خُطْبَةُ اِسْتِسْقَاء 1444 هـ

مبارك العشوان 1
1444/04/21 - 2022/11/15 18:43PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَى اللهِ.

اللَّهُمَّ لَكَ اْلحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الشُّكْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ.

تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ فَضْلًا مِنْكَ وَإِحْسَانًا، وَتَمْنَعُ مَنْ تَشَاءُ حِكْمَةً مِنْكَ وَعَدْلًا، الخَلْقُ خَلْقُكَ، وَالمُلْكُ مُلْكُكَ، وَالأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ لَكَ: { اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }العنكبوت62

مَا لَا نُحْصِي مِنَ النِّعَمِ؛ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيْكَ لَكَ، وَمَا أَصَابَنَا مِنَ الضُّرِّ وَالنِّقَمِ؛ فَمِنْ أَنْفُسِنَا وَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِينَا.

عِبَادَ اللهِ: لَئِنْ تَأَخَّرَ المَطَرُ عَنْ بِلَادِنَا، وَأَصَابَنَا مِنَ الضُّرِّ مَا أَصَابَنَا؛ فَلْنُرَاجِعْ أَنْفُسَنَا، وَلْنَعْلَمْ عِلْمَ اليَقِيْنِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنِ اِسْتَقَامُوا؛ أَصْلَحَ  لَهُمْ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ؛ قَالَ تَعَالَى :{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }96   الأعراف  

أَمَّا إِنْ أَعْرَضُوا عَنِ اللهِ، وَتَجَرَّؤُوا عَلَى حُرُمَاتِهِ، وَتَعَرَّضُوا لِغَضَبِهِ، أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ العُقُوبَاتِ مَا أَصَابَهُمْ؛ مِنَ الضِّيْقِ وَالضَّنْكِ وَالشِّدَّةِ، وَهُمْ مُتَوَعَّدُونَ فِي الآخِرَةِ بِالعَذَابِ الأَشَدِّ؛ فَخَسِرُوا الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }.

إِذَا أَعْرَضَ النَّاسُ عَنِ اللهِ، وَتَعَرَّضُوا لِغَضَبِ اللهِ؛ فَلَا يَأْمَنُوا أَمْرَاضًا وَأَوْبِئَةً تَظْهَرُ فَيْهِمْ لَمْ تَكُنْ فِي أَسَلَاِفِهِم، وَتَفْتِكُ بِصَغِيْرِهِمْ وَكَبِيْرِهِمْ.

إِذَا أَعْرَضُوا عَنِ اللهِ فَلَا يَأْمَنُوا قَحْطًا فِي دِيَارِهِمْ، وَجَدْبًا فِي أَرْضِهِمْ، وَمَحْقًا فِي أَرْزَاقِهِمْ، وَفَسَادًا فِي زُرُوْعِهِمْ؛ قال تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الروم 41  

لَا تَكْفُرُوا - أَيُّهَا النَّاسُ - نِعَمَ اللهِ؛ فَيَحِلَّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِمَنْ قَبْلَكُمْ: { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }112  النحل   

عِبَادَ اللهِ: اِجْتَمَعْنَا فِي هَذَا الوَقْتِ، وَصَلَّيْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ؛ تَأَسِّيًا بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَسْتَغِيْثُ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ نَشْكُو إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا حَاجَتَنَا، وَقِلَّةَ الْأَمْطَارِ عَلَى دِيَارِنَا، نَشْكُو إِلَيْهِ ضَعْفَنَا وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِنَا، نَرْجُو رَحْمَتَهُ وَهُوَ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا؛ نَدْعُوهُ تَعَالَى وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَهُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ؛ نَدْعُوهُ تَعَالَى وَهُوَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ، القّوِيُّ وَنَحْنُ الضُّعَفَاءُ، يُجِيبُ السَّائِلِينَ، وَيُغِيْثُ المُسْتَغِيْثِينَ، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ عَنِ المُضْطَرِّيْنَ: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } النمل 62

أَلَا فَلْنَدْعُ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا؛ فَإِنَّهُ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَينِ.

وَلْنُكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، فَهُوَ سَبَبٌ لِجَلْبِ الخَيْرَاتِ، وَدَفْعِ الْبَلَايَا، وَكَشْفِ الكُرُبَات؛ قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَومِـــــهِ: { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } 10 ــ 12 نوح. وَقَالَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ }52 هود

وَقَالَ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَومِهِ: { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } النمل  46   وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّــمَ: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الأنفال 33  قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِاسْتِغْفَارُ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَ الاِسْتِغْفَارُ.

وَبِهَذَا نَعْلَمُ - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّنَا فِي أَمَسِّ الحَاجَةِ لِلِاسْتِغْفَارِ؛ وَفِي أَشَدِّ الضَّرُوْرَةِ لِلتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ؛ الَّتِي نَأْمَنُ بِهَا مِنَ العَذَابِ، التَّوْبَةِ التِي يَغْفِرُ اللهُ بِهَا الذُّنُوبَ، وَيَسْتُرُ بِهَا العُيُوبَ، وَيَرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتِ، وَيُعْطِي جَزِيْلَ الهِبَاتِ.

عِبَادَ اللهِ: لِنَتَدَارَكْ أَنْفُسَنَا، وَلْنَتُبْ إِلَى رَبِّنَا، وَلْنَعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ المَعَاصِي سَبَبًا لِزَوَالِ النِّعَمِ وَحُلُولِ النِّقَمِ؛ وَجَعَلَ التَّقْوَى مَخْرَجًا مِنْ كُلِّ ضِيْقٍ وَفَرَجًا مِنْ كُلِّ كَرْبٍ وَبَابًا وَاسِعًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّزْقِ: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }.

أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَالْتَزِمُوا حُدُودَهُ، يَفْتَحْ لَكُم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض.

تَآمَرُوا بِالمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوا عَنِ المُنْكَرِ، أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم، صِلُوا أَرْحَامَكُم؛ يُبْسَطْ لَكُمْ فِي أَرْزَاقِكُمْ، وَيُنْسَأَ لَكُمْ فِي آجَالِكُمْ، تَرَاحَمُوا يَرْحَمْكُمْ الرَّحْمَنُ.

أَحْسِنُوا إِلَى ضُعَفَائِكُم؛ يُحْسِنِ اللهُ إِلَيْكُم؛ فَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ؛ وَفِي الحَدِيْثِ: ( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ) رواه البخاري.  

فَرِّجُوا عَنْ مَكْرُوبٍ؛ يُفَرِّجِ اللهُ كُرُوبَكُم، يَسِّرُوا عَلَى مُعْسِرٍ؛ يُيَسِّرِ اللهُ أُمُورَكُم.

اِحْرِصُوا عَلَى الحَلَالِ فِي مُعَامَلَاتِكُمْ، وَاحْذَرُوا - أشَدَّ الحَذَرِ - الحَرَامَ ؛ فَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ ) رواه مسلم.

أَحْسِنُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - العَمَلَ لِلهِ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللهِ؛ اُدْعُوهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى، وَأَلِحُّوا فِي دُعَائِهِ، وَارْفَعُوا بِدُعَائِهِ تَعَالَى أَكُفَّكُمْ.

اللهُمَّ أَنْتَ رَبُّنَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنَا وَنَحْنُ عَبِيْدُكَ، وَنَحْنُ عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْنا، نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْنَا، نَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَينَا، وَنَبُوءُ لَكَ بِذُنُوبِنَا، فَاغْفِرْ لَنَا، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ.

اللهُمَّ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ؛ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيْثاً هَنِيْئاً مَرِيئاً غَدَقاً، سَحَّاً طَبَقاً، عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ، اللهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبِلَادَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، اللهمَّ أنْزِلْ عَلَينَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء، وَاجْعَلْ مَا أنْزَلْتَهُ قوةً لَنَا عَلَى طَاعَتِكَ وَبَلَاغاً إلى حِينٍ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين. 

الَّلهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ؛ نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.

اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلى يَومِ الدِّين.

المرفقات

1668527012_خطبة استسقاء 1444.pdf

1668527023_خطبة استسقاء 1444.doc

المشاهدات 1237 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا