه ويُدعى كُلٌّ منهما إلى الصُّلحِ فَلا يُجِيبُ وَيُذَكَّرُ بِاللهِ فلا يَستجيبُ ويُوعَظُ فلا يَزدَادُ إلا عُتُوًّا ونُفُورًا
إخوة الايمان ألا وإِنَّهُ حِينَ تَتَلَوَّثُ الأَيدِي بِتَنَاوُلِ الحَرَامِ أخذًا وإِعطَاءً وَتَتَّسِخُ بِالتَّعَدِّي عَلَى المُسلِمِينَ في أَموَالِهِم أَو أَيٍّ مِن حُقُوقِهِم، فَكَيفَ يُستَنكَرُ أَن تُرفَعَ ثُمَّ تُرَدَّ خَائِبَةً؟! لا بُدَّ قَبلَ تَحرِيكِ الأَلسِنَةِ بِالدُّعَاءِ- أَن تَتُوبَ القُلُوبُ إِلى اللهِ وَتُنِيبَ، وَتَعمَلَ الجَوَارِحُ كُلُّهَا بِطَاعَتِهِ، وَأَن يُتَخَلَّصَ ممَّا في البُيُوتِ مِنَ المُنكَرَاتِ، وَأَن يُحِبَّ كُلُّ امرِئٍ لإِخوَانِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ، فَإِذَا نَحنُ فَعَلنَا وَدَعَونَا اللهَ بِلِسَانِ الحَالِ، إِذَا نَحنُ أَصلَحنَا أَنفُسَنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَتَخَلَّقنَا بِأَخلاقِ الإِسلامِ وَتَأَدَّبنَا بِآدَابِهِ، وَاتَّبَعنَا السُّنَّةَ وَاقتَفَينَا الأَثَرَ، فَمَا أَسهَلَ الدُّعَاءَ بِالمَقَالِ حِينَئِذٍ!! إِنَّهُ لا يَحتَاجُ إِلاَّ إِلى رَفعِ اليَدَينِ إِلى السَّمَاءِ بِصِدقٍ وَإِخلاصٍ، مَعَ استِكمَالِ آدَابِ الدُّعَاءِ،
وَحِينَهَا فَقَد تَكُونُ الإِجَابَةُ أَعجَلَ إِلى أَحَدِنَا مِن استِكمَالِهِ دُعَاءَهُ؛ قَالَ سُبحَانَهُ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم) وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "إِنَّ اللهَ تَعَالى حَيِيٌّ كَرِيمٌ؛ يَستَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيهِ يَدَيهِ أَن يَرُدَّهُمَا صِفرًا خَائِبَتَينِ".َصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
أيها الإخوة، طوبَى لمَن عرفَ أنَّ له ربّاً رحيماً، عفوّاً كريماً، يقبل توبَة النادمين، ويُقيل عثراتِ العاثرين إذا لجؤوا إليه صادقين مخلصين، غيرَ يائسين ولا مُصرِّين، كيفَ لا؟وقد أمر بذلك نبيَّه والمؤمنين (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـاهَ إِلاَ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ)
أيها الإخوة، إذا كثُر الاستغفار في الأمة وصدَر عن قلوبٍ بربّها مطمئنة دفع الله عنها ضروباً من النقم، وصرَف عنها صنوفًا من البلايا والمحن، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) روى الترمذي من حديث أبي موسى رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله علي وسلم أنه قال: ((أنزل الله على أمّتي أمانين))، فذكر الآية: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، قال: ((فإذا مضيتُ تركتُ فيهم الاستغفار)). بالاستغفار تتنزَّل الرحمات، (لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وفي الاستغفار بإذن الله الفرجُ من كلّ همّ، والمخرجُ من كلِّ ضيق، ورزقُ العبد من حيث لا يحتَسب، في الحديث: ((من لزم الاستغفارَ جعلَ الله له من كلِّ همّ فرجًا، ومن كلّ ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب)).
