خطبة استسقاء

عبدالله البصري
1445/07/19 - 2024/01/31 16:39PM

خطبة استسقاء   20 / 7 / 1445

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، تَأَخَّرَ الغَيثُ في بِلادِنَا عَن إِبَّانِهِ ، وَلم يَأتِنَا مِنهُ نَصِيبُنَا في وَقتِهِ وَأَوَانِهِ ، وَطَالَ انتِظَارُنَا وَاشتَاقَت قُلُوبُنَا ، وَاشرَأَبَّتِ الأَعنَاقُ وَتَقَلَّبَتِ الأَبصَارُ في الآفَاقِ ، وَلَهَجَتِ الأَلسِنَةُ بِالدُّعَاءِ ، وَلَجَّتِ الحَنَاجِرُ بِالاستِسقَاءِ ، وَهَا نَحنُ اليَومَ قَد خَرَجنَا لِنُعلِنَ ضَعفَنَا ، وَبَرَزنَا لِنُظهِرَ حَاجَتَنَا وَفَقرَنَا ، وَاجتَمَعنَا لِنَستَنزِلَ رَحمَةَ رَبِّنَا ، وَنَحسَبُ أَنَّهُ تَعَالى سَيُجِيبُنَا وَلَن يُخَيِّبَنَا ، وَنَظُنُّ فِيهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ سَيَقبَلُنَا وَلَن يَرُدَّنَا ، وَلَكِنْ ، هَل خُرُوجُنَا هَذَا كَافٍ لِيَتَغَيَّرَ مَا نَحنُ فِيهِ ؟!

