خطبة: استسقاء

محمد ابراهيم السبر
1445/07/19 - 2024/01/31 13:30PM

خطبة: استسقاء

​الحمد لله، مجيب من دعاه، ومن سأله أعطاه ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [النمل: 62] ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه، صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه واتبع هداه بإحسان إلى يوم لقاه.

أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله سبحانه، فهي وصيته للأولين والآخرين من خلقه، وسبب لفتح خزائن​​ رحمته، ولا ينال ما عند الله إلا بتقواه، واتباع رضاه، وفيها الفوز والفلاح، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 100].

أيها المسلمون: إن ربكم جل وعلا بيده ملكوت كل شيء، وهو الغني الحميد، يرزق من يشاء، وينزل الغيث من السماء ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى:28].

وربكم جواد كريم العطاء، يحب أن يلجأ إليه عباده بالدعاء، وصدق الرجاء، فيفتح لندائهم أبواب السماء، ويكشف ضرهم، ويرحمهم، كما قال سبحانه: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56]، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60].

وإن الله لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، فاستقيموا على أمر ربكم فذلك من أسباب نزول الغيث وسعة الأرزاق، قال تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16].

وكثرة التوبة والاستغفار، باب لتنزل الرحمات: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل: 46]. وقد حث الأنبياء عليهم السلام أقوامهم على الاستغفار، وبينوا حميد عاقبته، وحسن ثمرته، قال سبحانه حاكياً عن هود عليه السلام: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52]. وقال سبحانه حاكياً عن نوح عليه السلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12].

وإنكم قد شكوتم جدب الديار، وانحباس القطر عن البلاد، وتأخر نزوله عن الحرث والزروع والثمار، وإن الله تعالى ما ابتلاكم بذلك إلا لتقبلوا عليه، وتلتجئوا إليه، فابتهلوا إليه ضارعين مخبتين، وألحوا في الدعاء؛ فإن الله يحب الملحين، كما قال سبحانه: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].

الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرّحمن الرحيم، مالكِ يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثًا مغيثاً، هنيئًا مريئًا، طبقًا مجللًا، سحًا عامًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل.

اللهم تحي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد.

اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق.

اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت.

اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين.

اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.

اللهم اسقنا الغيث، وآمنا من الخوف، ولا تجعلنا من رحمتك آيسين، ولا تهلكنا بالسنين.

اللهم يا من وسعت رحمته كل شيء، ارحم الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع، وارحم الخلائق أجمع، برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله، لقد كان من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قلب الرداء حينما استسقى، واستقبل القبلة، ودعا ربه، فتأسوا به، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، عسى ربكم أن يرحمكم، فيغيث قلوبكم بالرجوع إليه، وبلادكم بإنزال الغيث عليه.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المشاهدات 857 | التعليقات 0