خطبة اربعة أصول شرعية في صلاح الأهل والذرية
عبدالله بن رجا الروقي
خطبة أربعة أصول شرعية في صلاح الأهل والذريّة.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لإإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾
أما بعد:
فإن تربيةَ الأهل والأولاد ورعايتَهم رعايةً شرعيةً أصبحت في زمننا هذا نوعاً من الجهاد لكثرة الفتن وتنوِعها ودخولِها البيوتَ عبر وسائل الإعلام الحديثة، ولهذا فإن على الرجل عبئاً عظيماً في إصلاح أهل بيته ورعايتِهم
لأنه سيُسأل عنهم يوم القيامة ويُحاسب، قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ عَلَيها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعصونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ﴾
فقوله سبحانه: ( قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا ) أي: أدبوهم فأحسنوا تأديبهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأةُ راعيةٌ في بيت زوجها، ومسؤولةٌ عن رعيتها، كلكم راع وكلكم مسؤولٌ عن رعيته».
وهذا يُبين أن الإنسان سيُسأل عن أولاده وزوجاته، وإذا كان الواحدُ منا إذا أُمِر بعمل وقيل له: إنك ستُسأل عنه عند تمامه، اجتهدَ فيه غاية الاجتهاد، وخاف من التقصير، فكيف بحال من كان له أولاد وزوجات، يُسأل عنهم يوم القيامة.
ولهذا فإن هنالك أصولًا من أتى بها فإن البيت سيصلح بإذن الله عز وجل، وهي أربعة أصول عظيمة جاء الشرع بذكرها والتأكيد عليها، لصلاح الأهل والأولاد:
الأصل الأول: هو الدعاء، فإن الدعاء شأنه عظيم، ولهذا قال الخليل عليه السلام: ﴿ رَبِّ اجعَلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي ﴾ فدعا لذريته.
وقال صلى الله عليه وسلم : «ثلاث دعوات مستجاباتٌ لا شك فيهن» وذكر منها دعاءَ الوالدِ لولده.
وقد ذكر الله عز وجل دعاءً في كتابه حَرِيٌ بكل مسلم أن يعتني به غاية العناية، فإن الله إذا استجاب له في ذلك كُتبت له ولأهله السعادةُ في الدنيا والآخرة وهو ماجاء في قوله تعالى : ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ ، ولا يكون الولد ولا الزوجة قُرة عين إلا إذا عافاهم الله في أديانهم وأبدانهم، لأن الإنسان إذا كان ولده مريضًا لم تقر عينه، وإذا كان الولد ليس بصالحٍ في دينه لم تقر عينه؛ فعلينا أن نُكثر من هذا الدعاء فإنه ما جاء في كتاب الله إلا لكي ندعو الله به.
عباد الله:
أكثروا من الدعاء لأولادكم، فهو السبب الأعظم بعد توفيق الله لصلاحهم، ولنحذر من الدعاء عليهم، قال صلى الله عليه وسلم : «لا تدعو على أولادكم، ولا على أنفسكم، ولا على أموالكم، أن توافقوا ساعةً يُسأل الله فيها عطاءً فيستجيب لكم».
وفي قصة جُريجٍ العابدِ الثابتةِ في «الصحيحين» لما جاءته أمه وقالت: يا جريجُ، وكان يُصلي فلم يُجبها، ثم دعته الثانيةَ فلم يُجبها، ثم دعته الثالثةَ فلم يُجبها، قالت: «اللهم لا تُمِتْهُ حتى تُريَه وجوهَ المُومِسات». فرأى وجوهَ المومسات، ابتلاه الله بزانية تعرّضت له، لكن الله سَلَّمه لقوة إيمانه، وخوفه من الله، قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: «ولو دعت عليه أن يُفتن لفُتن».
أي: لو دعت عليه أمه أن يُفتن في دينه لفُتن، فدل الحديث على التحذير من دعاء الوالد على ولده، وأن دعوته مُستجابة.
الأصل الثاني في صلاح الأهل و الأولاد : هو أمرُهم بالتوحيد، ونهيُهم عن الشرك، وذلك أن التوحيد هو السبب الأعظم لدخول الجنة والنجاةِ من النار، وأعظمُ ماتَقَرُّ به عينُ العبد في أهله وأولاده أن يُصلِحَ اللهُ له دينَهم، ولا صلاحَ بدون توحيد.