إِنَّ الاستِسقَاءَ المُجَرَّدَ قَد لا يَكفِي ، إِن لم تَتَغَيَّرِ الحَالُ وَتَتَبَدَّلْ ، فَتَعُودَ طَاعَاتٌ قَد فُقِدَت ، وَتَستَمِرَّ أَعمَالُ بِرٍّ قَد تَوَقَّفَت ، وَتَتَوَقَّفَ مَعَاصٍ قَدِ ارتُكِبَت ، وَتُجتَنَبَ كَبَائِرُ قَدِ اقتُحِمَت ، وَيُتَابَ مِن ذُنُوبٍ وَسَيِّئَاتٍ ، وَيُرجَعَ عَن جَرَائِمَ وَمُوبِقَاتٍ ، وَتُنكَرَ مُنكَرَاتٌ وَيُتَنَاهَى عَنهَا ، وَتُبذَلَ النَّصِيحَةُ وَتُقبَلَ مِن بَاذِلِهَا ، أَجَلْ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في عِبَادَاتِنَا وَفي مُعَامَلاتِنَا ، وَفي أَخلاقِنَا وَفي سَائِرِ أُمُورِ حَيَاتِنَا ، جَعَلنَا نَلحَظُ شَيئًا مِنَ التَّغَيُّرِ ، وَنَرَى تَرَاجُعًا بَعدَ التَّقَدُّمِ ، تَركٌ لِلصَّلَوَاتِ ، وَهَجرٌ لِلجَمَاعَاتِ ، وَغِشٌّ في المُعَامَلاتِ ، وَكَذِبٌ وَزُورٌ وَاحتِيَالٌ ، وَعُقُوقٌ وَقَطِيعَةُ أَرحَامٍ ، وَتَهَاجُرٌ وَتَصَارُمٌ وَتَدَابُرٌ ، وَنَقضٌ لِلعُهُودِ وَتَضيِيعٌ لِلأَمَانَاتِ ، وَتَهَاوُنٌ بِتَربِيَةِ الأَهلِ وَالأَبنَاءِ وَالبَنَاتِ ، وَتَعَلُّقٌ بِالدُّنيَا وَالمَادِّيَّاتِ ، وَإِغرَاقٌ في المُتَعِ وَالشَّهَوَاتِ ، وَغَفلَةٌ عَنِ المَصِيرِ وَنِسيَانٌ لِلمَوتِ ، أَخذٌ لِلمَالِ وَالمَكَاسِبِ دُونَ تَحَرٍّ لِلحَلالِ ، وَمَنعٌ لِلزَّكَاةِ وَشُحٌ وَبُخلٌ ، جَفَّتِ الأَعيُنُ وَأَقفَرَتِ القُلُوبُ ، وَأُصِرَّ عَلَى المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ ، وَجُوهِرَ بِالمُخَالَفَاتِ وَالعُيُوبِ ، فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ عَلاَّمِ الغُيُوبِ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ؛ إِنَ تَأَخُّرَ الغَيثِ مُنَبِّهٌ لَنَا لِلرُّجُوعِ إِلى اللهِ ، وَعَلامَةٌ عَلَى حَاجَةِ القُلُوبِ إِلى أَن تُغَاثَ بِالإِيمَانِ ، قَبلَ أَن نَطلُبَ اللهَ أَن يُغِيثَ الأَوطَانَ ، قَالَ سُبحَانَهُ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَـكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ " وَالإِيمَانُ لَيسَ مُجَرَّدَ تَصدِيقٍ وَقَنَاعَةٍ ؛ وَلا هُوَ بِالتَّمَنِّي وَلا بِالتَّحَلِّي ، بَل لا بُدَّ فِيهِ مَعَ اليَقِينِ بِمَا عِندَ اللهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالعِقَابِ ، أَن تُصَدِّقَهُ الأَعمَالُ الصَّالِحَةُ وَالاستِقَامَةُ الدَّائِمَةُ ، وَالثَّبَاتُ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ دُونَ خُرُوجٍ عَنهُ بِتَعَمُّدٍ وَإِصرَارٍ ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالى قَد وَعَدَ مَعَ الاستِقَامَةِ بِالسُّقيَا ، فَقَالَ وَهُوَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ : " وَأَنْ لَوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسقَينَاهُم مَاء غَدَقًا " وَلأَنَّنَا خَطَّاؤُونَ مُذنِبُونَ ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِن تَوبَةٍ وَاستِغفَارٍ ، وَبِذَلِكَ يَنزِلُ الغَيثُ المِدرَارُ ، قَالَ سُبحَانَهُ : " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرسِلِ السَّمَاء عَلَيكُم مِدرَارًا " وَقَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ هُودٍ عَلَيهِ السَّلامُ : " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا " وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " كُلُّ ابنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ " وَاجِبٌ عَلَينَا أَيُّهَا المُسلِمُونَ مُعَالَجَةُ مَا فِينَا مِن أَمرَاضِ المَعَاصِي بِدَوَاءِ النَّدَمِ وَالتَّوبَةِ ، وَاجِبٌ عَلَينَا تَفَادِي هَذَا النَّقصِ بِالاستِغفَارِ وَالأَوبَةِ ، وَاجِبٌ عَلَينَا مُحَاسَبَةُ أَنفُسِنَا ثُمَّ الإِنَابَةُ إِلى رَبِّنَا ، وَاجِبٌ عَلَينَا شُكرُ مَا نَحنُ فِيهِ مِن نِعَمٍ لِيَحفَظَهَا اللهُ عَلَينَا وَيَزِيدَنَا مِنهَا ، فَقَد قَالَ سُبحَانَهُ : " أَفَرَأَيتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشرَبُونَ . أَأَنتُم أَنزَلتُمُوهُ مِنَ المُزنِ أَم نَحنُ المُنزِلُونَ . لَو نَشَاءُ جَعَلنَاهُ أُجَاجًا فَلَولا تَشكُرُونَ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ "

إِنَّ خَزَائِنَ اللهِ مَلأَى ، وَنُزُولَ الغَيثِ بِأَمرِهِ قَرِيبٌ ، وَاللهُ تَعَالى يَقُولُ وَقَولُهُ الحَقُّ : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا ِلي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ " وَيَقُولُ سُبحَانَهُ : " أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفَاءَ الأَرضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ " وَيَقُولُ تَعَالى : " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتي سَيَدخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " وَيَقُولُ تَعَالى في الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " يَا عِبَادِي ، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوني فَأَعطَيتُ كُلَّ إِنسَانٍ مِنهُم مَسأَلَتَهُ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ عِندِي إِلاَّ كَمَا يَنقُصُ المِخيَطُ إِذَا دَخَلَ البَحرَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . لَكِنَّ الذُّنُوبَ وَتَغَيُّرَ القُلُوبِ وَالإِصرَارَ عَلَى الذُّنُوبِ ، كُلُّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي حَالَ بَينَ الأَرضِ وَأَهلِهَا وَبَينَ مَا عِندَ اللهِ مِنَ الرِّزقِ " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاشكُرُوهُ ، وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ ، وَاعتَرِفُوا بِنِعَمِهِ وَلا تَكفُرُوهُ ، فَإِنَّ النِّعَمَ إِذَا شُكِرَت قَرَّت وَزَادَت ، وَإِذَا كُفِرَت فَرَّت وَزَالَت ، فَاللهَ اللهَ وَمِن هَذَا المَكَانِ ، لِنَنطَلِقْ وَنَتَبَصَّرْ فِيمَا نَحنُ عَلَيهِ مِن حَالٍ ، فَكُلٌّ مِنَّا أَدرَى بِنَفسِهِ وَأَعلَمُ بِحَالِهِ ، وَلا يَخفَى عَلَيهِ مَا هُوَ مُقِيمٌ عَلَيهِ مِن خَطَأٍ وَمَا هُوَ وَاقِعٌ فِيهِ مِن تَقصِيرِ" بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَو أَلقَى مَعَاذِيرَهُ " نَستَغفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَنَتُوبُ إِلَيهِ . نَستَغفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَنَتُوبُ إِلَيهِ . نَستَغفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَنَتُوبُ إِلَيهِ. اللَّهُمَّ أَنتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، الغَنيُّ وَنَحنُ الفُقَرَاءُ ، أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ ، وَاجعَلْ مَا أَنزَلتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاغًا إِلى حِينٍ . اللَّهُمَّ اسقِنَا ، اللَّهُمَّ اسقِنَا ، اللَّهُمَّ اسقِنَا . اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا . اللَّهُمَّ اسقِنَا غَيثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا ، غَدَقًا مُجَلَّلًا عَامًّا ، طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغَيثَ وَلا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالعِبَادِ وَالبِلادِ وَالبَهَائِمِ وَالخَلقِ مِنَ اللَّأوَاءِ وَالجَهدِ وَالضَّنكِ مَا لا نَشكُوهُ إِلاَّ إِلَيكَ ، اللَّهُمَّ أَنبِتْ لَنَا الزَّرعَ ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرعَ ، وَاسقِنَا مِن بَرَكَاتِ السَّمَاءِ ، وَأَنبِتْ لَنَا مِن بَرَكَاتِ الأَرضِ ، اللَّهُمَّ ارفَعْ عَنَّا الجَهدَ وَالجُوعَ وَالعُريَ ، وَاكشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاءِ مَا لا يَكشِفُهُ غَيرُكَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنتَ غَفَّارًا ، فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا . اللَّهُمَّ اسقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ ، وَانشُرْ رَحمَتَكَ وَأَحيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ . اللَّهُمَّ سُقيَا رَحمَةٍ ، لا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدمٍ وَلا غَرَقٍ . وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ .

عِبَادَ اللهِ : حَوِّلُوا أَلبِسَتَكُم تَفَاؤُلاً بِأَنْ يُغَيِّرَ اللهُ تَعَالَى حَالَنَا فَيُغِيثَنَا غَيثًا مُبَارَكًا ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِن سُنَّةِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَادعُوهُ مُستَقبِلِينَ القِبلَةَ وَأَيقِنُوا بِالإِجَابَةِ ، وَأَكثِرُوا الصَّدَقَةَ وَالِاستِغفَارَ .

المرفقات

1706708366_خطبة استسقاء.docx

1706708367_خطبة استسقاء.pdf

المشاهدات 781 | التعليقات 0