خطبة : ( احذر السيئة فإن لها أخوات )

عبدالله البصري
1441/05/14 - 2020/01/09 17:19PM
احذر السيئة فإن لها أخوات   15 / 5 / 1441
 
 
الخطبة الأولى :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِمَّا يُوجِعُ قَلبَ المُسلِمِ الغُيُورِ ، أَن يَرَى فِيمَن حَولَهُ أُنَاسًا مُقِيمِينَ عَلَى مَعَاصِيَ بِعَينِهَا ، تَمُرُّ بِهِمُ الشُّهُورُ وَالسَّنَوَاتُ وَهُم عَلَيهَا مُصِرُّونَ ، وَتَمضِي أَعمَارُهُم وَهُم عَلَيهَا عَاكِفُونَ ، لا يَنفَكُّونَ عَنهَا ولا يَجِدُّونَ في التَّخَلُّصِ مِنهَا ، بَل قَد صَارُوا بِهَا كَالمُجَاهِرِينَ ، وَالنَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ : " كُلُّ أُمَّتي مُعَافَى إِلاَّ المُجَاهِرُونَ " فَهَذَا لا يَشهَدُ الفَجرَ مَعَ الجَمَاعَةِ سِنِينَ عَدَدًا ، وَذَاكَ لا يَكَادُ يَشهَدُ جُمُعَتَينِ مُتَتَالِيَتَينِ ، وَإن شَهِدَ الصَّلاةَ لم يَحضُرِ الخُطبَةَ ، وَثَالِثٌ مُفَرِّطٌ في حَقِّ وَالِدَيهِ أَو عَاقٌّ لَهُمَا ، وَرَابِعٌ قَاطِعٌ أَرحَامَهُ لا يُسَلِّمُ عَلَيهِم وَلا يَسأَلُ عَنهُم ، وَخَامِسٌ شُغلُهُ النَّمِيمَةُ وَالإِفسَادُ وَتَفرِيقُ القُلُوبِ المُجتَمِعَةِ ، وَهُنَا مَن يُؤذِي جِيرَانَهُ وَزُمَلاءَهُ بِسُوءِ خُلُقِهِ ، وَهُنَاكَ مَن يُنَغِّصُ حَيَاةَ مَن حَولَهُ بِشَكَاوَاهُ وَمُرَافَعَاتِهِ ، وَثَمَّةَ مَن تَعَوَّدَ لِسَانُهُ اللَّعنَ وَالسَّبَّ وَالشَّتمَ ، وَمَن أَخَذَ عَلَى الاستِهزَاءِ وَالسُّخرِيَةِ وَفَاحِشِ الكَلامِ ، وَالْتَفِتْ يَمنَةً تَرَ مُهمِلاً بَيتَهُ مُقَصِّرًا في تَربِيَةِ مَن تَحتَ يَدِهِ ، وَتَأَمَّلْ تَجِدْ مَن هُوَ خَائِنٌ أَمَانَتَهُ مُقَصِّرٌ في وَظِيفَتِهِ ، مُستَوفٍ الأَجرَ غَيرُ مُتقِنٍ لِلعَمَلِ ، وَمَن هُوَ مُرتَشٍ أَو غَاشٌّ ، وَكَم تَرَى مِن مُتَكَبِّرٍ فَخُورٍ مَغرُورٍ ، وَظَلُومٍ جَهُولٍ حَسُودٍ ، وَنَاظِرٍ إِلى العَورَاتِ وَمُستَمِعٍ لِلغِنَاءِ ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِن مَعَاصِيَ أَلِفَهَا أَصحَابُهَا وَاستَسَاغُوهَا وَمَرَدُوا عَلَيهَا ، وَعَادَ أَحَدُهُم يُقَارِفُهَا مِرَارًا وَتَكرَارًا ، دُونَ أَن تَهتَزَّ في جَسَدِهِ شَعرَةٌ أَو يَتَحَرَّكُ لَهُ شُعُورٌ ...
وَيَستَنكِرُ الغُيُورُ حُدُوثَ هَذِهِ المَعَاصِي وَأَمثَالِهَا عَلَى وَجهِ الاستِمرَارِ وَالدَّوَامِ ، مِن أُنَاسٍ يَعرِفُونَ الحَلالَ وَلا يَخفَى عَلَيهِمُ الحَرَامُ ، وَقَد لا يَجهَلُونَ خَطرَ الإِصرَارِ عَلَى المَعَاصِي ، وَيَتَسَاءَلُ بَعدَ ذَلِكَ : مَا الفَرقُ بَينَ هَؤُلاءِ المُستَسهِلِينَ فِعلَ المَعصِيَةِ المُصِرِّينَ عَلَيهَا ، وَبَينَ آخَرِينَ تَفزَعُ قُلُوبُهُم وَتَرتَجِفُ مِن مُجَرَّدِ التَّفكِيرِ فِيهَا ، وَيَخَافُونَ وَيَحزَنُونَ وَيَنكَسِرُونَ لَو فَعَلُوهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ؟! فَيُقَالُ : إِنَّهَا القُلُوبُ الصَّحِيحَةُ المُتَيَقِّظَةُ ، وَالقُلُوبُ المَرِيضَةُ الغَافِلَةُ ، القُلُوبُ المُزهِرَةُ النَّيِّرَةُ ، وَالقُلُوبُ اليَابِسَةُ المُظلِمَةُ ، قُلُوبٌ يَتَعَاهَدُهَا أَصحَابُهَا بِالغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ ، وَأُخرَى جَائِعَةٌ مُتَعَطِّشَةٌ قَد أَنهَكَهَا المَرَضُ وَالدَّاءُ ، أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ القَلبَ يَصِحُّ وَيَمرَضُ ، وَيَستَنِيرُ وَيُظلِمُ ، وَيَستَيقِظُ وَيَغفَلُ ، بَل وَيَحيَا وَيَمُوتُ ، وَمَرَدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلى أَحَدِ أَمرَينِ : استِسهَالِ المَعَاصِي وَالسَّمَاحِ لها بِإِضعَافِ القَلبِ وَإِمَاتَتِهِ ، أَوِ استِنكَارِهَا وَطَردِهَا وَتَعَاهُدِ القَلبِ وَحِمَايَتِهِ مِن أَن تَلِجَ إِلَيهِ أَو تَسكُنَ فِيهِ ، شَاهِدُ ذَلِكَ قَولُهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا ،  فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ ، حَتى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ : عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَادَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ ، وَالآخَرُ أَسوَدَ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - حِينَ يَغفَلُ المَرءُ عَن قَلبِهِ ، وَيَفتَحُهُ لِلشَّهَوَاتِ وَاحِدَةً بَعدَ وَاحِدَةٍ ، وَيَسمَحُ لِلمَعَاصِي أَن تَزُورَهُ مَعصِيَةً بَعدَ أُخرَى ، وَلا يَستَنكِرُ أَن يَطعَنَهُ بِمُنكَرٍ مِنَ القَولِ أَوِ الفِعلِ طَعَنَاتٍ مُتَتَالِيَاتٍ ، فَإِنَّ ذَلِكَ القَلبَ يَمرَضُ وَيَسقَمُ ، وَيَألَفُ المَعَاصِيَ وَيُدمِنُ المُنكَرَاتِ ، كَمَا يَألَفُ الخَمرَ شَارِبُهَا وَيُدمِنُهَا ، فَتَصِيرُ تِلكَ المَعَاصِي جُزءًا مِنهُ أَو كَالجُزءِ مِنهُ ، لا يَستَنكِرُهَا وَلا يَخَافُ مِنهَا ، بَل لا يَعِيشُ إِلاَّ عَلَيهَا ، بَينَمَا يَبقَى القَلبُ الصَّحِيحُ الحَيُّ كَالثَّوبِ النَّظِيفِ ، لا يَكَادُ يَخفَى عَلَى صَاحِبِهِ مَا يَقَعُ عَلَيهِ مِن وَسَخٍ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا يَرتَاحُ حَتى يُزِيلَ ذَلِكَ الوَسَخَ مَهمَا صَغُرَ أَو قَلَّ ، لِيَعُودَ الثَّوبُ نَظِيفًا نَقِيًّا .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يَكَادُ يَسلَمُ مِنَ المَعَاصِي أَحَدٌ مِن بَني آدَمَ ، وَلَكِنَّ العِبرَةَ فِيمَا بَعدَ وُقُوعِ المَعصِيَةِ وَتَلَبُّسِ العَبدِ بِهَا ، فَمَنِ المُوَفَّقُ الَّذِي يُسَارِعُ إِلى الإِقلاعِ عَنهَا وَالتَّوبَةِ مِنهَا وَالنَّدَمِ عَلَى فِعلِهَا ؟ مَنِ الحَيُّ الَّذِي يَخَافُ مِنهَا وَيَخشَى أَن تَكُونَ هِيَ مُهلِكَتَهُ ؟ وَمَنِ المَخذُولُ الَّذِي لا يَهتَمُّ لِذَلِكَ وَلا يَتَحَرَّكُ بِهِ شُعُورُهُ ، فَيَستَصغِرُهَا وَيَحتَقِرُهَا وَيَمضِي وَكَأَنَّه لم يَحدُثْ لَهُ شَيءُ ؟! قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِيَّاكُم وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَومٍ نَزَلُوا بَطنَ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، حَتى حَمَلُوا مَا أَنضَجُوا خُبزَهُم ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتى يُؤخَذْ بها صَاحِبُهَا تُهلِكْهُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ابنُ مَسعُودِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : إنَّ المُؤمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَن يَقَعَ عَلَيهِ ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا...