وفي وصايا لقمان لابنه، وهي وصايا عظيمةٌ في سورة لقمان، حَريٌّ بكل مسلم أن يُراجع تفسيرها، وأن يتدبرها، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ، فهذا لقمان يُحذر ابنه من الشرك بالله، وقد جاء مثل هذا في وصايا الأنبياء فقد أوصوا أولادَهم بذلك، قال الله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ﴾ أي وصّى إبراهيمُ بكلمة التوحيد ﴿بَنِيهِ﴾ وهما: إسماعيل وإسحاق، عليها السلام - نبيّان من الأنبياء الكرام، أعلمُ الخلق بالله، وأعبدُهم لله، ومع ذلك أوصاهم بكلمة التوحيد.
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما وكان غلاماً صغيرا: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» أي: لا تسأل إلا الله، ولا تَستَعِنْ إلا بالله، فيُربي في نفس الصغير التوحيدَ والتوكلَ على الله سبحانه وتعالى.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عفوه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وعليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد:
فالأصل الثالث لصلاح الأهل والأولاد: هو أمرهم بالصلاة، قال تعالى: ﴿ وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عليها ﴾
وقال تعالى عن نبيه إسماعيل - عليه السلام - ﴿وَاذكُر فِي الكِتابِ إِسماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعدِ وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا * وَكانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِندَ رَبِّهِ مَرضِيًّا﴾
وذكر الله من وصايا لقمانَ لابنه قولَه : ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ ﴾ فأمره بإقامة الصلاة.
وقال ﷺ : «مُروا أولادَكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر».
يعني: إذا أتم سبع سنين ودخل في الثامنة فإنه يؤمر بالصلاة، لكن لا يُضرب عليها، وإذا أتم عشر سنوات، ودخل في الحادية عشرة من عمره فإنه يُضرب على ترك الصلاة، وهذا تأديب وتربية له على إقامة الصلاة، لأن الأولاد إذا اعتادوا الصلاةَ صِغاراً حافظوا عليها كبارًا، ويُرجى للوالد الذي يأمر أولاده بالصلاة ويُلزمهم بها أن يُكتب له أجر صلاتهم إلى أن يلقوا الله عز وجل؛ لأنه هو الذي رباهم على هذا، وإذا كان من دعا إلى هُدى كان له من الأجور مثل أجور من تبعه، فكيف بمن أمر وألزم بالهدى، فإنه يُكتب له مثل أجره بإذن الله عز وجل.
أمّا الأصل الرابع من أصول صلاح الأهل والأولاد: فهو تربيةُ مراقبة الله وخشيته في قلوبهم، وأن الله مُطلع عليهم، لأن الولد مهما حَرَصت عليه فإنه سيجد غفلةً منك، فربما وقع في الحرام، فإذا أشعرته باطلاع الله عز وجل عليه، وخوَّفته بالله، وأعلمته أن الله مطلعٌ عليه في كل حال ، فإن هذا سببٌ لصلاحه بإذن الله عز وجل، ولهذا قال لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾.
لطيفٌ في علمه، أحاط بكل شيء، حتى بهذه الخردلة التي ربما تكون في البحار، أو تكون في الصحاري والقِفار، فإن الله يعلمها، ويَطَّلِعُ عليها، ويأتي بها سبحانه وتعالى، فهذا تنبيهٌ للناس جميعًا بعلم الله بجميع أحوالهم ماخفي منها وماظهر.
وقد قال نبينا ﷺ لابن عباس رضي الله عنهما وكان غلاماً صغيرًا: «ياغُلامُ احفظ اللهَ يَحْفَظْكَ احفظ الله تَجِدْهُ تُجاهك». فقوله ﷺ احفظ الله يحفظك تربية لمراقبة الله عزوجل في نفس الصغير حتى ينشأ على ذلك.
هذه أربعةُ أصول من رعاها فإنها كفيلةٌ بإذن الله بصلاح أهله وأولاده.
أسأل الله عز وجل بمنه وفضله وكرمه أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وأن يجعلنا للمتقين إمامًا...