إن الاستغفارَ الحقَّ صدقٌ في العزم على ترك الذنب، والإنابةُ بالقلوب إلى علامِ الغيوب. إن الخيرَ كلّه معلّق بصلاح القلوب وقبُول الإيمان، وحينئذ يأتي الغفران، (إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
أَلا فَمَتَى نَتَّقِي اللهَ في أَنفُسِنَا وَإِخوَانِنَا؟! بَل مَتى نَتَّقِيهِ في البَهَائِمِ وَالعَجمَاوَاتِ الَّتي مُنِعَتِ القَطرَ بِسَبَبِنَا؟! مَتَى نَعُودُ إِلى رُشدِنَا فَنُقِيمَ صَلاتَنَا كَمَا أَمَرَنَا اللهُ (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَومًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبصَارُ) ؟! عباد الله : مَتَى نَتَعَامَلُ مَعَ اللهِ حَقَّ التَّعَامُلِ فَنُراقِبَهُ في بَيعِنَا وَشَرَائِنَا وَأَخَذِنَا وَعطَائِنَا؟! مَتى نَتَرَاحَمُ لِيَرحَمَنَا اللهُ؟! قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "الرَّاحِمُونَ يَرحَمُهُمُ الرَّحمنُ -تَبَارَكَ وَتَعَالى-، اِرحمُوا مَن في الأَرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّمَاءِ". َصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، كُونُوا مَعَ اللهِ يَكُنْ مَعَكُم، فَإِنَّهُ تَعَالى عِندَ ظَنِّ عَبدِهِ بِهِ وَهُوَ مَعَهُ إِذَا ذَكَرَهُ، تَعَرَّفُوا إِلَيهِ في الرَّخَاءِ يَعرِفْكُم في الشِّدَّةِ، أَطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَكُم يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم، وها أنتم عباد الله قد حضرتم في هذا المكان الطاهر بين يدي ربكم تشكون جدب دياركم، وتبسطون إليه حاجتكم، ، فأظهروا رقة القلوب، وافتقار النفوس والذل بين يدي العزيز الغفار، ارفعوا أكف الضراعة إليه، ابتهلوا وادعوا، وتضرعوا واستغفروا، وأكثروا من الصلاة والسلام على المصطفى الهادي البشير إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد اللهم صل عليه ما هطلت الأمطار وسالت الأودية والأنهار وفاضت العيون والآبار
اللهم انت الله ، لا إله إلا أنت أنت الغنيّ ونحن الفقراء اللهم إنا نسألك مسألةَ المساكين، وتبتهِل إليك ابتهالَ الخاضعين الذّليلين، وندعوك دعاءَ الخائفين الوجِلين، سؤالَ من خضَعت لك رقابهم، ورغِمت لك أنوفهم، وفاضت لك عيونهم، وذلَّت لك قلوبهم اللهم أغثنا, اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وبلادنا بالصيّب النافع يا رحمن.
اللهم أغثنا غيثا هنيئا ..........
اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق
اللهم إن بالبلاد والعباد من البلاء والجهد ما لا نشكوه إلا إليك يا ربنا ، اللهم اسق بهائمك وعبادك وأحيِ بلدك الميت.. اللهمّ إنا نستغفرك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسل السماءَ علينا مدرارًا، اللهمّ اسقِ عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت.
اللهمّ إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنع عنّا بذنوبنا فضلَك، اللهمّ إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك
يا من عمَّ برزقه الطائعين والعاصين، وعمّ بجوده وكرمه جميع المخلوقين، جد علينا برحمتك وإحسانك، وتفضل علينا بغيثك ورزقك وامتنانك، ، اللهم وسِّع أرزاقنا، ويسّر أقواتنا، اللهم هذا الدعاء، ومنك الإجابة، وهذا الجهد، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، فلا تردنا خائبين، ربَّنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
اللهم قد رفعنا إليك أيدينا فلا تردنا بذنوبنا خائبين، ولا من عطاياك محرومين يا أكرم الأكرمين نستغفرك ربنا ونتوب إليك.عباد الله اقلبوا أرديتكم اقتداء بسنة نبيكم سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
المشاهدات 2974 | التعليقات 0