مَا أَجمَلَهُ بِالمُسلِمِ - أَيُّهَا الإِخوَةُ - أَن يَتَعَاهَدَ نَفسَهُ وَيَكُونَ شَدِيدَ المُحَاسَبَةِ لها ، سَرِيعَ الرُّجُوعِ إِلى رَبِّهِ ، سَرِيعَ الأَوبَةِ مِن ذَنبِهِ ، سَرِيعَ الإِقلاعِ عَنِ المَعصِيَةِ ، مُسَابِقًا إِلى التَّوبَةِ مِنهَا ، كُلَّمَا فَعَلَ ذَنبًا أَتبَعَهُ بِعَمَلٍ صَالِحٍ دُونَ تَرَدُّدٍ وَلا تَلَكُّؤٍ وَلا تَأَخُّرٍ ، وَكُلَّمَا زَلَّت بِهِ قَدَمٌ عَادَ وَنَدِمَ ، وَأَتبَعَ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ مُبَاشَرَةً لَعَلَّهَا تَمحُوهَا وَتُزِيلُ أَثَرَهَا السَّيِّئَ وَتُطَهِّرُ القَلبَ مِنهَا ، وَقَد أَمَرَ بِهَذَا العِلاجِ النَّاجِعِ طَبِيبُ القُلُوبِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – فَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " مَن حَلَفَ فَقَالَ في حَلِفِهِ : بِاللاَّتِ وَالعُزَّى ، فَلْيَقُلْ : لا إلَهَ إلاَّ اللهُ ، وَمَن قَالَ لِصَاحِبهِ : تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ " هَل وَعَيتُم هَذَا العِلاجَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ؟! إِنَّهُ المُبَادَرَةُ بِالطَّاعَةِ بَعدَ المَعصِيَةِ ، وَالتَّعَجُّلُ بِتَصحِيحِ الخَطَأِ بَعدَ وُقُوعِهِ ، وَالمُسَارَعَةُ بِإِرغَامِ الشَّيطَانِ بِفِعلِ الخَيرِ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّحمَانُ ، فَمَا أَحرَانَا أَن نَأخُذَ بِهَذَا العِلاجِ النَّاجِعِ في حَيَاتِنَا كُلِّهَا ، فَنُبَادِرَ إِلى مَا يُرضِي اللهَ بَعدَ الوُقُوعِ فِيمَا يُسخِطُهَ ، وَنُسَارِعَ بِالعَودَةِ إِلى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ إِن نَسِينَا أَو غَفَلنَا فَمِلْنَا عَنهُ أَو جَانَبنَاهُ ، فَبِذَلِكَ تَبقَى قُلُوبُنَا حَيَّةً فَتُحِبُّ الطَّاعَةَ وَتَألَفُهَا ، وَتَكرَهُ المَعصِيَةَ وَتُنكِرُهَا ، وَبِذَلِكَ نَكُونُ مِنَ المُتَّقِينَ المَهدِيِّينَ المَرحُومِينَ ، المُثَبَّتِينَ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، المُيَسَّرِ لَهُم فِعلُ الخَيرِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ – في وَصفِ المُتَّقِينَ : " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم وَجَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعمَ أَجرُ العَامِلِينَ " وَقَالَ - تَعَالى - : " وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشدَّ تَثبِيتًا . وَإِذًا لآتَينَاهُم مِن لَدُنَّا أَجرًا عَظِيمًا وَلَهَدَينَاهُم صِرَاطًا مُستَقِيمًا " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى . وَكَذَّبَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهتَدَوا هُدًى وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيرٌ مَرَدًّا " وَقَالَ - تَعَالى - : " إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدًى " اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنتَ خَيرُ مَن زَكَّاهَا ، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَولاهَا ، اللَّهُمَّ اهدِنَا لأَحسَنِ الأَعمَالِ لا يَهدِي لأَحسَنِهَا إِلاَّ أَنتَ ، وَاصرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لا يَصرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنتَ ...
 
 
الخطبة الثانية :
 
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاذكُرُوهُ وَلا تَنسَوهُ ، وَتَعَاهَدُوا أَنفُسَكُم بِفِعلِ الحَسَنَةِ بَعدَ الحَسَنَةِ ، وَاحذَرُوا الإِصرَارَ عَلَى المَعصِيَةِ مَهمَا صَغُرَت ، وَلْيَعلَمْ مَن وَجَدَ مِن نَفسِهِ حُبًّا لِفِعلِ الحَسَنَاتِ وَخِفَّةً إِلَيهَا ، وَوَجَدَ في قَلبِهِ حُرقَةً لِفَوتِهَا ، أَنَّ ذَلِكَ مِن تَوفِيقِ اللهِ لَهُ وَإِثَابَتِهِ إِيَّاهُ عَلَى الحَسَنَةِ بِتَيسِيرِ الحَسَنَةِ بَعدَهَا ، وَمَن وَجَدَ مِن نَفسِهِ تَسَاهُلاً بِفِعلِ المَعصِيَةِ وَعَدَمِ حُزنٍ عَلَى تَكرَارِ فِعلِهَا ، فَلْيَعلَمْ أَنَّ ذَلِكَ مِن خِذلانِ اللهِ لَهُ وَعِقَابِهِ عَلَى مَا سَبَقَهَا مِن مَعَاصٍ اقتَرَفَهَا وَلم يَصدُقْ في التَّوبَةِ مِنهَا ، وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ كَثِيرةٌ ، مِنهَا مَا تَقَدَّمَ في الخُطبَةِ الأُولى ، وَمِنهَا أَيضًا قَولُهُ – تَعَالى - : " وَنُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وَأَبصَارَهُم كَمَا لم يُؤمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُم في طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا " وَفي الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : قَالَ " عَلَيكُم بِالصِّدقِ ؛ فَإِنَّ الصِّدقَ يَهدِي إِلى البِرِّ ، وَإِنَّ البِرَّ يَهدِي إِلى الجنَّة ، وَلا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدقَ حَتَّى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقًا ، وَإِيَّاكُم وَالكَذِبَ فَإِنَّ الكَذِبَ يَهدِي إِلى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلى النَّارِ ، وَلا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذَّابًا " فَالتَّوبَةَ التَّوبَةَ ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ مَرَضٌ وَدَاءٌ ، وَإِنَّ الاستِغفَارَ دَوَاءٌ ، وَإِنَّ التَّوبَةَ النَّصُوحَ هِيَ الشِّفَاءُ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : "إِنَّ اللهَ يَبسُطُ يَدَهُ بِاللَّيلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ حَتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِهَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
المرفقات

السيئة-فإن-لها-أخوات

السيئة-فإن-لها-أخوات

السيئة-فإن-لها-أخوات-2

السيئة-فإن-لها-أخوات-2

المشاهدات 2738 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا